• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : مواضيع مشتركة ومتفرقة .
              • القسم الفرعي : فقهي عقائدي .
                    • الموضوع : المراد من البعوضة في الآية المباركة / الشهادة الثالثة في تشهد الصلاة داخلة في العمومات والإطلاقات .

المراد من البعوضة في الآية المباركة / الشهادة الثالثة في تشهد الصلاة داخلة في العمومات والإطلاقات

الإسم:  *****
النص: السلام عليكم
1- ما صحة الرواية التي تذكر أن المقصود من الآية ( بعوضة فما فوقها ) هو أمير المؤمنين عليه السلام ؟
2- تقولون بوجوب الشهادة الثالثة في التشهد و لكن لم يرد ذلك في أي رواية تصف صلاة الأئمة عليه السلام حيث أن الروايات التي تصف صلاتهم تذكر أنهم لم يذكروا الشهادة الثالثة في صلاتهم؟

 

الموضوع العقائدي والفقهي: المراد من البعوضة في الآية المباركة / الشهادة الثالثة في تشهد الصلاة داخلة في العمومات والإطلاقات.
بسمه تعالى

 

1- ما صحة الرواية التي تذكر أن المقصود من الآية ( بعوضة فما فوقها ) هو أمير المؤمنين عليه السلام ؟

الجواب:

      الرواية ضعيفة سنداً، ولكن ليس كل ضعيف السند لا يؤخذ به، بل لا بدمن البحث عن تاويل له حتى لا يقع المكلّف في الكفر من خلال رد الأخبار التي لا تعجبه أو التي لا يتحملها عقله، من هنا علينا أن نجمع بين الأخبار لا أن نطرح لمجرد عدم الفهم لأي رواية، ونحن ههنا نقوم بما دلت عليه رواية الإمام الحسن العسكري عليه السلام حيث قام بالتأويل لقد بين مولانا الإمام الصادق عليه السلام المراد من الآية بقوله: روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : "إنما ضرب الله المثل بالبعوضة لأن البعوضة على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخرين، فأراد الله سبحانه أن ينبه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه وعجيب صنعته".
     وقد فصّل الكلام في ذلك صاحب تفسير الإمام العسكري عليه السلام [راجع: بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج 9، ص 177ـ 178] على النحو الآتي:
    تفسير الإمام العسكري عليه السلام : {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها} الآية : قال مولانا الباقر عليه السلام: فلما قال الله : {يا أيها الناس ضرب مثل} وذكر الذباب في قوله : {إن الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا} الآية ، ولما قال : {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت} الآية ، وضرب مثلا في هذه السورة بالذي استوقد نارا وبالصيب من السماء قالت الكفار والنواصب : وما هذا من الأمثال فيضرب؟ يريدون به الطعن على رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال الله : يا محمد {إن الله لا يستحيي} لا يترك حياء {أن يضرب مثلا} للحق يوضحه به عند عباده المؤمنين {ما بعوضة} ما هو بعوضة المثل {فما فوقها} فوق البعوضة وهو الذباب ، يضرب به المثل إذا علم أن فيه صلاح عباده ونفعهم {فأما الذين آمنوا} بالله وبولاية محمد وعلي وآلهما الطيبين ، وسلم لرسول الله صلى الله عليه وآله وللأئمة عليهم السلام أحكامهم وأخبارهم وأحوالهم، ولم يقابلهم في أمورهم، ولم يتعاط الدخول في أسرارهم ، ولم يفش شيئا مما يقف عليه منها إلا بإذنهم {فيعلمون} يعلم هؤلاء المؤمنون الذين هذه صفتهم {أنه} المثل المضروب {الحق من ربهم} أراد به الحق وإبانته والكشف عنه وإيضاحه {وأما الذين} كفروا بمحمد بمعارضتهم له في عليٍّ بلِمَ وكيف وتركهم الانقياد له في سائر ما أمر به {فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا}...
     والخلاصة: إن الإمام الصادق عليه السلام في الرواية السابقة قد بيّن المفهوم العام للآية وهو أنّ المؤمنين حقًّا هم الذين يؤمنون بكل آية تقرّبهم من الله، وأنّ منكري أي آية مهما كبرت أو صغرت هم المنافقون بل الكافرون.. ليأتي تفسير الإمام العسكري عليه السلام للآية مقدِّماً مصداقاً من مصاديق الآية وهو الولاية لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام فمَن أقرّ بولايته كان كمن آمن بآية من آياته الدالة عليه.. ومن جحد ولايته عليه السلام فقد كفر وخطر.. والمثال يضرب ولا يقاس، فليس أمير المؤمنين عليّ عليه السلام بعوضةً (والعياذ بالله) ولا يصح أن يكون مثالاً للبعوضة إلا على نحو تقريب الصورة ومن باب(إياك أعني واسمعي يا جارة) وهو ما أشار إليه خبر عن مولانا الإمام الباقر عليه السلام وخبر آخر عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام وهما التالي:
   قال عليه السلام « فقيل للباقر عليه السلام : فإنّ بعض من ينتحل موالاتكم يزعم أنّ البعوضة عليّ عليه السلام وأنّ ما فوقها وهو الذباب محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله : ، فقال الإمام الباقر عليه سلام الله: سمع هؤلاء شيئاً لم يضعوه على وجهه ، إنّما كان رسول الله صلى الله عليه وآله : قاعداً ذات يوم وعليّ  عليه السلام: إذ سمع قائلًا يقول : ما شاء الله وشاء محمّد : وسمع آخر يقول : ما شاء الله وشاء علي :  فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : : لا تقرنوا محمّداً  ولا علياً : با لله عزّ وجلّ ، قولوا : ما شاء الله ثمّ شاء محمّد : ما شاء الله ثمّ شاء علي : ، إن مشيئة الله هي القاهرة التي لا تساوى ولا تكافأ ولا تدانى ، وما محمّد رسول الله  في الله وقدرته إلَّا كذبابة تطير في هذه الممالك الواسعة ، وما عليٌّ في الله وفي قدرته إلَّا كبعوضة في جملة هذه الممالك ، مع أن فضل الله تعالى على محمّد  وعليّ : هو الفضل الذي لا يفي به فضله على جميع خلقه من أوّل الدهر إلى آخره . هذا ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله : في ذكر الذباب والبعوضة في هذا المكان ، فلا يدخل في قوله تعالى ( إِنَّ الله لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً ) » الآية .
ومن ( تفسير علي بن إبراهيم ) بسنده عن أبي عبد الله : عليه سلام الله: « إن هذا المثل ضربه الله لأمير المؤمنين  سلام الله عليه البعوضة : فالبعوضة أمير المؤمنين عليه السلام وما فوقها رسول صلى الله عليه وآله : والدليل على ذلك قوله تعالى ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّه الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) يعني :  أمير المؤمنين : سلام الله عليه كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله : الميثاق عليهم  ( وأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ الله بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِه كَثِيراً ويَهْدِي بِه كَثِيراً ) ، فردّ الله عليهم فقال  ( وما يُضِلُّ بِه إِلَّا الْفاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله مِنْ بَعْدِ مِيثاقِه ويَقْطَعُونَ ما أَمَرَ الله بِه أَنْ يُوصَلَ ، يعني : من صلة أمير المؤمنين عليه السلام : والأئمّة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ( ويُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ ) » الآية .
والجميع مستخرج من درر التأويل بين الخبرين : ( بأنه عليه سلام الله إنّما نفى كون هذا هو المراد من ظهر الآية لا بطنها ، ويكون في بطنها إشارة إلى ما ذكره عليه سلام الله من سبب هذا القول ).
  وحاصله أن الأوّل بحسب الظاهر ، والثاني بحسب الباطن ، وهو حسن ، ولعلّ الوجه في تخصيص البعوضة بمثل أمير المؤمنين عليّ عليه السلام  والذبابة بمثل الرسول صلى الله عليه وآله : أن الرسالة من ظاهر الوجود ، فلها حكم الظاهر ، والذباب لا يظهر إلَّا في النهار ، والولاية غيب غيب الرسالة ، والبعوض لا يظهر إلَّا في الليل ، فالرسالة في ظاهر الوجود نهار ، والولاية ليلها ، ومنه يلوح وجه في إنزال القرآن على قلب محمَّد صلى الله عليه وآله : جملة وفي ليلة القدر ليلًا لا نهاراً ، فإنّ القدر من السرّ .
وأيضاً البعوض يشتقّ منه البعض ، وأمير المؤمنين عليّ عليه السلام : كالرأس من جسد الرسول صلى الله عليه وآله : وهو نفسه ، فناسبه لفظ البعوض ؛ لأنه بعضه .
وأيضاً البعوض أغذاؤه من صفو الباطن وخلاصة الأغذية وهو الدم الذي هو مركَّب الروح ، والولاية لا يصعد إليها إلَّا ما خلص لله وصفا سرّه . والذباب أمّا من الذبّ والحماية والدفع ، يقال : رجل ذبّاب كشدّاد - : دفّاع عن الحريم. أو يراد به النحل ، فإنّه يُسمّى ذباباً أيضاً . أو من ذباب السيف وهو حدّه . أو من ذباب العين : إنسانها . أو من رجل أذبّ : طويل . أو من حماية الجوار والأهل عن الأذى . أو من الذبذبة اللسان . أو من الذبابة كثمامة - : البقية من الدين، والرسالة تناسبها هذه الاشتقاقات ، فالرسول صلى الله عليه وآله : ذابّ ومحامٍ ودفّاع عن الشريعة ، وهو النحل المنتحل لما فيه شفاء للناس ، وحدّ لسيف الله القاطع للشرك ، وإنسان عين الرحمة ، وذو الطول على جميع الخلق ، وهو لسان الله تعالى المعبّر عنه بالصدق في كلّ مقام ، وهو بقيّة الله . فظهر وجه مناسبة المثلين .
ثمّ الوجه في إنكاره صلى الله عليه وآله على من قال : ( ما شاء الله وشاء محمّد : ، وما شاء الله وشاء عليّ : ) أن المتكلَّم بذلك يعتقد أن لمحمّد رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين علي عليه السلام : مشيئةً مستقلَّة تقارن مشيئة الله ، ليست هي مشيئة الله ولا منها ولا بها بل مثلها . وهذا يستلزم مفاسد كثيرة لا تخفى على الفطن ، فهداه صلى الله عليه وآله إلى أن مشيئة الله تعالى هي القاهرة ، وأن مشيئة رسول الله محمَّد صلى الله عليه وآله  وأمير المؤمنين عليّ عليه السلام : تابعة لمشيئة الله ، وأنّها من الله ، فإذا شاء الله شاء محمّد وعليّ : ، وإلى أن مشيئة الله ليس لها مثل في المخلوقات فلا تساويها مشيئة مخلوق ولا تشبهها ، فأبان له بهذا وحدانيّة الله تعالى وتنزيهه عن كلّ نقص في كلّ مقام بما يفهم من لغة عقله ومعانيها ، فهو يكلَّم الناس على قدر عقولهم ، والله العالم .
 

2- تقولون بوجوب الشهادة الثالثة في التشهد و لكن لم يرد ذلك في أي رواية تصف صلاة الأئمة عليه السلام حيث أن الروايات التي تصف صلاتهم تذكر أنهم لم يذكروا الشهادة الثالثة في صلاتهم؟

الجواب:

     لم تصف أيضاً الروايات بأن أئمتنا الطاهرين عليهم السلام قد ذكروا الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة فكيف شرَّعها الفقهاء قديماً وحديثاً..؟؟!! والروايات أيضاً لم تصف بأن أئمتنا الطاهرين عليهم السلام كانوا يطبرون حزناً على سيد الشهداء في اليومالعاشر من محرم..فلماذا أفتى الفقهاء بجواز التطبير بل وبإستحبابه أيضاً كما عند البعض الآخر ولعلَّلك ترجع إلى واحد من هؤلاء العلماء الذين يفتون بحلية التطبير بل ولعلك تطبر في اليوم العاشر من محرم..!؟ فهناك الكثير فالكثير من الفتاوى التي أفتى الفقهاء بحليتها بل وبوجوبها أوإستحبابها مع عدم وجود روايات خاصة فيما أفتوا به بل إفتاؤهم ضمن الاخبار العامة أو الأدلة العامة كالعمومات والإطلاقات أو القواعد والأصول الأخرى، ومن هذا المنطلق فتواهم بجواز بل وإستحباب الشهادة الثالثة في فصول الأذان والإقامة نظير غيرها من الموضوعات التي لها أساس مدركي في العمومات والإطلاقات حسبما أشرنا، وليكن منه ما ذكرناه من وجوب الشهادة الثالثة في تشهد الصلاة إعتماداً على الإطلاقات في آيات الولاية في الكتاب المجيد والسنة المطهرة لا سيما بعض الأخبار الدالة على إقتران ذكر أمير المؤمنين عليه السلام بالشهادة لرسول الله محمد صلى الله عليه وآله ، وقد فصّلنا كثيراً في هذا الموضوع فراجع بحوثنا على الإنترنت فقد سُئلنا كثيرا عن الموضوع وأجبنا عنه بالمطولات فراجع تستفد كثيراً إنْ شاء الله تعالى.
بالإضافة إلى ذلك فإن دعواك بأنه لا توجد روايات عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام تصف لك ما ادعيناه بحق من جواز الشهادة الثالثة ليست صحيحة لأننا ذكرنا في بعض بحوثنا المتعلقة بالشهادة الثالثة ما رواه النوري الطبرسي في كتابه المستدرك من بيان مولانا الإمام الرضا عليه السلام كيفية الشهادة لله تعالى ولرسوله ولأمير المؤمنين عليّ عليه السلام في باب التشهد، فإن كنت عالماً فما كان لك أن تغفل عن هذه الرواية بل ما كان لك أن تعترض على ما ذكرنا من بياننا في شرطية الشهادة الثالثة في تشهد الصلاة، وإن كنت من العوام فما على العامي ـ حتى لو كان معمماً ـ إلا السكوت وعدم غبداء الرأي لأان ذلك يهلكه بل يجب عليه التقليد ويحرم عليه إنكار ما يكون مخالفاً لرأي مقلده لأن لكل مجتهد رأيه ضمن الشروط المعتبرة التي أمر بها أئمتنا الطاهرون عليهم السلام....والله تعالى حسبي ونعم الوكيل.
 

العبد الملتجئ إلى حصن آل محمد عليهم السلام
الشيخ محمد جميل حمود العاملي ـ بيروت
بتاريخ 9 شهر رمضان 1434هـ.

 


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=798
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 07 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20