• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : الفقه .
              • القسم الفرعي : إستفتاءات وأجوبة .
                    • الموضوع : التختم باليمين من علامات الإيمان .

التختم باليمين من علامات الإيمان

الإسم: ****

النص:

بسم الله الرحمان الرحيم 

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم وأهلك عدوهم 

السلام عليكم ورحمة وبركاته 

بودي أن أعرف رأي العلامة سماحة المرجع الشيخ العاملي دام ظله الشريف في هذه المسألة: 
 
أذا كان المؤمن يتختم باليمين أصلاً وفي حال أراد أن يضع خاتم أخر هل التختم في الشمال (اليسار) محرم أم مكروه ؟
 
 
الموضوع الفقهي: التختم باليمين من علامات الإيمان / التختم باليسار من شعار المخالفين / استعراض الأقوال في مسألة التختم باليسار / الرأي المنتخب عند المشهور/  نظرنا الفقهي في كيفية الجمع بين الأخبار / يحرم التختم باليسار عرضاً في حال استلزم الرفعة للمخالفين والموافقته لهم/ كراهة التختم باليسار بالعنوان الأولي بوجوهٍ متعددة .
بسمه تعالى
 
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
     التختم باليمين من شعار المؤمنين الموالين المخلصين، وقد دل الخبر الصحيح عن مولانا الإمام الحسن العسكري عليه السلام على أنه من علامات الإيمان، وهو المجمع عليه  في الطائفة المحقّة الإمامية الإثني عشرية ، وهو سنِّة متبعة عندنا نحن الإمامية إلا من بعض الشواذ المنحرفين عن ولاية آل محمد سلام الله عليهم أجمعين، ويعتبر من شعار الولاية لأهل البيت سلام الله عليهم، وقد دلت عليه الأخبار التي فاقت التواتر، ولم يختلف على ذلك اثنان من أعلام الإمامية أبداً... ولكن الخلاف في التختم باليسار هل هو مستحب أم جائز أم مكروه أم محرّم..؟؟.
 المشهور شهرة عظيمة  أنه ليس محرَّماً إلا عرضاً كما لو أدَّى التختم بالشمال إلى رفعة المخالفين وتفوقهم علينا بموافقة جماعة من الشيعة لهم وهو الظاهر عندنا فيحرم بهذا العنوان، فتبقى دائرة النزاع الفقهي بين ثلاثة أمور: الاستحباب أو الإباحة أو الكراهة.
 
الرأي المُنْتَخَب:
 
    المشهور بين الأعلام أنه مباحٌ،  وبعضهم قال بالاستحباب، جمعاً بين الأخبار المتعارضة بدوياً بين التختم باليمين والشمال، ولكنه بنظرنا جمع خلاف الصناعة الفقهية والرجالية، فالصحيح عندنا هو كراهة التختم بالشمال، اعتماداً منا على الطائفة الكبيرة من الأخبار الدالة على استحباب التختم باليمين من دون النظر إلى الطائفة الأُخرى الدالة على جواز التختم بالشمال، بل هو مكروه بالعنوان الأَولي بحسب ما ظهر لنا من الأدلة الشرعية، وذلك للوجوه الآتية:
 (الوجه الأول) - ضعف أكثر الأخبار التي دلت على التختم بالشمال من حيث السند والدلالة، بل غاية ما يدل بعضها على جواز التختم باليسار وليس فيها ما يدل على استحبابه، لأن الجواز أو الإباحة الشرعية أعم من المستحب كما هو مقرر في لسان القواعد الأُصوليَّة...فلا تقاوم ــ أي هذه الطائفة الدالة على التختم بالشمال ــ الأخبارَ الأُخرى الآمرة بالتختم باليمين، وهي في غاية الاعتبار من حيث السند والدلالة والكمية العددية الغالبة على الطائفة الأُخرى، فقد تجاوزت الأخبار الآمرة بالتختم باليمين من دون النظر إلى التختم باليسار حدَّ التواتر حسبما أشرنا، ولا وجه لمساواة الطائفة الأخرى المجوزة للتختم باليسار مع الطائفة المناهضة لها أو التي تجاريها وتباريها، بسبب إجمال الأولى وعروض الطوارئ عليها كما سنبيّن في الوجوه اللاحقة.
 (الوجه الثاني) -  على فرض التسليم بصحة أخبار التختم بالشمال... فإن لسانها هو لسان التقية، لا سيَّما ما ورد في صريح بعضها ما يدل على التقية كما في رواية تحف العقول عن إمامنا المعظم الحسن العسكري سلام الله عليه والد إمامنا بقية الله الأعظم الحجة القائم أرواحنا له الفداء  حيث قال لشيعته:" في سنة ستين ومائتين أمرناكم بالتختم في اليمين ونحن بين ظهرانيكم، والآن نأمركم بالتختم في الشمال لغيبتنا عنكم إلى أن يظهر الله أمرنا وأمركم ، فإنه من أدل دليل عليكم في ولايتنا أهل البيت ، فخلعوا خواتيمهم ــ أي شيعته عليه السلام عندما سمعوا منه ذلك ــ من أيمانهم بين يديه ولبسوها في شمائلهم ، وقال لهم : حدثوا بهذا شيعتنا ".
   لقد أشارت الرواية الشريفة المتقدمة إلى أن أمرهم عليهم السلام بدأ بالغيبة في سنة مائتين وستين للهجرة النبوية وهي نهاية حياة الإمام الحسن العسكري عليه السلام وبداية غيبة إمامنا المعظم الحجة القائم سلام الله عليه حيث لا فرج فيها للشيعة إلا بعد ظهور أمره الشريف عند ظهوره المقدس وبسط عدله على المعمورة...مما يعني أن التختم بالشمال ليس من شيمهم ولا من معالم دينهم..! والعجب من بعض الفقهاء المائلين إلى ضم التختم بالشمال مع اليمين ،كيف تغافلوا عن جهة التقية التي كشفت عنها هذه الرواية، فبنوا على استحباب التختم بالشمال مع وضوح رواية تحف العقول في العمل بالتقية من خلال أمر الإمام الحسن العسكري عليه السلام بالتختم بالشمال الذي هو ديدن دين العامة العمياء بالتختم.
  (الوجه الثالث) - عند المقابلة بين الطائفتين الدالتين على التختم باليمين والشمال، لا بدَّ من إعمال الصناعة الفقهية المستقيمة في المجال الرجالي والدرايتي، فيجب تقديم ما يوافق الحكم القطعي الضروري  في فقه آل محمد عليهم السلام، ويطرح ما خالفهم وهو التختم بالشمال لأنه من فقه المخالفين، وحيث إن الثابت في فقههم سلام الله عليهم هو التختم باليمين وهو القدر المتيقن من ظواهر الخطابات الشرعية، وغيره مشكوك، فيطرح المشكوك ويؤخذ بالمقطوع به وهو التختم باليمين .
      ولا بدَّ من مراعاة عنصر التقية التي عاشها أئمتنا الطاهرون سلام الله عليهم وعملوا بحدودها وشروطها  كما هو واضح في بعض الأخبار من أن أئمتنا الطاهرين سلام الله عليهم كانوا يتختمون بشمالهم مع تختمهم باليمين...فعمل الشيعة اليوم بما صدر منهم تقيةً خلاف قانون التقية الأمر بالعمل بما وافق القوم من باب الخوف على النفس في تلك الفترة الزمنية الحالكة والضاغطة على الشيعة، وليس في الحالات الطبيعية كما هو الحال في يومنا الحاضر حيث لا خوف على الشيعة من التختم باليمين...لا سيما مع علمنا بأن أول من ابتدع التختم بالشمال هم بنو أُمية في زمن معاوية لعنه الله تعالى ما دعا أئمة الهدى سلام الله عليهم العمل بالتقية لدفع الضرر عن شيعتهم كما سنبيّن في الوجه الرابع.
  (الوجه الرابع) - الظاهر من خلال التعمق في جذور مسألة التختم بالشمال أن بني أُمية هم أول من ابتدع التختم بالشمال، ويؤيده ما رواه ابن آشوب في كتاب المناقب من عدة كتب أن النبي صلى الله عليه وآله كان يتختم في يمينه وكذلك الحال عند خلفاء الجور الأربعة بعده،  فنقلها معاوية إلى اليسار وأخذ الناس بذلك فبقي كذلك أيام الدولة المروانية، فنقلها السفاح إلى اليمين فبقي إلى أيام هارون العباسي لعنه الله فنقلها إلى اليسار وأخذ الناس بذلك...وثمة سبب آخر دعا لأن تبتدع بدعة التختم بالشمال هو ما اشتهر في التاريخ من أن عمرو بن العاص عند التحكيم سل خاتمه من يده اليمنى وقال : خلعت الخلافة من علي عليه السلام كخلعي خاتمي هذا من يميني وجعلتها في معاوية كما جعلت هذا في يساري... وهو ما دعا معاوية لأن يبتدع التختم بالشمال، ومضت هذه البدعة في الوسط السني وتأثر بهم بعض العلماء الشيعة اغتراراً ببعض الأخبار الموافقة للمخالفين مع أن الوارد عنهم سلام الله عليهم في الأخبار الكثيرة من طرح ما وافق العامة العمياء ووجوب الأخذ بما خالفهم... منها ما جاء في الخبر الصحيح عن الإمام الصادق عليه السلام قال:" ما خالف العامة ففيه الرشاد ". 
  (الوجه الخامس) الظاهر عندنا في تفسير الأخبار الدالة على جواز التختم بالشمال ــ على فرض التسليم بصدورها عنهم ــ هو أن نحملها على أنهم كانوا يتختمون باليسار بسبب شئ ليس فيه شرافة وفضيلة بل مجرد مجاراة للقوم، أو لأجل أنهم عليهم السلام كانوا يحولونها عند الاستنجاء من باب التشريع لشيعتهم في كيفية التعامل مع الخاتم حال الدخول للمرحاض كما جاء في الصحيح عن أبي بصير عن الإمام المعظم الصادق عليه السلام عن جده الإمام الأعظم  أمير المؤمنين صلى الله عليه وأهل بيته الطيبين قال:" قال أمير المؤمنين عليه السّلام « من نقش على خاتمه اسم اللَّه تعالى فليحوله عن اليد التي يستنجي بها في المتوضأ » .
 وخبر أبي بصير صريح في تحويل الخاتم من اليمين إلى الشمال في حال دخل المؤمن المرحاض وفي يده اليمنى خاتم  عليه اسم الله تعالى ناسياً خلعه، فيجب تحويله إلى اليسار، وثمة أخبار لا تجيز إدخال الخاتم المنقوش عليه اسم الله تعالى، فمقتضى الجمع بين الأخبار أن نحمل رواية أبي بصير على النسيان... ونحمل الأخبار المانعة على الحالة الطبيعية، فيكون الجمع بين الأخبار كراهة إدخال الخاتم المنقوش عليه أسماء الله والحجج الطاهرين عليهم السلام  في حال الإختيار....ويؤيده الأخبار المستفيضة منها ما في العيون ، والأمالي للصدوق من خبر الحسين بن خالد ، قال للرضا عليه السلام : الرجل يستنجي وخاتمه في إصبعه ، ونقشه لا إله إلا الله ؟ فقال : أكره ذلك له ، فقال : جعلت فداك أوليس كان رسول الله صلى الله عليه وآله وكل واحد من آبائك : يفعل ذلك وخاتمه في إصبعه ؟ قال : بلى ، ولكن يتختمون في اليد اليمنى ، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم " .
 وخبر الأمالي صريح في أنهم كانوا يتختمون باليمين، كما أنه صريح في كراهة الدخول إلى المرحاض وفي يد الداخل خاتم عليه اسم الله فنهاهم عليه السلام عن ذلك جمعاً بين الأخبار المتعارضة بشأن التعامل مع الخاتم المنقوش عليه اسم الله تعالى، وهو محمول على حالة النسيان حسبما أشرنا سابقاً .
   هذه أهم الوجوه التي ظهرت لدينا من خلال الفقه الإستدلالي بشأن التختم باليسار، وهي وجوه لم يسبقنا إليها أحد بفضل الله وتوفيق الحجج الطاهرين سلام الله عليهم...وبها تتم المعالجة الفقهية التي دلت على كراهة التختم باليسار بالعنوان الأولي وحرمته بالعنوان الثانوي حسبما أشرنا سابقاً....والحمد لله ربّ العالمين، والسلام عليكم.
 
حررها كلبهم الباسط ذراعيه بالوصيد
محمد جميل حمود العاملي
بيروت بتاريخ 4 ربيع الثاني 1436هــ.

 


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1106
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 01 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29