المرجع الديني المحقق آية الله الشيخ محمد جميل حمود العاملي (أدامه الله ذخراً للمؤمنين والمؤمنات)
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ..
من السنن الواردة في روايتنا الشريفة التختم باليمين ، ومن سنن الأمويين التختم بالشمال ، فكيف يمكن توجيه الحديث التالي المروي عن إمامنا الحسن العسكري (عليه السلام) ؟ فقد ورد عن المحدّث الحسن بن علي بن شعبة في (تحف العقول): عن الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام أنه قال لشيعته في سنة ستين ومائتين: أمرناكم بالتختم في اليمين ونحن بين ظهرانيكم والآن نأمركم بالتختم في الشمال لغيبتنا عنكم إلى أن يظهر الله أمرنا وأمركم، فإنه من أدل دليل عليكم في ولايتنا أهل البيت،فخلعوا خواتيمهم من أيمانهم بين يديه، ولبسوها في شمائلهم، وقال لهم: حدثوا بهذا شيعتنا .
المصدر : وسائل الشيعة ج٥ ص٨١
خادمكم
يونس الحميري
كربلاء المقدسة
_______
الموضوع الفقهي:( تفسير قول مولانا الإمام الحسن العسكري عليهما السلام:( أمرناكم بالتختم في اليمين ونحن بين ظهرانيكم والآن نأمركم بالتختم في الشمال لغيبتنا عنكم إلى أن يظهر الله أمرنا وأمركم، فإنه من أدل دليل عليكم في ولايتنا أهل البيت،فخلعوا خواتيمهم من أيمانهم بين يديه، ولبسوها في شمائلهم، وقال لهم: حدثوا بهذا شيعتنا ).
بسم الله جلّت عظمته
وعليكم السلام ورحمته وبركاته
الجواب: إن حديث الإمام المعظّم الحسن العسكري صلّى الله عليه وآله المشار إليه أعلاه لو سلَّمنا بصحة صدوره عنه، فهو محمولٌ على التقية قطعاً، وذلك لثلاثة وجوهٍ معتبرة هي التالي:
(الوجه الاول):وجود قرينة لفظية في الحديث تشير إلى العمل بالتقية في عصورهم عليهم السلام لا سيّما في حال إنقطاعهم عن الإتصال بهم بعد شهادته عليه السلام وغيبة إبنه الإمام الحُجَّة القائم صلّى الله عليهما وهذه القرينة هي قوله الشريف(أمرناكم بالتختم في اليمين ونحن بين ظهرانيكم والآن نأمركم بالتختم في الشمال لغيبتنا عنكم..) فقد أمر صلوات ربي عليه شيعتَه يومذاك بالعمل بالتقية حفظاً لهم من التهلكة وذلك لأن التختم باليمين حال حضورهم الشريف علامة الإيمان وهو شعار الأئمة الأطهار عليهم السلام، فمن بقي على التختم باليمين في عصور غلبة الحكام من بني أمية وبني العباس فإنّه سيعرِّض نفسَهُ للتهلكة كالتنكيل به أو قتله بسبب التختم باليمين المشهور في وسط الشيعة..وحيث إن إمامنا المعظَّم الحسن العسكري صلّى الله عليه وآله قد أشرف على الشهادة، فكان من الواجب أن يحافظ على شيعته ومواليه من بني العباس وفلول بني أمية الذين سيسيطون على البلاد ويقتلون الشيعة في البلاد، فأمر( صلوات ربي عليه) أن يخلعوا خواتيمهم من أيامينهم ويتختموا بشمالهم لان غيبة إبنه الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله) قد بدأت مذ رحل والده عام مائتين وستين للهجرة وهي بداية الغيبة الصغرى له فديته بروحي وهي مقدِّمة وتمهيد لبداية الغيبة الكبرى التي نعيش في ظلالها اليوم.
(الوجه الثاني):إن الحديث المتقدّم يتعارض مع الأخبار المتواترة الدالة على الإستحباب - بحسب فتوى المشهور - أو على الوجوب بحسب نظرنا الفقهي باعتباره من علائم الإيمان والتشيع كما هو ظاهر الأخبار الشريفة التي روى المحدّث الحُر العاملي جملةً منها في كتابه" وسائل الشيعة ج ٥ ص ٨١"؛ فلا يجوز العمل بما يخالفها وهو التختم بالشمال، وذلك لأن التختم بالشمال هو من مبتدعات بني أمية لعنهم الله تعالى؛ فقد خالفوا سُنّة النبيّ وآله حقداً وإبطالاً لشريعته المقدّسة وتقويضاً لها بإيحاء من أعمدة السقيفة لا سيّما زعيمها عمر..!!
هذا مضافاً إلى ما روي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام نفسه من أنّه قال:( من علامات المؤمن خمس: التختم في اليمين..)، وغيرها من الروايات التي أمرت بالتختم باليمين كما في رواية سهل بن زياد عن محمد بن عيسى عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الثاني (عليه السلام) في حديث:أن النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة (عليهم السلام) كانوا يتختمون في اليد اليمنى" .
لذا فلا يجوز العمل بما يوافق المخالفين كما جاء في الأخبار الشريفة الأمر بوجوب مخالفتهم وأن الرشد كلّه في مخالفة العامة، وذلك لأنهم لم يتركوا مستحباً أو واجباً جاء به رسول الله وأمير المؤمنين عليّ صلّى الله عليهما وآلهما إلّا وضعوا مخالفاً لهما ليهدموا ما جاءا به من عند الله تعالى.
(الوجه الثالث): إن أخبار جواز التختم بالشمال لا يمكن العمل بها في غير التقية، وذلك لمعارضتها للأخبار المتواترة الصريحة الآمرة بالتختم باليمين والناهية عن التختم بالشمال؛ فتسقط الأخبار المتوافقة مع العامة من أساسها في غير التقية ولا يجوز التختم بالشمال من باب الجمع بين الطائفتين من الأخبار بسبب عدم وجود تكافؤ بينهما للأسباب التي أشرنا إليها آنفاً؛ وما يروج - وقد راج وانتشر - في الحوزات العلمية من استحباب الجمع بين الطائفتين دونه خرط القتاد وهو خطأٌ محض ينمُّ عن جهلٍ في تطبيق قواعد الجمع العرفي العلمي الصحيح في بحث التعادل والتراجيح في علم الدراية الفقهية، بل هو عكس ما دلت عليه أخبارنا الشريفة والتي منها (الرشد في مخالفة العامة).
فلا يصح الجمع بين البدعة والشرع ولا بين الحق والباطل، فما ثبتت بدعتُه وزيفه كيف يصح الجمع بينه وبين ما ثبت أنّه حق وضده باطل..؟! وما ينتشر اليوم في الوسط الشيعي من التختم باليمين والشمال معاً في الوسط العلمي ما هو إلا محض إشتباه وجهل في معالجة الاخبار التي توافق اخبار العامة...! بل الأعجب من كلّ ذلك صرنا نرى علماءً لا يتختمون بأيامينهم ولا شمائلهم ليرضوا الخط السلفي الحنبلي الذي يحرّم على أتباعه التختم بالأصابع مطلقاً ويعتبرونه شركاً...! بدع حنبلية توافق معها علماءُ في الطائقة الشيعية المحقة...!!
وإن عشتَ أراك الدهرُ عجباً؛ وكلُّ إناءٍ بما فيه ينضح...!
هذا ما أحببنا إيراده باختصار والله من وراء القصد.
عبد الإمام المعظّم الحُجّة القائم المهدي صلّى الله عليه وآله.
واقفٌ على بابه يرجو فضلَ إحسانه الشريف
محمَّد جميل حمُّود العامِلي/ جبل لبنان/ بتاريخ ٢٩ رجب الأصب ١٤٤٦ هجري قمري.
|