• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : من هم الخلفاء الراشدون؟ .

من هم الخلفاء الراشدون؟

من هم الخلفاء الراشدون؟

من كتاب أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد لآية الله الشيخ محمّد جميل حمّود:1/499ـ510

 

من هم الخلفاء الراشدون؟
 

روى العامة عن النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنه قال: "عليكم بسنّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ".
ولمعرفة مغزى الحديث وصحّة انطباقه على بعض الصحابة علينا أن نحلّل مفرداته فنقول:
 ما معنى عبارة "الخلفاء الراشدين" لغة واصطلاحاً؟
أما لغة: فإنّ "خلفاء" جمع خليفة، والمصدر "خلافة" وهي بمعنى النيابة، وخليفة الرجل من يقوم مقامه أو الذي يُستخلف ممّن قبله..
وفي الدعاء "اللهم أنت الخليفة في السفر" والمعنى: أنت الذي أرجوه وأعتمد عليه في غيبتي عن أهلي أنْ تلمّ شعثهم وتقوّم أودهم وتداوي سقمهم وتحفظ عليهم دينهم... .
ومن "الخلافة" عدة اشتقاقات منها: خَلَفَ  استخلَفَ  خالفة... وجميعها ذكر في القرآن كقوله تعالى:
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ.
إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَا يَشَاءُ.
رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ.
فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ.
والخالف: الفاسد في الدين؛ والخالفة: القاعدة من النساء في الدار.
(وفي حديث عن ابن عبّاس أنّ أعرابياً سأل أبا بكر فقال له: أنت خليفة رسول اللَّه؟ قال: لا، قال: فما أنت؟ قال: أنا الخالفة بعده.
قال ابن الأثير: الخالفة: الذي لا غناء ولا خير فيه، وإنما قال ذلك تواضعاً وهضماً لنفسه).
والعجب من ابن الأثير كيف يُعد قول أبي بكر تواضعاً! وهل من التواضع أن يصف المرء نفسه بالحمق أو يشبّه نفسه بالنساء القاعدات في بيوتهنّ وهو في مقام الخلافة.
وورد في القرآن لفظ (خليفة) مرّتين كما في قوله تعالى: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً، وقوله: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ.
وفي بقية الموارد جاءت الآيات بصيغة الجمع كما في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ، وقوله:ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ.
ويراد من خلافة هؤلاء في هذه الآيات الحلول محلّ الغابرين والقيام مقامهم وهو مما تؤكده القرائن الحافة بالآيات إلا أنّ المراد من (الخلافة) في الآيتين اللتين ذُكر فيهما اللفظ بصيغة المفرد هو القيام مقام الخالق والجاعل اللَّه عزّ اسمه في الولاية والسلطنة، وبتعبير آخر: هي "الخلافة الإلهية" وذلك لأن قوله تعالى: إني جاعل (و) يا داود إنا جعلناك... لا يقصد منه عزّ وجل جعلهما خليفتين لمن سبقهما من المخلوقات الأخر التي كانت تعيش قبل ذلك على وجه الأرض كالجنّ والنسناس، وذلك لأمور:
أولاً: لأن داود (عليه السَّلام) إنما صار خليفة للَّه تعالى لا لمن تقدّمه من الأنبياء السابقين بقرينة تفريع الذيل بقوله: فاحكم بين الناس بالحق والشواهد والقرائن الدالة على سلطنة داود على عالم المادة وتسخيرها والمخلوقات له‏ (عليه السَّلام) مما يعكس خلافة اللَّه سبحانه على الكائنات. مضافاً إلى أن خلافة داود عن الأنبياء دون اللَّه عزّ وجلّ لم يقم عليها دليل، فهي منفية بالأصل. وعلى فرض أن خلافة داود هي انعكاس لخلافة الأنبياء فبما أن خلافتهم لازمة عن الخلافة الإلهية، وخلافة داود لازمة لخلافتهم، تكون خلافته لازمة للخلافة الإلهية، إذ لازم اللازم لازم.
ثانياً: إنّ إطلاق لفظ "خليفة" من غير إضافة إلى المخلوق يؤكّد أن الإنسان خليفة لمن جعله كذلك، وهذا يظهر ما لو قال رئيس الدولة مثلاً: "إني جاعل في الدولة خليفة" إذْ يكون المفهوم العرفي له كون هذا خليفة لرئيس الدولة نفسه.
ثالثاً: إنّ الحوار الذي دار بين اللَّه سبحانه والملائكة لمّا تساءلوا عن معنى جعل خليفة يفسد في الأرض فأجابهم تعالى أنه يعلم ما لا يعلمون، وصلاحية تعلّم آدم الأسماء دون الملائكة يكشف بوضوح أنّ الخلافة المقصودة هي الخلافة الإلهية لا النيابة عن بعض المخلوقات التي كانت قبل آدم‏ (عليه السَّلام).
 وأما لفظة "راشدون" جمع "راشد" والمصدر "الرشد" من رَشَد  يرشدُ  رشداً ورشاداً فهو راشد ورشيد، خلاف الغيّ ونقيض الضلال، يستعمل في الهداية وإصابة الحقّ. وصفة الرشد والرشيد من الصفات الجلالية التي إذا تحلّى بها المرء يعدُّ مرضياً عنه عنده سبحانه؛ والرشيد من أسماء اللَّه عزّ وجلّ لأنه أرشد الخلق إلى مصالحهم بأنْ بعث لهم رسلاً وأولياء (عليهم السَّلام)، وأنعم عليهم بنعمة العقل.
وقد ذُكرت لفظة "رشد" ومشتقاتها كثيراً في القرآن لبيان أهميتها منها قوله تعالى:
وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ.
وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ.
لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ.
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ.
قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً.
وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً.
فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ.
وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ.
 والفرق بين الرَّشد والرُّشد أن الرشد بالفتح أخصّ من الرُّشد؛ فإنّ الرُّشد بالضم يقال في الأمور الدنيوية والأخروية، والرَّشد بالفتح يقال في الأمور الأخروية.
وأما معنى "خليفة  ورشيد" اصطلاحاً:
فإنّ "خليفة" مفرد خلفاء مشتقة من المصدر "خلافة" ويقصد بها النيابة عن النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) والقيام مقامه في تنفيذ أحكام الدين والاقتداء بهديه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وذلك لما تقتضيه كلمة "رشد" من معنى.
وغُلّب هذا الاصطلاح "الخلفاء الراشدون" على أشخاص معيّنين هم: أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب‏ (عليه السَّلام) وأبو بكر بن أبي قحافة وعمر  بن الخطاب وعثمان بن عفّان.
وإذا درسنا بإمعانٍ حياة المتقدمين على مولى الموحّدين الإمام علي‏ (عليه السَّلام) وروحي فداه نجدهم مغتصبين للاصطلاحين اغتصاباً عنيفاً؛ فلا مصطلح "خليفة" ينطبق عليهم، لأنهم ليسوا خلفاء بالمعنى الحقيقي لرسول اللَّه، نعم، يصدق عليهم أنهم خلفاء له‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بالمعنى اللغوي أي أنهم خلفاء قاموا من بعده‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بالقهر والعدوان؛ وليسوا خلفاء بمعنى لهم السلطنة الإلهية والولاية الربانية.
فكلمة "خليفة" كانت تحمل في طياتها خلفيات سياسية ولو أنّها كانت تعني المفهوم الاصطلاحي الحقيقي لكان سمّي أبو بكر إماماً وأميراً للمؤمنين نظراً لتداخل معاني هذه الكلمات في الاعتبار الشرعي والاصطلاحي، فكلمة إمام وأمير المؤمنين لم تكن متداولة اصطلاحاً إلا في شخص الإمام علي‏ (عليه السَّلام) سواء في زمن الرسول أو بعده كما يشهد له نصوص صدرت من النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في حق الإمام‏ (عليه السَّلام).
ولا مصطلح "راشدون" ينطبق عليهم أيضاً فهم بعيدون  عنه بُعد المشرقين وبُعد الأرض عن السماء، ولأنه كما عرفت أن الراشد هو الملهم للخير والصواب، وهل في سيرة هؤلاء شي‏ء من الصواب سوى الوقوف في وجه الكتاب والعترة؟ ويشهد على ذلك تاريخهم الأسود الملي‏ء بالمتناقضات والمفارقات. ولو أردنا أنْ نجمع القرائن النبوية الدالة على معنى "خليفة" لوجدنا أن القوم مخطئون في تسمية هؤلاء بالخلفاءِ الراشدين.
فمن القرائن على أنّ الخلفاء الراشدين هم أئمة الهدى ما روي عن النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال:
"اللهم ارحم خلفائي، اللهم ارحم خلفائي..."، قيل: يا رسول اللَّه ومن خلفاؤك؟ قال‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): "الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي".
فهنا حدّد النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) الصفات التي لا بدّ أن يتحلّى بها خلفاؤه في الخلافة، والسمات التي يُعتبر وجودها في شخصية الخليفة فقال: "يأتون من بعدي يروون حديثي وسنّتي"، ورواية الحديث والسنَّة هي بمعنى القدرة على نشر سنّته‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وسيرته بين الأمة نشراً يتجلّى فيه مثاله الكامل من أقواله وأفعاله أجمع؛ ويستفاد من ذلك أنّ هؤلاء الخلفاء سنّتهم واحدة وإلى هدف واحد وهي نشر حديث وسنّة النبيّ لا أحاديث الشيّخين وعثمان وسيرتهم التي كانت في مقابل سنّة وحديث النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، أضف إلى ذلك أنهم منعوا تدوين الحديث عن النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
وأول منعٍ لتدوين الحديث كان في آخر حياة النبيّ على فراش الموت لمّا قال لهم: "هلم اكتب لكم كتاباً لن تضلوا من بعده أبداً. قال عمر  بن الخطاب: إن النبيّ ليهجر".
لذا لمَّا منعوه عن الكتابة أجابهم روحي فداه:
"دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه...".
ثم قال أيضاً: أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت عن الثالثة عمداً أو قال الراوي: فنسيتها". ألم يقل ابن الخطاب "حسبنا كتاب اللَّه"؟.
عندها منع القوم من إحضار الدواة والكتف!
ثم عندما اعتلى أبو بكر سدة الخلافة نفّث عما في صدره فقال:
"إنكم تحدّثون عن رسول اللَّه أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدُّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول اللَّه شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب اللَّه فاستحلوا حلاله وحرّموا حرامه".
والعجب كل العجب من أبي بكر كيف يأمر الناس بكتاب اللَّه في حين منع إرث الصدّيقة الزهراء (عليها السَّلام) من الخمس وفدك لحديث انفرد به عن النبيّ "لا نورّث ما تركناه صدقة"، وقد احتجت عليه سيدة النساء روحي فدا نعليها: بقوله تعالى: وورث سليمان داود وإني خفتُ الموالي من ورائي فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب.
فرفض أبو بكر ذلك وتمسك بحديث يخالف صريح القرآن، أضف إلى ذلك أنه كيف ينهى الناس عن الأخذ بأحاديثه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لأنها توجب اختلافاً فيما بينهم في حين يتمسك بحديث غريب أوجب فتنةً عظيمة بين المسلمين إلى يومنا هذا؟!
ومما روي عن سيرتهم بتطويق السُّنة النبوية ما ورد عن قرظة  بن كعب قال: لمّا سيّرنا عمر  بن الخطّاب إلى العراق مشى معنا إلى صرار ثم قال: أتدرون لِمَ شيّعتكم؟
قلنا: أردتَ أن تشيّعنا وتكرمنا.
قال: إن مع ذلك لحاجةً إنكم تأتون أهل قرية لهم دويٌ بالقرآن كدويّ النحل فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول اللَّه وأنا شريككم. قال قرظة: فما حدّثت بعده حديثاً عن رسول اللَّه.
وفي نص آخر: قدم قرظة للعراق فقالوا له: حدّثنا، فقال: نهانا عمر  بن الخطاب.
وورد عن عبد الرحمن بن عوف قال:
"ما مات ابن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول اللَّه فجمعهم في الآفاق: عبدفاللَّه‏  بن حذيفة، أبو الدرداء، أبو ذر، وعقبة ابن عامر، فقال: ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول اللَّه في الآفاق؟ قالوا: أتنهانا؟ قال: لا، أقيموا عندي، لا واللَّه لا تفارقوني ما عشتُ، فنحن أعلم، نأخذ منكم ونردُّ عليكم، فما فارقوه حتى مات.
وروي أيضاً: أن ابن الخطّاب عمر، كان كلّما أرسل حاكماً أو والياً إلى قطر أو بلدٍ يوصيه جملة ما يوصيه "جرّدوا القرآن وأقلّوا الرواية عن محمّد وأنا شريككم".
وذكر صاحب كتاب تقييد العلم عن القاسم بن محمّد: إن عمر  بن الخطّاب بلغه أنه قد ظهرت في أيديكم كتب فأحبها إلى اللَّه أعدلها وأقومها، فلا يبقين أحدٌ عنده كتاباً إلاّ أتاني به فأرى فيه رأيي، قال: فظنوا أنه يريد ينظر فيها ويقوّمها على أمرٍ لا يكون فيه اختلاف فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار، ثم قال: أُمنيةٌ كأمنية أهل الكتاب.
وقد تبعه على ذلك عثمان ثم معاوية، وكان الأخير يقول:
"أيُّها الناس اتقوا الروايات عن رسول اللَّه إلا ما كان يذكر في زمن عمر".
وأقر عثمان أيضاً سيرة الشيّخين فقال:
"لا يحل لأحدٍ يروي حديثاً لم يسمع به على عهد أبي بكر ولا عهد عمر".
وهكذا مضى مَنْ سمُّوا أنفسهم بخلفاء رسول اللَّه إلى أن وصل الدور إلى الداهية الأعظم معاوية  بن أبي سفيان حيث كتب إلى عماله: "أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، وكان أشدَّ الناس بلاءً حينئذٍ أهل الكوفة".
وبسبب نشر فضائل مولانا أمير المؤمنين عليّ‏ (عليه السَّلام) قتل معاويةُ حجرَ  بن عدي، وقطع لسان رشيد الهجري وصلبه تماماً كما فعل بميثم التّمار.
وهكذا تم إخماد الأنفاس التي أرادت التحدّث بسنَّة رسول اللَّه؛ وقد يتساءل المرءُ لماذا فعلوا هذا؟
بات الجواب واضحاً عند اللبيب، حيث إن أصحاب السقيفة قد اغتصبوا حقاً جعله اللَّه تعالى لغيرهم، فمنعوا الناس من كتابة الحديث أو نشره لأن في ذلك توطيداً لحكمهم، وفصل القادة الحقيقيين عن قاعدتهم الشعبية الموالية حتى ينعم المغتصبون بحلاوة الكرسي فلا أحد يزعجهم بأحاديث تُروى عن النبيّ يذم فيها مغتصبي الخلافة.
وزبدة المخض:
إن من كانت هذه صفته فكيف يصح أن يقال إنه خليفة راشد وهو يمنع من التحدث بسنّة المستخلِف ونشرها؟!
من أجل ذلك لا يسعنا إلاّ أنْ نصرف دلالة الحديث عمّن زعموا أنفسهم خلفاء لو صح صدوره عنه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، ونثبت ذلك بقرائن:
الأولى: إن في سنن الخلفاء "المزعوم أنهم راشدون" ما يخالف سُنّة الرسول، والرسول لا يأمر بعمل يخالف سنته.
الثانية: لو كانوا حقيقةً راشدين مهديين لما تعوّذ بعضهم من بعض كما ورد أن عمر قال في خلافة الأول:
"كانت بيعة أبي بكر فلتةً، وقى اللَّه شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه".
الثالثة: يفرض بالخلفاء عن الرسول أن يكونوا على نهج واحد بأقوالٍ واحدة، في حين نرى أن اللاحق يناقض السابق في السيرة والأحكام، مما يستدعي الجزم بعدم انطباق الحديث على هؤلاء.
فلا مجال إلا للقول بأن الحديث من مبتدعات ساسة ذاك الزمان لإمضاء تصرفاتهم الرعناء، ولو أبيت  أخي القارى‏ء  إلا نسبته إلى النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فلا بدّ وأنْ يُصرف إلى الخلفاء الحقيقيين الذين أمر الكتاب والسُّنّة باتباعهم وهم عترة آل محمّد عليه وآله السلام، وذلك لقرائن هي:
الأولى: إن النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أشار في عدة مواطن إلى تعيين خلفائه، وأنهم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش كقوله‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم):
"لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش".
وعن النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أيضاً: "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان".
وفي الجمع بين الصحاح الستة عن النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): "هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش".
وفي نصوص أُخر خصّص قريش ببني هاشم، فقد روى القندوزي عن عبد الملك بن عمير عن جابر  بن سمرة قال:
كنت مع أبي عند رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فسمعته يقول: بعدي اثنى عشر خليفة ثم أخفى صوته، فقلت لأبي: ما الذي أخفى صوته؟
قال: قال‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): كلهم من بني هاشم.
وعن الشعبي عن مسروق، وكلاهما من علماء العامة قال: كنا عند ابن مسعود، فقال له رجل: هل حدّثكم نبيكم كم يكون بعده من الخلفاء؟
قال: نعم وما سألني عنها أحدٌ قبلك، وإنك لأحدث القوم سناً، سمعتُه يقول: يكون بعدي عدة نقباء موسى‏ (عليه السَّلام)، قال اللَّه عزّ وجل )وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً(.
* فحديث نقباء بني إسرائيل دالٌ على انحصار الخلافة في اثني عشر، وأنهم خلفاء بالنص منه تعالى كعدة نقباء بني إسرائيل لقوله تعالى:
وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً.
وما رواه أحمد بن حنبل عن مسروق قال: كنا جلوساً عند ابن مسعود وهو يقرئنا القرآن، فقال له رجل، وساق الحديث كالأول.
إذن كل هذه الأحاديث هي نصٌ صريح على تعيين الخلفاء وأنهم اثنا عشر، في حين إنّ العامة يقولون: إنهم أربعة، لذا حتى لا يقعوا في مأزق زادوا على الأربعة بعضَ ملوك بني أميّة وبني العبّاس، والجميع يعلم ما لهؤلاء (أعني ملوك بني أمية وبني العبّاس) من شنائع الأفعال، ومظالم وسفك دماء، سيرتهم تكذّب الحديث وتقلبه رأساً على عقب فتدبر.


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=45
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 03 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29