• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : الفقه .
              • القسم الفرعي : إستفتاءات وأجوبة .
                    • الموضوع : بحثٌ فقهيٌّ استدلاليٌّ حول مرقد السيِّدة شريفة؛ البنت المنسوبة إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في مدينة الحلّة بالعراق .

بحثٌ فقهيٌّ استدلاليٌّ حول مرقد السيِّدة شريفة؛ البنت المنسوبة إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في مدينة الحلّة بالعراق

الإسم : *****

النص :  حول بنات الحسن

سلام عليكم ورحمة الله
 سماحة المرجع الديني الكبير  الشيخ محمد جميل حمودالعاملي حفظكم الله
 انتشرت في الاونة الاخيرة ظاهرة الكلام عن مزار السيِّدة الشريفة؛ فنرجو من جنابكم الاجابة على الأسئلة التالية: 
 1- هل توجد للامام الحسن عليه السلام بنت لقبت بالشريفة ؟
 2- هل المزار الموجود في الحلة في العراق هو مرقد السيِّدة شريفة بنت الإمام الحسن عليه السلام ؟
 3- هل توجد من بنات الإمام الحسن عليه السلام من دفنت في العراق ؟ وأين مرقدها ؟
 جزاكم الله خير الجزاء

الموضوع الفقهي: بحثٌ فقهيٌّ استدلاليٌّ حول مرقد السيِّدة شريفة؛ البنت المنسوبة إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في مدينة الحلّة بالعراق.
 
تفاصيل الموضوع: السؤال الأول والاجابة عليه، وفيه تفاصيل مهمة حول القبر المنسوب إلى بنت الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في منطقة الحلة في العراق / خفاء الاسم لا يعني بالضرورة العقلية عدم ثبوت العلاقة النسبية إلى الإمام الحسن عليه السلام / خفاء الاسم الحقيقي، له أسبابه وظروفه الموضوعيَّة / الشواهد على ذلك كثيرة في التاريخ / شريفة لقبٌ وليس إسماً / المتقدِّمون من علماء الإمامية كانوا يطلقون لقب (شريف وشريفة) على السادات العلويين / هل المزارالموجود في الحلة هو مرقد السيدة شريفة عليها السلام؟ الجواب عن السؤال الثاني بشيء من التفصيل / عدم الثبوت التاريخي للمرقد لا يلغي زيارتها برجاء المطلوبية / لا يبعد أن تكون شريفة أحد حفيدات الإمام الحسن المجتبى عليه السلام / عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود/ سيرة الفقهاء والمتدينين جارية في زيارة المراقد المجهولة النسبة إلى أولاد الأئمة الأطهار عليهم السلام / زيارة مرقد السيدة شريفة له أسوة ببقية المراقد المحتملة النسبة إلى أولاد الأئمة الأطهار عليهم السلام / مرقد مولاتنا الصدّيقة الصغرى الحوراء زينب عليها السلام لم يكن معروفاً قبل مئتي سنة / عدول العلامة السيد محسن الأمين عن فتواه حول مدفن مولاتنا الحوراء زينب عليها السلام في المدينة /كرامة جليلة للسيدين العلامة محسن الأمين وجد آل المرتضى في دمشق خلال حفر القبر لإصلاحه بسبب رؤيا السيد مرتضى لمولاتنا الحوراء زينب عليها السلام في المنام / نروي القصة عن السيد الأمين بواسطتين / السؤال الثالث: هل يوجد للإمام بنت دفنت في العراق وأين مرقدها؟ / الجواب عن السؤال الثالث / المشهور تاريخياً أن للإمام خمس بنات / لم تفصح الروايات عن أماكن قبورهن / ليس هناك دليل قطعي يثبت الاقتصار على الخمسة فقط / ثمة بنات اشتهر عنهنَّ في الآونة الأخيرة أنهن من بنات الإمام الحسن عليه السلام / ملاحظاتنا على النسابة السيِّد حسين أبو سعيدة / استعراض الأدلة الثلاثة التي اعتمدها السيد أبو سعيدة في نفيه لوجود قبور لبنات الإمام الحسن عليه السلام في العراق/ الإيراد على الأمر الأول الذي ادَّعاه العلامة أبو سعيدة بوجوهٍ متعددة / الوجه الأول: عدم العثور على دليل روائيّ لا يستلزم عدم وجود بنت للإمام الحسن عليه السلام / إشكال فقهي والجواب عنه / الاحتياط مطلوب في الشبهة الوجوبية أو الاستحبابية المرددة بين متباينين / الوجه الثاني: نفي السيِّد أبو سعيدة لوجود بنات للإمام الحسن عليه السلام لا يلغي استحباب زيارة كل مقام منسوب إلى بنات الإمام الحسن عليه السلام / الوجه الثالث: جريان السيرة المتشرعية على زيارة القبور المحتملة النسبة إلى أولاد الأئمة الطاهرين عليهم السلام / الوجه الرابع: ما المانع من أن تكون شريفة هي نفسها خديجة أو رقية أو زهراء؟ / الإيراد على الامر الثاني الذي ادَّعاه العلامة أبو سعيدة بوجوهٍ متعددة / الوجه الأول: الدليل الخطابي في بيان المطالب الفقهية ليس من دأب فقهاء الشيعة / عدم معهودية وجود مقامات للنساء في العراق لها أسبابها ومبرراتها في خفاء قبور الصالحات من نسل آل محمد عليهم السلام / المعهودية القديمة والحديثة من المفاهيم النسبية التي تلحقها الظروف الموضوعية وليست حقيقة ثابنة لا تتغير / إشكال وحل / الوجه الثاني: عدم المعهودية لا تنفي عن كاهل السيد أبي سعيدة العمل بالاحتياط / مرقد مولاتنا الصدّيقة الكبرى زينب عليها السلام لم يكن معهوداً منذ مئات السنين ثم صار معهوداً / الوجه الثالث: لقد أقر السيد أبوسعيدة بوجود قبور محتملة النسبة إلى بنات الإمام الحسن عليه السلام بشرط نبشها للتأكد منها / المحاذير المترتبة على النبش/ الإيراد على الأمر الثالث الذي ادَّعاه السيد أبو سعيدة بوجوهٍ متعددة / الوجه الأول: دعوى كون المراقد المنسوبة إلى بنات الإمام الحسن عليه السلام في العراق بدعة وجعلية فاسدة من ناحيتين / الوجه الثاني: دعوى كونها مبتدعةلأجل ابتزاز أموال الناس مجازفة كبرى / المحاذير المترتبة على دعوى كونها مبتدعة/ تعظيم الشعائر الإلهية لا يشترط فيها موافقة المضمون للواقع/ مثال فقهي على عدم موافقة الشعيرة للواقع / أيهما أفضل عند الله تعالى: تعظيم حافر حمار عيسى عليه السلام أم زيارة مرقد محنمل النسبة إلى بنات أوحفيدات الإمام الحسن عليه السلام؟ / الوجه الثالث: إذا كانت القبور المذكورة جعلية ومبتدعة، فليكن هذا الأمر بعينه في بقية المقامات الشريفة المعلومة النسب في العصور المتأخرة / دعوى الجعلية والإبتداع لأجل ابتزاز أموال الناس فيها شيء من الظن السيء بالقيِّمين على خدمة المراقد العلويَّة الشريفة / إقتراح من السيِّد أبو سعيدة والردّ عليه / دعوى أخرى له والردّ عليها / الحث على زيارة السيِّدة شريفة / ما ينبغي للزائر فعله في مرقد السيِّدة شريفة.
 
 
 
بسمه تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
نتمنى لكم التوفيق والسداد، وجعلكم من خيرة خدام بقية الله الأعظم مولانا الإمام الحجَّة القائم (أرواحنا فداه وعليه أفضل الصلاة والسلام) بالنبيّ وآله الطاهرين (سلام الله عليهم أجمعين) ولعن الله تعالى أعداءهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين....وبعد.
  ها نحن نستعرض أسئلتكم الكريمة ثم نجيب عنها تباعاً بإذن الله تبارك شأنه:
 
السؤال الأول: هل توجد للامام الحسن عليه السلام بنت لقبت بالشريفة ؟ .
   
الجواب عن السؤال الأول: لقد أجبنا في استفتاءين وردا إلينا سابقاً: أنه ليس لدينا مستندٌ روائي أو تاريخي يثبت بالظن المعتبر _ فضلاً عن القطع واليقين _ أن للإمام سيِّد الشهداء أبي محمَّد الحسن المجتبى عليه السلام بنت باسم شريفة أو بنت اشتهرت في كلمات المؤرخين بلقب "شريفة"؛ نعم يمكن أن يكون له في العراق بنت بهذا الإسم أو باسمٍ آخر خفي علينا بسبب عوامل التقية والخوف التي كان يكابدها الشيعة بشكلٍ عام، والعلويون الهاشميون بشكلٍ خاصٍ؛ وعدم العثور على مستند روائي باسم شريفة لا يعني بالضرورة العقلية والشرعية عدم وجود بنت له مدفونة في مدينة الحلة في العراق؛ فإن للأئمة الأطهار عليهم السلام أولاداً كثيرين تفرقوا في شتى الأقطار الإسلامية هرباً من الظالمين، وقد أخفوا أسماءهم دفعاً لمحذور القتل والتنكيل من جهة حكام الجور، ولم يراعِ لهم الظالمون حرمة ولا ذمة، نصباً وبغضاً بهم وبآبائهم الطاهرين عليهم السلام؛ وتهور بعض العلماء في إنكارهم لوجود أولاد للأئمة الطاهرين عليهم السلام في العراق وغيرها ينم عن ضعفٍ علمي، لأنهم لم يأخذوا بنظر الاعتبار عنصر التقية التي عاشها هؤلاء الطاهرون (سلام الله عليهم)؛ وشريفة المبحوث عنها كثيراً في يومنا الحاضر بسبب تشكيك بعض أهل العلم في العراق؛ لعلَّها إحدى بنات الإمام الحسن عليه السلام، ولكن اسمها بقي مخفيَّاً علينا بسبب الظروف الموضوعية التي ضغطت على حياتهم وتصرفاتهم، ما أدَّى إلى الخفاء المذكور وصدور أحكام تشريعية من باب التقية، فشريفة قد يكون لها اسمٌ آخر، ولها وجود حقيقي خارجي، ولكنها عُرِفَتْ باسم شريفة نسبة لكونها من السادات الأشراف؛ ذلك لأن لقب (شريفة وشريف) كان متداولاً في تلك العصور الحالكة بظلم ذراري آل محمد (عليهم السلام)؛ وقد كان هذا اللقب مما لقب به السادة من علماء الشيعة المتقدِّمين كالسادة الأجلاء: الرضي والمرتضى وابن طاووس رحمهم الله تعالى، وبالتالي فلا يجوز التسرع بنفي كونها بنتاً للإمام الحسن المجتبى عليه السلام، بل ينبغي زيارتها برجاء المطلوبية؛ أي: برجاء كونها ابنته عليه السلام؛ وللزيادة في تفاصيل معرفة السيِّدة شريفة راجعوا جوابنا المفصّل في موقعنا المبارك؛ وإن كنا ههنا سوف نسهب بالتفاصيل الكثيرة حول المرقد الشريف في الحلة بما يزيل الإبهام والتشكيك في المرقد وابتغاء الرضوان تحت قبته حتى لو لم يكن لشريفة وجود ولا أثر في ثراه.
 
السؤال الثاني: هل المزار الموجود في الحلة في العراق هو مرقد السيِّدة شريفة بنت الإمام الحسن عليه السلام ؟.
 
الجواب عن السؤال الثاني: كما أشرنا إليكم في جواب السؤال الأول أنه لم يثبت لنا بدليل روائي أو تاريخي أن للإمام بنتاً باسم شريفة مدفونة في الحلة، ولكن لا يمنع العقل والشرع من زيارتها برجاء المطلوبية؛ ولا يبعد أن تكون من أحفاد الإمام الحسن عليه السلام، ويصدق على الحفيد أنه ابن الجد لغةً وشرعاً؛ فلا يجوز لبعض العلماء القشريين أن ينكروا وجود بنتٍ للإمام الحسن المجتبى عليه السلام، إذ إن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، لا سيَّما أن الموالين من الشيعة الكرام يواظبون على زيارة القبور الطاهرة المحتملة النسبة لذراري الأئمة الأطهار عليهم السلام، وهي سيرة متصلة بعصور الأئمة الطاهرين عليهم السلام، والإنكار يستلزم جحود الكثير من القبور الطاهرة المنسوبة إلى أولاد الأئمة الأطهار عليهم السلام....حتى على مستوى القبر الشريف لمولاتنا الطاهرة الزكية الحوراء زينب صلوات الله عليها، إذ لا توجد روايات قطعية الصدور تثبت كون مرقدها المطهر في قرية راوية بغوطة الشام؛ وإنْ كان لدينا خبر ظني يشير إلى أنها دفنت في القرية المذكورة بغوطة الشام، ونحن نعتمد عليه مع دليل السيرة والوثائق التاريخية الأخرى المؤكدة للسيرة العملية عند المتدينين والمتشرعة، بخلاف غيرنا ممن شككوا فيه بدعوى أنه خبر ضعيف، ولا يصح الاستدلال به بحسب توهمهم الباطل؛ لكن تشكيكهم فاسد؛ وذلك لجواز الركون إلى الخبر الضعيف في الموضوعات فضلاً عن الأحكام الشرعية، لا سيَّما إذا كان الخبر الضعيف سنداً مدعوماً بالشواهد والقرائن والسيرة العملية للمتشرعة والمتدينين، وهذان الدليلان كافيان في تحديد القبر الشريف لمولاتنا الصدّيقة الصغرى زينب عليها السلام؛ ولو سلَّمنا عدم حجية الخبر الضعيف في تحديد قبرها الشريف إلا أن السيرة كافية ووافية في تحديده، وكم من موضوعات صرفة ترتبت عليها أحكامٌ شرعية قام دليل السيرة على صحتها؛ وقد اعتمده فقهاء الامامية في الكثير من استدلالاتهم الفقهية في تعيين الموضوعات التي تستلزم حكماً شرعياً؛ والخبر الظني يصح الركون إليه في تشخيص الموضوعات الخارجية لبناء العقلاء في ذلك وعدم التفاتهم إلى مخالفة الخبر للواقع، لما قد جرت عليه طباعهم واستقرت عليه عادتهم؛ ولقيام السيرة على ذلك، وهي جابرة لضعف السند، كما هو مفصَّل في علم الأُصول... ومن هذا القبيل تعيين مكان قبر الحوراء المطهرة الصدِّيقة الكبرى مولاتنا الحوراء زينب (سلام الله عليها) في قرية راوية بغوطة الشام .
  كرامة للعلامة السيِّد محسن الأمين وجد آل المرتضى في سوريا رحمهما الله حول تحديد قبر الحوراء المطهرة مولاتنا زينب عليها السلام:
  كان نظر العلامة السيِّد محسن الأمين العاملي رحمه الله تعالى أن قبر مولاتنا الصدّيقة الصغرى زينب عليها السلام هو في المدينة، وذلك اعتماداً منه على دليل الاستصحاب التكويني الدال على أن الحالة السابقة في حياة الحوراء زينب عليها السلام أنها كانت في المدينة باعتبار أنها دخلت إلى المدينة، وبقيت فيها إلى يوم وفاتها أرواحنا فداها، فنشك أنها هل خرجت منها إلى بلاد الشام بعد قدومها إلى المدينة من الشام، فنجري قاعدة الاستصحاب الدالة على وجوب إبقاء ما كان على ما كان حتى يأتينا دليلٌ قطعيٌّ آخر يلغي اليقين السابق، على قاعدة " لا تنقض اليقين بالشك "؛ لأن اليقين لا ينقضه إلا يقين آخر مثله؛ وحيث لا يوجد دليل يثبت دفنها في الشام، نبقي اليقين السابق على حاله ونحكم بوجوب بقائها في المدينة إلى يوم وفاتها (عليها أفضل الصلاة والسلام) طبقاً للاستصحاب الموضوعي....هذا ما كان يبني عليه العلامة محسن الأمين العاملي طيب الله ثراه إلا أن هناك حادثة مهمة جعلته يرجع عن فتواه حول قبر مولاتنا الحوراء عليها السلام في المدينة ثم البناء على أن مكان مدفنها الشريف هو مكانها المعروف اليوم بمقام الست في قرية راوية بغوطة الشام، وإليكم التفصيل:
 لقد حدثني جناب الخطيب الحسيني الشيخ هشام حسين نقلاً عن السيّد حسن الأمين نجل المرحوم العلامة محسن الأمين العاملي طاب ثراه، أن خادم المقام الشريف لمولاتنا الحوراء وهو أحد السادة الأشراف الأتقياء من آل المرتضى طاب ثراه (وهو الجد الأخير لآل المرتضى في الشام المدفون في الصحن الزينبي الشريف) رأى في المنام على مدار ثلاثة أيام الحوراءَ المطهرة عمته زينب عليها السلام تقول له: أن ثمة فتحة حصلت في قبرها الشريف ويجب عليه إصلاحها، فأخبر السيّد العلامة محسن الأمين بما رأى، وفي اليوم الأول من الرؤيا قال له السيد محسن: اصبر لعلَّه أضغاث أحلام، وفي اليوم الثاني كذلك، وفي اليوم الثالث، أمره بأن يقوم معه بحفر القبر الشريف لإصلاح الخلل فيه، ولما حفروه ليلاً، وجدوا الجثمان الطاهر في القبر...وهنا حمل السيد محسن الأمين جسد عمته المطهرة الحوراء زينب عليها السلام على يديه في حالة من الحزن كادت تودي بحياته، وقد عاش السيّد الأمين بعد هذه الحادثة عشرة أيام فقط ولم يفصح ببنت شفة حول التفاصيل من شدة كربه وحزنه على عمته الحوراء المطهرة سلام الله عليها، وكلما سأله عالم أو مؤمن عن حالها، كان يقول كلمتين فقط:" إنها حزينة مكروبة "؛ وكان قد أوصى بأن يدفن في جوارها، وقد نفذوا وصيته، وقبره في إحدى الغرف المجاورة للصحن الشريف، فينبغي للمؤمنين الدعاء له وللسيد من آل المرتضى رضي الله عنهما وزيارة قبريهما قبل الدخول إلى المقام الشريف لمولاتنا الحوراء زينب أرواحنا فداها باعتبارهما بابين من أبوابها الطاهرة.
 زبدة المقال: إن دليل سيرة المتدينين دالٌّ على محل دفنها في المحل المعروف في ضاحية الشام؛ فيقصدها الشيعة من شتى أقطار المعمورة لزيارتها في قرية راوية بغوطة الشام؛ وكذلك هناك قبور كثيرة لأنبياء وأولياء من نسل الأئمة الطاهرين عليهم السلام غير معروفين ولا مقطوع بكونهم من أولاد الأئمة الأطهار عليهم السلام إلا أن فقهاء الشيعة أمروا بالتوسل بها وزيارتها والدعاء تحت قبابها...ذلك لأن النية أهم من التلبس بالعمل، فلو أن مؤمناً زار قبراً يحتمل أنه قبر ولدٍ من أولاد الأئمة الطاهرين عليهم السلام وتوسل به إلى الله تعالى وزاره لأجل احتمال أنه من أولادهم الطاهرين عليهم السلام لأثابه المولى تبارك ذكره وتعالى مجده، حتى لو لم يكن من أولادهم أو أحفادهم، فالثواب على قدر النية، والمحبة لأهل البيت سلام الله عليهم تستلزم محبة كلّ من نُسِبَ إليهم، ونقول كما قال الشاعرالعربي العاشق لليلى ولكلّ ما يمت إليها بصلة قيس بن الملوح بن مزاحم العامري شاعر غزل، من المتيمين، من أهل نجد لم يكن مجنوناً وإنما لقب بذلك لهيامه في حب ليلى بنت سعد التي نشأ معها إلى أن كبرت وحجبها أبوها، فهام على وجهه ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش، فيرى حيناً في الشام وحيناً في نجد وحيناً في الحجاز، إلى أن وجد ملقى بين أحجار وهو ميت فحمل إلى أهله.وكان ينشد أبياتاً في غرامها وهي:
أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى        أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا
وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي       وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا
وقال الشاعر محمد عبد المطلب:
أمرّ على الديار ديار ليلى        فتسبق أدمعي حُمراً غزارا
وأذكر جيرةً ظعنوا فأحنوا       أقبِّل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي       فيطفئ لثمُها ذاك الأُوارا
ولا لَثم الطلول أسال دمعي       ولكن حبَّ من سكن الديارا
وقال الشاعر أبو الهدى الصيداوي:
أمر على الديار ديار ليلى       بقلب في جناح الوجد طارا
فامكث في جوانبها بشوق       أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي       ولا هبهن أجج في نارا
ولا حسن الرسوم أطار نومي       ولكن حب من سكن الديارا
 وبالجملة: إن المتيم في حبِّ أهل البيت عليهم السلام لا يفرق بين هذا القبر وذاك؛ بل يلثم هذا الجدار وذاك الجدارا كما وصف هؤلاء الشعراء حالهم مع عشيقاتهم من نساء عصرهم...!. والمقام المنسوب إلى السيِّدة شريفة في الحلة ينبغي زيارته وطلب الحاجات عنده؛ فإن الله تعالى لا يخيِّب من التجأ إلى أهل البيت عليهم السلام من خلال التواصل مع قبور منسوبة إلى ذراريهم وإليهم كما في مزار شريف في أفغانستان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليه) وكما في مرقد رأس الإمام الحسين (عليه السلام) في مصر ، فإن الله تعالى عند حسن ظن العبد به وبأوليائه عليهم السلام.
 
السؤال الثالث : هل يوجد من بنات الإمام الحسن عليه السلام من دفنت في العراق ؟ وأين مرقدها؟
 
الجواب عن السؤال الثالث: المشهور بين المؤرخين أن للإمام المعظم الحسن المجتبى عليه السلام خمس بنات هنَّ التالي: أم الحسن / أم الحسين / فاطمة / أم سلمة / أم عبد الله.
 ولم تفصح الروايات ولا كلمات المؤرخين إلى أماكن قبورهنَّ بشكلٍ يرفع الإجمال والإبهام، وذلك لما أشرنا إليه سابقاً بأنهنَّ عشن الخوف من الظالمين، فتفرقن في بلاد الله العريضة فراراً من الحكام الظالمين، متخفين وراء الكنى والألقاب حتى لا يعرفن أنهنَّ بنات الأئمة الطاهرين عليهم السلام لئلا يتعرضن للإعتداء والسجن والتنكيل، فكان من الواجب التخفي وراء الكنى والألقاب، وهذا الأمر تبناه العقلاء الهاربون من الظالمين، حيث يبدلون أسماءهم إلى أسماء أخرى أو يصبغون على أنفسهم الكنى والألقاب ليدرؤوا عن أنفسهم الخطر...وأولاد آل محمد عليهم السلام كغيرهم من العقلاء الذين يعيشون التقية من الظالمين، فلا يخرجون عن الطريقة التي سار عليها العقلاء الخائفون على أنفسهم من شرور النواصب واللئام، بل إن اتقاءهم من النواصب واللئام أولى من غيرهم بسبب كثرة أعدائهم في بلادهم .
  والقبور المنسوبة إلى بنات مولانا الإمام الحسن المجتبى (سلام الله عليه) لم تقتصر على خمسة قبور فحسب دفنوا في المدينة أو في أماكن أخرى، وليس عندنا دليل قطعي يثبت الإقتصار على خمس بنات لا سيّما وأن الإمام الحسن عليه السلام كان متزوجاً العديد من النساء، ولديه أولاد كثيرون من أمهات شتى...فالصحيح أن نقول إن عدد أولاده البنات تجاوز الخمسة، وبالتالي فإن قبورهن متفرقة في بلاد الشيعة لا سيما المدينة والعراق باعتبرهما من المدن التي عاش فيهما الإمام الحسن عليه السلام وتنقل مع أولاده فيهما وبينهما؛ لذا فإن قبورهنَّ تجاوز الخمسة، وعدة منهنَّ عُرِفن في العراق منذ فترة غير بعيدة، بأسماء شتى: كرقية وشريفة أو خديجة وفاطمة، وهناك قبور شتى في الحلة ليس لها أسماء وكنى وألقاب سوى ما كتب عليها أنهن من بنات الإمام الحسن عليه السلام؛ وإليكم التفصيل لتلكم القبور والقباب، وهي الآتية:
  (القبة الأولى): المشهور في العراق وجود مرقد باسم رقية بنت الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في الجهة الغربية من مركز محافظة النجف في أطراف منطقة البراق، وفي صحن المرقد توجد عارضة مكتوب عليها: ( مرقد رقية بنت الإمام الحسن عليه السلام).
  (القبة الثانية): قبة منسوبة إلى السيدة زهراء بنت الإمام الحسن عليه السلام، وهذه القبة على بعد أمتار من مقام القبة الأولى المعروفة باسم رقية.
  (القبة الثالثة): مرقد باسم بنت الإمام الحسن عليه السلام من دون ذكر اسمٍ لها؛ وهي كائنة في منطقة الحويش من محلات النجف الأشرف القديمة .
  (القبة الرابعة): مرقد باسم شريفة بنت الإمام الحسن عليه السلام، ومرقد آخر باسم خديجة بنت الإمام الحسن عليه السلام في منطقة ريف المحاويل من توابع محافظة بابل .
  (القبة الخامسة): مرقد منسوب إلى فاطمة بنت الإمام الحسن عليه السلام في محافظة بابل.
  وهناك مقامات وقبور متعددة تنسب إلى بنات مولانا الإمام الحسن المجتبى عليه السلام منتشرة في نواحي العراق لسنا على اطلاع كبير عليها؛ لا بأس بزيارتها بنية رجاء كونها قبوراً لبنات إمامنا الشهيد المظلوم الحسن المجتبى عليه السلام؛ وقد ذكر العلامة السيّد حسين أبو سعيدة أن هناك عدداً من القبور والرموز المنسوبة إلى بنات الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في العراق وإيران واليمن والشام والأردن ومصر التي اشتهر أن في القاهرة مرقداً للسيّدة نفيسة بنت زيد بن الإمام الحسن السبط عليه السلام المولودة في بمكة سنة 145 هجري والمتوفية في القاهرة عام 208 هجري؛ ولا بأس بزيارتها كلّها برجاء المطلوبية إلا السيدة نفيسة فتزار بنية أنها مدفونة في القاهرة لوجود الوثائق التاريخية الصحيحة الدالة على أن نفيسة دفنت في القاهرة.
 ملاحظاتنا على العلامة النسابة السيِّد حسين أبو سعيدة : 
  لا ريب في أن العلامة السيّد حسين أبو سعيدة حفظه المولى من المتتبعين في علم الأنساب والتواريخ ومن العلماء الأفاضل في تحقيق الأنساب، إلا أن ذلك لا يعني عصمته من الخطأ في النتائج العلمية والفقهية لا سيَّما المطالب المتعلقة بزيارة القبور المجهولة الحال أو المجملة من ناحية النسب...لذا لنا ملاحظات فقهية وعلمية مهمة على ما كتبه حول مراقد بنات منسوبات إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في الجزء الأول من كتابه (تاريخ المشاهد المشرفة ص 21 و 22)، حيث جزم بضرسٍ قاطع عدم وجود بنات للإمام الحسن عليه السلام في العراق؛ وتتلخص دعواه تلك في ثلاثة وجوهٍ هي الآتية:
 (الأمر الأول): أنه ليس للإمام الحسن المجتبى عليه السلام بنات باسم خديجة وشريفة ورقية وزهراء.
 (الأمر الثاني): إن المقامات المشخصة في العراق واضحة جداً، ولا نعهد أن للنساء مقامات.
 (الأمر الثالث): إن المراقد المذكورة جعلية ومبتدعة؛ لأجل ابتزاز أموال البسطاء من الناس على حساب تاريخ آل محمد عليهم السلام.
    هذه عمدة أدلته في نفي وجود قبور لبنات الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في العراق وغيره من بلدان الشيعة؛ ولعلَّ ما ذهب إليه في بعض دعاويه له وجهٌ من الصحة إلا أنه على إطلاقه فاسد؛ وذلك للوجوه التي سنوردها على كلّ واحدٍ من الأدلة الضعيفة التي اعتمدها.
 
(استعراض أدلة العلامة السيِّد حسين أبو سعيدة والإيراد عليها)
 
  (الأمر الأول): أنه ليس للإمام الحسن المجتبى عليه السلام بنات باسم خديجة وشريفة ورقية وزهراء.
 الإيراد على الأمر الأول بالوجوه الآتية:
   (الوجه الأول): عدم العثور على دليل روائي أو تاريخي يثبت وجود بنات بالأسماء المتقدمة، لا يستلزم بالضرورة العقلية والشرعية نفي وجودهنَّ، فلا ملازمة بين عدم العثور وبين عدم الوجود، فالنفي الإثباتي الظاهري لا ينفي الوقوع الثبوتي الواقعي، والأدلة الشرعية وإن تعبدتنا بالظهور الإثباتي إلا أنها لم تعبدنا ولم تأمرنا بنفي الثبوت الواقعي، إذ إن عدم الإثبات الظاهري لا يعني عدم الثبوت الواقعي، وعدم الوجدان لا يستلزم عدم الوجود.. فعلى الأقل نحتمل وجود بنات له عليه السلام بهذه الأسماء إلا أنه لم يصلنا ذلك برواية معتبرة أوقول مؤرخ موثوق الاعتماد ..وعدم الوصول إلى الوثائق التاريخية، له أسبابه ومبرراته وظروفه الموضوعية المتعددة، منها: التقية والخوف المؤديان إلى كتمان الحقائق وإخفاء الوثائق .. وهذا نظير بعض الروايات التي خُفيت علينا وفيها تفاصيل كثيرة عن بعض الأحكام الشرعية وبيان بعض المعارف الإلهية....!!.
   إشكالٌ وحلٌّ:
   إنْ قيل لنا: إن الشارع المقدَّس تعبَّدنا بالحجج الظاهرية، ولم يتعبدنا بالحجج الواقعية؛ فلا يجب علينا الركون إلى ما هو غائب عنا من الحجج الشرعية في الأحكام الفرعية لا سيَّما في مقامنا حول مرقد السيِّدة شريفة وغيرها من البنات المنسوبات إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ...فيدور الأمر بين كون المرقد المذكور لإحدى بناته وبين عدم كونه لابنته أو حفيدته؛ فننفيه بالأصل؛ أي: الأصل هو القول بعدم كونهما منسوبتين له عليه السلام !!
   الجواب: الإشكال في محلِّه؛ ولكن لا يمنع ذلك من العمل بأصالة الاحتياط في مثل هذا المقام، بل لا يبعد وجوب العمل بأطراف الشبهة المحصورة في مقام الامتثال حال التردد بين كون المرقد لابنته أو لإحدى حفيداته وبين عدم كونه لإحدى بناته أو حفيداته، كما في موارد دوران الأمر في مقام الامتثال بين الصلاة بالثوبين المرددين بين كون أحدهما مغصوباً والآخر مباحاً ولا يوجد عند المكلَّف ثوب ثالث؛ فيصلي صلاتين مكررتين بالثوبين المشتبهين تفريغاً للذمة؛ وليكن هذا الأمر في مقامنا حول القبور المرددة بين كونها لبنات أو حفيدات الإمام الحسن المجتبى عليه السلام وبين كونها لغيرهنَّ .. وفي حال لم يحرز الفقيه كون الأمر من باب دوران التكليف بين الواجب والحرام، أو بين الواجب والمباح في أطراف الشبهة المحصورة .. فأصالة الاشتغال محرزة في حقه، فيجب العمل بمضمونها ..وهكذا الحال في حال دوران الأمر في زيارة المرقد المذكور بين كونه لإحدى بناته أو حفيداته وبين كونه لإحدى المؤمنات الصالحات، فيشمله العمل بالاحتياط على نحو الاستحباب في زيارة المرقد المشكوك النسبة .
وبعبارةٍ أُخرى: إن من المعلوم في علم الأصول وجوب الاحتياط في: الشبهة الوجوبية الحكمية والموضوعية (وهي أن يشتبه الواجب بغير الحرام) في أطراف الشبهة المحصورة، شريطة أن يكون المكلَّف قادراً على الموافقة القطعية لا سيما في الشبهة المحصورة.
  ولا يفرق العمل في الاحتياط بوجوب العمل بالشبهة الوجوبية الموضوعية وبين كون الشبهة استحبابية موضوعية كما لو اشتبه المستحب _  لسبب خارجي لا يمت إلى الشارع بصلة _ أن يحتاط في أطراف الشبهة المحصورة ولا يدع طرفاً واحداً من الأطراف المحتملة، فالواجب المردد في الشبهة الوجوبية لا بد فيه من الاحتياط بإتيان طرفي الشبهة للخروج من عهدة التكليف، فكذلك الأمر في المستحب المردد بين طرفي الشبهة، ينبغي الاحتياط بالامتثال بإتيان طرفي الشبهة المحصورة .... هذا بناءً على أن زيارة قبور أبناء الأئمة عليهم السلام مستحبة، وأما بناء على كونها واجية من ناحيتين: أحدهما من باب صلة آل البيت عليهم السلام وعدم قطع أرحامهم .. وثانيهما من باب كون الزيارة إحدى مصاديق وجوب التولّي لأهل البيت عليهم السلام والتبري من أعدائهم الظالمين لهم ولذراريهم... فلا ريب حينئذٍ في وجوب زيارة كلّ قبرٍ منسوب إلى بناتهم أو أولادهم حال كونه مردداً بين أن يكون صاحب القبر إبناً أو بنتاً للمعصوم عليه السلام، فيجب حينئذٍ زيارته بنية احتمال كونه إبناً أو بنتاً للمعصوم عليه السلام،.. أو تكون الزيارة من باب تبديل الموضوع المحتمل النسب للإمام الحسن عليه السلام إلى الموضوع الذاتي وهو نفس زيارة الإمام الحسن عليه السلام، فيكون المرقد المحتمل النسبة قبلةً لزيارة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام... وهكذا الحال إذا كانت الزيارة مستحبة، فيُزار القبر بنية احتمال أنه ابن أو بنت المعصوم عليه السلام...فالزيارة بنية احتمال كونه مرقداً لبنت المعصوم لا يعدُّ تشريعاً محرَّماً كما لا يخفى على الفقيه الفطن؛ فالقبر المردد بين كونه حقيقة لابن أو بنت معصوم عليه السلام هو من قبيل المستحب المردد بين متبانيين، تماماً كما هو الحال في الشبهة الوجوبية المرددة بين متباينين .. فالاحتياط الوجوبي أو الاستحبابي مطلوب في كليهما، ومن المعلوم عند الأصوليين في تنبيهات البراءة ؛ التنبيه الأول: أن من شك في عبارة فعل من الأفعال أو موضوع يترتب عليه فعلٌ عبادي (كزيارة قبر السيدة شريفة) فله أن يتعبد به بداعي الأمر المحتمل ورجاء المطلوبية، لأن هذا هو المناسب والموافق لوضعه وحدود معرفته حيث لا علم تفصيلاً ولا إجمالاً بالأمر ولا بالمحبوبية ؛ فكيف لو كان حال المكلَّف في أمثال المقام من علمه الإجمالي في كون المرقد مردداً بين كونه بنتاً أو حفيدةً للإمام الحسن عليه السلام وبين كونه لإحدى النساء، فتشمله قاعدة دوران الأمر بين المتباينين المرددين بين البنت والحفيدة وبين غيرهما من النساء المدفونات في المرقد المشكوك النسب الهاشمي الحسني... 
     وبناءً عليه: لنا نتساءَل؛ لو علم المكلف إجمالاً بأن أحد الفعلين عبادة واجبة أو مستحبة والفعل الآخر غير محرم (كالذي نحن بصدده في زيارة قبر السيدة شريفة وغيرها من القبور المنسوبة إلى أولاد الأئمة الأطهار عليهم السلام) فللمكلف أن يأتي بأحد المحتملين بداعي احتمال الأمر تماماً كما ساغ ذلك مع الشك في التكليف لا في المكلف به؟
     الجواب: قال الشيخ النائيني رحمه الله :إنّ كل طرف من أطراف العلم الإجمالي مأمور به بالأمر المحتمل لا بالأمر المعلوم بالإجمال، ومعنى هذا أنه لا فرق إطلاقاً بين التعبد بفعل شك ابتداءً في تعلق الأمر به، وبين التعبد بأي طرف من أطراف العلم الإجمالي، فإذا صح الإحتياط هناك صح هنا أيضاً.
   وما قاله العلامة النائيني رحمه الله صحيح؛ وذلك لأن المهم في قصد الأمر ونية القربة إلى الله تعالى هو أن تكون العبادة خالصة لوجهه الكريم، أما الشكل واللون والتحديد والتعيين، فليس مقصوداً لذاته؛ ذلك لأن حكم العقل قاضٍ بأن التكليف اليقيني الإجمالي يستدعي الامتثال اليقيني الإجمالي دفعاً للضرر اليقيني والمحتمل.
  ومن ظريف ما ذكره العلامة الشيخ محمد جواد مغنية في بحثه الأصولي في باب دوران الأمر بين المتباينين في الشبهة الوجوبية والموضوعية حيث ذكر رواية من مصادر العامة حول حسن الاحتياط الدال على حسن الطوية، فننقله بشيء من التصرف في بعض ألفاظه، فقال:" ومن باب المناسبة فقط لا من باب الإستدلال، بما روي في المصادر العامية عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لرجل: كيف تقول في الصلاة؟ قال: أتشهد ثم أقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ..! فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله: "حولها ندندن" . أي : حول الجنة والنار ندندن، والمعنى أنه يدعو الانسان بأي لفظ شاء : من مأثور وغيره .
   تفسير الدندنة: (الدندنة: الكلام المبهم؛ ودندن الرجل أو الذباب: أو صوَّت وطنَّ، ودندن الرجل: أكثر الشكاية).
  وبالجملة: أقل ما نقول بحقِّ الشيعة الطيبين الزائرين لقبر السيِّدة شريفة المنسوبة إلى الإمام الحسن عليه السلام إنهم على نسق ما قال النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وآله: (وحولها ندندن) حتى لو لم تكن صاحبة المرقد من بنات الإمام الحسن المجتبى عليه السلام.
  وبما تقدم: نؤكد على استحباب زيارة المراقد المنسوبة إلى أولاد الأئمة الطاهرين عليهم السلام برجاء المطلوبية والجريان العملي الدال على حسن الطوية والسريرة وحب أهل البيت وكلّ ما يُنسب إليهم، لأن المراد منها هو المضمون (وهو حبّ آل البيت عليهم السلام وحب كلّ ما يُنسب إليهم) ولا يراد الشكل واللون والتحديد والعلم التفصيلي؛ بل يكفي العلم الإجمالي في صحة الإمتثال ما دام الزائر يقصد القرب والوصال بمن أحبهم وابتغى الرضوان الإلهي تحت قبابهم الشريفة المنسوبة إليهم.
  (الوجه الثاني): إن نفي السيِّد حسين أبو سعيدة وجود بنات باسم خديجة وشريفة ورقية وزهراء .. لا يلغي استحباب زيارة كلّ مقام منسوب إلى بنات الإمام الحسن عليه السلام أو أي إمام آخر برجاء المطلوبية كما أشرنا إليه سابقاً؛ وإلا لا نتفى استحباب الإتيان بكلّ عمل عبادي محتمل الصدور عن الأئمة الأطهار عليهم السلام في باب المستحبات الشرعية؛ وهذا نظير ما شرَّعه الفقهاء طبقاً للقاعدة المشهورة المأخوذة من نصوص الأئمة الطاهرين عليهم السلام (التسامح في أدلة السنن) طبقاً لأخبار مَنْ بلغه ثواب، فكل رواية تنص على ثواب جراء عمل عمله المكلّف؛ فإن الله يعطيه الثواب على هذا العمل وإن لم يكن الحديث كما بلغه، فقد يكون العمل الذي دلت عليه الرواية الضعيفة ليس مطلوباً واقعاً إلا أن المكلف عمله التماساً لذلك الثواب الذي وعدت به أخبار "من بلغه ثواب فعمله"؛ فالثواب هنا على الجري العملي فقط، وليس لمجرد الموافقة للواقع، كيف لا ! وأن الواقع غير مكشوفٍ له بدليل قطعي أو ظني معتبر، لذا فإن إتيان الأمر العبادي لا يشترط في صحة متعلقه كونه موافقاً للواقع، بل الأمر العبادي هو مجرد الجري العملي على الأمر الصادر من المشرّع المعصوم.. فإذا كان الثواب لمجرد الجري فقط حتى لو كان الأمر العبادي على مستوى الصلاة المستحبة أو الصوم أو أيّ عملٍ عبادي آخر .. فكيف يكون الحال بالنسبة إلى زيارة قبرٍ منسوبٍ إلى إحدى بنات الإمام الحسن عليه السلام أو أي إمام آخر .. فبطريقٍ أولى ينال زائره الثواب لمجرد الجري العملي وابتغاء رضوان الله تعالى من خلال زيارته والتبرك به، فحتى لو لم يكن في علم الله تعالى مرقداً لبنتٍ من بنات الإمام الحسن عليه السلام؛ فإن الله تعالى يتفضل على زائره بالثواب الجزيل والفضل الكريم .. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ..! قال تعالى (قل كلٌّ يعمل على شاكلته ) وقد ورد في تفسير كلمة" شاكلته" عن أئمة الهدة عليهم السلام أنها: النية؛ أي: على نيته.
   (الوجه الثالث): توجد قبور كثيرة منسوبة إلى أولاد الأئمة الطاهرين عليهم السلام في بلاد التشيُّع؛ وقد جرت سيرة الفقهاء الورعين وسيرة المتدينين تبعاً لهم، على زيارة تلك القبور المحتملة النسبة إلى أولاد الأئمة الأطهار عليهم السلام، ولم يستنكر أحدٌ منهم ذلك الفعل، ولا استهجنوه ولا أفتوا بحرمة زيارته بسبب فقدانهم الوثائق التاريخية الدالة على وجود أبناء لأئمة الهدى عليهم السلام لم يسجلها المؤرخون في كتبهم .. بل إن الفقهاء حثوا المؤمنين على زيارة كل قبر محتمل النسبة إلى أولاد الأئمة الطاهرين عليهم السلام كقبر محسن ابن الإمام الحسين عليه السلام في حلب، والسيدة خولة في مدينة بعلبك شمال لبنان، وبقية الأولاد المنتسبين إلى الأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم) في العراق وإيران والشام والحجاز والهند .. لقد جرت السيرة على زيارة القبور المحتملة النسبة إلى أولاد الأئمة الأطهار عليهم السلام من دون النظر إلى القطع بكونها قبوراً حقيقية لهم .. إذ لعلّها قبورٌ لبعض السادة من ذرية العترة الطاهرة (صلوات الله عليها)، ومجرد احتمال كونها منسوبة إلى أولاد الأئمة الطاهرين عليهم السلام، لا يلغي استحباب زيارتهم برجاء كونهم من أبنائهم، والزيارة بهذا الشكل والنية كافية في نيل الثواب لأجل الجري العملي كما أشرنا مراراً وتكراراً؛ ولا فرق في ذلك بين زيارتها بنية احتمال أنها لأولاد الأئمة مباشرةً أو بالواسطة كأحفادهم وحفيداتهم كقبر السيّدة شريفة صاحبة المرقد في الحلة بالعراق، والسيِّدة زينب صاحبة المرقد في مصر؛ وكلتاهما منسوبتان بالمباشرة والواسطة إلى إمامين معصومين عليهما السلام، فالأولى منسوبة مباشرةً إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ؛ والثانية منسوبة بالواسطة إلى يحيى بن زيد بن الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وهي مدفونة في الجامع الزينبي في مصر. 
    (الوجه الرابع): ما المانع من أن تكون خديجة هي نفسها "شريفة"...!؟؛ وما المانع من أن تكون رقية وزهراء هما إحدى البنات المكنيات بالأسماء الآتية: "أم الحسن / أم سلمة / أم عبد الله" اللاتي أقر السيد حسين أبو سعيدة بأنهن أولاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام..!؟؛ فهل يقسم صادقاً بأن السيدات الثلاث "رقية وزهرا وشريفة" ليسن في علم الله تعالى إحدى البنات الثلاث المكنيات بأم الحسن وأم سلمة وأم عبد الله...؟! فإذا قسم بذلك؛ فمن أين حصل على القطع بذلك واقعاً..! وإن لم يقسم، فساعتئذٍ يحتمل أنهما إحدى بناته الثلاث المتقدمات.. فيثبت بذلك صحة النسبة الاحتمالية التي قطع بنفيها من دون دليلٍ روائي يثبت أن المكنيات بكنية "الأم " لسن هنَّ رقية وزهراء وشريفة.
   الأمر الثاني للسيِّد العلامة حسين أبو سعيدة ومفاده: إن المقامات المشخصة في العراق واضحة، ولا نعهد أن للنساء مقامات.
الإيراد على الأمر الثاني بالوجوه الآتية:
   (الوجه الأول): الدليل الذي اعتمده العلامة أبو سعيدة أشبه بالأدلة الخطابية التي لا يعتمدها الفقهاء في استدلالاتهم على المطالب الفقهية والعلمية؛ إذ إن عدم وجود مقامات مشخصة للنساء في العراق لا يستلزم نفي وجودهنَّ فيه، إذ لعلّ السبب في عدم العثور على مقامات لهنَّ _ في تلك الفترة الزمنية الحالكة على الشيعة _ يرجع إلى ظرف التقية الشديدة لدى الشيعة في العراق، فعوفيت آثارهنَّ دفعاً لمحذور النبش المؤدي إلى هتك العرض والشرف.. ويشهد لما قلنا ما جرى في سامراء المقدَّسة في القرن المنصرم حيث حاول الدواعش النواصب (لعنهم الله تعالى) نبش قبر الإمامين العسكريين (عليهما السلام) وما رافقهما من قبور لنسوة طاهرات كمولاتنا نرجس والسيدة حكيمة عليهما السلام..!.
 بالإضافة إلى ذلك: إن قبري السيِّدتين الجليلتين (حكيمة ونرجس عليهما السلام) من المقامات المعهودة والمشهورة في العراق بجانب الإمامين العسكريين عليهما السلام، فكيف يوجّه السيِّد أبو سعيدة معهوديتهما في العراق، في الوقت الذي ينفي معهدودية وجود مقامات للنساء في العراق حديثاً...؟! فما هو وجه المعهدوية وعدمها بنظره...وهل هي ثابتة أو متحركة..؟!؛ ومن المعلوم أن المعهودية القديمة والحديثة من المفاهيم النسبية الإضافية التي تلحقها العوارض الموضوعية، وليست حقيقة ثابتة لا تتغير كما لا يخفى على الضليع في تشخيص المطالب الدينية والتاريخية الدالة على الآثار القديمة والحديثة عند المتدينين والعلمانيين، فكم من قبور لبعض نساء ملوك فراعنة مصر كشف عنها الغطاء حديثاً مع عدم كونها معهودة لدى المصريين قديماً وفي العصور القريبة من الكشف عنها...!! فقد صارت معهودة بعد الكشف عنها، وليكن الحال في العراق وغيرها من البلاد في الكشف عن قبور للنساء الصالحات من ذرية الأئمة الأطهار عليهم السلام، وذلك لأن حكم المعهودية الحديثة لا يختلف بترتيب الآثار عليه كما في المعهودية القديمة؛ ولو كشفوا عن المرقد المنسوب للسيدة شريفة ووجدوها في قبرها ألا يكون ذلك تبدلاً في موضوع القبرية من العدم إلى الوجود، ومن عدم المعهود إلى المعهود...؟؟؟!!.
 إن قال لنا: إن معهدودية مقامي السيِّدتين حكيمة ونرجس عليهما السلام باعتبار اليقين بوجودهما بجانب ضريحي الإمامين العسكريين عليهما السلام بسبب قيام الأخبار الكاشفة عن وجود قبريهما بجانب قبري الإمامين العسكريين عليهما السلام، بخلاف قبر السيِّدة شريفة وغيرها من قبور انتسبت إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في القرن الحاضر أو المنصرم، فقياس ذينك القبرين على هذا القبر، قياس مع الفارق، فينتفي ما أشرتم إليه....!!.
 والجواب: نحن لم نجزم بضرسٍ قاطع وجود بنت للإمام الحسن المجتبى باسم شريفة، ولكننا لا ننفي احتمال كونها بنتاً له عليه السلام بالتقرير الذي أشرنا إليه سابقاً؛ وهذا بدوره يثبت جواز زيارتها برجاء كونها بنتاً له (صلوات الله عليه)، بخلاف نظر السيّد أبي سعيدة؛ فإنه ينفي ظاهراً وواقعاً وجود بنت للإمام الحسن عليه السلام باسم شريفة أو باسمٍ آخر... والفرق في النتيجة واضح، وشتان ما بين النفي المطلق وبين الوجود المحتمل...فإن معهودية وجود مقامين للسيِّدتين (حكيمة ونرجس) وبالتالي زيارتهما بنية اليقين بوجودهما بسبب ما دلت عليه الأخبار على كون قبريهما بجانب الإمامين العسكريين عليهما السلام؛ لا تمنع عقلاً وشرعاً من احتمال وجود بنت للإمام الحسن المجتبى عليه السلام وبالتالي تصح زيارتها من باب الاحتمال والجري العملي على زيارة الصالحين والصالحات حتى على مستوى احتمال كون قبورهم محتملة النسبة إلى المعصوم عليه السلام؛ فالمعهودية القوية المتصلة بعصر الأئمة الطاهرين عليهم السلام لا تمنع من المعهدوية الضعيفة المستحدثة؛ فكلا المعهودين من باب واحد، إلا أن أحدهما أشدُّ قوة من المعهود الآخر... ذلك كلّه بحسب درجات الدليل الذي دل على المعهود لدى الشيعة؛ فأحدهما مدلول عليه بالخبر، والآخر مدلول عليه بسيرة المتأخرين والجري العملي والاحتياط ورجاء كونه مرقداً منسوباً لإحدى بنات المعصوم عليه السلام، وهذا كمعهودية وجود ضريح لمولاتنا الحوراء زينب عليها السلام في القرن التاسع عشر في الشام، مع كونه غير معهود في الأزمنة السابقة عليه إلا بنحوٍ ضئيل عند الخواص من الشيعة المقربين من الإمام المعظم المهديّ المنتظر أرواحنا فداه؛ فمعهودية وجود قبرٍ لها في الشام مستحدثٌ، ولم يكن معهوداً عند الكثير من الشيعة قبل ذلك، بالرغم من وجود وثائق تاريخية تثبت مدفنها الشريف في قرية راوية الشامية؛ فالمعهودية المستحدثة لدى عامة الشيعة اليوم بالرغم من معهوديته عند الخواص _ طبقاً للدلائل والقرائن التي سنشير إليها في بحثنا القادم بإذن الله تعالى حول العصمة الذاتية لمولاتنا الصدِّيقة المطهرة زينب سلام الله عليها  _ كشفت عن القبر الشريف للحوراء زينب عليها السلام في حين لم يكن معهوداً لدى الشيعة بشكلٍ عام قبل اكتشافه والعثور عليه في القرون المتأخرة؛ فالمعهودية الحديثة لا تفترق عن المعهودية القديمة إلا بأقوائية الدليل وسيرة المتقدِّمين والكشف عن المراد؛ فربَّ ضريح لوليّ لم يكن معهوداً لدى أكثر الناس بسبب التقية وطمس الحقائق، ثم يصبح بعد ذلك في عداد القبور المعهودة منذ القدم.... فالمعهودية واحدة إلا أن الكشف متعدد الأطراف ومتنوِّع الطرق؛ فثبت المطلوب.  
   (الوجه الثاني): إذا لم يكن معهوداً عند جناب السيِّد أبي سعيدة وجود مقامات للنساء في العراق بسبب ظروف التقية التي أشرنا إليها فيما سبق .. فلماذا يصرُّ على استصحاب الحالة السابقة بعد الكشف عن حال المقابر المنسوبة إلى بنات الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ..!؟ ونحن نعذره في ذلك ما دام لم يصل إلى مرحلة اليقين اللاحق حيث هو شرط لازم في نفي الحالة السابقة، ولكننا لا نعذره بالعمل بالاحتياط حيث إنه سبيل النجاة لمن رام رضا الله تعالى وخاف من عواقب الفتوى المؤدية إلى ترك تعظيم قبور من انتسب إلى أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام ولو بالنسبة الاحتمالية...! وليكن حالهنَّ _ على فرض ثبوت النسبة الواقعية إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام _ كحال عمتهنَّ الحوراء الصدِّيقة الصغرى الطاهرة الزكيَّة مولاتنا زينب عليها السلام في الشام حيث لم يعهد عند الشيعة في شرق الأرض وغربها قبل مئتي سنة أن قبرها الشريف في قرية راوية بغوطة الشام..! منذ ألف ومائتي سنة لم يكن يعرف الشيعة أن مدفن سيِّدة النساء الحوراء زينب عليها السلام في الشام .. ثم بعد ذلك عرفوا به وصار معهوداً لديهم أن قبرها في قرية راوية بغوطة الشام .. ولعلَّ السيِّد حسين أبو سعيدة نفسه يميل إلى أن قبرها في الشام ..وعلى فرض أنه يميل إلى أن قبرها في المدينة، فنتمنى عليه أن يرشدنا إليه ..! كما نتمنى عليه أن يرشدنا إلى قبر أختها أم كلثوم (رقية) المدفونة في البقيع ..! وليرشدنا أيضاً إلى قبر أمهما الطاهرة الزكية المدفونة في البقيع..! وحبذا لو يرشدنا إلى قبور غيرهنَّ من الطاهرات ممن دفنَّ في البقيع ولم يُرَ لقبورهنَّ أثر ولا عين ..! فهل يستلزم ذلك عدم وجودهنَّ..! كلا وألف كلا! ... يا حبذا لو أرشدنا إلى قبور بنات الإمام الحسن عليه السلام في المدينة حيث اعتقد مدفنهم في المدينة..! وهكذا كان الحال بالنسبة إلى قبر أمير المؤمنين عليه السلام في النجف قبل اكتشافه في القرون الماضية _ وعلى وجه الخصوص في عهد هارون العباسي لعنه الله تعالى في قصة صيده وهروب الظبية إلى قبر أمير المؤمنين عليّ عليه السلام _ بعد جهل الشيعة بموضع قبره الشريف، ولم يكن يعرف موضعه إلا الخواص من الشيعة؛ ولم يكن معهوداً وجوده في النجف عند أكثر الشيعة، نعم صار معهوداً لديهم بعد ذلك لمَّا ارتفعت ظروف التقية؛ فصارت المعهودية المستحدثة تماماً كالمعهودية القديمة لدى خواص الشيعة؛ فلا فرقٍ بينهما أصلاً؛ نعم الفرق بينهما من حيث طول المدة وقصرها؛ وهو غير ضائرٍ بالمعهودية التي لا يشترط فيها طول المدة كما لا يخفى على البصير باللغة وأُصول الفقه والبلاغة.
  إن ظروف التقية قد منعت من إظهار الكثير من قبور بنات الأئمة الطاهرين عليهم السلام في العراق والحجاز والشام والهند؛ وذلك لشدة ما أصاب أهل البيت (سلام الله عليهم) وذراريهم من الحيف والظلم من قبل الحكام الظالمين، وهذا بخلاف الربوع الإيرانية التي عُرفت بالتشيع منذ أيام الإمام الرضا عليه السلام ... فلم يكن هناك تقية حتى تختفي آثار قبور بعض بنات الإمام الكاظم عليه السلام كالسيِّدة الطاهرة فاطمة بنت الإمام الكاظم عليهما السلام؛ ولو كان الشيعة الإيرانيون منذ تلك العصور إلى يومنا هذا يعيشون تحت سطوة الجبارين لما كنا عرفنا أن للإمام الكاظم عليه السلام بنتاً باسم فاطمة مدفونة في قم المشرَّفة في مرقدها المعروف مع وضوح النصّ الصادر من المعصوم عليه السلام الذي كشف عن وجود بنت للإمام الكاظم عليه السلام دفنت في قم ولم تختفِ آثاره أبداً لأجل الأمن والأمان الذي عاشه شيعة أهل البيت عليهم السلام في إيران طوال القرون السابقة إلى يومنا هذا ...!.
   (الوجه الثالث): لقد عدل العلامة أبو سعيدة عمَّا قطع به في نفيه لوجود قبور لبنات الإمام الحسن عليه السلام ،مشترطاً ذلك بحفر القبور المنسوبة للتأكد من وجود إنسان في القبر...وبالتالي لم ينفِ السيِّد حسين أبو سعيدة وجود قبور لأحفاد الإمام الحسن عليه السلام بشكل مطلق، بل علَّقه على كشف القبر ليتضح حقيقة الحال، ما يعني إقراره _ ولو بشكلٍ ضمني _ بوجودهنَّ في العراق ...فكيف ينفي وجود بنات له، ثم في الوقت نفسه يقر بوجود حفيدات له بالشرط الذي ذكره..!! فقد أقر بوجود قبور للنساء في العراق شريطة الكشف عنها بحفرها ما يعني احتماله وجود بنات للإمام الحسن عليه السلام...فها هو في كتابه " المشاهد المشرفة في العراق ج 1 ص 23" يصرح بالقول موجهاً نسبة القبور المنسوبة إلى بنات الإمام الحسن عليه السلام:" إن بعضها بعد التأكد من أنها قبور فهي لبنات ذراري الإمام الحسن عليه السلام بينها وبين الإمام عليه السلام وسائط عديدة حذفت النسبة رأساً للإمام الحسن عليه السلام، وهذا نوع من التسامح وهو كثير الوقوع وخاصة في السلاسل المضطربة، ففي مثل هذه الحالة يتم التأكد من صحة وجود إنسان مدفون بالدلائل المعروفة". والنبش الذي اشترطه السيد أبو سعيدة لا يخلو من مخاطرة وإشكال، وهو أمر لم يسبقه إليه أحد من فقهاء الامامية للتأكد من صحة القبور المحتملة النسبة كمقام السيدة خولة في شمال لبنان بمنطقة بعلبك ومقام السقط في حلب، وكذلك مقام مولاتنا الحوراء الصدّيقة الكبرى زينب عليها السلام الذي كان قبل مئتي سنة موضع جدل وتردد في هوية المدفونة في المرقد الشريف في قرية راوية بغوطة الشام إلى أن رسوا على كونها الحوراء زينب سلام الله عليها..فلم يتجرأ السيّد محسن الأمين وغيره من مراجع عصره كالسيّد البروجردي على الفتوى بنبش القبر الشريف للتأكد من هوية المدفونة فيه...وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على ورعهم وتقواهم وخوفهم من غضب الله تعالى والحجج الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين.... ولو لم يرَ السيد من آل المرتضى مولاتنا الحوراء زينب عليها السلام في المنام لما تجرأ العلامة السيد محسن الأمين العاملي على نبش المرقد الشريف لإصلاح الضرر فيه بأمرٍ من مولاتنا الحوراء الصدِّيقة الكبرى زينب سلام الله عليها...!.
  الأمر الثالث الذي ادَّعاه العلامة السيِّد حسين أبو سعيدة في نفيه لوجود قبور لبنات الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في العراق تحت دعوى أنها جعلية ومبتدعة لأجل ابتزاز أموال البسطاء من الناس...
   الإيراد على الأمر الثالث بالوجوه الآتية:
    (الوجه الأول): إن القول بأن المراقد المنسوبة لبنات الإمام الحسن عليه السلام مبتدعة, فاسدٌ من ناحيتين:
   الناحية الأولى: إن مفهوم البدعة القائل "بإدخال شيء في الدين هو ليس من الدين" المأخوذ فيه القطع والجزم في كون الشيء المبتدع من صلب الدين، لا ينطبق على زيارة القبور المنسوبة إلى الإمام الحسن عليه السلام؛ وذلك لعدم الجزم والقطع بأن أصحابها هم من أولاد الإمام الحسن عليه السلام على وجه التشريع حتى يكون مبتدعاً؛ بل غاية ما يقوم به الشيعة الموالون الغيارى خلال زيارتهم لتلك القبور من باب رجاء كونها قبوراً لبنات الإمام الحسن عليه السلام .. وشتان ما بين الزيارة برجاء المطلوبية وبين القطع في كونها قبوراً لبنات الإمام الحسن عليه السلام .. فنعت السيِّد العلامة أبو سعيدة لها بالمبتدعة يعد تهوراً في الحكم وقولاً شططاً...!
   الناحية الثانية: إن دعواه في كون القبور المذكورة جعلية ومبتدعة مردودة عليه بما قاله من احتمال كونها قبوراً لحفيدات الإمام الحسن عليه السلام، فإذا كانت القبور المذكورة مبتدعة، فليكن الأمر في كون القبور المنسوبة إلى حفيداته عليه السلام بدعةً بطريق أولى..!!
  (الوجه الثاني): دعوى وجود ملازمة بين كونها مبتدعة لأجل ابتزاز أموال البسطاء بين الناس، مجازفة بالقول من قبل السيِّد حسين أبو سعيدة، إذ من أين له العلم بالملازمة التي ادَّعاها..!؟.
   ونحن لا ننكر أن بعض الجهات السياسية غير نقية التوجه في ابتداع مراقد لا علاقة لها بذراري آل البيت عليهم السلام، ولكن لا يجوز تعميم الحكم على كلِّ مرقد جرت السيرة المتشرعية على زيارته وتعظيمه حباً لأهل البيت (سلام الله عليهم)...!، وقد جرت السيرة في تعظيم مراقد العلماء الصالحين بتشييدها ورفع قبورها وزيارتها والتماس استجابة الدعاء عندها، ولِمَ لا يكون هذا الأمر تحت القباب المنسوبة إلى ذراري أهل البيت عليهم السلام حتى لو كانت خالية من تلكم الأجسام الطاهرة؛ ذلك لأن الثواب على النية الخالصة في الحبِّ والولاء، وليس الثواب على مضمون ما في القبر بما هو موافق للواقع .
 إن تعظيم الشعائر الإلهية لا يشترط في مضمونها موافقته للواقع، بل يكفي فيها موافقة الظاهر طبقاً للجري العملي في تعظيم الشعيرة طبقاً لفتوى الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، فقد تصيب فتوى الفقيه في تعظيم الشعيرة للواقع وقد تخطئ؛ فالمهم عند المقلِّد هو الجريان العملي في تطبيق الفتوى في تعظيم الشعيرة؛ فزيارة موضع أقدام أهل البيت عليهم السلام مطلوب شرعاً إجماعاً ونصاً، وليكن زيارة المراقد المنسوبة إلى ذراريهم من هذا القبيل من باب احتمال كونها موضع أقدامهم أو موضع دفن أجسامهم الطيبة، فقد عظَّم الله تبارك وتعالى آثار أقدام النبيّ العظيم خليل الرَّحمان عليه السلام، فجعله مقاماً مباركاً لا يقبل الله تعالى من الحاج مناسكه إلا بالصلاة خلفه؛ فإذا ما كانت آثار أقدام خليل الرّحمان عليه السلام موضع تعظيم وتقديس عند الله تعالى... فلِمَ لا يكون الأمر بعينه موضع تقديس لمراقد منسوبة إلى أولاد أولياء الله تعالى حباً لهم وتقرباً إليهم والتماس رضاهم والقرب منهم...؟! وقد علمتُ أن المؤمنين الشيعة في باكستان بنوا مقاماً خيالياً لمولاتنا الحوراء زينب والمولى أبي الفضل عليهما السلام يزورونه بنية الزيارة الروحية لعدم قدرتهم على زيارتهما في العراق والشام؛ فهل يرى السيِّد أبو سعيدة أن عملهم بدعة يوجب المروق من الدين ويستحق زواره اللوم والتوبيخ...؟! وهل أن زيارة حافر حمار النبي عيسى عليه السلام في بعض بلاد الروم أولى من زيارة مرقد منسوب إلى أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، والقصة نقلها السيِّد ابن طاووس رحمه الله في كتابه "اللهوف على قتلى الطفوف" وابن نما الحلي في مثير الأحزان والمجلسي في البحار والعوالم للبحراني والسيد الأمين في لواعج الأشجان وغيرهم من المؤرخين؛ وإليكم ما ذكره ابن طاووس رحمه الله تعالى فقال:" وروى عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : لما أتى برأس الحسين عليه السلام إلى يزيد كان يتخذ مجالس الشرب ويأتي برأس الحسين عليه السلام ويضعه بين يديه ويشرف عليه فحضر ذات يوم في مجلسه رسول ملك الروم وكان من أشراف الروم وعظمائهم ، فقال يا ملك العرب هذا رأس من ؟ فقال له يزيد : مالك ولهذا الرأس ؟ فقال إني إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن كل شئ رأيته فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس وصاحبه حتى يشاركك في الفرح والسرور ، فقال يزيد : عليه اللعنة هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال الرومي : ومن أمه ؟ فقال : فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسم فقال النصراني أف لك ولدينك لي دين أحسن من دينكم إن أبى من حوافد داود عليه السلام وبيني وبينه آباء كثيرة والنصارى يعظموني ويأخذون من تراب قدمي تبركا بأني من حوافد داود عليه السلام وأنتم تقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما بينه وبين نبيكم إلا أم واحدة فأي دين دينكم ! . ثم قال ليزيد : هل سمعت حديث كنيسة الحافر ؟ فقال له : قل حتى أسمع فقال : بين عمان والصين بحر مسيرة سنة ليس فيها عمران إلا بلدة واحدة في وسط الماء طوله ثمانون فرسخا ى ثمانين فرسخا ، ما على وجه الأرض بلدة منها ومنها يحمل الكافور والياقوت أشجارهم العود والعنبر وهي في أيدي النصارى لا ملك لأحد من الملوك فيها سواهم وفى تلك البلدة كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقة ذهب معلقة فيها حافر يقولون إن هذا حافر حمار كان يركبه عيسى عليه السلام وقد زينوا حول الحقة بالديباج يقصدها في كل عام عالم من النصارى ويطوفون حولها ويقبلونها ويرفعون حوائجهم إلى الله تعالى عندها هذا شأنهم ورأيهم بحافر حمار يزعمون إنه حافر حمار كان يركبه عيسى عليه السلام نبيهم وأنتم تقتلون ابن بنت نبيكم فلا بارك الله تعالى فيكم ولا في دينكم ، فقال يزيد : ( لعنه الله ) اقتلوا هذا النصراني لئلا يفضحني في بلاده فلما أحس النصراني بذلك قال له : أتريد أن تقتلني ؟ قال : نعم قال : إعلم إني رأيت البارحة نبيكم في المنام يقول لي يا نصراني أنت من أهل الجنة فتعجبت من كلامه ؟ وأشهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووثب إلى رأس الحسين عليه السلام فضمه إلى صدره وجعل يقبله ويبكي حتى قتل ". انتهى كلامه رحمه الله.
  إن رأس الجالوت قد عظمه اليهود وبينه وبين داود عليه السلام سبعون جداً، وأهل الروم كانوا يعظمون حافر حمار النبي عيسى عليه السلام وبنوا عليه كنيسة يقدسون فيها ويرتلون التراتيل الدينية تبركاً بحافر حمار النبي عيسى عليه السلام...ذلك كله لأجل شدة المحبة للنبي عيسى عليه السلام، فهل أن حافر حمار عيسى عليه السلام أفضل من زيارة مرقد منسوب لأهل البيت عليهم السلام لا يدري السيّد أبو سعيدة ما في داخله، بل لعلّه مرقد بنت الإمام عليه السلام، فكيف سيكون جوابه يوم القيامة عندما يسأله الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنك أفتيت بحرمة زيارة مرقد منسوب لإحدى حفيداتي، فشيعتي كانوا يزورون الجدران محبة لي...فهل سيكون جوابه أنه كان مأموراً بالظاهر مع أن ظواهر الشريعة لا تمنع من زيارة كلّ مرقد منسوب إلى ذراريهم امتثالاً لآثارهم وموضع أقدامهم وحباً لهم وتقرباً إلى الله تعالى بذراريهم المحتملين...مع أن الزيارة لا تكون للجسد المدفون بما هو جسد، بل الزيارة إنما تكون لأجل القرب من روح صاحب المرقد أو روح من انتسب إليه صاحب المرقد...!!. الزيارة إنما هي لأجل وصلة المحبوب وليس للجدران كجدران، وإن كان للجدران التي تحوي الجسد الشريف شأن عند الله تعالى...
وما حب الديار شغفن قلبي    وإنما حب من سكن الديارا
  (الوجه الثالث): إذا كانت القبور المذكورة جعلية ومبتدعة لأجل ابتزاز أموال البسطاء؛ فليكن هذا الأمر بعينه في بقية المقامات الشريفة المعلومة النسب كمراقد الأئمة الأطهار وبعض أولادهم المعروفين وغير المعروفين في العراق وغيرها من بلدان الشيعة .. فهل بإمكان السيِّد أبو سعيدة أن يحرِّم زيارتها لأجل أن القيمين عليها يستفيدون منها كما هو معلوم في العراق وايران والشام، حيث تستفيد جهات سياسية تميل إلى النظام الإيراني من تلكم الأموال التي تلقى في مقامي السيِّدة المطهرة الصدِّيقة الكبرى الحوراء زينب ورقية وفاطمة بنت الإمام الكاظم ومقام الإمام الرضا عليهم السلام الذي استفادت السلطات الإيرانية من أمواله في حربها مع صدام حسين ..وهكذا بقية المقامات في العراق التي استفاد منها صدام ومن بعده بعض المرجعيات والقيادات المدعومة من ايران .. فهل يا ترى يحرِّم السيِّد أبو سعيدة زيارتها لأجل ابتزاز جهات سياسية لأموالها..!؟.
  (الوجه الرابع): إن دعوى كون مرقد بنت الإمام الحسن عليه السلام إنما بناه بعض الناس ابتزازاً لأموال البسطاء، فيها شيء من سوء الظن بالقيِّمين على خدمة المراقد المذكورة؛ فمن أين للسيِّد أبو سعيدة العلم بأنهم بنوا تلك المراقد الشريفة لأجل جمع الأموال..؟! فهل اطلع جنابه على أفئدة المؤمنين المشيدين للمزار الشريف حتى حكم عليهم بابتزاز أموال البسطاء من الناس؟ فأين الحمل على الأحسن أو الصحة في فعل المؤمن..؟! على جناب السيِّد الاعتقاد بحسن ظاهر أفعال المؤمنين والله يتولّى السرائر..! وإن كان لسماحة السيِّد أبو سعيدة العلم بأنهم يبتزون أموال المؤمنين؛ فما عليه سوى تنبيه الزوار بأن لا يضعوا أموالهم في قفص القبر المزور ... بل عليه أن ينبههم على أن ينفقوها على الفقراء القاطنين بجوار المرقد.. أو يقيمون إصلاح المقام بأنفسهم أو تحت إشرافهم .. وإن صحَّ ادعاؤه فلِمَ لا يعمّم التجربة على قبور أُخرى كقبر الخميني في طهران: أفهل شيَّد الإيرانيون مزاراً له لجمع الأموال في المقام أم كان ذلك مبالغةً في تعظيمه رغم أن القياس مع الفارق؟. ولِمَ لا يعمّم جناب السيِّد أبو سعيدة ادعاءه على قبر السيِّد محمد باقر الصدر أو السيّد محمد باقر الحكيم .. أو على نفسه بعد موته..! فنصيحتنا له أن يوصي بعدم المبالغة في تكريم قبره لئلا تنطبق عليه شبهة تشييد قبره أو مزاره لجمع الأموال..!!.
  دعوى جناب السيِّد فيها شيءٌ من القذف والقدح بحق المقدَّسين مِن الرعيل الأول الذين شيَّدوا المزار المنسوب إلى بنت الإمام الحسن المجتبى عليه السلام..! فينبغي له طلب العفو من الله تعالى والحجج الطاهرين عليهم السلام بعد أن رماهم بشبهة التكالب على دنيا لم تساوِ عندهم عفطة عنز في سبيل تشييد مقامات ذراري آل محمد عليهم السلام من باب تعظيم شعائر الله تعالى .. نأمل من جنابه العدول عما ذهب إليه حرصاً منا عليه من غضب آل محمد عليهم السلام؛ ولا غضاضة في أن يعتذر العالم عن حكمٍ صدر منه بشأن المزارات المنسوبة إلى أولاد وأحفاد أئمة الهدى عليهم السلام .. فاليوم عملٌ بلا حساب، وغداً حسابٌ بلا عمل..!.
   (إقتراحٌ ورد): لقد اقترح السيِّد العلامة أبو سعيدة في صحة التأكد من وجود إنسان مدفون في المزارات المنسوبة إلى أولاد الإمام الحسن عليه السلام أو غيره من الأئمة عليهم السلام بالدلائل المعروفة، ويبدو منه تجويزه نبش القبر للتأكد من وجود إمرأة علوية من بنات الإمام الحسن عليه السلام، وهو أمر مخالف للشرع لقيام الأدلة على حرمة نبش قبور الأولياء والعلماء بل وعامة المؤمنين .. بل يكفي في صحة الزيارة أن تكون برجاء المطلوبية، أي: برجاء أن يكون صاحب المرقد من أولاد أو أحفاد الإمام المطهر عليه السلام .. وهو كافٍ ووافٍ في نيل ثواب الزيارة وتعظيم صاحب المرقد حتى لو كان القبر خالياً منه، فتكفي النية الصالحة وهي تعظيم مَنْ انتسب إلى الإمام الحسن عليه السلام لمجرد كونه محتمل النسبة إليه عليه السلام، فالثواب إنما يكون على النية والجري العملي لا على الواقع وحقيقة الأمر..! يرجى التأمل.
   (دعوى وردّ): ادَّعى السيِّد أبو سعيدة بأن بعض البسطاء ذهب إلى أن المنامات والقضايا الروحية له دخل في هذا الموضوع، فاعتقد بأنه شاهد في الرؤيا الوليّ الفلاني وأنه مدفون في هذه البقعة، فيتطور ذاك الحلم إلى بناية تنسب إلى ذراري الأئمة عليهم السلام..
   والجواب: إن ما ادَّعاه السيِّد أبو سعيدة كان مبرراً للشيخ محمد اليعقوبي في العراق أن يتهكم على مزار السيِّدة شريفة في تسجيل خاص به تتداوله المواقع الإلكترونية .. والظاهر أن الشيخ اليعقوبي نقل التشكيك حول مرقد السيِّدة شريفة عن السيِّد أبي سعيدة المتحمِّس كثيراً في إنكاره للمرقد المذكور؛ ويظهر من كليهما أنهما لا يعتبران رؤيا الأولياء من آل محمد حجةً شرعية بمقتضى ما جاء في الأخبار المستفيضة عن النبي وأهل بيته بألفاظ متعددة: (من رآنا فقد رآنا، فإن الشيطان لا يتمثل بي ولا بأحدٍ من أهل بيتي..)؛ والوليّ المرئي في المنام إذا كان هو المعصوم، فلا يقدر الشيطان أن يتمثل بصورته ولا بصوته؛ وإن كان الوليّ من أولاد الأئمة مباشرةً فهو من آل محمّد عليهم السلام _كأولاد أمير المؤمنين وأولاد الإمامين الحسنين وهكذا الحال في بقية أولادهم الصلبيين كما حققناه في كتابنا الجليل" العصمة الكبرى للمولى أبي الفضل العباس عليه السلام" _؛فلا يتمثل بهيئته الشيطان ولا يستطيع النطق زوراً على لسان المعصوم عليه السلام ..وذلك لعصمة أولادهم الصلبيين إلا ما استثناه الدليل في عدم عصمة بعض أولادهم كجعفر الكذاب وعبد الله الأفطح ونظائرهما... نعم يتمثل الشيطان بأحد أحفادهم غير الصلبيين، وذلك لعدم عصمتهم .. وقد يكون الولي المرئي هو أحد المعصومين عليهم السلام؛ فعلام التهكم على من رآه وقال له بأن القبر الفلاني هو لأحد أولادي أو أحفادي..؟! وما المانع من أن يرى المؤمن الصالح رؤيا لأحد الأولياء عليهم السلام يدله على وجود قبر لولي من الأولياء كما حصل للسيّد من آل المرتضى العاملي أعلى الله مقامه في القصة التي أشرنا إليها سابقاً حول وجود الجسد المطهر لمولاتنا الحوراء زينب عليها السلام؛ فالرؤيا حقٌّ لا يجوز نفيها، وذلك لقيام النصوص على عدم قدرة الشيطان على أن يتصور بصور أهل البيت عليهم السلام؛ كما أن رؤيا المؤمن في المنام جزء من سبعة وسبعين جزء من النبوة كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال:"رؤيا المؤمن جزء من سبعة وسبعين جزء من النبوة".   وروي عنه عليه السلام أنه قال: رؤيا المؤمن تجري مجرى كلام تكلم به الرب عنده .
 فالنفي المطلق في أمثال المقام يولّد الجحود المطلق لكرامات ومقامات آل محمد عليهم السلام كما يستلزم جحود مواضع أقدامهم الشريفة وكل ما نسب إليهم..!.
  ما ينبغي للزائر فعله في مرقد السيِّدة شريفة وغيرها من المراقد المنسوبة إلى حفيدات وأحفاد الأئمة الطاهرين عليهم السلام:
   عندما يزور الشيعة الكرام حفظهم المولى مرقد السيدة شريفة في مدينة الحلة المباركة، فليزوروا الإمام الحسن عليه السلام يكتب الله تعالى لهم رفيع الدرجات، وبزيارتهم للمرقد المذكور كأنهم زاروا الإمام الحسن عليه السلام في البقيع المقدس تماماً كما يفعل الشيعة الغيارى في مقام مولاتنا الحوراء زينب عليها السلام في المقام الزينبي في كربلاء المقدسة؛ وليزوروا أيضاً إمام الزمان المهدي المنتظر عليه السلام تحت قبة السيدة شريفة رضي الله عنها التي نحتمل أنها إحدى بناته المتعددات... وليكن عمل مسجد جمكران هو البرنامج العبادي في التوسل بالإمام الحسن المجتبى والإمام المهدي النتظر عليه السلام في مرقد السيدة شريفة ومرقد مولاتنا الحوراء زينب في كربلاء والشام عسى أن ينالوا فيوضات إمام العصر أرواحنا فداه واللقاء به والنظر إلى طلعته الرشيدة وغرته الحميدة... فإن وجود هكذا مقامات نعمة من الله تعالى على الشيعة الموالين، فلا يحرموا أنفسهم منها، فإن الحرمان سوء توفيق... آجركم الله تعالى ورعاكم وسدد خطاكم. ..! والله تعالى هو الموفق للصواب والرشاد؛ وهو حسبي عليه توكلت وإليه أُنيب؛ وصلى الله على نبي الرحمة وأهل بيته الأنوار المطهرين...يا قائم آل محمد أغثنا .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.... ووفقكم الله تعالى _ أخي السائل الفاضل _ لكل خير ونور وبركة...وسيشفع لكم إمامنا المعظم أبو محمد المظلوم الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام على أسئلتكم القيّمة كما سيشفع لكلّ من سألنا عن مرقد السيدة شريفة... ولم يكن دفاعنا عن المرقد الطاهر سوى ابتغاء القربة إلى الله تعالى وإلى سيِّدنا المعظَّم سيِّد الشهداء الإمام المظلوم مولانا أبي محمد الحسن المجتبى عليه السلام الذي طمس ذكره الشريف من كلّ نواحيه حتى ذراريه الطاهرين المظلومين لعن الله تعالى أعداءهم أجمعين إلى قيام يوم الدين...صلى الله على مولانا الإمام الحسن المجتبى وعلى أهل بيته الطاهرين أجمعين...يا قائم آل محمد أغثنا يا أبا الغوث أيها الكهف الحصين صلى الله عليك وعلى آبائك المطهرين...والسلام على السائل الكريم ورحمة الله وبركاته.
 
حررها كلبهم الباسط ذراعيه بالوصيد
محمد جميل حمُّود العاملي
بيروت بتاريخ 15 شهر رمضان 1437 هجري
 

  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1316
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 07 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28