إلى آية الله المحقق الشيخ محمد جميل حمود العاملي دام ظله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة لحبيب قلبي سماحة الوالد الشيخ العاملي وعلى أعوانه في تبليغ الأحكام الشرعية والمعارف الإلهية..وبعد:
هناك إختلاف بين علماء الشيعة حول مسألة من دسَّ السُّمَّ للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله فالبعض يقول: إنها إمراة يهودية .. والبعض الآخر يقول:سُقي الرسول صلى الله عليه وآله السُّمُّ بتخطيطٍ من أبي بكر وعمر وتنفيذاً من عائشة وحفصة لعنة الله عليهم جميعاً.
شيخنا حفظكم الله ماهي حصيلة بحثكم وتحقيقكم حول مسألة من دسَّ السُّم للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله؟
أجيبوناً مأجورين كما عودتمونا بشكل’مفصَّل مع ذكر المصادر من الفريقين.
ملاحظة هامة: أسأل الله العليّ العظيم بحق محمد وآل محمد أن يحفظ شيخنا العاملي والأخوة المؤمنين العاملين في مكتبه من كل سوء وشر يحيط بهم .ونحن شيخنا مستعدين أن نفديك بأرواحنا وليس هذا الكلام مجاملة لكم بل حقيقة وكيف لا ..؟ وأنتم رفعتم راية محمد وآل محمد والبراءة من أعداءهم وكسرتم أصنام المخالفين وعكرتم مزاجهم ببحوثكم التي أشفت غليل قلوبنا .. بل يشرفني شيخنا وبكل تواضع جم أن أكون خادماً صغيراً لكم حفظكم الله وأطال الله في عمركم وجعلكم ذخراً للمذهب وحشركم مع محمد وآل محمد في جنات الخلود.
نسألكم الدعاء
خادمكم العبد الحقير الفقير
بو علي
ـــــــــــ
الموضوع الفقهي العقائدي: (عائشة هي من دست السُّم لرسول الله صلّى الله عليه وآله في شرابه بإيحاء من أبيها وعمر..)
بسمه تعالى
السلام والتحية من الله تبارك وتعالى على الصفيِّ الوفيّ والوليّ لأولياء الله تعالى وشيعتهم المظلومين، جعلنا الله تعالى وإيَّاكم من خدمة وليِّه الأعظم إمام الزمان وحُجّة الرحمان المهديّ القائم المنتظر(أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)،وأشكر غيرتكم وحميتكم الفاطميّة وشجاعتكم العلويّة، هذه الغيرة التي يظهر منها الإخلاص والمحبة، ولن ننساها لكم في يومٍ يفر المرء من أبيه وأمه وأخيه وصاحبته وبنيه، كما ولن ننساها لكم مادمنا على قيد الحياة، وإنني أبتهل إلى الله تعالى وإلى إمام زماننا صلوات الله عليه وآله أن يعطيكم حلاوة نصرتكم لنا عاجلاً قبل الآجل، وأن تكون الحلاوة هي ما ترغبون من معاني الودّ والقرب من آل الله تعالى ومرضاتهم، فيا ليت لنا في هذه الطائفة مئة مثلكم يحبون لله ويبغضون لله تعالى دون حظٍّ للنفس وإنَّما إبتغاء وجه الله تعالى ومحبة أوليائه ومن يدافع عنهم، ولقد حملني كرمكم وحميتكم الحمزويّة إلى التواضع أكثر أمام شخصكم الكريم، راجياً منه تبارك مجده أن يسبغ عليكم لباس العافية والقوة والنشاط في نصرة شيعة آل الله الأطهار عليهم السلام إنه خير مجيب وهو حسبنا ونعم الوكيل.
والجواب على سؤالكم حفظكم المولى هو الآتي:
من يعتقد أن السبب الرئيسي في موت النبيِّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) كان بتدبير إمرأة يهوديّة دست له السُّمَّ في ذراع شاة مسمومة دعته للأكل منها، فهو خاطىءٌ جداً، ولا نعتقد كونه محصِّلاً لشيءٍ من التفسير والتحقيق في مطالب السيرة النبويَّة الطاهرة على صاحبها آلاف السلام والتحية، وكم من علماء ـــ هم علماء بحسب الظاهر ـــ لكنّهم ليسوا كذلك في واقع الأمر، ومشكلة أكثر الشيعة في هذا الزمان أنهم أخذوا دينهم من المعممين وليس من العلماء، وما أكثر العمائم وما أقلَّ العلماء..!!.
الصحيح الذي عليه التحقيق:أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله مات شهيداً جرّاء سُّمٍّ دسته له عائشة وحفصة في شرابه، بتدبيرٍ من والديهما الخبيثين ليتم لهما السيطرة على مقاليد السلطة فوراً بعد موته صلوات الله عليه وآله، وقد أشارت بعض الأخبار الشريفة عنهم عليهم السلام إلى ذلك، ففي صحيحة عبد الصمد بن بشير عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام قال:أتدرون مات النبيُّ أو قُتِل؟ إن الله تعالى يقول( أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم..) فسُّمَّ قبل الموت، إنَّهما سقتاه، فقلنا:إنَّهما وأبوهما شرُّ مَنْ خلَقَ اللهُ ).إنتهى.
والخبر في تفسير العياشي ج1تفسير سورة آل عمران الآية 144.
وفي بعض الأسانيد عن مولانا الإمام الكاظم عليه السلام قال: لما كانت الليلة التي قُبض النبيُّ صلى الله عليه وآله في صبيحتها دعا عليّاً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وأغلق عليه وعليهم الباب وقال: يا فاطمة، وأدناها منه فناجاها من الليل طويلاً، فلما طال ذلك خرج عليٌّ ومعه الحسن والحسين عليهم السلام وأقاموا بالباب والناس خلف الباب، ونساء النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ينظرن إلى [أمير المؤمنين] عليّ ( عليه السلام ) ومعه ابناه، فقالت عائشة:" لأمرٍ ما أخرجك منه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وخلا بابنته دونك في هذه الساعة ؟ فقال لها [ أمير المؤمنين] علي ( عليه السلام ): قد عرفت الذي خلا بها وأرادها له، وهو بعض ما كنت فيه وأبوك وصاحباه مما قد سمَّاه" فوجمت أن ترد عليه كلمة، قال عليٌّ ( عليه السلام ): فما لبث أن نادتني فاطمة عليها السلام فدخلت على النبيّ (صلى الله عليه وآله) وهو يجود بنفسه، فبكيتُ ولم أملك نفسي حين رأيته بتلك الحال يجود بنفسه، فقال لي: ما يبكيك يا عليُّ ؟ ليس هذا أوان البكاء، فقد حان الفراق بيني وبينك، فأستودعك الله يا أخي، فقد اختار لي ربي ما عنده، وإنما بكائي وغمي وحزني عليك وعلى هذه – أي إبنتي فاطمة سيّدة نساء العالمين عليها السلام - أن تضيع بعدي، فقد أجمع القوم على ظلمكم، وقد أستودعكم الله، وقبلكم مني وديعة (لم نعثر على معنى واضح لجملة"وقبلكم مني وديعة" ولعلّ المراد على فرض وجودها في الرواية هكذا:"وقبولكم مني وديعة "، يا عليُّ: إني قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك، فأنفذها، فهي الصادقة الصدوقة، ثم ضمها إليه وقبل رأسها، وقال: فداكِ أبوكِ يا فاطمة، فعلا صوتها بالبكاء، ثم ضمها إليه وقال:أما والله لينتقمن الله ربي، وليغضبن لغضبك فالويل ثم الويل ثم الويل للظالمين، ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وآله، قال عليٌّ عليه السلام :فوالله لقد حسبت( في نسخة: حسست ) بضعة مني قد ذهبت لبكائه حتى هملت عيناه مثل المطر، حتى بلت دموعه لحيته وملاءة كانت عليه، وهو يلتزم فاطمة لا يفارقها ورأسه على صدري، وأنا مسنده، والحسن والحسين يقبلان قدميه ويبكيان بأعلا أصواتهما، قال عليٌّ ( عليه السلام ): فلو قلت: إن جبرئيل في البيت لصدقت، لأني كنت أسمع بكاء ونغمة لا أعرفها، وكنت أعلم أنها أصوات الملائكة لا أشك فيها، لأن جبرئيل لم يكن في مثل تلك الليلة يفارق النبي صلى الله عليه وآله، ولقد رأيت بكاءً منها (أي من مولاتنا فاطمة عليها السلام) أحسب أن السماوات والأرضين قد بكت لها، ثم قال لها: يا بنية، الله خليفتي عليكم، وهو خير خليفة، والذي بعثني بالحق لقد بكى لبكائك عرش الله وما حوله من الملائكة والسماوات والأرضون وما فيهما، يا فاطمة والذي بعثني بالحق نبيّاً لقد حرمت الجنة على الخلائق حتى أدخلها، وإنك لأول خلق الله يدخلها بعدي كاسية حالية ناعمة، يا فاطمة هنيئا لك، والذي بعثني بالحق إنك لسيّدة من يدخلها من النساء، والذي بعثني بالحق إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا صعق، فينادي إليها أن: يا جهنم ! يقول لك الجبار: اسكني بعزي، واستقري حتى تجوز فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله إلى الجنان، لا يغشاها قتر ولا ذلة، والذي بعثني بالحق ليدخلن حسن وحسين:حسن عن يمينك، وحسين عن يسارك، ولتشرفن من أعلى الجنان بين يدي الله في المقام الشريف ولواء الحمد مع علي بن أبي طالب عليه السلام يكسى إذا كسيت، ويحبى إذا حبيت، والذي بعثني بالحق لأقومنَّ بخصومة أعدائك، وليندمنَّ قوم أخذوا حقك (ليس في بقية النسخ كلمة"أخذوا حقك" بل الصحيح هو"إبتزوا حقَّك "كما هو مثبت في النسخ المضبوطة..)، وقطعوا مودتك، وكذبوا عليَّ، وليختلجن (أي يجتذبون ويُقتطعون) دوني فأقول: أمتي أمتي فيقال: إنهم بدلوا بعدك، وصاروا إلى السعير). راجعوا البحار ج22ص490ح36.
وفي مقابل أخبارنا الشريفة: ثمةَ أخبار أُخرى لمشهور المخالفين من العامة العمياء تشير إلى أن النبيَّ الأعظم صلّى الله عليه وآله مات مسموماً بفعل سُّمٍّ دسته له إمرأة يهودية يوم خيبر، وقد تأوَّلوا ذلك بأن السُّمَّ الذي سقته اليهوديّة للنبيِّ الأكرم صلَّى الله عليه وآله يوم خيبر في السنة السابعة للهجرة، فما زال ينتقض به سمُّه حتى مات، و كأنَّ السمَّ لم يؤثر فيه إلَّا في السنة العاشرة للهجرة...من هنا جاءت أخبار المخالفين تؤكد على هذا المعنى بدهاءٍ لا نظير له، وقد لفَّقوا أخباراً تشير إلى أنه مرض بسبب السمّ الخيبري وقامت عائشة وحفصة بمداوته من ذاك السمّ.. فلفقوا أخبارَ سُّمّ المرأة اليهودية ليبرؤوا جناية الأربعة من أعمدة الضلالة هم:أبو بكر وعمر وعائشة وحفصة والبقية من حلفاء خندق السقيفة، حيث تآمروا على موت النبيّ الأعظم صلَّى الله عليه وآله وقد تمَّ لهم ذلك.
ومما يؤسفنا وجود أخبار في مصادرنا توافق تلكم الأخبار في مصادر المخالفين، ولكنّها أخبارُ آحاد شاذة لا تنهض كدليلٍ معتبر على الدعوى المزبورة، وذلك لأمرين:
(الأمر الأول):ضعف أسانيد هذه الأخبار، ولا واحدة منها قوية الإسناد،إلَّا ما يظهر من موثقة القداح عبد الله بن ميمون وفيه جدالٌ رجاليٌّ ليس ههنا مورده، حتى لو كان السند صحيحاً فلا عبرة به كما سوف نبيّن في الأمر الثاني..والرواية هي التالي: روى المجلسي في البحار ج 22 ص 516 ح 22 عن بصائر الدرجات عن القداح عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: سمَّت اليهودية النبيَّ في ذراع، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب الذراع والكتف، ويكره الورك لقربها من المبال، قال: لما أُتي بالشواء أكل من الذراع وكان يحبها، فأكل ما شاء الله ثم قال الذراع: يا رسول الله إني مسموم فتركه، وما زال ينتقض به سمه حتى مات صلى الله عليه وآله .
(الأمر الثاني):موافقتها لأخبار العامة ومخالفتها لأخبارنا الصحيحة.
فكلا الأمرين كافيان في طرح تلكم الأخبار الدالة على أن سبب موت النبيّ صلَّى الله عليه وآله هو سمٌّ دسته إمرأة يهودية، وذلك لأن الأخبار الضعيفة ليست حُجَّةً شرعيَّةً لإثبات حكم شرعيٍّ كمورد المسألة ههنا، ولو سلَّمنا حجيتها فلا إعتبار بها لمخالفتها للأخبار الاخرى المناهضة لها في دلالاتها من جهةٍ، ولكونها متوافقة مع أخبار المخالفين الذين أُمرنا بطرح أخبارنا المتوافقة مع أخبارهم المناهضة للحقّ والفضائل والظلامات من جهةٍ أُخرى، وحيث إن النبيّ صلَّى الله عليه وآله مات مسموماً على أيدي أهل الشقاء من نسوته، فلا بدَّ ساعتئذٍ من طرح كلّ خبر يتوافق مع الأخبار المدلَّسة التي تبرِّىء ساحة أولئك الظالمين الكافرين، وذلك لأن الرشد فيما خالف العامة كما جاء عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام.
ولو سلَّمنا جدلاً صحة الأخبار المتوافقة مع أخبار العامة، فيقع التعارض الكلي بينها وبين ما دل من أخبارنا على عكسها، فإمَّا تُطرح بأجمعها، وإمَّا نقدِّم واحدة على الأخرى، وحيث إن طرح الإثنتين معاً غير صحيحٍ لإستلزامه المخالفة القطعيّة للواقع، فلا بدَّ حينئذٍ من معاجتهما بحسب قواعد التعادل والتراجيح المعمول بها في عملية الإستنباط الفقهي في تعارض الأخبار، والقاعدة الأوليَّة تقتضي الجمع بين الأخبار مهما أمكن، لأن الجمع أولى من الطرح، وإذا لم يمكننا الجمع المزبور، فيتعيَّن بعدها تقديم الطائفة المخالفة لأخبار العامة، ونبذ الموافقة، وحيث إن الجمع ممكنٌ ههنا بحسب نظر العلامة المجلسي في البحار، فيكون على الشكل التالي:إن كلا السُّمَّين ـــ أي سمّ اليهودية وسمّ عائشة وحفصة ـــ دخيلان في شهادة النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، ولكننا لا نتوافق مع هذا الجمع لوجود إشكالات مهمة ذكرناها في تحقيقٍ آخر لنا في سمّ اليهوديَّة يوم خيبر، وقد نشرناه على موقعنا الإلكتروني تحت عنوان"عائشة قاتلة الرسول الأعظم صلَّى الله عليه وآله" وثمة بحث آخر في نفس السياق تحت عنوان"بماذا مات الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ؟" فليُراجعان .
والله من وراء القصد وهو حسبي ونعم الوكيل، عليه توكلت وإليه أُنيب وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين، وسلام على المرسلين سيَّما رسول الله وآله الأطهار المطهرين عليهم صلوات الله اجمعين وأخصّ بالذكر سيِّد العالمين بقيّة الله الأعظم الإمام الحُجَّة بن الحسن عليهما السلام وروحي فداه وحعلنا الله تعالى من أعوانه وخدامه وأوليائه ومقوية سلطانه، والسلام عليكم ورحمته وبركاته.
كلبهم باسط ذراعيه بالوصيد
عبدهم محمد جميل حمود العاملي/بيروت/ لبنان
9كانون الثاني 2011م الموافق 3صفر 1431هــ.
|