• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : الحكم الشرعي في التقية .

الحكم الشرعي في التقية

 

بسمه تعالى


إلى : سماحة آية الله المحقق المرجع الديني الشيخ محمد جميل حمود دام ظله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد التحية والدعاء لكم  :لدي عدة أسئلة أجيبوني عليها مأجورين .
1- ما هو تعريف التقية ؟
2- ما هو الزمان والمكان اللذَين تستخدم فيهما التقيَّة ؟
3- هل التقيَّةُ في هذا الزمان الذي هو زمن المعلومة يعدُّ نفاقاً ؟
خادمكم العبد الحقير الفقير
(........................)

بسمه تعالى


السلام عليكم ورحمته وبركاته
السؤال الأول : ما هو تعريف التقيَّة ؟
(الجواب) :
التقيَّةُ لغةً هي : الحذر والحفظ، والتقية إسمٌ للفعل "إتقى يتقي"، ومن التقية تكون الوقاية وهي الحفظ مما يؤذي ويضر، ومنه قوله تعالى : ﴿ووقاهم عذاب الجحيم﴾ ﴿وما لهم من الله من واقٍ﴾ ﴿قوا أنفسكم وأهليكم ناراً﴾ ﴿فوقاه الله سيئات ما مكروا﴾.
وأمَّا تعريفها في الأصطلاح الشرعي فهي : إظهارُ خلاف الواقع في الأمور الدينيَّة بقولٍ أو فعلٍ خوفاً على النفس أو العرض أو المال .
هذا التعريف هو الشائع عند مشهور علماء الكلام القدامى والمتأخرين، وهو تعريفٌ عامٌ يتخطَّى التقيَّة مع الكفار من المخالفين النواصب وغيرهم ممن يريد الإنتقام من الشيعيّ، فيشمل التقيَّة مع الشيعيّ المخالف لك في إعتقادك الحق ويرتِّب عليك الضررَ في حال لم توافقه أو تجاريه في باطله بلسانك وليس في قلبك، فالتقيَّة المصطلحة هي : أن تبطنَ الإيمان والإعتقاد الصحيح (بالله تعالى ورسله وأوليائه المطهَّرين عليهم السلام وسائر الإعتقادات الحقَّة) وتتظاهر بالباطل وتخفي الحقَّ خوفاً على نفسك أو نفس مؤمنٍ أو عرضك أو مالك، وهي بهذا المعنى تقابل النفاق كما يتقابل الإيمانُ مع الكفر، فإنَّ النفاق ضدها وخلافها، إذ إنَّه عبارة عن إظهار الإيمان وإبطان الكفر والتظاهر بالحق وإخفاء الباطل، فمع وجود هذا التباين بينهما فلا يصحُّ عدُّها من فروع النفاق،كما اتهمنا بذلك جمهور العامة وعلى وجه الخصوص أحدِ النواصب وهو الوهابيٌّ اللعين"عبد الله الجميِّلي السعودي" في كتابه الذي طُبع في لبنان وفي الضاحية على وجه الخصوص ووزع في الحجاز والعالم، فقد افترى هذا الخبيث علينا نحن الشيعة بأننا منافقون لأننا نقول بالتقيَّة ثمَّ عرَّفها نفسَ التعريف الخاص بالنفاق، فقال : "جاء في روايات الرافضة الحثُّ على التظاهر بخلاف ما يدين به الإنسان ويعتقده، وهذه ليست من صفات المؤمنين بل هي من شيم المنافقين الذين قال الله تعالى فيهم : ﴿وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنَّا معكم إنَّما نحن مستهزؤن﴾ وقال : ﴿يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون﴾ إنتهى كلامه عليه اللعنة السرمديَّة .
وقد فنَّدنا دعواه المتقدِّمة التي تنم عن الجهل بالتفسير بل وحتى بفهم مفردات الآيتين اللتين استدل بهما على موافقة التقيَّة للنفاق، في كتابنا " الفوائد البهيَّة في شرح عقائد الإماميَّة " - ننصح بدراسته - ونعيد ما ذكرناه هناك بشكلٍ موجز: بأن : مفهوم هذه الآيات يشير إلى أن المنافقين يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان، لذا عرَّفهم الله تعالى بقوله الشريف : ﴿إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول الله، والله يعلم إنّك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون﴾ فقد أوضحت الآيتان الشريفتان بأنَّ المنافق يبطن الكفر ويظهر الإيمان وأنَّهم يؤمنون بما جاء به الرسول من عند الله تعالى، فكذَّب دعواهم كاشفاً عن باطنهم بأنَّهم قومٌ لا يؤمنون.. بل يتظاهرون بالإيمان، وفرقٌ واضح بين من يؤمن حقيقةً وبين من يتظاهر بالإيمان كما هو الحال عند كثيرٍ من المتظاهرين بالتشيُّع والولاء في هذا الزمان ولكنَّهم في الواقع أشعريون وصوفيون ووحدويون يجمعون بين عامة الفرق بلا تمييز، فسيّدهم الإمام علي وفي نفس الوقت سيّدهم أبي بكر وعمر، فهؤلاء هم البتريون المذمومون في الأخبار، دينهم الغاية تبرر الوسيلة !! فإذا كان هذا حدُّ المنافق بحسب الإصطلاح القرآنيّ فكيف تُقاسُ التقيَّةُ بالنفاق ويُتَّهم المتقي الخائف على نفسه أو عرضه بأنه منافق ؟! فثمة فرقٌ واضح بين المؤمن والمنافق، فالمؤمن يبطن الإيمان ويظهر الكفر بخلاف المنافق فإنه يبطن الكفر ويظهر الإيمان، فلا يصح لغةً وإصطلاحاً الخلط بين مفهومي النفاق والإتقاء لتغايرهما ثبوتاً وإثباتاً وإلاَّ لصار عمّار بن ياسر منافقاً - والعياذ بالله - حيث إنه أظهر الكفر مع بقائه واقعاً وقلباً على الإيمان ونزلت بحقّه الآية الكريمة : ﴿إلاَّ من أُكره وقلبه مطمئنٌ بالإيمان..﴾ فالوهابيون طائفة أشنع من نمرود وفرعون وهم أخبث خلق الله تعالى على الشيعة، همهم إجتثاثنا من على جديث الأرض، اللهم أنصرنا عليهم بقوتك التي لا تُقهر وبجبروتك الذي لا يضعُف وبقائمك الذي لا يحيف ولا يخفى وبرسولك الكريم وآله الطاهرين (عليهم السلام) ؟

(السؤال الثاني) : ما هو الزمان والمكان اللذَين تستخدم فيهما التقيَّة ؟
(الجواب) :
موردُ التقيَّةِ عامٌ في كلِّ زمانٍ ومكان يترتب فيه على المؤمن ضررٌ كبير يؤدي إلى هلاكه أو هلاك أحدٍ من المؤمنين، فلا خصوصيَّة لزمانٍ على زمان ولا لمكانٍ على آخر، ففي كلّ زمنٍ أو مكان يحصل الضرر بترك التقيَّة يتوجبُ على المؤمن إجراء قانون التقيَّة على نفسه حتى لا يؤدي تركها إلى هلاكه إلاَّ في موارد مخصوصة لا يجوز العمل بالتقيَّة حتى لو أدَّى تركها إلى هلاكه وإفنائه وهي في موارد متعددة أهمها التالي :
(المورد الأول) : ما لو أُكره المؤمن على قتل النفس المحترمة فلا يجوز له أن يعمل بالتقيَّة تحت عنوان أنَّه كان مكرَهاً على القتل فقتل نفساً بريئة لا تستحق القتل، فقد ورد عن مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال : (إنَّما جعلت التقيّة ليُحقَن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقيَّة) .
(المورد الثاني) : لا يجوز العمل بالتقيَّة في حال أُكره المؤمن على البراءة قلباً ولفظاً أيضاً - كما هو الأقوى عندنا - من أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)، فقد جاء في الأخبار الشريفة النهيَّ عن البراءة منه (عليه السلام) وأن من أُكره على البراءة فعليه أن يمدَّ عنقه للذبح، فقد جاء في بعضها عن مولانا الإمام الصادق عن آبائه الطاهرين (عليهم جميعاً أفضل السلام وأزكى التحيات) عن أمير المؤمنين وإمام المتقين عليّ (بأبي هو وأُمي ونفسي) قال : (ستدعون إلى سبّي فسبوني، وتدعون إلى البراءة مني فمدوا الرقاب فإني على الفطرة) . والأمر بالسبّ هنا محمولٌ على الجواز والإباحة وليس على الوجوب، أي يجوز لكم أن تسبوني إذا خفتم على أنفسكم القتل وإلاَّ فيجوز للمؤمن أن يعرِّض نفسه للقتل في حال أُكره على السبِّ والعياذ بالله تعالى، وقد فصَّلنا ذلك في كتابنا "الفوائد البهيَّة في شرح عقائد الإماميَّة" فليُراجع .
(المورد الثالث) : لا يجوز العمل بالتقيَّة في حال إستلزم العمل بها هتكُ الدين وإضعاف عقائد المؤمنين، فيحرم حينئذٍ إعمال التقيَّة لأن الأهم هو حفظُ الدين وعقائد المؤمنين، فيقدَّم الأهم على المهم وهو الحفاظ على النفس، فحفظ الدين من الإندراس أهم عند الله تعالى والحجج الطاهرين (عليهم السلام) من حفظ النفس والعرض والمال، ومن هذا المنطلق لا يجوز كتمان الحقائق الدينيَّة في هذا الزمان لأن ذلك يؤدي إلى إضعاف معنويات المؤمنين الموالين بسبب كثرة المشككين بينهم بل ووجود أفراد يميلون إلى المخالفين بسبب كتمان الحقائق والتشكيك فيها .
(المورد الرابع) : لا يجوز العمل بالتقيَّة في الفروع كالصوم والصلاة والحج مع المخالفين فيما لو كان بمقدور المؤمن الفرار من المخالفين، نظير ما لو كان في مكة ثم أقاموا الصلاة وأمروه بالصلاة معهم، فهنا إن أمكنه الفرار فيتعيَّن عليه وإلاَّ فيصلي معهم ثم يعيد صلاته في الوقت أو خارجه لو فات وقتها... وهذا ما يسمّى بالمندوحة أي لو كان ثمة فرصة للهرب من التقيّة يتعيّن عليه ذلك، ولا يجوز الخروج من الفنادق والبيوت أيام الحج والعمرة للصلاة خلف زنديقٍ وهابيٍّ بوّالٍ على عقبيه، وهي فتوى مشهورة لبعض المتهورين، فأفتى بغير علمٍ بوجوب الصلاة معهم حتى لو كان الزائر في بيته فيجب الخروج منه للصلاة معهم وهذا من الفتاوى الغريبة العجيبة التي تطل علينا منه بين الحين والآخر..!!؟؟ اللهم عجِّل فرجَ وليِّك القائمَ المنتظر وأرحنا به من شياطين الإنس والجنّ برحمتك يا أرحم الراحمين..!! .

(السؤال الثالث) : هل التقيَّةُ في هذا الزمان الذي هو زمن المعلومة يعدُّ نفاقاً ؟
(الجواب) :
كلا لا يعدُّ نقاقاً باعتبار عدم إنطباق مصطلح النفاق على فاعل التقيَّة في زمن المعلومة كما أشرتم حضرتكم، ولكنَّ الفاعل لذلك يعتبرُ مداهناً لأهل الباطل، جاعلاً الدينَ عنده سلعةً بائرةً يبيعها بثمنٍ بخسٍ دراهم معدودة ستكون عليه يوم يلقى ربَّه ناراً حامية تشوي الوجوه والأفئدة بئس الشراب وساءت مرتفقاً..!!.
والمداهنة حرامٌ في شريعتنا المقدَّسة قال تعالى : ﴿فلا تطع المكذِّبين ودوا لو تُدهن فيُدهنون﴾ والمداهنة هي: الملاينة على حساب الدين، شبَّه التليين في الدين بتليين الدهن عن الطبرسي في مجمع البيان نقلاً عن إبن عباس، وقيل أيضاً : ودوا لو تكفر فيكفرون أو تركن إلى عبادة الأصنام فيمالئونك، ثم قال الطبرسي رحمه الله في تفسير سورة القلم الآية 9 : " والإدهان : هو الجريان في ظاهر الحال على المقاربة مع إضمار العداوة وهو مثل النفاق" .
وقال القمي علي بن إبراهيم رحمه الله تعالى في تفسيره القيّم المعروف بتفسير القمي في سورة القلم :"ودوا أن تدهن فيدهنون أي : أحبوا أن تغش في عليٍّ عليه السلام فيغشون معك.." ويراد من النهي عن إطاعة المكذّبين هو النهي عن إطاعة أبي بكر وعمر اللذين كذَّبا به (عليه السلام)، فقد جاء في نفس التفسير والسورة في قوله تعالى: ﴿فستبصر ويبصرون بأيّكم المفتون﴾ قال (عليه السلام) - أي الإمام الصادق (عليه السلام) - : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : أفلا أخبرك يا أبا فلان! ما نزل في بني أُميَّة (والشجرة الملعونة في القرآن) قال : كذبت يا عليّ، بنو أُميّة خيرٌ منك وأوصل للرحم.." فنزل قوله تعالى : ﴿ولا تطع المكذبين - أي من كذَّب عليَّاً أميرَ المؤمنين (عليه السلام) - ..﴾ إلخ .
والحاصل : أن المداهنة غشٌّ والمؤمن الحقيقي لا يغش لأنه كذب لأجل مصالح دنيوية لا مبرر لها سوى حبُّ الدنيا، وقد نهت الأخبار الشريفة عن نفس المداهنة لأهل المعاصي والكفر كما جاء ذلك في سياق الحديث عن قوم النبيّ شعيب (عليه السلام) حيث أنزل الله تعالى عليهم جميعاً العذاب مؤمنهم وكافرهم، فلمَّا سأل النبيُّ شعيب (عليه السلام) ربَّه عن السبب في إنزال العذاب على المؤمنين الصالحين بحسب الظاهر فأجابه الله تعالى بقوله : "بأنهم داهنوا أهلَ المعاصي فكأنهم فعلوا تلك المعاصي" لأن المداهن لا يعطي للدين قيمةً إلاَّ بمقدار مصلحته الشخصيَّة فيقدِّمها على مصلحة الدين، ومن يشخّص المصلحة ليس الوليّ الفقيه كما يزعمون بل المشخّص هو الثوابت الشرعيَّة الموجودة في الكتاب والسنّة المطهرة المتمثلة بأخبار النبيّ وآله الطاهرين (عليهم السلام)، فالثوابت الشرعيَّة هي الحاكمة على مصالح المؤمنين وليس العكس كما يفعل الكثير في زماننا اللئيم بجبروت الأقوياء، فكلُّ فردٍ مهما عظُمَ شأنه بنظر أتباعه واعتلى سدَّة المرجعيَّة أو ما يسمَّى بالولاية الحاكمة فإنه غير جديرٍ بالتشخيص ولا يجوز الإعتماد على قوله وفتواه بأيّ شكلٍ من الأشكال لأن إطاعته تعني إطاعة للشيطان المتمثل اليوم بإطاعة المخالفين وجلب رضاهم وتصدير الفتاوى الضارة بالشيعة من أجل رعاية مشاعر أولئك الكفرة الفجرة الذين لا يفتؤون عن تكفيرنا في آناء الليل وأطراف النهار متجاهرين وغير مبالين بنا ولم نسمع واحداً من علمائهم أو من علماء النصب في مملكتهم الناصبيّه في الحجاز أن صدَّر فتوى يحرِّم فيها على أتباعه النيل من الشيعة ورموزهم الدينية، فلا نحن سلمنا منهم ولا سماحة السيّد السيستاني والشيخ الحبيب والسيد المجتبى حفظ الله تعالى الجميع، ولم يصدِّر من يسمَّى بالوليّ الفقيه فرماناً يدافع فيه عنّا ويمنع عتاته عن تفسيقنا وتكفيرنا بل حرَّض علينا أتباعه وأنصاره وزنادقة الوهابيّة فلا أدري أنحن أحقُّ بالدفاع أم عائشة والصحابة ؟! وهل يصح أن تستباحَ حرمتنا وتُهَدرَ دماؤنا لأجل الصحابة المكذّبين للمولى سيّد الموحدين وإمام المتقين عليّ وأهل بيته الطاهرين ولأجل عائشة التي كفرت بحربها على أمير المؤمنين يوم الجمل ؟! فلا أدري كيف يرجَّح الكافر على المؤمن عند زعيم المتشددين الإيرانيين في حين أنهما لم يستويا عند ربّ العالمين؟! اللهم اشهد أني قد بلَّغت..والإمام الحجَّة يشهد أني قد بلَّغت، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون .
والحمد لله ربّ العالمين وصلوته الدائمات على المبعوثين رحمةً لعامة العباد محمد وآله الغر الميامين، والسلام عليكم ورحمته وبركاته .

 

حررها الراجي رضا ربِّه وإمامه بقيَّة الله الحجَّة المطلقة على عامة خلقه/ عبده الشيخ محمَّد جميل حمُّود العاملي - لبنان.


 


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=226
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 11 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18