مفهوم العقوق للوالد أو الأم
ورد في الخبر الشريف عن إمامنا الصادق سلام الله عليه أنه قال:"ثلاث دعوات لا يُحجَبن عن الله تعالى:دعاء الوالد لوَلَدِه إذا برَّه، ودعاؤه عليه إذا عَقّه..". وهنا نريد أن نوضّح مفهومَي البِرّ والعُقوق وكيف يتحققان في الولد البارّ والعاقّ، فقد يكون الولدُ باراً لوالده أو أمّه من جهة، وقد يكون عاقَّاً لأحدهما أو لكليهما من جهة أُخرى، أو يكون باراً من جميع الحيثيات المطلوبة شرعاً وعرفاً، أو يكون عاقّاَ لأحدِهما أو لكليهِما مِن جميع الحيثيات الشرعيّة والعُرفيّة...فمَن هو العاق ومَن هو البار..؟ وكيف يتحقق البر وفي مقابله العقوق..؟.
والجواب على الأسئلة المتقدمة بما يلي:
إن مفهوم البِرّ هو العمل بكلّ الأحكام الشرعية التي أمَرَت الأولاد العملَ بها تجاه آبائهم وأمهاتهم من وجوب إطاعتهما وتقديرهما وتنفيذ كل ما يطلبان من أولادهم، شريطة أن يكون الطلب شرعياً كما لو طلبا من الولد الإنفاق عليهما واحترامهما وتقديرهما ومراعاة مشاعرهما وعواطفهما التي لا تخالف الأحكام الشرعية..فلو أطاعوهما بالمحرّمات الفقهية والعقائدية والأخلاقية فلا ينطبق على الاولاد أنهم بارّون بالوالدين، هم عاقّون شرعاً وعقلاً، إذ لا طاعةَ لمخلوق في معصية الله تعالى لأن حقّ الله تعالى أوجب من حق الوالدين، ومراعاة أحكام الله تعالى أوجب من مراعاة مشاعر وعواطف الوالدين، وذلك ما أكّد عليه ربنا العظيم بقوله تعالى(ووصينا الإنسان بوالديه حُسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) العنكبوت ٨.
فقد أوصى الله تعالى بالوالدين فأمر الاولاد بأن يحسنوا الى آبائهم وأمهاتهم، والإحسان مشروط بما امر به الله تعالى والإنزجار عما نهى عنه، وفي حال طلب الآباء والأمهات من أولادهم ارتكاب المحرمات أو أمروهم بما هو قبيح عُرفاً وشرعاً فلا يجوز تحقيق ما يرغبان فيه..
والحاصل: إن مفهومَ البِرّ له مصاديق تشكيكية متعددة، كلُّ مصداق يرقى بالولد الى الطاعة والقرب من الله المُتَعال..وهذه المصاديق تنقسم الى صنفين من الطاعة هما:البر الشرعي والبر العرفي الموافق لأحكام الشرع المبين، بينما البر الشرعي هو: كلَّ ما أمر به الله تعالى في الكتاب والسنّة النبويّة والوَلويّة من الأوامر والنواهي..
فالولد البار هو مَن حقق الرغبات الشرعية والعرفية التي أمر الوالدان بها أولادَهم الطيبين الصالحين الذين يتوافقون مع الوالدين المتوافِقَينِ مع طاعة الله تعالى وطاعة النبي وأهل بيته المطهرين صلى الله عليهم أجمعين...
وفي مقابل البر هناك مفهومٌ آخر مخالفٌ له وهو العقوق المأخوذ من العقّ وهو الشقاق والعصيان، فالولد العاق هو من شقَّ عصا طاعة والده أو والدته فيما أمرا بطاعة الله تعالى وَهَجْرِ المعاصي والقبائح..
والعقوق ذو مصاديق كثيرة تتحقق بالأقوال والأفعال الصادرة من الولد العاق لا بُدَّ لنا من التطرق الى بعض مصاديقه حتى لا يفسّر الاولادُ العاقّون مفهومَ العقوق بما يتناسب مع عصيانهم وعقوقهم، وهي كثيرة نذكر منها على سبيل المثال:
العقوق بالافعال: كما لو خالف الولد الوالدين أو أحدهما بعمل أو فعل كما لو أمراه بالصلاة فيتركها، أو نهياه عن فعل قبيح او محرم فيخالفهما ويرتكبه نكاية بهما، او ينهياه عن مرافقة اقران السوء او التردد على دُور السينما ومحلات الانترنت التي يتواجد فيها اولاد الشوارع والزعران والشواذ من الناس، فيخالفهما فيزداد تردداً الى الاماكن المشبوهة... ومن الأمثلة أيضاً: ان يفتل بعينيه اعتراضاً عليهما متبجحاً بغروره لا يريد الكلام معهما استخفافاً بهما واستحقارهما...!!
ومن العقوق أيضاً أن يمنع الوالدان ابنتهما من الزواح بالفاسق والمنحرف بعقيدته ومسلكه فتخالفهما (اي الابنة ) وتصر على الزواج منه..فكل فعل محرم أو قبيح ينهى الوالدان عنه فيرتكبه الولد يعتبر عقوقاً ويستحق فاعلُه اللومَ وأليم العذاب عند الله تعالى.
ومن العقوق بالكلام كمن يزجر والديه أو يشتمهما أو يقبّحهما او يتأفف بهما بكلمة" أف" أو يفتل بعينيه أو وجهه عن والديه احتقاراً لهما أو يصرخ في وجههما او يمدّ يده عليهما بضرب أو كباش ومصارعة او ملاكمة...الخ.
الى هنا نكون قد ألمحنا بشكل سريع الى تعريف البر والعقوق..والتفاصيل لا يسع المقام بيانه فله بحوث فقهية إستدلالية في مواقع أخرى، ولكننا ههنا أحببنا أن نلفتَ نظر الاولاد الى قبح العقوق والعصيان للوالدين الصالحَين..وان العاق له منزلة عظمى في النار وبئس المصير..والله تعالى هو وليّ المتقين.
والسلام عليكم
بقلم خادم الشريعة العبد العاملي
مكتب آية الله المحقق الشيخ محمد جميل حمود العاملي
بيروت بتاريخ ١٨ ربيع الثاني ١٤٤١ هجري قمري.
|