• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : هل الأئمة عليهم السلام يخلقون؟ .

هل الأئمة عليهم السلام يخلقون؟

 

الإسم: السيّد أحمد الموسوي
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سماحة المرجع المجاهد ندعو لكم دوما بالصحة والعافية والسداد والوقاية والثبات على الولاية:ما رأيكم بالإعتقاد بأن المولى أمير المؤمنين سلام الله عليه هو الخالق الرازق البارئ المصوّر الوهاب حيث إن الله تبارك وتعالى أجلُّ من ان يباشر هذه الأمور بنفسه المتعالية فيتعين قيام الغير بها، وحيث لم يوجد مَن هو فوق المخلوق ودون الخالق سوى أمير المؤمنين ونفسه وآلهما صلوات الله عليهم اجمعين تعين المقصود ، نرجو بيان وجه صحة هذا الاعتقاد أو فساده مع أدلتكم وبرهنتكم المعتادة..
والله حافظكم بحق الحجج الطاهرين صلوات الله عليهم.
 
الموضوع العقائدي :(هل الأئمة عليهم السلام يخلقون..؟).
بسم الله جلَّت عظمته
السلام عليكم ورحمته وبركاته 
إنَّ الخالق والرازق والمصور والوهاب الأصلي هو الله تعالى فلا غيره قادر على الخلق والرزق والتصوير إلا ذاته المقدّسة ولكنَّه تبارك وتعالى قد يعطي هذه القدرة على الخلق والرزق والتصوير لأحدٍ من أوليائه كنبيٍّ أو وصيّ أو وليّ كما حصل لنبيّ الله عيسى عليه السلام ولإبراهيم خليل الرحمان عليهما السلام، فقد قصّ علينا القرآنُ الكريم عمليةَ إحيائهما للموتى وخلق الطير بإذن الله تعالى كما في قوله تعالى حكاية عن النبيّ عيسى عليه السلام ﴿ وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني ﴾ ﴿ أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذني وأبرئ الأكمه والأبرص وأُحيي الموتى بإذن الله ..﴾ ﴿ وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال خذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كلّ جبل منهن جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعياً ..﴾.
 (والخلاصة): إن النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام قد أعطاهم الله تعالى القدرةَ على الإحياء والرزق والتصوير المرافق للإحياء، ويكون ذلك من الله تعالى وفي طول إرادته تعالى ولا مانع منه بحكم العقل وأدلة الكتاب والسنة المطهرة، ولكن إثبات أنهم يخلقون بدلاً من الله تعالى لعامة الأنفس لم يثبت بدليل روائي معتبر بل ليس ثمة رواية واحدة تدل على أنهم يتولون عملية الخلق إستقلالاً عن إرادة الله تعالى بدلاً من الله تعالى، فهذا مستحيل عقلاً وباطل شرعاً، وليس هناك مانع عقليٌّ من الإعتقاد بأنهم يخلقون بإذنه عزّ وجلّ وتوكيله وتفويضه، ولا يدخل ذلك في باب التفويض المعتزلي الباطل جملةً وتفصيلاً، كما لا تمنع الأخبار عن صحة ذلك كما ورد في بعض الأخبار منها خطبة البيان والتطنجية وغيرها من الأخبار التي توهم إستقلالهم بالخلق والرزق..إلخ، فمقتضى الجمع بين هذه الأخبار وبين الآيات الدالة على تفرد الله تعالى بعملية الخلق هو أن نحمل الآيات والأخبار المتوافقة معها على أن الله عزّ وجلّ هو الخالق الحقيقي للخلق ولكنه يفوٍّضه للنبيّ والوليِّ عليهما السلام فيخلقان بإذنه وقيد أمره..وهذا الإعتقاد لا غبار عليه وهو موافق للقواعد والأصول، فكما جاز للنبي إبراهيم عليه السلام أن يحيي الطيور بعد تقطيعها، وكما خلق النبيّ عيسى عليه السلام من الطين طيراً في موارد جزئية للتدليل على أنهم مبعوثون من قبل الله تعالى إتماماً للحجة وإبلاغاً للمحجة، جاز بطريق أولى للنبي وآله أن يخلقوا من العدم أشياء كثيرة كخلق السماوات والأرض ولكن بإذنه تعالى فهو عزّ وجل الخالق لكلّ شيء أولاً وإستقلالاً، ولكن لا  يمنع العقل والشرع من أن يفوّض بعض عباده المعصومين عليهم السلام ليخلقوا من العدم وجوداً تبعاً لأمره وفي طول إرادته الإستقلالية التي ليس فوقها إرادة وعلّة، فهو العلّة الأساسية في خلق كافة الخلق، ولكنَّه عزّ وجلّ يوكّل بعض عباده المعصومين كالنبيّ والوليّ والملائكة بالخلق والإماتة والإحياء والرزق..فحالات النبيّ وأهل بيته الأطهار صلّى الله عليهم أجمعين واختصاصهم بعجائب الأمور لا تُحدُّ بحدٍّ ولا تُقاس بمقياسٍ، وما حصل من النبيينِ إبراهيم وعيسى عليهما السلام هي من الموارد الجزئية التي يمتلكها أمير المؤمنين علي وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام لأنّه صلوات الله عليه أفضل من إبراهبم وعيسى وموسى وآدم ونوح عليهم السلام بالقطع واليقين، فما ثبت لإبراهيم وعيسى من الإحياء فلا ريب أنه ثابت لأمير المؤمنين عليه السلام فله من الولاية التكوينية ما لا يمكن لنا أن نتصوره أوتحتمله عقولنا القاصرة..فلا تقاس سعة ولايته على ولاية الرسل والأنبياء، لأن ولايتهم مستمدة من ولايته، بل هو إمامهم وسيّدهم، ولولاه لما جعلهم الله تعالى أنبياءً ورسلاً.. ودعوى البعض بأن ولايته مساوية لولايتهم هي دعوى تنم عن جهل قائلها وتقصيره بتحصيل المعارف العلوية الفاطمية المقدّسة؛ ومساواتهم صلوات الله عليهم بغيرهم كالنبيين إبراهيم وعيسى عليهما السلام يحتاج إلى دليل قطعي من الكتاب والسنَّة النبوية والولوية وهو مفقود في البَين.
  والمحصلة: إن أمير المؤمنين عليَّاً صلّى الله عليه وآله يخلق ويرزق ويصور ويهب...إلخ بما حباه الله تعالى من النعم الإلهية لشدة قربه من الله تعالى وتفانيه في الحق المتعال فأعطاه الله كلّ شيء..وهذا لا يسمى شركاً ولا شريكاً مع الله تعالى بل هو وكيل الله وعينه ويده المبسوطة على عوالم التكوين كلها بجواهرها وأعراضها..فقد كان مع الأنبياء سراً- يعينهم وينقذهم ويسددهم وينصرهم - ومع رسول الله جهراً ينصره ويذود عنه ويكبت كلَّ عدوٍ له مذ كان أمير المؤمنين عليٌّ صلوات ربي عليه وآله صغيراً إلى أن ارتحل النبيُّ محمَّد صلّى الله عليه وآله مسموماً على يد عائشة لعنها الله..لقد كان هذا العليُّ العظيم آيةً كبرى لله تعالى وما كان معراج الرسول الأعظم الى عوالم الملكوت إلا ليريه اللهُ تعالى بعض آياتِه التي هي جزء بسيط من الآية الكبرى أمير المؤمنين عليّ صلّى الله عليه وآله..من هنا كلّم الله رسولَه محمّداً صلّى الله عليه وآله بصوت عليّ الإمام الأعظم صلّى الله عليه وآله، لذا هو كما وصف نفسه الشريفة فقال صلّى الله عليه وآله( ما لله آية أكبر مني) وهو ما أشار إليه الله تعالى خطاباً لنبيه الكريم( لنريك من آياتنا الكبرى..) طه ٢٣، فهو الآية الكبرى وما دونه آيات صغرى كما في سورة الإسراء( لنريه من آياتنا) ولم يضف إليه كلمة كبرى، وذلك لأنّ ما دون أمير المؤمنين علي عليه السلام فهو صغير، فالأنبياء الذين صلّى بهم رسول الله في البيت المعمور في السماء الرابعة هم آيات صغرى، بينما عليّ الإمام الأعظم هو آية الله الكبرى مع زوجته سيّدة الطهر والقداسة فاطمة البتول صلّى الله عليهما، فقد رأى النبيُّ محمّد صلَّى الله عليه وآله تلك الآيات من الأنبياء والملائكة والجنّة والنار ليوقِنَ العبادُ بالآية الكبرى عليٌّ عليه السلام قال تعالى( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق..) وتفسير الحق في أخبارنا هو الإمام المهدي عليه السلام ومن قبله آباؤه الأنوار وعلى رأسهم جدُّه أمير المؤمنين علي صلّى الله عليه وآله..( ما لله آية أكبر مني)..
فمن كان بهذه الأوصاف العظيمة والمناقب الفريدة فكيف يستبعد بحقه أن يخلق ويرزق بفضل من الله وتوكيل وتفويض...ومن ينفث من العمائم الخبيثة على صفحات المواقع الالكترونية بأنه تفويض باطل فهو كسول جاهل مقصر كذوب نجس ممطور..ولو بُسطت يدي لنزعت العمائم عن رؤوسهم لأنهم أضر على الشيعة من فرعون ونمورد وعاد وثمود.. و لو فرضنا جدلاً عدم صحة الأخبار الدالة على أن أمير المؤمنين عليَّاً صلوات الله عليه هو الخالق والرازق، إلا أنه خلاف ما ورد بأن الملائكة موكلة بخلق الحيوان والنبات والجن والبشر، فإذا ما ثبتت عملية الخلق للملائكة، فيجب أن تثبت بطريقٍ أولى لمَن هو أفضل من الملائكة بكثير..
 *(وبناءً عليه)*: فلا يصح بل لا يجوز لنا كمؤمنين بعظمة النبيّ وآله وعلو قدرهم عند الله تعالى وأنهم هم أول خلق الله تعالى، وقد خلق كلّ الأشياء لأجلهم..فلا يجوز عقلاً وشرعاً أن نستغرب  على آل الله تعالى ما نعجز عن تصوره والوغول في أعماقه، فأمرهم صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبيٌّ مرسل أو عبدٌ امتحن الله قلبه بالإيمان.. والله تعالى حسبنا وهو مولانا ونعم الوكيل والسلام عليكم.
 
عبد الإمام الحُجَّة القائم عليه السلام/ محمّد جميل حمّود العاملي/ بيروت/ بتاريخ ٢٢ محرّم الحرام ١٤٤٤ هجري قمري.
 

  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=288
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28