باسمه تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سماحة المرجع الديني آية الله الفقيه المحقق الشيخ محمد جميل حمود العاملي دام ظله .
السؤال : هناك من يتوهم بأن الحاجة للدين قد انتهت بالدخول في عصر العلم !! فما هو رد سماحتكم على هذا التوهم أو الشبهة؟؟ أفيدونا مأجورين .
أبوحسن
______
الموضوع العقائدي:( هل انتهت الحاجة إلى الدين في عصر التطور العلمي..؟ ).
بسمه تعالى
وعليكم السلام والرحمة والبركات...
الجواب: إن الله تعالى عندما أرسل لنا الانبياءَ والرسلَ والاوصياءَ والأولياءَ عليهم السلام وأمرنا بإتباعهم لم يفعل ذلك عن عبثٍ وجهل ( حاشاه من كل ذلك فقد قال:ربنا ما خلقت هذا باطلاً، وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين) وذلك لأنه عليم بمصالح عباده، رحيم بهم، عطوف عليهم، يعلم ما يضرهم وما ينفعهم، وحكيم في كل تصرفاته، فكلُّ طاعةٍ أمرنا بها يعود نفعها إلينا، وكلُّ معصية نهانا عنها، له فيها حكمة تعود مفاسدها إلينا إذا خالفناه بها، وتعود منافعها إلينا إذا اطعناه.. وهذه المفاسد والمضار والمنافع ليست آنية مقيَّدة بزمن معيَّن وفي زمن الانبياء والرسل والأولياء العظام صلوات الله عليهم اجمعين فقط، بل هي سارية المفعول على طول خط الزمن بلا استثناء لزمن دون آخر..فتشريعاته وتقنيناته تتناول الذات الإنسانية بما هي بالحمل الأولي المنطقي، ولا دخل للظروف الطارئة على حياته سواء أكانت الظروف آنية أم مستقبلية، فلم يشرّع الله تعالى أحكاماً للقدامى بحكم ظروفهم القاسية ويستثني منهم اللاحقون الموسع عليهم في الحياة واليسر، فلا تشريع لأزمنة معينة دون اخرى، وما الميّزة للأزمنة الجديدة حتى يستثنيها الله من التدين بأحكامه وتشريعاته..؟ بل الكل سواء في الإمتثال ما دام المخلوق بحاجة الى رعاية وتربية وحفظ، فلا دخل للظروف القديمة في اصل التشريع - كالعيش في البوادي والمجتمعات البدائية - كما لا دخل للبيئة الجديدة - كالتقدم التكنولوجي والإقتصادي والبيئي والأسري - لكي يسرحه من التدين ويطلق له العنان في تصرفاته الهوجاء..فالقوانين الإلهية واحدة على مرّ الأزمنة والعصور..بل إن الحاجة الى القوانين الإلهية - الدين ههنا - في عصر التقدم الحديث يلزمه برمجة دينية أكثر من المجتمعات القديمة البدائية وذلك لكثرة المشاكل النفسية والأسرية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي تعاني منها مجتمعاتنا المعاصرة، فكلما كثرت التعقيدات والمشاكل في أي مجتمع كان - لا سيّما المجتمع المعاصر - كلما كثر الإحتياج الى الدين، لأن الدين هو الوحيد الذي يعطي الحلول والأجوبة على كل عقدة ومشكلة..والسر في ذلك هو أن الله الحكيم اللطيف هو الوحيد القادر على حلّ المشاكل التي تعترض المخلوق البشري (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) (وخلق كلّ شيء فقدره تقديراً) ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)، فتشريعات الله تعالى ليست مقيَّدة بزمانٍ دون آخر فشرب الخمر وأكل الخنزير وبقية المحرمات كالزنا واللواط والمساحقة..كما كانت محرَّمة على القرون الاولى بسبب مفاسدها الكبرى فكذلك هي محرَّمة في زماننا هذا الذي كثرت فيه هذه الآفات بشكل مريع ولا ترى الانظمة حلاً جذرياً لها بل هي التي تشجع على ارتكابها وتعتبر ذلك تمدناً وحضارة ولسوف يجنون الإنقراض والتلوث والدمار والهلاك..وبالفعل قد بدأ..فهل بمقدور أصحاب السؤال المتقدم أن يجيبونا على الحلول الجذرية..؟!! لن يجيبوا على ذلك لأن ذلك ليس من مصلحتهم لأنهم هم المستفيدون من نشر هذه المفاسد والرذائل..!!!
والخلاصة: إن الله تعالى يفعل لغرضٍ وحكمة وفائدة ومصلحة ترجع الى المكلفين ولا يترك خلقه هملاً بلا راعٍ يردعهم عن معاصيهم ومنكراتهم وإلا لانتفت الغاية من خلقه لهم وهي العبادة والإستقامة على النهج القويم..من هنا لا بد من أن يرسل لهم الانبياء والأوصياء والحجج الميامين عليهم السلام ليسلكوا بهم الى طريق النجاة والعيش الهنيء الكريم...والله وليُّ المتقين.
وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون..والعاقبة للمتقين...
خادم الشريعة الفقير الى الله تعالى والحجج الاطهار عليهم السلام/ محمّد جميل حمُّود العامِلي/ بيروت/ بتاريخ ١٤ شوال ١٤٤٤ هجري .
|