• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : مواضيع مشتركة ومتفرقة .
              • القسم الفرعي : تفسيري .
                    • الموضوع : الآية 134 في سورة البقرة:( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت...) لا تدل على سقوط وجوب فريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن قائمة التشريع .

الآية 134 في سورة البقرة:( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت...) لا تدل على سقوط وجوب فريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن قائمة التشريع

الإسم: ***** 

النص: 
بسم الله الرحمان الرحيم
 
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم واهلك عدوهم 
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سماحة المرجع الديني الكبير فقيه أهل البيت عليهم السلام العلامة المجاهد محمد جميل حمود العاملي دام ظله الشريف 
 
مولانا إسمح لي بطرح هذا السؤال بين يدي جنابكم دام ظلكم الشريف 
 
إن البعض يعترض على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر أو إبراز الحقائق أو الوقوف بوجه البدع 
 
ويستندون الى بعض الأدلة منها 
 
أولاً قوله تعالى : تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
 
وثانياً هذه المقولة (دع الخلق للخالق) وأن الله من يحاسب وليس نحن 
 
كيف نرد على هؤلاء ؟
 
خادم سماحتك الأحقر أبو فاطمة
 
 
الموضوع الفقهي التفسيري: الآية 134 في سورة البقرة:( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت...) لا تدل على سقوط وجوب فريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن قائمة التشريع / الآية الكريمة من المتشابهات التي يجب الرجوع في معرفتها إلى المحكمات/ لدينا ثلاثة وجوه في تفسير الآية .
بسمه تعالى
 
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
     إن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الوظائف الشرعية التي أكد عليها الكتاب الكريم وأحاديث النبي وأهل بيته الأنوار المطهرين سلام الله عليهم أجمعين، ومن يقرأ القرآن ويطالع الأحاديث يرى أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنهما مقدمان على كل شيء بعد الولاية والفرائض الخمس، وبهما يُعرف المؤمن المجاهد ويميَّز عن غيره من الخاملين، وقد فضّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً، وأن التارك لهاتين الفريضتين له عذاب أليم عند الله تعالى، من هنا قام الإجماع القطعي بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب كفائي، يجب على ثلة من المؤمنين القيام به وإلا استحقوا جميعاً العذاب في البرزخ ويوم القيامة لهم عذاب أشد وأعظم والعياذ بالله تعالى من عذابه وانتقامه...ولم يفتِ أحد من فقهاء الامامية بل حتى عالم من علماء العامة العمياء بسقوط فريضتي الجهاد النفسي ـــ أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ــــ فالعجب من الدعوى التي سمعناها في سؤالكم وإن كنا قد وصلنا شيء منها إبان حياة محمد حسين فضل الله حيث اعتمد على الآية المذكورة في الدفاع عن أعمدة السقيفة الذين ظلموا أمير المؤمنين وزوجته الطاهرة الزكية مولاتنا الزهراء البتول سلام الله عليهما، فحاول هذا الناصبيّ  تبرأتهم من جرائرهم وبدعهم وإنكارهم للضرورات القطعية التي نزل بها القرآن الكريم على قلب الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وآله متمسكاً بالآية الكريمة وقد خلف وراءه خلف ضال مثله فساروا على خطاه في الضلال والكفر بالولاية والبراءة فها هو ياسر عودة وطالب وولداه أكبر شاهد على ما نقول ....!
  والحاصل: إن مقتضى العمومات والإطلاقات القرآنية والنبوية والوَلَوِيَّة التي لا تقيدها الظروف والأزمنة أبداً ــ إلا في حالة التقية الشديدة ـــ تقضي بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كلِّ زمنٍ ومكان وعصر ومصر من دون استثناء، فهما ساريتان وجاريتان مجرى الليل والنهار...ذلك لأن بإقامة هاتين الفريضتين تقام الشرائع وتحيى القلوب والفرائض والسنن وبهما يُدفع الباطل والأراجيف والفتن والشبهات، وبهما تصان الحدود والدماء والأعراض والأموال ويؤخذ بحق المظلوم من الظالم...
 إن فريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دائمتان إلى يوم القيامة، ودعوى التمسك بالآية الكريمة  وأن الله تعالى هو من يحاسب الخلق وليس الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر....هي دعوى مغلوطة نفثها شياطين الإنس والجن من دعاة الوحدة حتى يسكتوا العلماء المجاهدين من المؤمنين الواقفين على الثغر الذي يلي إبليس وجنوده...حتى يعيثوا في الأرض فساداً من دون أن يقف بوجههم العلماء المجاهدون، لأن الوقوف بوجههم يكشف عوراتهم ويعريهم عن ستار النفاق الذي يتغطون به ويلبسون الحق بالباطل لأجل مآربهم وشهواتهم وظلمهم....
الإيراد على الدعوى المتقدمة
نورد على الدعوى المتقدمة بالوجوه الآتية:
(الوجه الأول)- إن الدعوى المذكورة هي اجتهاد في مقابل النصوص القرآنية والنبوية والوَلَويَّة كما أشرنا سابقاً، وكأن صاحبها يقول:" قال الله وأنا أقول" ، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم( التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ) التوبة 112.
 وقال تعالى( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك  هم المفلحون) آل عمران 104.
وقال تعالى( يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين) آل عمران 114.
  الآيات الشريفة قد وصفت المؤمنين الحقيقيين بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بخلاف غيرهم من المنافقين حيث يرون الشعيرة المذكورة تثير الفتنة وتعيد نبش التاريخ الماضي السحيق لأن الله تعالى ـــ بحسب دعواهم الباطلة ـــ قال( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت...) فالدعوى المتقدمة في مقابل أمر الله تعالى للمؤمنين بفريضتي الجهاد النفسي والخارجي، ومن يقابل حكم الله تعالى برأيه وظنونه وموهوماته ومشتهياته ومشكوكاته لا ريب في أنه كافر بمقتضى قوله تعالى( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) وعلى أقل تقدير يعتبر فاسقاً كما في قوله تعالى( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)، فصاحب الدعوى فاسق بل كافر بما أنزل الله تعالى من فرائض أسقطها صاحب الدعوى من قاموس القرىن الكريم وأحاديث النبي وآله الطيبين الطاهرين عليهم السلام...  
(الوجه الثاني)- إن الآية موضع البحث ليست في مقام بيان رفع العقاب عن الماضين واللاحقين فيما ارتكبوه من جنايات وظلامات ذلك لأن العصاة سيعاقبون على عصيانهم ولن يفلتوا من ذلك أبداً ـــ كما هو واضح في الآيات الكاشفة عن معاقبة العصاة ـــ وما ارتكبه السابقون لا يكون سبباً لمعاقبة اللاحقين إلا إذا ترافق حبُّ اللاحقين لعصيان الماضيين وموافقتهم لهم على فسادهم وعصيانهم وضلالهم وظلمهم، وهو ما دلت عليه الآية الأُخرى 84 من من سورة الإسراء ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً )، فقد ورد في تفسير " على شاكلته " أي على نيته، وورد أيضاً أن من أحب قوماً حشر معهم.
 فالآية ليست في صدد بيان العفو عن السيئات بل هي في صدد بيان أن كلّ امرئٍ مجازاً بأفعاله فلا يسأله الله عن أفعال غيره ولا يجازيه بعقاب على فعل غيره بل كل امرئٍ محاسب على ما يفعله هو نفسه بمقتضى قوله تعالى(ولا تزر وازرة وزر أُخرى) وقوله تعالى(  كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) فكل إنسان مرهون بعمله ولا يعاقب على فعل غيره، كما لا يُثاب مع كونه تاركاً للعمل بحجة أن أباه كان صالحاً...كلا ! بل كا إنسان سيحاسب في الآخرة على ما ارتكبه من سيئات ولكن حسابه يوم القيامة لا يلغي الإنكار عليه في الدنيا، فالوقوف بوجه الظالم لأجل ظلمه واجب عقلاً وشرعاً ولا يجوز التوقف عن ردعه بحجة أن له ما كسب وعليه ما اكتسب... كما لا علاقة للآية بالإعتقادات الباطلة التي يعتقدها المرء تبعاً لمن تقدمه من أعمدة الكفر والضلالة كما ربما يتصور بعض الجهلة كمحمد حسين فضل الله ومن سار على منهاجه وطريقته...لأن القرآن الكرين أكد لنا على وجوب النظر في سيرة الأمم الماضية للإتعاظ بها سلباً أو إيجاباً ولكي نتخذ موقفاً من الباطل ونقف دائماً بجانب الحق والعدل والحقيقة....
   والخلاصة: أن الآية الكريمة تنفي أن يُعاقبَ الأولاد بجرم آبائهم وأن الذنوب التي ارتكبها الآباء أو الماضون لا تكون سبباً لمعاقبة الأبناء أو اللاحقين الصالحين الذين لم يسيروا على خطى الفاسقين والظالمين من الآباء والقادة إلا إذا أحبوهم وعملوا بما أمروا واستنوا بسنتهم ومضوا على منهاجهم، فساعتئذ يكون الأبناء كالآباء في المعصية والحساب والعقاب....
 بما تقدَّم يتضح بطلان ما اعتمده المنحرف صاحب الدعوى....وهي دعوى مخالفة للضرورة الدينية في العقيدة الشيعية التي يحاول البتريون اليوم تمييعها والقضاء عليها واجتثاثها من جذورها... ولكن هيهات ثم هيهات أن ينالوا من عقيدتنا ما دام للإمام المهدي عليه السلام ولاية تخضع لها ذرات هذا الكون يتصرف بها كيفما يشاء بإذن ربّه، وله أولياء يتصرف في قلوبهم بما يشاء من حكمته، فلن يدعهم يتلاعبوا بمصير التشيع فإن له جنوداً إذا شاء شاءوا، ولله الحجة البالغة وإن ربك لهم بالمرصاد....قال الإمام الصادق عليه السلام:" إن لنا مع كلّ وليّ أُذناً سامعة وعيناً ناظرة ولساناً ناطقاً..".
  إن الآية في صدد بيان الرد على بطلان قول المجبرة، من هنا فسرها الشيخ الطوسي رحمه الله بما ذكرنا أعلاه مع شيء من الزيادة :" قوله " ولا تسألون عما كانوا يعملون " معناه انه لا يقال لكم اعملوا كذا وكذا . وعلى جهة المطالبة بما يلزمهم من أجل عملهم . كما لا يقال لهم لم عملتم أنتم كذا وكذا . وإنما يطالب كل انسان بعمله دون عمل غيره كما قال : " ولا تزر وازرة وزر أخرى "  إن الأبناء يؤخذون بذنوب الآباء ويؤخذ الطفل بذنب أبيه ، لان الله تعالى نفى ذلك ومثله قوله : " ولا تزر وازرة وزر أخرى " وقوله : " اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم " . والإشارة بقوله : " تلك أمة " إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ولدهم . يقول الله تعالى لليهود والنصارى : يا معشر اليهود والنصارى دعوا  ذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والمسلمين من أولادهم بغير ما هم أهله ، ولا تنسبوا إليهم الكفر ، واليهودية والنصرانية ، ولا تضيفوها إليهم وإنها أمة قد خلت ولا تسألون أنتم عما كانوا يعملون .
(الوجه الثالث)- الآية المتقدمة من المتشابهات بسبب تشابه معناها وإجمال مغزاها بتعدد وجوه تفسيرها المختلف فيها بين المفسرين.. واختلافهم في معناها لا يستلزم الميل إلى ما ذهب إليه صاحب الشبهة، ولو فرض وجود من فسرها بالمعنى الذي تطرق إليه صاحب الشبهة فإنه شاذ خارج عن الإجماع القطعي الدال على حرمة سقوط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأي وجه من الوجوه ...
  والحاصل: بالرغم من أن الآية ليست نصاً في سقوط فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهي تتعارض مع المحكمات الدالة على عظمة فريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يجوز ـــ والحال هذه ـــ تقديم المتشابه على المحكم، ولا يجوز طرح المحكمات لأجل متشابهٍ ليس نصاً في المطلوب، مع أننا أشرنا في توضيحها وصرفنا معناها الإجمالي إلى المعنى التفصيلي المؤكد للآيات المحكمة الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا تعارض في البين كما ربما يتوهم القارئ للآية الشريفة....فلتذهب رياح المشكك أدراج الرياح والله من ورائه محيط وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين، والسلام.
 
حررها العبد محمد جميل حمود العاملي
بيروت بتاريخ 26 ربيع أول 1436هـ.

  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1104
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 01 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18