(المناجاة الخمسة عشر هي للإمام زين العابدين عليه السلام)
تصنيف آية الله المحقق الشيخ محمّد جميل حمّود العاملي دام ظله
(كلمة لا بدّ منها)
هذا البحث هو إستدلال فقهيٌّ فريد من نوعه وبكرٌ في تصنيفه قد تفرد به شيخنا المحقق آية الله محمّد جميل حمُّود العاملي دامت تأييداته لم يتناوله أحدٌ من العلماء بالكيفية التي أجاد بها المرجع العاملي ( دام ظله) وهو كعادته ينتخب المواضيعَ الحساسة التي لم تُبحث بشكلٍ دقيق كما عليه الحال في بحثه هذا..لذا فإن هذا البحث قد أوصد الباب على المشككين في نسبة المناجاة الخمسة عشر للإمام زين العابدين عليه السلام...والله تبارك ذكره هو الموفّق للصواب والرشاد..
يمكنكم تحميل البحث كاملا كملف واحد بتنسيق pdf بالضغط هنا بزر الفأرة (الماوس) الأيمن ثم اختيار (حفظ الهدف باسم - Save Target As) واختيار المكان المناسب
(مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث)
بسم الله الرّحمان الرّحيم
آية الله الشيخ العاملي: آية الله المجاهد المرجع الديني المحقق الشيخ محمد جميل حمود العاملي ..
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ..
ما صحة نسبة المناجاة الخمسة عشر للإمام زين العابدين (عليه السلام) الموجودة في الصحيفة السجادية ، هل هي من الصحيفة أم إنها من مبتدعات الصوفية ؟
ودمتم برعاية وعناية إمام زماننا (أرواحنا فداه) .
الموضوع الفقهي:( المناجاة الخمسة عشر هي للإمام المعظّم زين العابدين عليه السلام وليست من مبتدعات الصوفية..).
المحتويات
المناجاة الخمسة عشر هي للإمام زين العابدين عليه السلام.
- الإستدلال على أنَّها للإمام زين العابدين بوجوهٍ أربعة:
(الوجه الاول): شهرتها بين الفقهاء المتأخرين.
(الوجه الثاني): سبك عباراتها البليغة المليئة بالمعارف الإلهية المتوافقة مع الأسس العقائدية.
(الوجه الثالث):الأصل العقلائي في المحاورات والمجالات العلمية.
(الوجه الرابع):إنها مشمولة لأخبار من بلغه ثواب على عمل .
- إستعراض الإشكالات المتوجهة إليها والإجابة عليها.
ثلاثة إشكالات مطروحة:
- (الإشكال الأول): إرسالها السندي.
- (الإشكال الثاني): خلوها من ذكر الصلاة على النبي وآله.
- (الإشكال الثالث): كونها منتشرة في الوسط الصوفي.
- الأجوبة المبرمة على الإشكالات المتقدّمة.
- المحصّلة:
بسم الله الرّحمان الرّحيم
والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على رسول الله محمد وآله الطاهرين، واللعنة الأبدية على أعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين..وبعد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الجواب: يبدو لنا أن المناجاة الخمسة عشر في الأدعية الربانية هي للإمام المعظّم عليّ بن الإمام المعظّم الحسين بن الإمام الأعظم قطب رحى الوجود أمير المؤمنين عليهم الصلاة والسلام، وهي ملحقة بالصحيفة السجادية الشريفة، وليست من مبتدعات الصوفية، ونستدل على ذلك بالوجوه الآتية:
(الوجه الأول): شهرتها بين العلماء والفقهاء المتأخرين من أيام الشيخ المجلسي الأول محمد تقي وابنه محمد باقر المجلسي - المعروف بالمجلسي الثاني المتوفى عام ١١١٠ هجري - وأيام الشيخ محمد بن الحسن الحّر العاملي المتوفى عام ١١٠٤ هجري المعاصر للمجلسي الثاني.. إلى يومنا هذا، ولم تكن المناجاة الخمسة عشر مشهورةً بين المتقدّمين كالمفيد والطوسي والمرتضى..إلا بشكلٍ نادر وكانت مدفونة في طيات كتب الأدعية وبشكلٍ منفرد بحبث لم يتسع نطاقه لأسباب لا ندري كنهها ولعلّ أحدها هو بُعد المسافة بين العلماء المتفرقين في بلاد الله الواسعة، فلم تسمح الظروف الصعبة للمتملكين للمناجاة الخمسة عشر من إيصالها إلى مراجع الشيعة يومذاك...أو لأن المناجاة كانت في مكتبات الهند والسند أو بلاد الروم والقسطنطينية..فلم يعثر عليها أحدٌ لعدم إهتمام القيِّمين على الحوزات الشيعية بجمع تراث أئمتهم الأطهار عليهم السلام - كما هو حالهم اليوم، فهناك المئات من الكتب المخطوطة القديمة ما زالت مدفونة في زوايا المكتبات العامة ولم تطبع الى الآن بالرغم من أهميتها وقيمتها العلمية العظمى - حتى سخّر الله تعالى العلامة المجلسي الحافظ لتراث التشيع فحظي بها ونشرها كما نشر المئات من الكتب المخفية في مكتبات الهند وبلاد فارس وأفغانستان والحجاز وبلاد الشام وغيرها من بلاد الله الواسعة..وها هو كتابه بحار الانوار شاهد على جمعه للأخبار المتناثرة والمفقودة..جزاه الله خيراً...
ويشهد لما قلنا ما أشار إليه الشيخ محمد باقر المجلسي في البحار (ج ٩١ ص ١٣٨ وص١٤٢) معدداً الأدعية التي وجدها في بعض الكتب فقال؛ ومنها:" المناجاة الخمس عشرة لمولانا عليّ بن الحسين عليهما السلام وقد وجدتها مروية عنه عليه السلام في بعض كتب الأصحاب رضوان الله عليهم". فهو قد وجدها في بعض كتب أصحابنا مترضباً عليهم وداعياً بالخير لهم بقوله (رضوان الله عليهم)، وهذا يعني أن الأصحاب قد رووها عن الإمام زين العابدين عليه السلام ولو كانت من مبتدعات الصوفية لكانوا ذكروا لنا أنها للصوفيين..ولا يجوز لهم شرعاً وعقلاً إلصاقها بالإمام زين العابدين عليه السلام بهتاناً وزوراً..بل كان عليهم لفت النظر لمن يتعبد بأدعيتها أنها من صنع المذهب الصوفي الفاسد الضال..فعثور المجلسي الثاني على المناجاة الخمسة عشر يعني أنها كانت متداولةً في الكتب المستورة والبعيدة المنال بالحصول عليها؛ أو أنها كانت في متناول أيدي بعض العلماء المتقدّمين ولكنْ ليس بشكلٍ منتشر كما هي الحال في عصور المتأخرين..وعدم ذكر المجلسي الأول والثاني( الأب والإبن ومعهما الشيخ الحُر العاملي) لسند المناجاة الخمسة عشر لا يستلزم سقوطها وعدم جواز العمل بها، وكذلك الحال في عدم وجودها في الصحيفة السجادية في عصر ما قبل المجلسَينِ الأول والثاني، وإنْ كانت موجودة في بعض الكتب التي أشار إليها المجلسي رحمه الله، ويبدو لنا أن أباه هو أول من عثر عليها قبل إبنه محمد باقر رحمهما الله، بدليل قول إبنه المجلسي الثاني :"وجدتها" ولم يقل عثرت عليها، والفرق واضح بين اللفظتين:" عثرت ووجدت" فالعثور على الشيء يكون بعد ضياعه، بينما الوجدان هو العلم بالشي وهو أعم من العثور..
(ومهما يكن الأمر): سواءٌ كان الواجد لها أو العاثر عليها هو:الأب أو الإبن..فإنّ المناجاة الخمسة عشر كانت موجودةً، ولكنها غير منتشرة في الوسط العلمي يومذاك، وليس كل مغيَّب عن الساحة العلميّة يستلزم عدم وجوده، فالقاعدة العقلية تقول:" إن عدم الوجدان ليس دليلاً على عدم الوجود.."؛ فهناك الكثير من روايات الفقه والعقيدة والتاريخ والتفسير لم تكن متوفرة لدى المتقدّمين ولكنّها وجِدَت في عصور المتأخرين وصارت من المسلَّمات العلميّة عند الفقهاء والمتكلمين والمفسرين..وقد ألحقها المجلسيان في باب الأدعية في كتبهما وكذلك المحدّث الخبير العلامة الحُر العاملي (رضوان الله تعالى عليه) فهو قد ألحقها في كتابه "الصحيفة السجادية الثانية"..ولم يتجرأ واحدٌ من المشككين بالمناجاة الخمسة عشر بالقول إن دلالاتها غير معتبرة لأنها لم تكن موجودة في عصور المتقدّمين..والأمثلة الفقهية والعقدية وغيرها شاهد على ما نقول لا يسعنا سردها ههنا...ولقد بسطنا القول بالتفاصيل في كتابنا(إتحاف ذوي الإختصاص بالتحقيق في خبر مسلم الجصاص) فليُراجَع.
(وبناءً على ما تقدّم): فإن شهرتها بين المتأخرين كافية في صحة صدورها من إمامنا زين العابدين عليه السلام والعمل بها مبرئٌ للذمة.
فرع مهم حول حجية الشهرة هو الآتي: لقد بحث الفقهاء الأصوليون والأخباريون مطلباً مهماً حول حجية الشهرة، مع إتفاقهم على تعريف الشهرة المنصوص عليها في مرفوعة زرارة عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام :" خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر"، ورواية عمر بن حنظلة" ..المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه"، والجمع بين الروايتين هو بحمل المجمع عليه بين أصحابك" وبين " خذ بما اشتهر" هو البناء على أن المجمع عليه هو الشهرة بين الأصحاب ولا يراد من المجمع عليه معناه الحقيقي الإصطلاحي..فالحمل على الشهرة المتعارف عليها هو المتعين في رواية عمر بن حنظلة التي جاء فيها جملة( المجمع عليه عند أصحابك..) بقرينة قوله عليه السلام( ويترك الشاذ النادر الذي ليس بمشهور)؛ فيكون المراد من " المجمع عليه بين أصحابك" هو ما اشتهر بين أصحابك وليس منه ما اتفق الكلّ على روايته، بل يراد منها ما اشتهر عند أكثر أصحابك، في مقابل ما ليس بمشهور..فهذا لا خلاف فيه..ولكنّ الخلاف قد دار بينهم حول ماهية الشهرة : هل هي الشهرة الفتوائية؟ أو الشهرة الروائية؟ والذي يهمنا هنا هو البحث في الشهرة الروائية بالرغم من وجود خلاف بينهم حول نطاق الشهرة، هل هو ضيّقٌ أم واسعٌ ...؟
وبتعبير آخر: هل تشمل الشهرة بين المتقدّمين والمتأخرين معاً..؟ أم تكفي الشهرة بين المتقدّمين أو بالعكس أي أن تكون الشهرة بين المتأخرين من دون أن يكون للمتقدّمين شهرة في رواية لم تكن متداولة فيما بينهم..؟ الصحيح هو الثاني أي أن تكون الرواية أو الفتوى مشهورة عند أحد الفريقين اللذين ينطبق عليهما عنوان الشهرتين: الشهرة عند المتقدمين أو الشهرة بين المتأخرين..وقد فصّلنا الموضوع في كتابنا النفيس( الحقيقة الغراء في تفضيل الصدّيقة الكبرى زينب الحوراء على مريم العذراء عليهما السلام) من صفحة ٢٩٩ الى صفحة ٣١١ وما بعدها تحت عنوانين هما: الشهرة بين المتأخرين كافية في قبول المرسل/ والأدلة على حرمة ردّ الخبر الضعيف سنداً...فليراجِع مَن يرغب.
ولا بأس بإستعراض ما قلناه هناك بشكلٍ مختصر - لا سيَّما حول إيرادنا على من أنكر حديث( علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) والمقصود بالعلماء هنا هم آل محمد صلى الله عليهم أجمعين ولا يراد منه المتعلّمون من شيعتهم كما توهم أحد المشايخ( وهو ياسر حبيب) الذي قدَّم آسية بنت مزاحم على سيدتنا الصدّيقة الحوراء زينب صلى الله عليها معتمداً على خبر عكرمة الناصبي الراوي لحديث سيدات نساء الجنّة: اربعة: مريم وآسية وخديجة ومولاتنا المعظّمة فاطمة عليها السلام.. بل إن خبر ( علماء أمتي..) هو نصٌّ خاص بآل محمد ومنهم الصدّيقة المطهرة زينب الكبرى صلى الله عليها- وهو ما يلي: الشهرة بين المتأخرين كافية في قبول المرسل:
إنَّ عدم اشتهار المرسل المذكور بين المتقدِّمين لا يلغي حجية شهرته بين المتأخرين، فحجية الشهرة ليست منحصرة في صفوف المتقدّمين، بل تكفي شهرته بين صفوف المتأخرين ومتأخري المتأخرين، وكم من أخبار قد اشتهرت في أوساط المتأخرين ولم تكن مشهورة بين المتقدِّمين، لذا فإن الفقهاءَ المتأخرين عملوا بالخبر المشهور إعتماداً منهم على القرائن المؤيدة له، وهو نفس ما اعتمده المتقدِّمون باعتمادهم على القرائن والشواهد؛ لأنَّ حجيَّةَ الشهرة تكشف عن قرينةٍ شاهدةٍ على صحة الحديث المنسوب إلى المعصوم عليه السلام، ضرورة أنَّ المدار إنَّما هو على الوثوق والاطمئنان إليه، فإذا كان ما حصل من الشهرة ـ سوآء أكانت شهرة قديمة أو متأخرة ـ فإنها تكون بمنزلة الظنِّ النوعي المفيد للوثوق، من هنا اعتقد ثلةٌ من أعلام الامامية بصحة كفاية الشهرة المتأخرة الحاصلة بعد زمن الشيخ ومنهم العلامة الفقيه المامقاني (رحمه الله) في مقباس الهداية، وهو وجيه وقوي، فقال:" ضرورة أن المدار على الوثوق والاطمئنان، فإذا حصل من الشهرة الحاصلة بعد زمن الشيخ فما المانع من جعلها بمنزلة توثيق الشيخ، ومن تأخر عنه ".
وتعدى العلَّامة الفقيه الراحل الشيخ محمد تقي الفقيه العاملي (رحمه الله) في كتابه "قواعد الفقيه" ذلك إلى كفاية الشهرة ولو في آخر طبقة من طبقات الفقهاء فقط، فتكون حجَّةً لمن يأتي بعدها، فقال:« ثم إنه هل المراد بالأصحاب خصوص القدماء منهم أو كلّ طبقة بالنسبة لمن تأخر عنها ؟ إحتمالان: والذي يظهر من التعليلات الجابرية في كلامهم هو الأول ولكن الظاهر عدم الخصوصية، لاتحاد المناط، أعني الوثوق، فإنه متى حصل، كان مشمولاً لآية النبأ، والمستفاد منه مطلق الوثوق من مطلق السبب لا وثوق خاص ».
الكلام المتقدِّم سديد؛ وهو ما كنَّا نميل إليه قبل الاطلاع على نظر هذين العالمين: المماقاني والفقيه العاملي (رحمهما الله) لأنَّ الغاية من العمل بشهرة المتقدِّمين هي حصول الوثوق من خلال القرائن، وهذا بعينه متوفر في الشهرة المتأخرة عن الشيخ إلا أنْ تقومَ القرائنُ والشواهد على خلاف ذلك.
(مضافاً إلى ذلك): كون الخبر مرسلاً لا يُعَدُّ عيباً فيه، بعد تسالم أعلام الطائفة على العمل بالمراسيل المقرونة بالشواهد والقرائن، فيكون العمل بالقرائن لا بنفس الخبر بما هو خبرٌ مرسلٌ بالحمل الذاتي، بل بما هو خبر مقرون بالشواهد والقرائن بالحمل الشايع الصناعي - وهو حمل العرضيات - ؛ فإن الخبر الضعيف لو غضضنا النظر عنه بما هو خبر ضعيف سنداً فإنَّه يتعلق به حكمٌ إلزاميٌّ وهو حرمة ردّه ما دام محتمل الصدور، وقد بيَّنا في بحوثنا الأُخرى حرمة ردّ الخبر الضعيف من الناحية الصناعيَّة.
الأدلة الدالة على حرمة طرح الخبر الضعيف سنداً:
ونضيف إلى ما ذكرناه في بحوثنا الأُخرى حول حرمة ردّ الخبر الضعيف، بأن العلَّة في حرمة ردِّ الخبر الضعيف مرَدُّها إلى الأمور الآتية:
(الأمر الأول): ورود الأخبار الصحيحة الناهية عن حرمة ردّ كلّ خبرٍ لا يحتمله المطَّلع عليه، أو أنْ يكون المطّلِعُ عليه جاهلاً بالحيثيات والقرائن المكتنفة له، فيكَّفر مَنْ يدين به مع احتمال كونه صادراً من خزانة آل محمد عليهم السلام وهو ما أشارت إليه بوضوح صحيحة أبي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول:" واللهِ إنَّ أحبَّ أصحابي إليَّ أورعُهم وأفقهُهُم وأكتمُهم لحديثنا، وإنَّ أسوأَهم عندي حالاً وأمقتهم للذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يقبله اشمأز منه وجحده وكفر من دان به وهو لا يدري لعلَّ الحديثَ مِنْ عندنا خرج وإلينا أُسند، فيكون بذلك خارجاً عن ولايتنا".
فقوله الشريف عليه السلام:" ينسب إلينا ويروى عنا" واضح المعنى من حيث حرمة ردّ الخبر المنسوب إليهم عليهم السلام بسبب النسبة الاحتمالية الصدورية؛ أي: لمجرد احتمال كونه صادراً عنهم (صلوات الله عليهم)، إذ ثمّة نهيٌّ واضح عن ردّ الخبر المحتمل صدوره عنهم عليهم السلام، يُرجى التأمل.
[وبعبارةٍ أُخرى]: ما دام الخبر الضعيف سنداً مطابقاً للأُصول التشريعية والأركان العقائدية، ولا يحلل حراماً ولا يحرِّم حلالاً؛ فلا يجوز طرحه، إذ لعلَّه من عندهم صدر ومن خزائنهم ورد، فيؤدي الطرح إلى إنكار أحاديثهم، وهو يستلزم الكفر.
(الأمر الثاني): إن للخبر الضعيف أحكاماً مغايرة لأحكام الخبر المعتبر، ومغايرته لغيره لا تعني أنَّه لا حكم له، بل له حكم بحرمة ردِّه فيما لو لم يتعارض مع الدلالة القطعية للكتاب الكريم والسنَّة الطاهرة، وحرمة ردِّه هي السائدة بين الأصوليين والأخباريين فلم يشذ منهم أحد سوى ضعيف التحصيل، وحرمة ردّه تختلف عن حجيَّة الخبر، فحرمة الرد تشمل حتى الخبر الضعيف، ويشهد لما قلنا: إن صاحب الوسائل قد عقد باباً يبلغ العشرات من الروايات الصحيحة الدالة على حرمة ردّ الخبر الضعيف لمجرد ضعفه السندي وهي على كثرتها تؤكد القاعدة المسلَّمة التي أشرنا إليها من حرمة ردّ الخبر لأجل ضعفه السندي ... وقد ذكرنا في بحوثنا الأخرى الرجالية أن الخبر الضعيف في مصطلح الدراية والحديث يختلف عن الخبر الموضوع والمدسوس، فالخبر الموضوع هو الخبر الذي عُلِم وضعه وكان مخالفاً للكتاب الكريم وسنَّة نبيه وآله الطيبين الطاهرين بخلاف من توفرت فيه شرائط الحجيَّة التي منها عدم معارضة الخبر الضعيف للكتاب والسنّة الطاهرة، وما كان بهذه الصفة لا يمكن أن يُوْصَفَ بأنه مدسوس أو موضوع .
(الامر الثالث): التسليم الإجمالي طبقاً للأوامر الصادرة منهم عليهم السلام بوجوب التسليم لهم ولأخبارهم إلا ما دلت القرائن القطعية على خلافه، أو التسليم المطلق على فرض الصدور الواقعي منهم عليهم السلام شريطة عدم معارضته للمحكمات، وعلى كلا التسليمَينِ المفروضَينِ، يجب على الفقيه الجامع لشرائط الفتوى التريث والتأني وعدم التسرع والتهور بطرح الخبر المجمل أو المتشابه الدلالة، ذلك كلُّه على قاعدة ما ورد عنهم بقولهم عليهم السلام:« أمر الناس بمعرفتنا والردّ إلينا والتسليم لنا » ثم قال: « وإن صاموا وصلوا وشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وجعلوا في أنفسهم أن لا يردوا إلينا، كانوا بذلك مشركين ».
(الأمر الرابع): إنْ لم يوجبُ الإرسالُ المجبور بعمل المشهور العلمَ والاطمئنان عند المشكّك صاحب الشبهة، فهو يدخل ـ أَقَلَّهُ ـ في باب التصور الذي هو أحد الدرجات النازلة للعلم الموجب للاحتمال المنجِّز للفحص والتنقيب، فيؤدي إلى وجوب عرضه على المحكمات من الكتابِ والسُنَّةِ والعقل كما أشرنا في الأمر الأول، ولا يخفى على اللبيب أنّ التصور بعد التبيُّن ينضوي على جملة من التصديقات الخفية بتوسط براهينها.
والفحص عن الدلالة التصدِّيقية للخبر المرسل لا يقلُّ أهميةً عن وجوب التدقيق في أقوال الحكماء والمؤرخين وبعض العلماء من المراجع الذين يغوص صاحب الشبهة إلى شحمة أُذنيه في تتبع أقوالهم وسيرتهم والمغالاة فيهم...! إذ إنّ البحث والتنقيب يجب أنْ يكون عن القرائن والشواهد المصححة للخبر المرسَل وليس عمّا يحبّه ويهواه صاحب الشبهة... ! لأنّ ذلك كلَّهُ يجب أنْ يكون قائماً على قاعدة التدبر المستقل في سنن الماضين واللاحقين، بغضّ النظر عن هويتهم وطبيعتهم، وعلى قاعدة قوله تعالى (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [الزمر18].
فإذا ما كان تتبع أقوال العلماء والحكماء بهذه الأهمية من النتاج الفكري البشري لاستلهام الهمم من سيرتهم وأقوالهم ـ لأن البحث العقلي يركّز على ما قيل لا على مَنْ قال ـ فكيف الحال فيما لو كان البحث مركَّزاً على الأقوال المنسوبة إلى الناطقين عن الوحي الإلهي بغض النظر عن صحة النسبة إليهم من الناحية الصدورية السندية ما دام البحث في المضمون من حيث هو هو لا من حيث النسبة الصدورية..!.
وبعبارةٍ أُخرى: إنَّ البحث في أقوال وسيرة الحكماء يعطي زخماً في تنشيط الحركة السلوكية والنظرية عند كلّ باحثٍ في تتبع نشاط أولئك الحكماء والعلماء مع أن نشاطهم هو نتيجة الجهد البشري، وهو جهد مهما تواصل واستمر وتكامل يبقى نتاجاً بشرياً ناقصاً ومحدوداً، والقول بمحدوديته لا يعني التفريط والتهاون فيه وإقصاءَه ونبذه، بل هو ضروري لا بدّ منه في الجملة، إلا أن الكلام ـ كلّ الكلام ـ إنَّما هو في تخطئة حصره وحبسه وتقوقعه على كلمات الحكماء والعلماء من البشر من دون توسعته وانفتاحه على الأقوال المنسوبة والمنتسبة إلى الناطقين عن الوحي الإلهي بغضّ النظر عن صحة نسبة تلك الأقوال إليهم؛ لأن البحث إنَّما هو على الصعيد التصوري لا التصديقي، والبحث التصوري لا يمكن التفريط بأهميته؛ لأن قوام البراهين التصديقية بسعة وشمولية الثروة التصورية تؤدي إلى الإذعان التصديقي، وليكن من هذا القبيل البحث في الخبر المرسل باعتباره محتمل التصور في نسبته إلى الناطقين عن الوحي الإلهي، فقلة الفحص عنه يعتبر من قطع القُطَّاع وسرعة الجزم التي تنمُّ عن انعدامٍ في التوازن العلمي بسبب الخلل والتفريط في تحصيل المقدمات الفكرية المنطقية المؤدية إلى عدم التسليم بالنتيجة وبالتالي الإنكار والجحود..!.
وبعبارةٍ ثالثة: إنَّ عدمَ الوصولِ إلى النتيجة لم يكن ذاتياً من المقدِّمات، وإنَّما هو نابعٌ من التسرع أو حسن الظن بأقوال المشاهير أو حبّ الشهرة أو ضعف القدرة الفكرية وهو من التقليد العفوي، فيجب على الواقعين في المحذور أن يتنبهوا إلى دراسة التصورات والتصديقات بتأنٍ ورويةٍ لكي يحصلوا على النتائج الصحيحة، وذلك لأن الإثارة العلمية والتنبه إلى المزيد من تلك التصورات والتصديقات لا محالة يحصل بسعة الاطّلاع، ولا معنى ـ ساعتئذٍ ـ للاقتصار على أقوال الحكماء من البشر من دون الاطلاع على أقوال الحكماء الإلهيين.
وبهذا يتضح أن المنهج المعرفي العقلي لقراءة روايات المعارف والاستنباط العقائدي لا يتوقف على البحث الرجالي المحض، ولا على إحراز الصدور والتحقق والتثبت منه ما دامت الدلالة التصورية في المنهج المعرفي العقلي موصلة إلى الدلالة التصديقية.
إن ما اشرنا إليه من الأمور الأربعة في حرمة ردّ الخبر الضعيف هو من جملة الأركان الأساسية في علاج الأخبار الضعيفة بشتى أصنافها، وهي ما تقتضيه قواعد الترجيح والموازنة في علم الرجال والدراية، ومَنْ ابتغى أمراً آخر وراء ذلك، فقد نفخ في غير ضرام، ولم ينظر بعين التحقيق في أخبارهم الشريفة.
حرمة ردِّ المرسل النبوي المتقدم:
ومما تقدَّم يتضح: بأن الخبر المرسل كالمناجاة الخمسة عشر بناء على ضعف سندها، هو أحد أقسام الخبر الضعيف، لا يجوز ردُّه لمجرد إرساله بما هو إرسال محض، فتشمله أحكام حرمة ردّ الخبر الضعيف، وذلك لأمرين هما:
(الأمر الأول): إنَّ المرسَل المتقدِّم(علماء أمتي..) لايقل عن كونه متشابهاً، ولا يجوز ردّ المتشابه الأخباري لمجرد كونه متشابهاً، بل لا بدَّ من إعمال القواعد الصناعيَّة في معالجته كعرضه على المحكم الكتابي والأخباري قبل البتّ به؛ إذ يجب الفحص والتنقيب عن المحكم المفسِّر أو الموضِّح للخبر المتشابه ما دام الاحتمال قائماً في مضمون الخبر، واعتباره دليلاً شرعياً من خلال عرضه على المحكمات من الكتاب والسنَّة والعقل.
(الأمر الثاني): عدم جواز الحكم بالردّ أو النفي مع عدم وجود دليلٍ على النفي، بل الواجب تقرير قيام المعنى الوارد في الخبر المجمل بمعناه والعمل بمقتضاه من وجوب الفحص والتنقيب حتى يستقيم معناه بمقتضى قوله تعالى (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [آل عمران7].
فكما أنَّه لا يجوز ردّ المتشابه الكتابي، بل يتوجّب عرضه على المحكم الكتابي الآخر؛ فكذلك لا يجوز ردّ الخبر المتشابه بل يجب عرضه على المحكم الأخباري الآخر حتى يستقيم معناه طبقاً للقواعد الحكمية العقلية والرجالية، وهو ما دلت عليه الأخبار الشريفة، فقد روى المحدّث الحر العاملي بإسناده عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي حيون مولى الرضا، عن إمامنا المعظَّم أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال:" من ردَّ متشابه القرآن إلى محكمه فقد هُدي إلى صراطٍ مستقيم، ثم قال عليه السلام: إنَّ في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن، ومتشابهاً كمتشابه القرآن، فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا".
وفي الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور قال: وحدثني حسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به ؟ قال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلا فالذي جاءكم به أولى به".
والمتشابه في مقابل المحكم، فهما متعارضان ظاهراً، ولا بدَّ من إرجاع المتشابه المجمل بمعناه إلى المحكم الموضِّح والمفسّر للمتشابه، وحيث إنّ المحكم هو المضبوط المعنى والدلالة بحيث لا تعتريه شائبة، فلا بدَّ من البناء عليه والعمل به، لذا عرّفه المشهور بالوجوه التالية:
الأول: إنَّه ما اتضح معناه وظهر بوضوحٍ لا لبسَ فيه لكلِّ عارفٍ باللغة.
الثاني: إنَّه ما كان محفوظاً من النسخ.
الثالث: ما كان محفوظاً من التخصيص.
الرابع: ما كان محفوظاً مِن الإجمال والإبهام.
الخامس: ما كان متضمناً لترتيب الإفادة، إمَّا مع تأويلِ أو من دونه لوضوحِ معناه.
وقد فصَّلنا الأمر حول حقيقة المحكم والمتشابه في كتابنا الموسوم بـ " علم اليقين في تنزيه سيِّد المرسلين صلى الله عليه وآله عن العبوس "؛ فليُراجع.
والمحصّلة: لا يجوز طرحُ الخبرِ المرسَل لمجرد إرساله وإجماله بما هو هو بعنوانه الأولي، بل الواجب عرضه على المحكمات من الكتاب والسنَّة الشريفة والعقل، وبالتالي لا يجوز رمي الخبر المتقدم بالضعف لمجرد كونه ضعيفاً سنداً ومبهماً دلالةً بنظر المتناول له للوهلة الأولى والنظرة البدْوية..!.
(الوجه الثاني): سبك عبارات المناجاة الخمسة عشر من حيث البلاغة الراقية والألفاظ البديعة والمعارف العالية دليل بذاته على أنها من إنشاء المعصوم عليه السلام، إذ لا يمكن لغيره أن ينشئ هكذا عبارات بليغة مهما عظُم شأنُه في الفصاحة والبلاغة والمعارف الإلهية...فالمناجاة فيها معارف جمة مسبوكة في تأنيب النفس وتهذيبها وكيف يمكن للسالك أن يترقى في مراقيها السلوكية والروحية والعقلية..وأنّى للصوفية من هذه المعارف الزاخرة في تهذيب النفس وهم يعبدون أهواءَهم ويترنمون على أنغام الموسيقى ليسكروا في رقصهم الذي يعتبرونه مقرباً الى الله تعالى..؟!!
والمناجاة المذكورة لا تختلف بمضامينها الراقية عن بقية الأدعية الصادرة عن إمامنا زين العابدين سلام الله عليه فهي مساوقة لها من حيث البلاغة والفصاحة وعظمة معانيها السامية، بل لعلّها أبلغ من بقية أدعيته عليه السلام في بعض فقراتها العالية المضامين المتعلقة بتهذيب النفس والمناجاة مع الربّ العظيم..واللهِ لم أرَ مناجاة شجية كمثل هذه المناجاة السجادية الحزينة التي تفجر الدموع من العيون رغماً عن أنف الداعي بها، بحيث تجعله صغيراً تافهاً أمام عظمة الله تعالى وسلطان كبريائه..والعاملي (الفقير الى الله تعالى وإلى الحجج الاطهار عليهم السلام) يوصي بالمواظبة على الدعاء بها لكي يسحق بها نفسَه الأمّارة بالسوء التي تحجب السالك الى الله تعالى والحجج الاطهار عليهم السلام عن التعمق في ذم نفسه الأمارة..!
(الوجه الثالث): مقتضى الأصل العرفي العقلائي هو البناء على أن المناجاة الخمسة عشر هي للإمام السجاد عليه السلام، وذلك لأنها منسوبة إليه بقرينة بلاغتها وعلو مضامينها كما أشرنا سابقاً في الوجه الثاني، ونسبتها الى مصدر من كتب أصحابنا الإمامية كما قال صاحب البحار (رحمه الله) في الوجه الأول، ويبدو منه أنه لم يتردد في نسبتها الى إمامنا السجاد عليه السلام عبر سندٍ رواه أصحابنا من الرواة الشيعة، وهكذا حال المحدّث الحر العاملي لم يتردد في نسبتها الى إمامنا السجاد عليه السلام...وهكذا صار على نهجهما بقية الأعلام من فقهاء الإمامية التالين للمجلسي والحر العاملي ولهم كلمات طيبة حول المناجاة الخمسة عشر، منهم صاحب الرياض وصاحب العروة وآغا بزرك الطهراني وغيرهم لا سيَّما الخوئي الذي أفتى في صراط النجاة (ج٥ ص ٣٠٦ رقم ٩٩٤) بجواز قراءة المناجاة الخمسة عشر بنية ورودها عن الإمام السجاد عليه السلام وليس برجاء المطلوبية.
(الوجه الرابع): تجري على المناجاة الخمسة عشر روايات من بلغه ثواب منا، فحتى لو لم تكن صادرة عن الإمام السجاد عليه السلام - والحال أنها صادرة منه كما أفدنا بالوجوه المتقدّمة - فإن الداعي بها يناله الثواب لو قرأها بنية أنها للإمام السجاد عليه السلام، حتى لو لم تكن صادرة منه ، وذلك للروايات المستفيضة الدالة على الإستحباب، منها:
ما روي في صحيحة صفوان عن الإمام الصادق عليه السلام قال:( من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمل به كان له أجر ذلك وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقله).
فقد دلت الصحيحة على أنه إذا ورد في خبر يدل على عمل مستحب كالدعاء مثلاً فقرأه المكلف بنية أنه صدر من الحجج الأطهار عليهم السلام فإنه يكون بذلك مطيعاً ولو لم يكن الخبر صادراً واقعاً من أهل البيت عليهم السلام، فالمناجاة الخمسة عشر هي من مصاديق مفهوم أخبار من بلغه ثواب منا، فهي من جهة مليئة بما يذكّر بالله تعالى والخوف من عقابه بحيث يشعر العبد بالتقصير فيتوب إلى ربّه ويستغفر من ذنبه، وهي من جهة أخرى منسوبة إلى الإمام السجّاد عليه السلام على أقل تقدير ؛ وبالتالي تكون قراءتها مستحبة وتكون مشمولةً لأخبار من بلغه ثواب على خير، وكلُّ فقراتها خير وفضيلة وتطهير للنفس من الذنوب والخطايا..فتنتفي الإشكالات التي توجهت إليها...وها نحن نستعرض هذه الإشكالات ونجيب عليها .
- (الإشكالات المتوجهة إليها):
ثمة ثلاثة إشكالات إعترض بهم البعض على المناجاة، وهي ما يلي:
١ - كونها مرسلة لا سند لها .
٢ - لم تستفتح وتختم بالصلاة على النبي وآله.
٣ - كونها منتشرة في الوسط الصوفي.
والجواب عن الإشكال الأول بالآتي: إن كونها مرسلة لا يعتبر عيباً فيها، فكم من أحكام شرعية رويت بأخبار مرسلة ولكنها مدعومة بالقرائن والشواهد القرآنية والنبوية والولوية، فالعبرة بالقرائن وليس بالسند لوحده كما أوضحناه مراراً وتكراراً في بحوثنا الأخرى..وبطريقٍ أولى لا موجب للبحث عن سند روايات الفضائل والأدعية والتاريخ والاخلاق..بلا خلاف عند فقهاء الإمامية.
(إن قيل لنا): إن متن المناجاة الخمسة عشر حق ونور، ولكنَّ الشكَّ في النسبة إلى الإمام زين العابدين عليه السلام لأنها خالية من الصلاة على النبيّ وآله..!
الجواب: ما دام القائل يعترف بأنها نور وصواب، فلا يصح التردد في نسبتها إلى إمامنا السجّاد عليه السلام، وخلوها من الصلاة على النبي وآله غير مانعٍ من الأخذ بها لإحتمال تلاعب الصوفيين بالمناجاة الخمسة عشر كما تلاعب غيرهم ببعض أخبارنا الفقهية والتاريخية..، فلا غرو في أن يتلاعبوا بمناجاة تذكّر بالله تعالى وتلجم النفس الأمّارة بالسوء عن غيها وفسادها..فجملها وكلماتها تحمل أنفاسه الذكية وتعكس روحه الصافية النقية، ولو نسبت إلى غيره لكانت النسبة محل الكلام والإستفهام...!.
- الجواب على الإشكال الثاني بما يلي : إن عدم وجود للصلاة على النبيّ وآله في المناجاة، ليس سبباً كافياً لنبذها وترك قراءتها، فيبدو لنا إحتمالاً - والله العالم - أن الصلاة على النبي وآله كانت موجودة في المناجاة إلا أن الصوفيين أخذوها وحذفوا منها الصلاة على النبي وآله لكي ينفوا الفضيلة للإمام زين العابدين عليه السلام تارةً؛ وتارةًأخرى لكي يرغّبوا البسطاء من المؤمنين للدخول في مذهبهم الصوفي الذي يوفّق بين عامة المذاهب والملل..!
-( دعوى ورد):
إدّعى أحد العلماء بأنَّه من المحتمل أن تكون المناجاة الخمسة عشر بالأصل للإمام عليه السلام لكنَّ بعضَ الصوفية أخذوها ووصلتنا من طريقهم..!
والجواب: صدر كلامه متين إلا أن ذيله ضعيف، وذلك لأن المناجاة الخمسة عشر لم تصلنا من طريقهم - وإنْ كانوا جعلوا لها طريقاً مفتعلاً للتمويه والتلفيق - بل وصلتنا من طريق شيعي كما قال صاحب البحار محمد باقر المجلسي رحمه الله تعالى..وحتى لو وصلتنا من طريقهم فلا قدح فيها ما دامت القرائن قد أثبتت أنَّها من إنشاء الإمام زين العابدين عليه السلام ولكنّ الصوفيين تقمصوها زوراً ، وصدّقهم بعض العلماء من الشيعة غير ملتفتين إلى أن بلاغة وفصاحة المناجاة الخمسة عشر ليس للبشر العاديين صنع فيها بل هي من صنع معصوم قدير بقدرة الله تعالى..
- الجواب على الإشكال الثالث بما يلي: إنتشارها في الوسط الصوفي لا يمنع من الأخذ بها ما دمنا نحتمل - على أقل تقدير - بأنها من إنشاء الإمام زين العابدين عليه السلام، فالمناجاة الخمسة عشر كغيرها من الأدعية المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام التي انتشرت في الوسط الصوفي ولكنهم بدلوا في بعض ألفاظها ليوهموا الآخرين بأنهم أصحاب منهج تربوي همُّه السير والسلوك من أيّ طريق كان...
(وبناءً على ما تقدَّم):فلا ريب في أنّه يستحب المواظبة على المناجاة المذكورة، ذلك لأنها تذكِّر بالله تعالى وتربط الداعي بالله تعالى وبالإمام السجاد عليه السلام الذي أعطانا المنهج بتهذيب النفس من خلال المناجاة مع الله تعالى والإعتراف له بالتقصير والإهمال...والسعيد هو من شهد على نفسه بالتقصير..
والحاصل: إن المناجاة الخمسة عشر ليست من مبتدعات الصوفية بل هي من إنشاء سيّدنا وإمامنا زين العابدين صلَّى الله عليه وعلى آله الطاهرين..
والحمد لله ربّ العالمين..اللهم صلِّ على رسولك محمّد وعلى آله الطيبن الطاهرين، والعن اللهم اعداءَهم من الاولين والآخرين الى قيام يوم الدين، وعجّل اللهم فرجَ وليّك الإمام الحجّة القائم واهلك أعداءَه يا جبّار يا عظيم...
عبد الحجج الأطهار عليهم السلام/غريب الديار الفقير الى الله وإليهم محمَّد جميل حمُّود العاملي/ بيروت/ بتاريخ ١٥ ذي الحجة ١٤٤٤ هجري قمري.
يا قائم آل محمَّد أغثنا سيّدي
|