• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : علم الرجال .
              • القسم الفرعي : مواضيع رجاليّة .
                    • الموضوع : هناك مسلكان في علم أصول الفقه حول التوثيقات الخبرية/ مشهور الأصوليين يعتقدون بحجية الخبر الموثوق الصدور .

هناك مسلكان في علم أصول الفقه حول التوثيقات الخبرية/ مشهور الأصوليين يعتقدون بحجية الخبر الموثوق الصدور

الإسم:  *****

النص: 
بسم الله الرحمن الرحيم 
 الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على محمد , وعلى آله الأطيبين الأطهرين , واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين , آمين .
    إلى  جناب العلامة المحقق والفقيه المدقق الشيخ محمد جميل العاملي  سددك الله وحفظك.
 مسئلة 1 :
 هل من الصحيح التعامل مع التوثيق السندي بصورة شديدة - كما هو الحال عند الفقهاء المعاصرين - وإهمال التوثيق المضموني ؟ علما أنه (أن) التثيق(التوثيق) الثاني مقدم على الأول بإعتبار كون الثاني هو المدار في إثبات صحة الصدور قطعا , لا على نحو الإطمئنان في الأول فإن ما يورثه التوثيق السندي هو الإطمئنان بالصدور لا القطع - غالبا - , فإذا وصل إلينا حديث رجال إسناده ثقات ومضمونه مخالف للثوابت أو مخالف لذوق الشريعة لا يأخذ(يؤخذ) به ...... أما إذا جائنا(جاءنا) حديث رجال إسناد(إسناده) ليسو( ليسوا) بثقات أو مجاهيل ومضمونه مطابق لثوابت الشريعة - والمقصود بالثواب(بالثوابت) المعنى الأعم أي ما ثبت صدوره - فلماذا لا يؤخذ به ويصحح ؟ لعله (لعلَّ) بعض الأعلام يقول بالتصحيح لكن على نحو العمل لا يتعامل معه تعامل الصحيح , فما هي نظرتكم لهذه المسئلة(المسألة) ؟
مسئلة 2  :
 إن الفقهاء يأخذون التوثيقات السندية من أصحاب الكتب العشرة أو الثمانية على الخلاف المعروف في عددها بإعتبار كونهم أصحاب خبرة وفن , والكليني وأمثاله من علمائنا على وثاقتهم العالية وخبرويتهم إذا صرحوا بإننا لم نأخذ إلا عن الثقة ألى يكون ذالك توثيق لهم ؟ ما هو رأيكم بهذذه المسئلة ؟
مسئلة 3  :
 ما هو رأيكم بحبر الأمة إبن عباس ؟ وما هو تحليلكم لمواقفه في الجملة ؟
 
 
الموضوع الأصولي الرجالي: هناك مسلكان في علم أصول الفقه حول التوثيقات الخبرية/ مشهور الأصوليين يعتقدون بحجية الخبر الموثوق الصدور/ أدلة المشهور على حجية الخبر الموثوق الصدور/ الفقهاء المتأخرون لا يأخذون بالتوثيقات السندية على نحو التقليد/ هناك شروط معتبرة في الأخذ بتوثيقات المتقدمين/ إفراط بعض الأكابر في الأخذ بعامة توثيقات المتقدمين/ الأدلة على فساد الأخذ بعامة توثيقات المتقدمين/ الأرجح وثاقة ابن عباس/ القرائن الموجبة لوثاقته/ عبد الله بن عباس كان عدواً لعائشة وأبيها وفصيله عمر/ الروايات تكشف عن بغض ابن عباس لأعمدة السقيفة/ الروايات القادحة بابن عباس مصدرها مدرسة السقيفة.
بسمه تعالى
 
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استعراض الأسئلة والإجابة عليها:
    (السؤال الأول): هل من الصحيح التعامل مع التوثيق السندي بصورة شديدة - كما هو الحال عند الفقهاء المعاصرين - وإهمال التوثيق المضموني ؟ علما أن التوثيق الثاني مقدم على الأول باعتبار كون الثاني هو المدار في إثبات صحة الصدور قطعا , لا على نحو الإطمئنان في الأول فإن ما يورثه التوثيق السندي هو الإطمئنان بالصدور لا القطع - غالبا - , فإذا وصل إلينا حديث رجال إسناده ثقات ومضمونه مخالف للثوابت أو مخالف لذوق الشريعة لا يؤخذ به ...... أما إذا جاءنا حديث رجال إسناده ليسوا بثقات أو مجاهيل ومضمونه مطابق لثوابت الشريعة - والمقصود بالثوابت المعنى الأعم أي ما ثبت صدوره - فلماذا لا يؤخذ به ويصحح ؟ لعلَّ بعض الأعلام يقول بالتصحيح لكن على نحو العمل لا يتعامل معه تعامل الصحيح , فما هي نظرتكم لهذه المسألة ؟ .
   الجواب: ثمة مسلكان في علمي أصول الفقه والرجال حول التوثيقات الخبرية:
   (المسلك الأول): القائل بأن المعتبر في قبول الخبر الصادر عن أئمة الهدى والعروة الوثقى من آل محمد (سلام الله عليهم) إنما هو الخبر الثقة الذي لا مغمز فيه والخالي من الطعون والمجاهيل حتى لو كان مضمونه صحيحاً وموافقاً للكتاب والسنّة النبوية والوَلَويَّة، وهو ما عبروا عنه بالخبر الثقة أي أن المناط في حجية الخبر هو أن يكون رجال إسناد الخبر كلهم ثقات وإن لم يكن الخبر بنفسه موثوقاً بصدوره عن المعصوم عليه السلام.
   (المسلك الثاني): القائل بان المعتبر في قبول الخبر الصادر عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام إنما هو الخبر الموثوق الصدور - أي الموثوق بصدوره عن المعصوم عليه السلام – حتى لو كان سند الخبر ضعيفاً نظر جهالة الراوي أو كونه غير موثوقاً به لكن مضمون خبره متوافق مع الكتاب والسنة النبوية والوَلَويَّة .
 وأصحاب المسلك الأول: هم ثلة من أعلام الإمامية المتاخرين ومتأخري المتأخرين كالمجلسي ومن جاء بعده إلى زماننا هذا كالعلامة الخوئي الذي بالغ في توثيق الخبر الثقة والأخذ به بخلاف غيره ممن وافقه على ذلك.
 وأصحاب المسلك الثاني: هم المشهور من أعلام الإمامية المتقدمين والمتأخرين ومتأخري المتأخرين إلى يومنا هذا .
 والتحقيق أن يقال: إن الحقَّ مع المشهور – أي أصحاب المسلك الثاني – وذلك للوجوه الآتية:
  (الوجه الأول): إن أدلة حجية الخبر الثقة المعروفة في علم الأصول – التي من أهمها آية النبأ وهي عمدة دليلهم على الحجية وبقية الأخبار التي اعتمدوها مخدوش بها -  وإن دلت على وجوب التبيّن من المخبر الذي ينقل لنا الخبر إلا أن التبين مشروطٌ بكشف كذبه من صدقه من خلال البحث عن مضمون خبره بالغضّ عما أخبر عنه ورواه لنا، وهو مقتضى دلالة آية النبأ (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) الحجرات / 6.
    الظاهر من الآية هو وجوب التبيّن في نفس الخبر ومضمونه، وليس ثمة قرينة واضحة في الآية تدل على وجوب التبيُّن في نفس المخبر كمخبرٍ بالحمل الذاتي الأولي وإلا لقال: فتبينوا منه – أي من المخبر - ، وحيث لا توجد قرينة معيِّنة، يبقى وجوب التبيُّن منحصراً في مضمون الخبر والواقعة المخبر عنها: هل هي صادقة أو كاذبة؛ والسر في أن التبيّن واجب في المخبر عنه – أي مضمون الخبر - هو الحرص على أن لا  يقع المتلقي للخبر في متاهة الجهل بقذف القوم الذين نقل عنهم المخبر بما لا يتوافق مع الواقع وهو مقتضى قوله تعالى:( أن تصيبوا قوماً بجهالة ) والفرق واضح بين التبينين، فمن قال بوجوب الأخذ بخبر الثقة من دون النظر إلى مضمون الخبر سوف يقع في مخالفة الواقع في حال كانت نتيجة بحثه عن الراوي سليمة وكان بنظره صادقاً، وذلك لأن نتيجته بصدق المخبر حدسية وليست حسية حتى يقال بصحة مضمون ما أخبر عنه، بمعنى أن بحثه حول هوية الراوي إجتهاديٌّ مبنيٌّ على الظن والتخمين حتى لو كان الباحث كالنجاشي الرجالي المعروف، فإن بحثه في الأسانيد ظنيٌّ مبنيٌّ على ما حصل في حدسه، فقد يصيب الواقع في تشخيصه لهوية الرجل وقد يخطئ، فما ظنه بأنه صادق قد يكون كاذباً، وما ظنه كاذباً قد يكون صادقاً، وفي كلا الحالين فإن ظنه بحق الراوي سوف يخرجه بنتيجةٍ معاكسة للواقع وبالتالي فإنه سيؤدي الصورة الأولى إلى الإفتراء على أئمة الهدى عليهم السلام من خلال أخذه بخبر كاذب رواه راوٍ ظن أنه صادق إلا أنه في الواقع كاذب ملفق عليهم (سلام الله عليهم) كما سيؤدي في الصورة الثانية إلى رفض خبره الصادر واقعاً من الأئمة الأطهار عليهم السلام لأن ما ظنه في الراوي من الكذب والتلفيق هو خلاف الواقع باعتبار رفضه للخبر الذي رواه الكاذب وقد كان في الواقع صدوقاً وما رواه لنا كان صادراً واقعاً من الأئمة الأطهار عليهم السلام. 
  (الوجه الثاني): لا توجد أية ملازمة عقلية ونقلية بين وثاقة الراوي وبين أن يكون ما أخبر عنه موثوقاً بصدوره عن المعصوم عليه السلام فقد يكون الراوي ثقةً إلا أن القرائن والأمارات والشواهد تشهد على عدم صحة صدور الخبر من المعصوم عليه السلام، وكم لهذا من شواهد في الأخبار الصحيحة الإسناد إلا أن مضامينها مخالفة للكتاب والسنَّة المطهرة، من هنا يقع التعارض بينها وبين خبرٍ آخر مخالفٍ له، فيلجأ الفقيه إلى المعالجة طبقاً لقواعد التعادل والتراجيح، فيقدِّم الخبر التي تؤيده الشواهد والقرائن؛ وحتى الأعلام القائلين بالخبر الثقة يبادرون إلى البحث عن القرائن المؤيدة للخبر المردد بين الصادق والكاذب، فهم أنفسهم يعملون بالقرائن ما يعني أن اعتمادهم على خبر الثقة مجرد تصور لا يبتني على أسس صحيحة. ومن لم يعمل منهم بالقرائن وقع في تهافت في النتائج الفقهية المستنبطة نظير ما وقع فيه العلامة الخوئي في روايةٍ صحيحة السند تدل على أن تطويق الهلال دلالة على أنه ابن ليلتين، وهو مخالف للأخبار الأخرى المعاكسة له، مع كون التطويق موافق لرأي الفلكيين والمخالفين، وقد نهت أخبارنا عن الأخذ بأقوالهم وإخباراتهم....وهكذا جرى على منواله جلُّ تلامذته وغيرهم ممن يسيرون على منهج القياس والالتحاق بركب المخالفينن نظير الخميني الذي طرخ الأخبار المتواترة التي دلت على ان كلَّ راية قبل ظهور الإمام الصاحب عليه السلام فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله تعالى فرفضها قائلاً:" لو كان عندنا مائة رواية بهذا المضمون ضربنا بها عرض الجدار" وقدَّم ظنونه الشخصية بحمل الأخبار المجملة بدلالتها على وجوب إقامة الحدود في عصر الغيبة.
 وثمة أمور تشهد بعدم وجود ملازمة بين وثاقة الراوي وبين كون الخبر موثوقاً بصدوره من المعصوم عليه السلام، هي التالي:
 (الأمر الأول): القرائن والأمارات المخالفة للخبر الثقة .
 (الأمر الثاني): ان الراوي فرد كبقية الأفراد يشتبه عليه مراد المعصوم عليه السلام فينقل عنه ما يظن أنه مراده وقصد كما لو أنه لم يدوّن ما سمعه عنه مباشرة بل انتظر عودته إلى داره فكتب ما ظن أنه مراده .
 (الأمر الثالث): قد يكون الراوي صحيح النقل إلا أنه لم يميز كلام المعصوم عليه السلام هل هو صادر عن تقية أو لا .
 (الأمر الرابع): الأخذ بالحسبان عنصر الدَّس والتلفيق على المعصوم عليه السلام من جهات أموية وعباسية في عهود الأئمة الطاهرين عليهم السلام، وهذا مما لا يمكن إنكاره في أخبارنا الشريفة حيث تفرغت جهات معادية لأئمتنا الطاهرين عليهم السلام في تركيب الأسانيد الصحيحة على المتون الفاسدة الموافقه للمخالفين، من هنا حذرت الأخبار الشريفة من عرض أخبارهم على كتاب الله تعالى وسنّة نبيه وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام فما وافقهم، فيؤخذ به وما خالفهم فيضرب به عرض الجدار، وقد عرض جملة وافرة منها صاحب الوسائل في باب القضاء فليراجع.
  ولا يزال الدّس ساريَ المفعول إلى يومنا هذا من قبل جهاتٍ بترية في حوزاتنا العلمية تميل إلى المخالفين تؤول الروايات بحسب مدرسة المخالفين كما أنها تبتدع روايات ليست في أخبارنا وقد كشفنا عن بعضها في كتابنا الجديد: (الحقيقة الغراء في تفضيل الصدّيقة الكبرى زينب الحوراء على مريم العذراء عليهما السلام) فصل حول معالم البترية الحديثة، وقد ذكرنا فيه ما لفقه بعض المنتسبين إلى التشيع من أخبار على الإمام الصادق عليه السلام، فليراجع.
 (الوجه الثالث): أخبارنا الشريفة وإن أكدت على الخبر الثقة، ولكن في الوقت نفسه أكّدت أيضاً على أن المعتبر في حجية الخبر المنقول عنهم (سلام الله عليهم) إنما هو الخبر الموثوق الصدور مؤيداً بالقرائن والشواهد من الكتاب والسنة الثابتة بالخبر القطعي والمتواتر، وتأكيد الأخبار على الخبر الموثوق الصدور أعظم من التأكيد على الخبر الثقة، فالخبر الثقة قد يكون موافقاً للكتاب والسنة تارة، وقد يكون مخالفاً لهما تارة أُخرى، بخلاف الخبر الموثوق الصدور فإنه موافقٌ للكتاب والسنة الأخرى دائماً، فالترجيح دائماً له وليس للخبر الثقة؛ فلا يكفي في ناقل الخبر كونه ثقةً فحسب بل لا بدَّ من كون ما ينقله للآخرين موثوقاً به أيضاً، وذلك لما أشرنا في الأمر الرابع من الوجه الثاني، ذلك لأن الأعداء تفرغوا للدس في أخبارهم الشريفة فركّبوا الأسانيد الصحيحة على المتون السقيمة لحرف الشيعة عن منهاج آل الله وليفسدوا عليهم معالم دينهم، فيدسون الأخبار الدخيلة في الأخبار الصحيحة ، فها هو المغيرة بن سعيد كان قد دس في أحاديث الشيعة الكثير من الأحاديث الملفقة، وكان ماهراً في دس الأحاديث وافتعالها على أهل البيت عليهم السلام ، وفي هذا السياق قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام : ( كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب علي أبي ، ويأخذ كتب أصحابه ، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب فيدفعونها إلى المغيرة وكان يدس فيها الكفر والزندقة ويسندها إلى أبي ثم يدفعها إلى أصحابه ثم يأمرهم أن يتلوها في الشيعة فكل ما كان في كتب أبي من الغلو فذاك مما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم . . . ) .
وكذلك ما اشتهر في قصة ابن أبي العوجاء أنّه قال لما أمر بضرب عنقه : « إن تقتلوني فإني قد دسست في كتبكم أربعة آلاف حديث » وهي مذكورةٌ في علم الرجال . 
  ولذا شكى غير واحد من أصحاب الأئمة ( عليهم السلام ) إليهم اختلاف أصحابهم في الحديث المنقول عنهم ، فأجابوهم تارة : بأنهم ( عليهم السلام ) قد ألقوا الاختلاف بينهم تقية حقناً لدمائهم ، كما في روايات التقية ، وروايات أخرى أجابوهم : بأن ذلك من جهة الكذابين ،كما في رواية الفيض بن المختار ، قال : " قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : جعلني الله فداك ، ما هذا الاختلاف الذي بين شيعتكم ؟ قال : وأي الاختلاف يا فيض ؟ فقلت له : إني أجلس في حلقهم بالكوفة وأكاد أشك في اختلافهم في حديثهم ، حتى أرجع إلى المفضل بن عمر ، فيوقفني من ذلك على ما تستريح به نفسي ، فقال ( عليه السلام ) : أجل ، كما ذكرت يا فيض ، إن الناس قد أولعوا بالكذب علينا ، كأن الله افترض عليهم ولا يريد منهم غيره ، إني أحدث أحدهم بحديث ، فلا يخرج من عندي حتى يتأوله على غير تأويله ، وذلك لأنهم لا يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند الله تعالى ، وكل يحب أن يدعي رأساً ".
  وقريب منها : رواية داود بن سرحان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إني لاحدث الرجل الحديث وأنهاه عن الجدال والمراء في دين الله ، وأنهاه عن القياس ، فيخرج من عندي فيأول حديثي على غير تأويله ، إني أمرت قوما أن يتكلموا ونهيت قوما ، فكل يأول لنفسه  يريد المعصية لله ولرسوله ، فلو سمعوا وأطاعوا لأودعتهم ما أودع أبي أصحابه إن أصحاب أبي كانوا زينا أحياءا وأمواتا أعني زرارة ومحمد بن مسلم ومنهم ليث المرادي وبريد العجلي هؤلاء القوامون بالقسط هؤلاء القوامون بالصدق هؤلاء السابقون أولئك المقربون .. .".  وكذا ما ورد في الروضة من الكافي بإسناده عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد عن وهيب بن حفص عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول رحم الله عبداً حببنا إلى الناس ولم يبغضنا إليهم أما والله لو يروون محاسن كلامنا لكانوا به أعز وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشئ ولكن أحدهم يسمع الكلمة فيحط إليها عشراً ". وكذا ما ذكره يونس بن عبد الرحمن : من أنه أخذ أحاديث كثيرة من أصحاب الصادقين ( عليهما السلام ) ، ثم عرضها على أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) ، فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبد الله ، وقال : " إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله ( ع ) لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله ( ع ) ، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن ، فإنا إن تحدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة ، إنا عن الله وعن رسوله نحدث ولا نقول قال فلان وفلان فيتناقض كلامنا ، إن كلام آخرنا مثل كلام أولنا . وكلام أولنا مصداق لكلام آخرنا ، فإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه عليه وقولوا أنت أعلم وما جئت به ، فإن لكلامنا حقيقة وعليه نوراً ، فما لا حقيقة له ولا عليه نور فذلك قول الشيطان " . إلى غير ذلك مما يشهد على ما ذكرنا.
   ويؤيد ما تقدم من الروايات: إن استثناء القميين كثيراً من رجال نوادر الحكمة معروفٌ للنكتة التي أشرنا إليها وهي اختلاط الأحاديث الصحيحة بالفاسدة، والإختلاط إنما يكون في دلالات الأحاديث وليس في أسانيدها فحسب. 
    والخلاصة: لقد ثبت في الأخبار الكثيرة أن المطلوب في الأخذ بالخبر هو القرائن المثبتة لصحة صدوره عن المعصوم عليه السلام، ولقد بلغت حدّ التواتر منها ما جاء في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور قال : وحدثني حسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به ؟ قال : إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلا فالذي جاءكم به أولى به..". إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في الأخذ بكتاب الله والعمل به وهي أكثر من أن تحصى ، بل الظاهر من هذه الأخبار وغيرها أن الخبر بنفسه ليس بحجة ما لم يكن له مؤيد من الكتاب والسنة .
    (السؤال الثاني): إن الفقهاء يأخذون التوثيقات السندية من أصحاب الكتب العشرة أو الثمانية على الخلاف المعروف في عددها بإعتبار كونهم أصحاب خبرة وفن , والكليني وأمثاله من علمائنا على وثاقتهم العالية وخبرويتهم إذا صرحوا بإننا لم نأخذ إلا عن الثقة ألى(ألا) يكون ذالك توثيق (توثيقاً) لهم ؟ ما هو رأيكم بهذه المسئلة ؟ .   
بسمه تعالى
   الجواب: المتأخرون من الفقهاء لا يأخذون بالتوثيقات السندية على نحو التقليد بل إنما يأخذونها بحسب اجتهاداتهم في معرفة الأسانيد، والإجتهاد نوع نظر وحدس وهو حجة عليهم ..بينما الكليني وأمثاله لديهم نمطان من التوثيق: أحدهما حسي والآخر حدسي، فما كان من النوع الأول فإنه حجة قطعية عليهم وعلى غيرهم من العلماء المتأخرين عنهم باعتبار أن توثيقات الكليني والصدوق وأمثالهما ممن عاصر الغيبة الصغرى أو كان قريباً منها مبنيٌّ على الحس لا الحدس والظن، فالتشكيك بتوثيقات المعاصرين للرواة أو كان قريباً من عصرهم يستلزم التشكيك بوثاقة الرجالي المعاصر للرواة، وهو خلاف الأخذ بأخبار الثقات المدلول عليها في أدلة حجية الخبر الواحد الثقة.
   وما كان من النوع الثاني فإنه حجة ظاهرية اجتهادية للرجالي الموثّق القريب من عصر الرواة، وليس حجةً على غيره ممن قاربه أو تباعد عنه، وذلك لعدم البناء على اعتبار الشهادات الاجتهادية الحدسية ما لم توجب علماً أو اطمئناناً .
  وبالجملة: هناك شروط معتبرة في توثيقات المتقدمين، وهي التالي :
  (الشرط الأول): كفاية الوثاقة في الراوي في جواز العمل برواياته بغض النظر عن سلوكيات الراوي، فليس المطلوب التدقيق بشدة تقواه وورعه، فالمهم كونه ثقةً لا يكذب، وذلك لعدم الدليل على اعتبار أمر زائد على الوثاقة في صحة الأخذ بالرواية ..نعم يتأكد الأخذ برواية الثقة فيما لو تحققت فيه الصفات المسلكية التقوائية. 
 (الشرط الثاني): أن يكون الموثق نفسه متصفاً بالوثاقة، وذلك لأن أرباب الكتب الرجالية الأربعة والذين يدور عليهم مدار الأخذ بالتوثيق والتضعيف من أجلاء الأصحاب وأعظمهم قدراً وأرفعهم شأناً، إلا ما ثبت مخالفته للقرائن فلا يصح الإعتماد عليه؛  نعم لم يثبت لدينا توثيقات ابن الغضائري لأن تضعيفه توثيق، وتوثيقه تضعيف لاضطرابه في التراجم، هذا بناءاً على كون كتابه له وإلا فلا يصح الإعتماد على سائر التضعيفات الواردة في كتابه لأنها فرع صحته ومعرفة صاحبه، ولكنَّ الأقوى عندنا أن الكتاب له كما فصّلنا ذلك في ترجمة كتاب (الخلافة ) للمحدث الصحابي الجليل سليم بن قيس في كتابنا (أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد ) .
 (الشرط الثالث): أن تكون شهادة الموثق ناشئة عن حس ومعرفة بالموثق لعدم البناء على اعتبار الشهادات الاجتهادية الحدسية ما لم توجب علماً أو اطمئناناً .
  وقد أفرط بعض الأكابر في الأخذ بعامة توثيقات القدماء، وذلك لأن شهادة أولئك الأجلة عن معرفة وحس، وذلك لعدة أمور:
الأول - قرب بعضهم للرواة مباشرة وبلا واسطة .
الثاني - كثرة التصنيفات الرجالية من قبل أصحابنا الإماميين في ذلك العصر بحيث يمكن الاعتماد على ما ورد فيها مع فرضها بهذه الكثرة الكاثرة التي تربو على المئة مصنف .
الثالث - إن كون اجتهاد المجتهد ليس حُجَّةً في حق غيره مما لا يكاد يخفى على هؤلاء الأعلام، فلو كانت شهاداتهم مبنية على إعمال النظر والحدس فقط لكان ينبغي الإشارة إليه مجملاً أو مفصلاً ، وأما عدم الإشارة لذلك فهو مما لا يترقب وقوعه منهم .
الرابع - انه لو فرض الشك في حدسية هذه التوثيقات فلا يزيد ذلك مع تسليم الوجوه الثلاثة السابقة على الاحتمال .
 وفيه من الخدشة ما لا يخفى: 
   أمَّا الأول: قرب بعضهم للرواة لا يستلزم قرب البقية الباقية من الموثقين، بل إن القريبين من الرواة محصورين في عهود الأئمة الأواخر: الهادي والعسكري والمهدي عليهم السلام، فأغلب الموثقين كالكليني والصدوق وابن الغضائري ثم المفيد والطوسي...بعيدون عن الرواة بفاصلة زمنية معتد بها، فكيف يمكن القول بأنهم لا يروون إلا عن حسٍّ ومعرفة بعامة الموثّقين..؟! نعم يمكن دعوى صحة توثيق ما وثقه الكليني والصدوق ووالده للرواة المعاصرين لهم لقربهم من عهد الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام...وأمَّا رواة ما قبلهما من الأئمة الطاهرين عليهم السلام فلا يمكن الركون إلى دعوى أن توثيقاتهم كانت عن حس ومعرفة بل من المقطوع به أنها كانت حدسية وظنية، فقد يصيبون بها وقد يخطؤون. 
  وأمَّا الثاني: يمكن دعوى صحة ما رواه أصحابنا في مصنفاتهم الكثيرة بحيث يمكن الإعتماد عليها لتواترها إلا أن جملة وافرة من الرواة لم يكونوا معروفين في تلك المصنفات، وبالتالي كيف يمكن الإعتماد على ما لم يكن موجوداً في مصنفات أولئك الأصحاب...؟!.
  وأمَّا الثالث: عدم وجود إشارات من الأعلام على أن شهاداتهم كانت عن حدس غير معلومة، بل القدر المتيقن هو القول بأن توثيقاتهم كانت عن حدس حتى يأتينا قاطع البرهان على أن شهاداتهم كانت بابعة عن حسٍّ ومعرفة.
 وأمَّا الرابع: إننا نقلب الشك المزعوم إلى الشك في التوثيقات عن حسّ ومعرفة، فالأصل كونها عن حدس كما أشرنا في الرد الثالث.
  وبالجملة: إن الاعتماد على توثيقات المتقدمين مبنية على الإطمئنان النوعي بصحة توثيقاتهم وإلا فلا عبرة بها لدخولها في باب الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً ، والحمد لله ربّ العالمين وهو حسبنا ونعم الوكيل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
   (السؤال الثالث): ما هو رأيكم بحبر الأمة إبن عباس ؟ وما هو تحليلكم لمواقفه في الجملة ؟
   بسمه تعالى 
    الجواب: عبد الله بن عباس من أصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وأصحاب أمير المؤمنين عليّ (صلَّى الله عليه وآله) وهو مختلف فيه بين الأعلام من الرجاليين، وسبب الاختلاف هو تعارض الأخبار الواردة في شأنه، وكلا الطائفتين المتعارضتين ضعيفة الأسانيد، والمشهور قالوا بوثاقته، وبعضٌ آخر قالوا بضعفه، منهم ابن الغضائري اعتماداً على روايات تقدح فيه، وحتى الذين وثقوه إنَّما فعلوا ذلك إعتماداً على روايات ضعيفة، لكنّها مترجحة على الروايات القادحة، وثمة قرائن متعددة ترجِّح وثاقة ابن عباس:
  (القرينة الأولى):عمل المشهور بالروايات المادحه له، وعمل المشهور بها يقوِّي من ضعف أسانيدها،إذ إن عمل المشهور بالأخبار الضعيفة سنداً جابرٌ لضعفها، ويكون عملهم بها طريقاً لتصحيحها باعتبار أن عملهم بالأخبار الضعيفة يعتبر توثيقاً نوعياً لها تماماً كالتوثيق الحاصل في الخبر الواحد الثقة الذي دلت على وجوب العمل به آية النبأ والأخبار الدالة على حجية أخبار الثقات.
  (القرينة الثانية): إن الروايات المادحة كثيرة في مقابل الروايات القادحة، وقد ذكر جملةً منها الكشي في كتابه:(إختيار معرفة الرجال) حيث أحصى منها خمسَ روايات وبعض طرقها من العامة والبعض الآخر من طرقنا، وكلها ضعيفة، وقد أعرض عنها المشهور، وإعراضهم يزيد في ضعفها؛ بينما المحدّث الشيخ عباس القمي رحمه الله ذكر في كتابه (سفينة البحار: باب العين بعده الباء) جملةً وافرة من الروايات المادحة لابن عباس تجاوزت التواتر، وقد أجاد السيّد الخوئي حينما قال:" ونحن وإن لم نظفر برواية صحيحة مادحة وجميع ما رأيناه من الروايات في إسنادها ضعف إلا أن استفاضتها أغنتنا عن النظر في إسنادها، فمن المطمئن به صدور بعض هذه الروايات عن المعصومين إجمالاً..".
  (القرينة الثالثة): إن روايات القدح بابن عباس – لا سيَّما رواية سفيان بن سعيد عن الزهري ورواية معلى بن هلال عن الشعبي اللتين تنسبان لابن عباس سرقته لأموال البصرة – ملفقة باعتبارها مروية من طرق العامة، ولا خير في طرقهم، وسبب التلفيق على ابن عباس هو ولاؤه لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، فقد كان هذا الولاء سبباً في وضع الأخبار الكاذبة وتوجيه التهم والطعون عليه، ويشهد لهذا أن معاوية (لعنه الله تعالى) كان يلعن ابن عباس في الصلاة مع لعنه لأمير المؤمنين عليّ وولديه الإمامين الحسنين عليهم السلام ومعهم قيس بن عبادة ومالك الأشتر..وظاهر رواية الزهري والشعبي أن ابن عباس عادى أمير المؤمنين عليه السلام في آخر حياته بسبب كثرة تقريع أمير المؤمنين عليه السلام له، في حين أن عماه كان بسبب كثرة بكائه على أمير المؤمنين عليه السلام بحسب رواية المجلسي في البحار ج 89 ص 105 نقلاً عن السيّد ابن طاووس حيث نقل عن الكلبي عن ابن عياش قال :" وذهب بصر ابن عباس من كثرة بكائه على عليّ بن أبي طالب عليه السلام ".
    ومما يشهد لولائه لأهل البيت عليهم السلام – وقد كان هذا الولاء سبباً لتلفيق الأخبار عليه - ما صدر منه بحقِّ عائشة وأبيها وفصيله عمر، فقد روى الكشي روايتين تكشفان عن بغض ابن عباس لهؤلاء الثلاثة، وهما التالي:
 (الرواية الأولى): حمدويه وإبراهيم ، قالا حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى عن عاصم بن حميد ، عن سلام بن سعيد ، عن عبد الله بن عبد يا ليل رجل من أهل الطائف ، قال أتينا ابن عباس ( رحمة الله عليهما ) نعوده في مرضه الذي مات فيه قال ، فأغمي عليه في البيت فاخرج إلى صحن الدار ، قال ، فأفاق فقال : ان خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله قال : اني سأهجر هجرتين وأني سأخرج من هجرتي : فهاجرت هجرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهجرة مع علي عليه السلام ، وأني سأعمى : فعميت ، وأني سأغرق : فأصابني حكة فطرحني أهلي في البحر فغفلوا عني فغرفت ثم استخرجوني بعد وأمرني أن أبرأ من خمسة : من الناكثين وهم أصحاب الجمل ، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام ، ومن الخوارج وهم أهل النهروان ، ومن القدرية وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم فقالوا لاقدر ، ومن المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم فقالوا الله أعلم قال ثم قال : اللهم إني أحيني على ما حيى عليه علي بن أبي طالب وأمتني على ما مات عليه علي بن أبي طالب ، قال : ثم مات فغسل وكفن ثم صلى على سريره ، قال : فجاء طائران أبيضان فدخلا في كفنه فرأى الناس ، انما هو فقهه فدفن .
 (الرواية الثانية): جعفر بن معروف ، قال حدثني الحسين بن علي بن النعمان ، عن أبيه ، عن معاذ بن مطر ، قال سمعت إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، قال حدثني بعض أشياخي ، قال : لما هزم علي بن أبي طالب عليه السلام أصحاب الجمل ، بعث أمير المؤمنين عليه السلام عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بتعجيل الرحيل وقلة العرجة .قال ابن عباس : فأتيتها وهي في قصر بني خلف في جانب البصرة قال : فطلبت الإذن عليها ، فلم تأذن ، فدخلت عليها من غير إذنها ، فإذا بيت قفار لم يعد لي فيه مجلس فإذا هي من وراء سترين . قال : فضربت ببصري فإذا في جانب البيت رحل عليه طنفسة ، قال : فمددت الطنفسة فجلست عليها ، فقالت من وراء الستر : يا ابن عباس أخطأت السنة دخلت بيتنا بغير اذننا ، وجلست على متاعنا بغير اذننا ، فقال لها ابن عباس: نحن أولى بالسنة منك ونحن علمناك السنة ، وانما بيتك الذي خفك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله فخرجت منه ظالمة لنفسك غاشية لدينك عاتية على ربك عاصية لرسول الله صلى الله عليه وآله فإذا رجعت إلى بيتك لم ندخله الا باذنك ولم نجلس على متاعك الا بأمرك ، ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بعث إليك يأمرك بالرحيل إلى المدينة وقلة العرجة . فقالت : رحم الله أمير المؤمنين ذلك عمر بن الخطاب ، فقال ابن عباس : هذا والله أمير المؤمنين وان تزبدت فيه وجوه ورغمت فيه معاطس ، أما والله لهو أمير المؤمنين ، وأمس برسول الله رحما ، وأقرب قرابة ، وأقدم سبقا ، وأكثر علما ، وأعلى منارا ، وأكثر آثارا من أبيك ومن عمر ، فقالت : أبيت ذلك . فقال : اما والله إن كان آباؤك فيه لقصير المدة عظيم التبعة ظاهر الشؤم بين النكل ، وما كان آباؤك فيه الا حلب شاة حتى صرت لا تأمرين ولا تنهين ولا ترفعين ولا تضعين ، وما كان مثلك الا كمثل ابن الحضرمي بن نجمان أخي بني أسد ، حيث يقول : ما زال اهداء القصائد بيننا * شتم الصديق وكثرة الألقاب حتى تركتهم كأن قلوبهم * في كل مجمعة طنين ذباب قال : فأراقت دمعتها ، وأبدت عويلها ، وتبدى نشيجها ، ثم قالت : أخرج والله عنكم فما في الأرض بلد أبغض إلى من بلد تكونون فيه ، فقال ابن عباس رحمة الله :فوالله ماذا بلاءنا عندك ولا بضيعتنا إليك ، انا جعلناك للمؤمنين أما وأنت بنت أم رومان ، وجعلنا أباك صديقا وهو ابن أبي قحافة . فقالت : يا ابن عباس تمنون عليَّ برسول الله،  فقال : ولم نمن عليك بمن لو كان منك قلامة منه مننتنا به ، ونحن لحمه ودمه ومنه واليه ، وما أنت الا حشية من تسع حشايا خلفهن بعده لست بأبيضهن لونا ، ولا بأحسنهن وجها ، ولا بأرشحهن عرقا ، ولا بأنضرهن ورقا ، ولا بأطرأهن أصلا ، فصرت تأمرين فتطاعين ، وتدعين فتجابين ، وما مثلك الا كما قال أخو بني فهر:
مننت على قومي فأبدوا عداوة        فقلت لهم كفوا العداوة والشكرا
ففيه رضا من مثلكم لصديقه          وأحج بكم أن تجمعوا البغي والكفرا
قال : ثم نهضت وأتيت أمير المؤمنين عليه السلام فأخبرته بمقالتها وما رددت عليها ، فقال : أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك . انتهى.
 وله موقف مشرّف ضد عائشة لما تصرفت بحجرة النبي صلى الله عليه وآله فمنعت من دفن إمامنا المعظم الحسن المجتبى عليه السلام فرد عليها ابن عباس بقوله لها:
تجملت ، تبغلت، ولو عشت تفيلت         لك التسع من الثمن وبالكل تصرفت
    بعد هذا كلّه: لا يمكننا لأكثر من سببٍ، الأخذ بروايات الذم التي لا تنهض دليلاً على فسقه وعدم وثاقته، بل التحقيق أن يقال :بأن الرجل كان من الموالين لأهل البيت عليهم السلام والمدافعين عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وإن كان التاريخ ساكت عن نصرته يوم الهجوم على دار سيدة النساء عليها السلام مع أنه كان موجوداً لمَّا طلب النبيُّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) الدواة والقرطاس ليكتب لهم كتاباً يوصيهم فيه بأمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام، وقد روى عبد الله بن عباس روايات مهمة جداً بشأن تخلف القوم عن إحضار ما طلبه منهم رسول الله، وقد رواها البخاري في باب الوصية وباب الحوض.. ولعلَّ عدم تواجده مع الثلاثة على أشهر الروايات: ( سلمان/ أبو ذر / المقداد) الذين جندوا أنفسهم لنصرة أمير المؤمنين والصدِّيقة الكبرى الزهراء فاطمة عليهما السلام، يرجع إلى خوفه وجبنه يومذاك، كغيره ممن جبنوا عن المواجهة، لا سيّما أنه كان صبياً يوم الإعتداء على سيّدة نساء العالمين عليها السلام يتراوح عمره بين الثلاث عشرة سنة والخمس عشرة سنة، ومثل هذا العمر لا يؤهل صاحبه لاتخاذ قرار مصيري يطال حياته، مع الأخذ بنظر الاعتبار تقاعس عن نصرة وليّ الله أمير المؤمنين وزوجته الطاهرة الزكيّة سيِّدة نساءالعالمين عليهما السلام أكابر الشيعة، منهم أبوه العباس بن عبد المطلب...!، وعلى فرض توفره على مقومات النصرة من الرشد وقوة الجنان لكنه جبن وضعف أمام تيار السقيفة وبطشهم، فإن تقاعسه حينئذٍ عمداً عن نصرة مولاتنا الصدّيقة الكبرى عليها السلام يعتبر ارتداداً عن النصرة وعدم الوفاء بالعهد كما دلت الأخبار على أن الناس ارتدوا كلهم إلا أربعة، ولكن  يظهر أنه كفّر عن خطيئته بمواقفه الأخرى التي سطع بها يوم الجمل ورده على عمر بن الخطاب في عدة مواقف مشهودة .
   والقدر المتيقن من حاله أنه كان موالياً في مواقفه مع أمير المؤمنين عليه السلام ثم نشك بعدم ولائه بسبب تلكم الأخبار الضعيفة التي لا يبعد أن تكون من تلفيق بني أمية على الأئمة الطاهرين عليهم السلام لكرههم لابن عباس لا سيما معاوية لعنه الله ، وهي أخبار لا توجب إطمئناناً يزيل يقيننا السابق بصحة ولائه لأمير المؤمنين عليه السلام وأولاده الطاهرين عليهم السلام، فنستصحب ولاءَه حتى يأتينا ما يوجب الركون إليه...والله العالم بعواقب الأمور وهو حسبنا ونعم الوكيل.
 
حررها عبد الحجج الطاهرين عليهم السلام
كلبهم الباسط ذراعيه بالوصيد محمَّد جميل حمّود العاملي
بيروت بتاريخ 27 ربيع الثاني 1437 هجري
 

  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1237
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 02 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 19