• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : الفقه .
              • القسم الفرعي : إستفتاءات وأجوبة .
                    • الموضوع : هل كشفت مولاتنا الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء صلَّى الله عليها عن وجهها أمام جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه..؟ .

هل كشفت مولاتنا الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء صلَّى الله عليها عن وجهها أمام جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه..؟

 

بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
هل تفيد هذه الرواية أن السيدة الزهراء عليها السلام كانت كاشفة لوجهها؟ ولو كان جوابكم بالنفي فكيف تفسرون ما ورد فيها؟ 
  ونص الرواية هو:صاحب البحار ج43/62 حديث 53 نقلاً عن الكافي:العدّة،عن البرقيّ،عن إسماعيل بن مهران عن عبيد بن معاوية،عن معاوية بن شريح،عن سيف بن عميرة،عن عمرو بن شمر،عن جابر،عن أبي جعفر عليه السلام،عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال:خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله يريد فاطمة عليها  السلام وأنا معه، فلما انتهينا إلى الباب وضع يده عليه فدفعه ثمّ قال:السلام عليكم، فقالت فاطمة عليها السلام:عليك السلام يا رسول الله، قال:أدخل؟قالت:أدخل يا رسول الله! قال:أدخل أنا ومن معي؟ فقالت:يا رسول الله ليس عليّ قناع، فقال:يا فاطمة خذي فضل ملحفتك، فقنّعي به رأسك، ففعلت،ثمّ قال:السلام عليكم،فقالت:وعليك السلام يا رسول الله،قال:أدخل؟قالت:نعم أدخل يا رسول الله قال:أنا ومن معي؟قالت:أنت ومن معك،قال جابر:فدخل رسول اله (صلّى الله عليه وآله) ودخلت أنا وإذا وجه فاطمة أصفر كأنّه بطن جرادة، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مالي أرى وجهك أصفر؟قالت:يا رسول الله الجوع، فقال:اللهم مشبّع الجوعة ورافع الضيعة أشبع فاطمة بنت محمّد، فقال جابر:فوالله فنظرت إلى الدم ينحدر من قصاصها حتّى عاد وجهها أحمر فما جاعت بعد ذلك اليوم. 
أرجو أن أجد جواباً واضحاً وكافياً ووافياً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموضوع الفقهي: (هل كشفت مولاتنا الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء صلَّى الله عليها عن وجهها أمام جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه..؟ ).
بسم الله الرَّحمان الرَّحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
  الجواب:الرواية المتقدِّمة ضعيفة سنداً ودلالةً ولا تدل على جواز كشف السيِّدة الطاهرة الصدِّيقة الكبرى وجهها أمام الأجانب، وهي من الروايات المتشابهات التي لا يجوز التعويل عليها منفردةً بدون الرجوع إلى المحكمات الأخرى من الكتاب والسنَّة الشريفة، وأقل ما نقول فيها أنَّ ذيلها ملفقٌ على سيّدة الطهارة والقداسة وعلى جابر نفسه، وقد فنّدنا ذلك لأحد إخوانك المؤمنين حينما سألنا نفسَ سؤالك، لذا نكرره لك مختصراً مع إضافات أُخرى، مع تأكيدنا إلى أن بعض أنصاف العلماء إتخذ الروايةَ ذريعةً لجواز كشف المرأة وجهها على الأجانب متغافلاً عن سيرتها العطرة الطاهرة الدالة على سترها وعفافها بحيث لم يرَ خيالها فضلاً عن وجهها أخص الخواص إلَّا ما كان على نحوٍ إتفاقيٌّ لمن كان بمنزلة أبيها من الناحية الأبوية كسلمان الفارسي وجابر بن عبد الله الأنصاري، ولم نعثر على رواية صريحة بأنها كشفت وجهها أمام سلمان وجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما مع كونهما من الخصيصين عند رسول الله وأمير المؤمنين صلَّى الله عليهما وآلهما، ولو فرضنا جدلاً أن جابراً رأى وجهها الشريف - مع أن ذلك لم يحصل - ولكن ليس كما في هذه الرواية التي لا تسلم من بعض المخالفات الشرعيَّة كدعوى رؤيته لقصاص شعرها وهو أمرٌ مقطوع البطلان جملةً وتفصيلاً...ومن اعتمدها من الشيعة كدليلٍ على جواز كشف الوجه فهو مشتبه، ولكنَّ فريقاً في قلبه مرضٌ ديدنه الإعتماد على المتشابهات ليس في هذه المسألة فحسب بل في كثيرٍ من المسائل العقدية والفقهيَّة، فمورد مسألتكم هو من المتشابهات التي طالما تمسك بها هؤلاء المتحللون والمشكّكون بقضايا الطهر والقداسة والمعجزة والظلامة، ونحن لا نردَّها كما ردَّها كلَّها غيرُنا من فقهاء الإماميَّة ونخصُّ بالذكر المرحوم المحقق صاحب الجواهر الشيخ محمّد حسن النجفي( نسباً من ناحية أبيه والعاملي من ناحية أُمّه) في كتابه الجواهر /الجزء 29ص 79 والسيِّد الخوئي في كتابه مستند العروة /باب النكاح/الجزء الأول ص 59 وغيرهما من محققي الإماميَّة دون أنصاف الفقهاء ممن يعومون على المتشابهات لما في قلوبهم من الأمراض والعقد النفسيّة والتحلل من القيود الشرعية ليسهِّلوا على أتباعهم حياتهم بتحليل ما حرَّم الله تعالى...فهذان العلمان قد ردّاها من أساسها ونحن نردُّ بعضَ فقراتها ونُبقي على البعض الآخر، ولا يمنع ضعفها من التمسك ببعضها الآخر الدال على صحة وجود الملاحف ـ أي العباءات ـ كانت النساء المسلمات يتداولنها وهو ما قد نفاه محمد حسين فضل الله في إحدى محاضراته بأنه ليس ثمة ما يدل على وجود عباءة في الإسلام، وقد فنَّدنا مقاله في بعض بحوثنا واعتمدنا على كثيرٍ من الأخبار الصريحة في تداول العباءة في عصر النصّ(1)، كما لنا جولة أُخرى بإذن الله تعالى في بحوثٍ مستقبليّة سنوضح فيها بالبرهان والدليل على تداول المسلمات للعباءة والشادور الإيراني الذي يعبَّر عنه بالملحفة حيث إن المؤمنات كنَّ يلبسن الملاحف فوق العباءة زيادة في الستر والعفاف، وليس كما هو الآن في إيران يلبسن الملاحف مفتوحةً يظهر منها مقدَّم المرأة كاملاً وبأبهى زينتها...!!. 
  إنَّ خبر عمرو بن شمر المتقدِّم لا يدل على بيان حكمٍ عام بجواز كشف الوجه خارج المنزل بل ولا حتى في داخل المنزل لإستقبال الزوار..فكلُّ ذلك غير مراد من الخبر، فنحن نبعِّض بقبول فقرات الخبر ولا نسترسل بأخذها جميعاً، وذلك لتعارض الصدر مع الذيل وهو أمرٌ لم يتفطن إليه المحققون الذين أنكروا الخبر، ووقوع التعارض إنَّما هو في فقرتين في الخبر المذكور:
(الفقرة الأولى): قول رسول الله صلَّى الله عليه وآله: (يا فاطمة خذي فضل ملحفتكِ فقنّعي به رأسكِ).
(الفقرة الثانية):قول جابر(نظرت إلى الدم ينحدر من قصاصها حتى عاد وجهها أحمر..).ووجه التعارض واقعٌ في مفهوم القناع الذي هو عبارة عن تغطيّة الوجه كاملاً بحيث يغطي الشعر والجبين والجبهة والأنف والذقن ولا يظهر منه سوى العينان فقط، ولا يُشكَلُ علينا بأنَّ النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وآله أمرها بتغطية رأسها ولم يأمرها بتغطية وجهها، والوجه غير الرأس..فإننا نقول:بأن الرأس هو مجموع الوجه وأُمّ الرأس والجبهة والجبين، لذا يقال لفروة الرأس بأنَّها أُمّ الرأس وليست كلَّ الرأس، ومن هنا يقال لمن فصلوا رأسه كلّه عن جسمه بأنه قطعوا رأسه عن عنقه وليس أُمَّ رأسه فحسب، فقول النبيّ الأكرم صلَّى الله عليه وآله (قنِّعي رأسَكِ) أي جميع رأسك الشامل للوجه والجبهة والجبين والأنف والفم دون العينين، وذلك لأن المعلوم لغةً وإصطلاحاً في تعريف القناع هو ما أشرنا إليه وهو يتعارض مع الذيل الدال على أن جابراً رضي الله عنه قد رأى وجهها من قصاص شعرها، في حين أن قصاص الشعر داخل في منبت الشعر الذي لا يجوز النظر إليه بأيِّ حالٍ من الأحوال لا سيَّما عند سيِّدة الطهر والقداسة، ولو اقتصرنا على جزءٍ من الرأس وهو فروة الرأس لما صحَّ ذلك أيضاً، لأن قصاصها داخلٌ في فروة الرأس فلا يجوز لجابر النظرَ إليه قطعاً.
  وزبدة المخض:إنَّ الخبر المذكور لا يمكن الإعتماد عليه كدليلٍ على جواز كشف الوجه، ولا يبعد أن يكون ذيل الخبر وهو قول جابر (فوالله لنظرت إلى الدم ينحدر من قصاصها حتى عاد وجهها أحمر فما جاعت بعد ذلك اليوم) مكذوباً على جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه بالكيفية التي نسبوها إليه من أنَّه رأى الدم ينحدر من قصاص شعرها الشريف، وليس ثمةَ مانع أو محذورٌ من تعرُّض الأحاديث الصحيحة إلى تبعض تلفيق التكذيب فيها لإسقاطها عن الحجيَّة وغيرها من الأحاديث، أو للتهكم على مولاتنا سيّدة نساء العالمين عليها السلام والإنتقاص منها حاشا لنعليها الشريفتين.. ومع هذا كلِّه فقد أُسقِط الخبر عن الإستدلال به على جواز تكشيف الوجه بالوجوه الآتية:
  (الوجه الأول):الخبر ضعيف سنداً لجهالة عبيد إبن معاوية بن شريح، وأما عمرو بن شمر فقد ضعَّفه النجاشي، وجعله العلاَّمة الحلي في الخلاصة في قسم الضعفاء واستنتج عدم الإعتداد بروايته، ولكنَّ الرجل عندي ثقة لوقوعه في أسناد تفسير القمي وكامل الزيارات وهما لا ينقلان إلَّا عن ثقة كما ذكرا ذلك في مقدمة كتابيهما المعروفين، فتضعيف عمرو بن شمر في غير محلِّه، فيبقى الإشكال في عبيد بن معاوية المجهول، فالرواية على مسلك المشهور ضعيفة فتسقط عن الحجيَّة، وعلى فرض صحة سندها فإن إعراض المشهور عنها يوهنها، ووهنها كافٍ في سقوط الإستدلال بها على صحة جواز كشف الوجه.
(الوجه الثاني):الخبر على وهنه سنداً يعتبرُ قاصراً عن معارضة أدلة حرمة كشف الوجه والكفين من وجوه، ومحتمل لإرادة النظر الإتفاقي لا النظر العمدي لجلالة جابر الأنصاري وعلو شأنه وهو من أهل البيت تنزيلاً لا حكماً كما جاء في بعض الأخبار فمن المستبعد بل من المستحيل بحق الصدِّيقة الكبرى وسيِّدة نساء الحور العين أن تكشف عن قصاص شعرها وإن جاز أن تكشف وجهها على من كان منها بمنزلة عمها لقداسته وتقواه، فيكون الكشف عن الوجه – ولكن ليس من قصاص الشعر - قضية جزئية لا يمكن تعميمها على الحالة العامة عند نساء المسلمات أو نساء أهل البيت عليهم السلام، فتكون الرواية حكماً خاصاً في قضية خارجية وليست قضيةً حقيقيةً تعمم حكماً عاماً على جواز كشف الوجه، ولو فرضنا نظرَ جابر إليها بالنظر العمدي فهو مرفوض على نحو القطع بعدمه ـ كما أفاد صاحب الجواهر رحمه الله تعالى ـ وذلك لضرورة معلوميّة كون الأولى خلافه من سائر النساء والرجال فضلاً عن سيِّدة النساء وجابر، بل جاء عن سيِّدتنا ومولاتنا الطاهرة (صلَّى الله عليها) في حديث آخر قالت للنبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وآله: (خيرٌ النساء ـ أو للنساء ـ أن لا يرين الرجالَ ولا يراهنَّ الرجالُ، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله :فاطمة منِّي ).
  فحاصل هذا الوجه هو أن يقال: بأن متن الرواية غير قابلٍ للتصديق وذلك لأن مقام الصدّيقة الكبرى (روحي فداها) يمنع من ظهورها أمامَ الرجل الأجنبيّ بحيث يراها قطعاً فإن كلَّ امرأة شريفة تأبى ذلك فكيف بسيِّدة نساء الجنَّة بل الحور العين اللاتي لم يطثهنَّ إنسٌ ولا جانٌ.
  (الوجه الثالث):إنَّ متن الرواية غيرُ خالٍ من الحزازة وما لا تطمئنُ النفسُ إليه من أنَّ الصدِّيقة الكبرى الشهيدة المظلومة (فديتها بنفسي) ما جاعت بعد ذلك اليوم مع اشتمال التواريخ المستفيضة المعتبرة على تكرار جوعها إيثاراً، فمجموعها المتكرر قرينة على كذب ذيل الرواية كما أشرنا لكم وإلَّا لو لم تجع عليها السلام بعد هذه القصة لكان شاع بين المسلمين ولكان رواها غير عمرو بن شمر مع أنَّه متفردٌ بنقل هذه المعجزة العظيمة ؟!!.
  (الوجه الرابع):إنَّ ظاهر الرواية النظر إلى قُصاص الشعر ـ وهو لغة وعرفاً ما ينتهي نبتُهُ من مقدَّمه أو مؤخره ـ وهو أمرٌ مجمعٌ على حرمته لأن النظر إلى قُصاص الشعر ملازمٌ عادةً للنظر إلى النابت مع حرمته بالإتفاق كما أشرنا ...
  (الوجه الخامس):إنَّ تاريخ وقوع هذه الحادثة غيرُ معلومٍ، فلعلَّه كان قبل نزول آية الحجاب المانعة عن النظر، ولكنَّ سيدتنا الطاهرة عليها السلام كانت تتحاشي على نحو الوجوب عن النظر إلى الأجنبيّ أو نظر الأجنبي إليها إلَّا على من كان بمنزلة عمّها كالمورد المفروض لو سلَّمنا بصحة ذيل الرواية والله تعالى هو العالم وهو من وراء القصد، والسلام عليكم .
كلبهم الباسط ذراعيه بالوصيد عبدهم الشيخ محمَّد جميل حمُّود العاملي/بيروت 14رجب1431هجري/الموافق 25حزيران2010م

 

 

الهامش:
(1)- لنا مقال فقهي مسهب في موقعنا الإلكتروني تحت عنوان (الأدلة الشرعية على وجوب الحجاب وماهيته/والعباءة هي اللباس الشرعي) فليراجع.

 


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=2346
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 09 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 7