• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : الفقه .
              • القسم الفرعي : إستفتاءات وأجوبة .
                    • الموضوع : بدعة إظهار صورة المعصوم (عليه السَّلام) في التميثل والرسوم..! .

بدعة إظهار صورة المعصوم (عليه السَّلام) في التميثل والرسوم..!

 

بسم الله الرَّحمان الرَّحيم 
الموضوع الفقهي: (بدعة إظهار صورة المعصوم (عليه السَّلام) في التميثل والرسوم..!).
    الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف الخلق وأعزّ المرسَلين سيّدنا محمّد وآله الأطهار الميامين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم ومبغضيهم ومنكري فضائلهم وظلاماتهم من الأوّلين والآخرين إلى قيام يوم الدِّين...
    أمّا بعد...
    فقد قال أحد الخطباء الحسينيين على قناة الأنوار في اليوم الثالث من محرَّم عام1428هــ ــ2008م: ما في مانع عند مدرسة أهل البيت عليهم السلام لتصوير فيلم عن الإمام الحسين عليه السلام وإظهار وجهه، وادّعى أنّ الله تعالى ألقى مثال النبي عيسى عليه السلام على الذي صُلب، وقال:في فيلم الرسالة أظهروا صورة حمزة فما المانع أنْ يُظهِروا صورة الإمام الحسين عليه السلام؟.
 هذا ما نفث به هذا الخطيب..ولعمري إنَّه كحاطب ليلٍ جمع في حبله ما لا يبصر ولا يعرف ما يحتطبه، فقد خلط الحق بالباطل في أقواله،وجمع بين الغثّ والسمين ..وهي كارثة على التشيُّع الحنيف أن يدلو بدلوه في الفقه والعقيدة كلّ من صار خطيباً ينبهر بجلوس الآلاف تحت منبره فيظنَّ نفسه أنَّه صار علامة زمانه في كلّ شيءٍ..لذا كان من الواجب علينا تفنيد مقالته حتى تتمَّ الحُجَّة عليه وعلى من يستمع إليه، ولله الحُجَّة البالغة..
نورد عليه بالآتي:
    ما كان ينبغي لهذا الخطيب الواعظ أنْ يقحم نفسَه بشيءٍ ليس من اختصاصه، إذ إنّه وضع نفسه في مقام الإفتاء وهو ليس منه، ويا ليته أصاب كبد الحقيقة بقوله المتقدِّم، لكنه وضع نفسه في مقام سيرديه في الهاوية كغيره ممن جنحوا بافكارهم فمالوا إلى الاستحسانات والأقيسة...!!
    ودعوى أنّ مدرسة أهل البيت عليهم السلام تجيز ذلك افتراءٌ على هذه المدرسة المقدَّسة التي تحترم الخصوصيات المتعلِّقة بالمعصومين (عليهم السَّلام)،وتحافظ على تلك المقامات الشريفة من أنْ يقلّدها بسحناتِ جسمها أحدٌ من العالمين حرصاً منها على ألا يقع في محذور المخالفة الشرعيّة بذاك العمل المنافي للخصوصيات الآنفة الذِّكر..
    إنّ عامّة فقهاء الإماميّة لم يجيزوا تشبيه المعصومين (عليهم السَّلام) بتمثيلهم في فيلم، نعم أجاز بعض المعاصرين الصورة المنسوبة إلى الإمام عليّ (عليه السَّلام) - وإن كانت فتواهم بالجواز بدعةً كبرى سيُحاسبون عليها - والتي استغلّها التجّار فصاروا ينسبونها إليه حقيقةً، ثمّ تعدوا طورهم فنسبوها إلى الإمام الحسين (عليه السَّلام) ثم مولانا العبّاس بن أمير المؤمنين علي (عليهما السَّلام)...!!
    وإجازة هؤلاء الفقهاء كانت مشروطة بعدم الظن بكونها دالّة على المعصوم (عليه السَّلام) ولا ندري كيف يفتي هؤلاء بالجواز بالشرط المذكور تاركين الأمر إلى المكلّف يفعل ما تشتهيه نفسُه الأمَّارة بالسوء،فالإفتاء بالرسم بشرط عدم الظنّ بأنَّه المعصوم عليه السلام هو ترخيص بجواز رسم ونقش صورة للمعصوم في حين أنَّهم حرّموا الرسم لكلّ ذي روح في فتاويهم..أليست هذه مفارقة تستحق التأمل والتدبر بأنهم لم يعوا بما أفتوا..أو أنهم أفتوا بالتبعيض بحسب أمزجتهم وأقيستهم واستحساناتهم العمريّة البكرية..!!؟ .
  والصحيح كما عليه التحقيق الفقهي:إنَّ رسم المعصومين صلَّى الله عليهم أجمعين حرامٌ شرعاً لأمرين هما:
 (الأمر الأول):إن حرمة رسم المعصوم عليه السلام بأيّ كيفيةٍ كانت لا يخرج عن عمومات حرمة الرسم وصنع الهياكل البشرية وكلّ ذي روح، ولا تبعيض في الحرمة بحيث يحرم رسم كلّ ذي روح إلا المعصوم عليه السلام..ومن يدَّعي الإستثناء المخصَّص، يجب عليه أن يأتينا به، وهو مفقود في البين بكلِّ تأكيد..وما قد يترائى للبعض من إلقاء النبي عيسى عليه السلام شبهه على أحد تلامذته فهو من السفه والجهل بالأحكام وأصول العقائد كما سوف نوضح ذلك عما قريب بعون الله تعالى والحجج الأطهار صلوات ربي عليهم أجمعين.
  (الأمر الثاني):إنَّ رسم المعصوم عليه السلام في الصور المتداولة والمنتشرة بين المؤمنين في عصرنا الحاضر وما قبله وما سيأتي في المستقبل.. لا يحكي عن واقع وحقيقة المعصوم عليه السلام،وذلك لوجود محاذير خَلْقيّة في الصورة كالخدّين المنفوخين، والأنفِ الأفطس،والشاربِين المدليينِ على الشفة العليا كمشايخ الصوفية والأعراب، والرقبة الغارقة بين الكتفين، والقصر المذموم، والوجه المدوَّر، ووو...إلى آخر ما هناك من صرعات التفنن في الرسم والنقش..!!
    وأمَّا فتوى البعض بجواز تمثيل شخصية المعصوم عليه السلام، فلا نرَ في النصوص ما يجيز ذلك ولا أن أصل البراءة يحكم بالجواز، وذلك لأنه مسبوق بحرمة تصوير أو رسم كلّ ذي روح ومنهم المعصومين عليهم السلام، وأصل البراءة لا يُعمل به ما دامت النصوص اللفظية تحرم وتمنع من النقش والرسم وتقمص شخصية المعصوم عليه السلام فإنه من الكذب والتلفيق والبهتان..والعجب من أولئك المفتين بحلية تمثيل شخصية المعصوم عليه السلام الذي لا يعكس شخصيته مطلق إنسان ليس معصوماً كما حصل لفيلم السيّدة مريم بنت عمران عليها السلام، حيث ابرزوا صورة جسمها وجسم النبي زكريا عليهما السلام، وهو عمل محرَّم لاستلزامه محاذير منها: الإثارة الجنسيّة بسبب إظهار الوجه والجسم معاً بالنسبة للسيدة مريم عليها السلام،وكذا المشي السّريع للنبيّ زكريا عليه السلام مع أن مشي الأنبياء بوقار وهيبة، والسرعة في المشي مذمومة، وكما حصل أيضاً في تصوير فيلم عن الإمام الرِّضا (عليه السَّلام) فأظهروا جسمه عدا الوجه الشريف،وفيه محاذير لا تخفى كالتصنع في رفع اليد عند محادثته للآخرين وهزال رجليه وعكف إبهامه عند رفه يده والتقلب بيده في مواضع لا تستدعي التقلب...إلخ، كلّ ذلك يستدعي إلصاق حركات وأفعال للمعصوم ليست صادرة منه قطعاً، وتؤدي إلى الاستخفاف بشخصه الكريم، أو تصورات خياليّة تنقلب إلى حقيقة عن المعصوم عليه السلام، وهو أمر داخل في دائرة الموهومات التي لا يجوز إلصاقها بالأولياء (عليهم السَّلام): (قُلْ ءآللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُون).
    مضافاً إلى أنّ نبرات الصوت عند المعصوم (عليه السَّلام) مغايرة تماماً لصوت الممثلين، وهو بدوره أعظم المصايب والقبائح التي تستلزم تحريم تشبيه المعصوم (عليه السَّلام).
    إنّ هكذا فتوى تفتح الباب على مصراعيه لهتك شخصيّة المعصومين (عليهم السَّلام) فغداً يبرزون صورة الصدّيقة الكبرى سيّدة النساء فاطمة (عليها السَّلام) - وقد فعل ياسر حبيب في فيلمه الجديد حيث أظهر صورة جسم الممثلة المتقمصة لشخصية سيّدة نساء العالمين عليها السلام- وصورة إبنتها الصدّيقة المعظَّمة الحوراء زينب (عليها السَّلام)، وصورة النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السَّلام)، وما المانع عندهم أنْ يصوّروهم بأفلام كرتونية عند أصحاب هذه الفتوى لتقريب المعصومين إلى الأطفال،وقد فعلوا..؟!!!
    إنّ هذه الفتاوى لا علاقة لمدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام) بها، بل هي فتاوى كفتاوى أبي حنيفة مبنيّة على الأقيسة والأمزجة الخياليّة فلا يجوز لأيٍّ كان أنْ يبرز شبيهاً عن المعصومين،لا في فيلم ولا في صورة، إنّ ذلك من الكبائر التي تُدخِل صاحبها إلى النّار وبئس القرار...
    كما لا يجوز لأي تاجرٍ أنْ يصغي لما قاله ذاك الشيخ على قناة الأنوار وغيرها، وماله الذي يدفعه في سبيل ذلك سحتٌ. نعم لا بأس بتصوير أفلام دون أنْ تظهر فيها صورة المعصومين (عليهم السَّلام)، بل تبقى مخفيّة كما حصل في فيلمي الرِّسالة وقصّة التفاني والإيثار، حيث أخفيت فيهما صور النبي محمَّد والإمامين عليّ والحسين (عليهما السَّلام) والعبد الصّالح العبّاس بن عليّ (عليه السَّلام)... وقد أوقع هذان الفيلمان في القلوب الهيبةَ والعظمةَ لتلك الشخصيّات المكرَّمة...
عودٌ على بدء:
    نرجع إلى دعواه بإلقاء الشبيه، فنقول:
    قياس تصوير وجه الإمام عليّ (عليه السَّلام) على إلقاء الشبيه على المصلوب مكان النبيّ عيسى عليه السلام يعتبر قياساً مع الفارق وهو قياس محرَّم، وذلك لأنّ إلقاء الشّبيه على مَن صُلِب مكان النبيّ عيسى عليه السلام من فعل الله تعالى تغليظاً للمحنة وتشديداً للتكليف وهو أمر خارق للعادة، وأين هذا من انتحال هيئة المعصوم والقيام بدوره التمثيلي الخيالي..؟! فالملقي للشبه في قصّة النبي عيسى (عليه السَّلام) هو الله تعالى، وليس المخرج السينمائي؟!!
  وبعبارةٍ أخرى: قياس الشبه الإعجازي على الشبه السينمائي مع الفارق ولا يمكن التعدي عن الإعجاز ـ لكونه القدر المتيقن ـ إلى مورد آخر مشكوك فيه. كلّ ذلك مبنيّ على صحّة ما روي من أنّ الله تعالى ألقى شبه عيسى عليه السلام على أحد الحواريين أو على بودس زكريا بوطا الذي وشى على النبيّ عيسى (عليه السَّلام)، وإلا فثمّة قولٌ آخر ذكره الشيخ الطوسي في تفسيره التبيان في تفسير القرآن ج 3 ص 383 في تفسير قوله تعالى: (ولكنْ شُبِّهَ لهم) [النساء:157] مفاده أنّ رؤساء اليهود أخذوا إنساناً فقتلوه وصلبوه على موضع عالٍ ولم يمكِّنوا أحداً من الدنو منه حتى تغيّرت معالمه وتنكرت صورته وقالوا للناس: قتلنا عيسى، ليوهموا ذلك على عوامهم لأنهم كانوا أحاطوا بالبيت الذي فيه عيسى، فلما دخلوه كان قد رفع عيسى من بينهم، فخافوا أنْ يكون ذلك سبب إيمان اليهود به، فالمصلوب هو رجلٌ عادي لم يُلقَ عليه شبه النبي عيسى عليه السلام وإنَّما تركوه حتى تغيرت ملامحه ثم صلبوه فتوهم الناس أنَّه النبي عيسى عليه السلام،فالذي صلبوه هو مَن دلّهم على النبيّ عيسى هو بودس، وبعض النصارى ـ حسب تصريح الشيخ الطوسي نقلاً عن آخرين ـ أنّ بودس زكريا بوطا ملعون وهو الذي شبه لهم فصلبوه وهو يقول لست بصاحبكم أنا الذي دللتكم عليه.
 ولكنَّ الصحيح عكس ما قاله الآخرون من علماء العامة في تفسير الآية وهو أن الله تعالى ألقى صورة النبي عيسى عليه السلام على أحد المخلصين من تلامذته وإليكم ما جاء في تفسير الآية من تفسير القمي في الصحيح عن أبيه، عن ابن أبي عمير،عن جميل بن صالح، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن عيسى عليه السلام وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه فاجتمعوا إليه عند المساء وهم اثنا عشر رجلا فأدخلهم بيتاً، ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء، فقال: إن الله أوحى إلي أنه رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود فأيكم يلقى عليه شبحي فيُقتل ويُصلب ويكون معي في درجتي ؟ فقال شاب منهم: أنا يا روح الله، قال: فأنت هوَ ذا، فقال لهم عيسى: أما إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة، فقال له رجل منهم: أنا هو يا نبي الله ؟ فقال له عيسى: أتحس بذلك في نفسك فلتكن هو ، ثم قال لهم عيسى عليه السلام: أما إنكم ستفترقون بعدي على ثلاث فرق: فرقتين مفتريتين على الله في النار، وفرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة ثم رفع الله عيسى إليه من زاوية البيت وهم ينظرون إليه،   ثم قال أبو جعفر عليه السلام: إن اليهود جاءت في طلب عيسى من ليلتهم فأخذوا الرجل الذي قال له عيسى عليه السلام: إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة، وأخذوا الشاب الذي ألقي عليه شبح عيسى فقتل وصلب، وكفر الذي قال له عيسى :تكفر قبل أن تصبح اثنتي عشرة كفرة .
   والخلاصة:إنَّ إلقاء النبيّ عيسى عليه السلام صورته على تلميذه هو أمرٌ خارق للعادة ولم يكن صاحب الشبه ـ أي عيسى ـ مجهولاً عند المؤمنين به، ولم يكن المُلقى عليه شبح النبي عيسى مجهولاً عندهم، بل كلاهما معلومان، فلا يصحّ قياسه على التمثيل أو الرسم وما شابه ذلك حسبما أسلفنا آنفاً.
تحذير للمؤمنين...!
    راجت منذ زمن ليس ببعيد صورةٌ لرسّامٍ إيرانيٍّ ادّعى أنها تعكس عن شخصيّة أمير المؤمنين عليّ (عليه السَّلام) ثمّ تطوّرت بفعل تكرار رسمها إلى ما هو عليه اليوم، وهي منتشرة في العالَم الشيعي بشكل رهيب حتى صاروا ينسبونها إلى غير الإمام عليّ (عليه السَّلام)، كمولانا المعظَّم الإمام الحسين ومولانا المعظَّم أبي الفضل العبّاس (عليهما السَّلام)، حتى أنّ بعض اللبنانيين المتحزبين طوَّرها على شكلِ قائدهم، كما أنّ بعض الإيرانيين المنتسبين للنظام الإيراني نشروا صورةً لرسول الله بعمر 15 سنة بحجّة أنّ صورته كانت منقوشة على صخرة، ولو رأيتم هذه الصّورة لظننتم أنّه مخنث من مخنثي السّودان، وعندما استنكرنا عليهم خلال تواجدنا في إيران ردّوا علينا بأنّ الوليّ الفقيه زعيم الثورة أجاز نشرها،وكأنّ إرادة الله تحلّ في الوليّ الفقيه، فلو حلّل الخمر لصار من ألذّ المشروبات عند أتباع هذه النظريّة،سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصفون، وسيعلم الذين ظلموا آل محمّدٍ أيَّ منقلب ينقلبون..
    هذه التشبيهات المستنكَرة سابقةٌ لم تحدث إلا عند اليهود والنصارى وهي جدُّ خطيرة على المسلك العقائدي والتشريعي لاستلزامها نسف القيم والمبادئ والتلاعب برموز الدِّين وتزييف الصفات الحقيقيّة التي كان يتحلّى بها المعصوم (عليه السَّلام)، وقد صدّر الراحل السيد الخوئي فتواه الشهيرة بحرمة الاعتقاد بهذه الصور لأنها لا تعبّر عن المعصوم جملةً وتفصيلاً.. ونحن نزيد على نظره حرمة أصل رسم المعصوم (عليه السَّلام) وتشبيهه بأيّ شبيهٍ كان؛ لأنّه لا يعكس واقعاً عن ماهيّة المعصوم وتاليه كالوليّ الصّالح العبّاس بن عليّ وعليّ الأكبر والقاسم والطفل الرضيع وغيرهما من أهل البيت (عليهم السَّلام)، كما أنّ الأصل في رسم كلِّ ذي روح هو الحرمة، وتتأكّد حرمتُه إذا رُسِمَ الوليُّ المعصوم وتاليه بالرتبة؛ لكونه استهانة بخصوصياتهم عُرفاً وعقلاً وشرعاً، ولو لم يقصد الرّاسمُ ذلك، والله العالِم.
   وها نحن نبرز للمؤمنين المخالفات الواضحة للصفات الحقيقيّة التي تحلّى بها أمير المؤمنين عليّ (عليه السَّلام)..
    فالصورة المطوَّرة تشترك بالأوصاف التالية:
1.   الوجه مدور، مع أنّ وجه المعصوم (عليه السَّلام) يميل إلى الاستطالة قليلاً.
2.   الأنف أفطس، والأفطس هو من انخفضت قصبةُ أنفه؛ مع أنّ أنف المعصوم عليه السلام أقنى أي في وسط القصبة أرنبة.
3. النابان من الفك الأعلى طويلان كما في صورة رأس الإمام الحسين (عليه السَّلام) التي كانت في المتحف البريطاني، مع أنّ نابيه (عليه السَّلام) بمستوى واحد كبقيّة أسنانه.
4. شارباه سميكان ونازلان على الشفة العليا ومسرَّحان إلى الجانبين، مع أنّ شاربيه (عليه السَّلام) محفوفان أو قصيران لا يتجاوزان الشفة العليا لكونه منهياً عنه حسبما جاء في أخبارهم: "حفّوا الشوارب واعفوا عن اللحى".
5.   خدّاه من الأعلى منفوخان كالجبلين، مع أنّ خديه سهلان لطيفان.
6.   رقبته قصيرة غارقة بين كتفيه، مع أنّ رقبته مستطيلة كإبريق فضّة.
7.   كتفاه قليلا العرض، مع أنّ كتفيه (عليه السَّلام) عريضان عظيمان.
8 . صدره ضيِّقٌ، مع أن صدره واسع عريض متناسق مع كتفيه العريضينِ.
    مضافاً لِمَا نشاهده من اعوجاجٍ في أجسام الممثلين كالضخامة أو القصر أو الطّول الممغَّط أو البطنة أو ضخامة الوجه، عداكَ عن اللباس العسكري الذي لا يعكس عن الحقيقة الواقعيّة نظير وضْع الريش على طاسة المولى العبد الصالح مولانا المعظَّم أبي الفضل العباس عليه السلام، مع أن ّهذا من صنع خالد بن الوليد الذي أخذه عن الرُّوم، وهذه نسبة لا علاقة للمسلمين بها، والعجب كيف أنّ علماء الشيعة سكتوا عن كلّ هذه المنكَرات المتجلببة بجلباب الدِّين؟! وا علياه، وآ حسيناه... وآ عبّاساه... وآ مهديّاه... وآ مظلوماه...
    وبهذا يتضح مخالفة الصورة المشهورة لمعالم سحنة وجه الإمام أمير المؤمنين عليّ (عليه السَّلام) مخالفة قطعيّة، ومع هذا ترى بعض المتديّنين يتهافتون على شرائها وتعليقها في حِلّهم وترحالهم... وكأنها وحيٌ نزل على رأسهم فصاروا يكذِّبون كلَّ مَن شكَّكَ بها...
    إنّ جمال أمير المؤمنين وبقيّة أهل البيت (عليهم السَّلام) لا يمكن وصفه كما أوضحنا ذلك في كتابنا النفيس" تحقيق في تنزيه الإمام الأعظم أمير المؤمنين عليّ عليه السلام عن البطنة والصلع"، وصدق الشاعر ابن الفارض يصف جمال الإمام المهدي ـ روحي وأرواح العالمين لتراب نعليه الفداء ـ بقوله:
لو أسمَعُوا يعقوبَ ذِكْرَ مِلاحَةٍ                      في وَجهِهِ، نَسِيَ الجمالَ اليوسفي
    وجمال الإمام المهدي (عليه السَّلام) هو نفس جمال آبائه الطّاهرين (عليهم السَّلام).
والختام:
    لا يجوز نشر هكذا صور، كما  لا يجوز التشبيه بالمعصومين وأهل بيتهم جميعاً بأفلام ورسوم وما شابه ذلك، كما لا يجوز التشبه بأصواتهم لاستلزامه هتك حرمات هذه الشخصيات المبارَكة والاستهانة بها من قبل أعداء آل محمّد، كما لاحظناه في العراق على أيدي الكفرة الفجرة من أعوان بن لادن... فعلى المؤمنين الغيارى أنْ لا يصغوا إلى أيّ مقالٍ يدعو إلى تصويرهم (عليهم السَّلام) أو تمثيلهم أو أداء أصواتهم لأنّ كلّ ذلك يدخل في دائرة الظنون والأوهام التي لا تغني من الحقّ شيئاً.
    ويؤسفنا ما نشاهده الآن على قنوات شيعيّة من تمثيلٍ وتشبيهٍ لا يرقى إلى المستوى الذي يليق بالفنّ العاديّ عدا عن أنّه مخالفٌ للشّرع الحنيف (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً). 
    وإنْ كان لا بدّ من تمثيل، فيجب أنْ يقول الممثِّل من وراء حجاب قال الإمام الحسين عليه السلام.. قال المولى أبو الفضل عليه السلام... قالت مولاتنا زينب عليها السلام، كلّ ذلك دون أنْ ينسب القولَ إلى نفسه، بل يكون مجرَّد ناقلٍ عنهم (عليهم السَّلام)، وإذا عملتم بهذه الشّروط والمواصفات التي ذكرتها آنفاً تكون قد برأت ذمّتكم ووافقتم الاحتياط على أقلّ تقدير؛ لما ورد عن الإمام الصّادق (عليه السَّلام):"إحتط لدينكَ ما شئتَ "، ولقوله أيضاً: "مَن حام حول الحمى أوشك أنْ يقع فيها ". أليست هذه الرّسوم والأفلام التي تُظهر الوجوه والأجسام مخالِفة للاحتياط الآنف الذِّكر؟! أنصِفونا قبل الأسف يوم الحساب، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون ولا جاهٌ ولا عَظَمَةٌ إلا مَن أتى الله بقلبٍ سليمٍ مع آل البيت (عليهم السَّلام)، بحيث لا يشينهم ولا يهينهم ولا ينقص من قدرهم لا في صورة ولا في صوت ولا في فعلٍ، نذكّركم بقوله (عليه السَّلام):" كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا "، وبما ورد أيضاً عن الإمام الصّادق (عليه السَّلام):" حبِّبونا إلى النّاس ولا تبغضونا إليهم ".
   مولاي يا بقيّة الله عونكَ والمدد، والسّلام عليكَ سيِّدي ورحمة الله وبركاته، ولعن الله ظالميك وخاذليك ومبغضيك ومشبّهيكَ...
والحمد لله ربّ العالمين وصلِّ اللهم على رسولك محمَّد وآله الطيبين المطهرين، ولعن اللهُ الظالمين لهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين
يا قائم آل محمَّد أغثنا سيِّدي
غريبك واقفٌ على باب دارك الطاهر
عبدك محمّد جميل حمّود العاملي
بيروت/ بتاريخ  5 محرَّم/1428هـ، الموافق:15/1/2008م
وتمَّ تنقيحها وتعديلها عام 1445 هجري قمري الموافق 2024 ميلادي

  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=2304
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 06 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 7