• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : الرد على دعوى عدم كسر ضلع الصديقة الشهيدة فاطمة عليها السلام .

الرد على دعوى عدم كسر ضلع الصديقة الشهيدة فاطمة عليها السلام

 

الموضوع:الردُّ على دعوى عدم كسر ضلع الصدِّيقة الكبرى الزهراء الحوراء عليها السلام.
 

بسم الله الرحمن الرحيم
 

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم يا كريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه مجموعة من الاسئلة المهمة والتي نرجو ان يصلنا جوابها قبيل محرم كي نستفيد منها ويستفيد منها اخواني المؤمنين ...
 ما الرد العلمي والاستدلالي على ما أورده مكتب فضل الله في جوابه على أحد الأسئلة : إن سماحة السيد لم يثبت حادثة كسر الضلع كما أنه لم يثبت نفيها وذلك من جهة عدم وفاء الأحاديث بالدلالة على ذلك من جهة أسانيدها ومضامينها، والثابت أنها عليها السلام ظلمت وأوذيت ولم تحفظ وصية النبي (ص) فيها وفي سائر أهل البيت (ع) وقد ثبت الإعتداء على البيت العلوي بالتهديد بالإحراق، والمهم في المقام القول بأن هذه المسألة هي من المسائل التاريخية وليست من مسائل العقيدة والإمامة فتختلف فيها الآراء تبعاً لاختلاف الأصول المعتمدة ولا يجوز أن تجعل مثارا للتشهير بالعلماء وندعو المؤمنين إلى التبين والوعي في ذلك والاهتمام بسير المعصومين في أقوالهم وأفعالهم ومواعظهم وتراثهم ونرجو مراجعة كتاب سماحة السيد "الزهراء القدوة" المتوفر على صفحة بينات.؟

 

والجواب                         
 

بسم الله الرحمان الرحيم
 

والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد المرسلين نبينا أبي القاسم محمّد وآله الطاهرين،واللعنة السرمدية الأبدية على أعدائهم ومبغضيهم ومنكري ظلاماتهم ومعاجزهم وفضائلهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين.
وبعد السلام على إخولننا المؤمنين الموالين لأهل بيت العصمة والطهارة والمعادين لأعدائهم أقول وبه أستعين:إنَّ دعوى المشكّك بأنَّه لا يثبت ولا ينفي حادثة كسر ضلع سيّدة النساء(عليها السلام) بحجة أنَّ الأحاديث لا تفي بالغرض نتيجة ضعف أسانيدها ومضامينها وأنَّها من المسائل التاريخيّة التي لا يترتب عليها ايّ محذور ديني باطلةٌ من أساسها وهي معاكسة للأدلة القطعيَّة والشهرة العظيمة بين أصحابنا المتقدِّمين والمتأخرين.
والخلاصة فإنَّ تشكيكه مبتنٍ على دعويين:
(الدعوى الأولى):

بأنَّه لا يثبت ولا ينفي موضوع كسر ضلع الصدِّيقة الشهيدة(عليها السلام) لأنَّ أسانيدها ومضامينها ضعيفة.
(الدعوى الثانية):

أنَّ موضوع كسر الضلع من المسائل التاريخيَّة التي لا يهم النزاع فيها،وليست من مسائل العقيدة التي تختلف فيها الأنظار تبعاً لإختلاف الأصول المعتمدة فيها.

أما الدعوى الأولى فباطلة بالوجوه الآتية:          
(الوجه الأول):

عدم الإثبات والنفي يُبقي القضية في بقعة الإمكان من الناحية الفلسفيّة بمعنى أنَّ حادثة كسر ضلع الحوراء الصدّيقة الشهيدة(صلوات ربي عليها) ممكنة الحدوث،وحيث إنَّ المشكّك قد اعترف بوقوع الظلم عليها،وقد ورد ذلك بروايات هي من الناحية السندية والدلالتيّة مثل الروايات الدالة على الإعتداء على السيِّدة المطهرة الحوراء الزهراء (فديتها بنفسي)بالضرب والرفس والكسر،بل لعلَّ نفس تلك الروايات التي إستدل بها المشكك على وقوع الظلم عليها فيها ما يدل على كسر ضلعها(عليها السلام)إذ لا تخلو رواية من روايات الإعتداء عليها(صلوات ربي عليها)إلاَّ وفيها ذلك،وعلى فرض أنَّه استدل بغيرها ـ ونحن نطالبه بعرضها على الملأ لنرى بماذا يستدل ـ  فهي متكافئة من حيث الإثبات على حصول الكسر،فترجيح بعضها على بعضٍ مع كونها متكافئة بحسب الفرض بما ذكرنا يعتبر ترجيحاً بلا مرجحٍ وهو قبيحٌ عقلاً وشرعاً.فلا بدَّ للمرجّح من قرينة يثبت من خلالها صحة ترجيحه وإلاَّ فلا يجوز الترجيح لكونه ترجيحاً بلا مرجّحٍ وهو باطلٌ كما أسلفنا أعلاه.
(الوجه الثاني):

إنَّ الإثبات والنفي بالمنظور العقلي والمنطقي والفلسفي يعني الوجود واللاوجود أو الوجود والعدم ،وليس ثمة واسطة بين الوجود والعدم يسمّى حالاً فإنَّ ذلك باطلٌ عقلاً كما إتفق على ذلك عامة المتكلمين والفلاسفة الشيعة ولم يخالفهم سوى بعض المعتزلة كما هو واضح عند من له إطلاع على المباحث الكلامية والفلسفيّة،فدعوى المشكّك لا تخرج من دائرة الشبهة التي ادّعاها المعتزلة،فالقضية لا يعدو كونها داخلة في منظومة الوجود او العدم ولا شيء ثالث غيرهما حتى يطلع علينا المشكّك بشيءٍ آخر غير الإثبات والنفي، فإما أن تدخل قضية كسر الضلع في دائرة الإثبات ،وإما تدخل في دائرة النفي،ولا شيء غيرهما،فدعواه ملحقة بشبهة الحال التي ادّعاها المعتزلة وهي باطلة من الأساس ،وبالتالي فما استدل به المشكّك باطلٌ من الاساس بحسب المنظور الفلسفي والكلامي...!!
(الوجه الثالث):

دعواه المتقدِّمة المرددة بين الإثبات والنفي تتعارض مع ما ذكره في كتابه"الزهراء المعصومة إنموذج المرأة العالمية صفحة55"بأنَّه يستبعد موضوع كسر الضلع ولا يتفاعل مع التحليل التاريخي الدال على كسر الضلع ،مما يستلزم القول بأنَّ الرجل يقرُّ بالنفي ـ أي بعدم حصول الكسر ـ  وليس بالأمر بين الأمرين،كما أنَّه ينفي حصول النقيض وهو تحقق ووقوع الكسر،ولعلَّه أجمل الموضوع ولم يفصّل ليوقع السامع أو القارىء بالحيرة والشك فيؤدي الحال به إلى الإنكار بسبب عدم حصول القطع واليقين،وهذه حيلة ماكرة لنفي المطالب العلمية والثوابت التاريخية الضرورية..!!
(الوجه الرابع):

إستبعاد موضوع الكسر –حسبما أفاد المشكّك في كتابه الزهراء المعصومة ـ يعني النفي ولا شيء أكثر من ذلك، وهذا لا يتلائم مع نعته بالكذب لكلِّ من ينسب إليه نفي الكسر حسبما جاء ذلك في نفس الكتاب المذكور،وبالتالي هو إقرارٌ يقتضي تكذيب نفسه وليس تكذيباً للآخرين الذين أثبتوا إنكاره للقضية بما استفادوه من كلامه المتقدِّم ،فهو إما انَّه يستحمر الآخرين ويستخفُّ بعقولهم،وإما أنَّه يتلاعب بالألفاظ ويكابر على الحقيقة،فيكذِّب نفسه من دون أن يأتي أحدٌ ليكذّب دعواه،فهو من جهة ينعت من ينسب إليه نفي الكسر بالكذب ومن جهة أخرى يستبعد موضوع الكسر ولا يتفاعل معه،أليس هذا تناقضاً أيها العقلاء والعلماء؟؟!! أليس عدم التفاعل وكذا إستبعاد موضوع الكسر إقراراً منه على نفسه بنفي الكسر ؟؟!!أوليس الإقرار حجة شرعيّة لإثبات المطالب العلميّة بمقتضى ما ورد عنهم(عليهم السلام):"بأنَّ إقرار العقلاء على أنفسهم جائز"؟؟!!فعلامَ إستنكاره وتهويله على من إتهمه بنفي كسر ضلع سيّدة نساء العالمين الزهراء البتول(صلوات ربي عليها)؟؟!!
(الوجه الخامس):

عدم تفاعله مع ما روي بالصحيح من كسر الضلع فمع أيّ شيءٍ يتفاعل يا تُرى؟؟؟!! فهل أنَّ تفاعله مع أهالي غزة وحركة الإخوان المسلمين في مصر وأفغانستان والجزائر وحركة حزب الدعوة في العراق  وفي غيرها من مواقع ما يسمّى بجهاد الإمبريالية والصهيونية أهمّ من من قضية الصدِّيقة الشهيدة التي ينتسب إليها السيّد فضل الله؟؟!! وكيف يتفاعل مع أشعار إبن أبي ربيعة وغيره من شعراء العرب والجاهلية ويستشهد بها بحماس وحرارة ولا يشعر بحماسٍ وغيرة لمن كانت أصل وجوده؟؟!!،فعدم التفاعل والإكتراث يستلزم عدم المبالاة لقضية كسر الضلع ،وبالتالي ينمُّ هذا عن عدم موالاته لسيّدتنا المظلومة حتى من بعض أحفادها،بل ينمُّ هذا عن ميلٍ نفسي إلى من ظلمها وتنزيهٍ له عن وصمة العار التي لحقته إلى أبد الآبدين،فبئساً لهكذا أحفاد لا تحركهم الحميّة والغيرة على جدتهم التي هي أساس وجودهم ومن خلالها نال الشهرة والجاه ومحبة الآخرين له لأنّ الناس يحبون ذرية السيّدة الطاهرة الزكيّة(فديتها بنفسي)..!!!
(الوجه السادس):

لم يعرض علينا السيّد فضل الله إلى الآن روايةً واحدةً مما إدّعاه على نفي كسر الضلع حتى نناقشه بمستنَده على رفض القضيَّة التي ادّعى بأنَّ أسانيدها ومضامينها ضعيفة ولا تفي بالغرض،فعدم تقديمه للمستند الذي اعتمده لنفي القضيَّة يستلزم الكذب على تاريخنا والتلفيق على الشيعة السذج التابعين له ،وإلاَّ فإنَّ العالم الواثق بعلمه ودعواه لا يخاف من إظهار مستنده الذي إتكأ عليه في إثبات دعواه!!!والإستبعاد وعدم التفاعل ليس دليلاً شرعياً وعلمياً حتى يتمسك به من يشاء، بل الإستبعاد من لوازم الاقيسة والإستحسانات التي حرمّتها الشريعة الغرّاء إلاَّ على مبدأ أبي حنيفة القائل بالقياس،والسيّد فضل الله يتوافق معه في هذا ويشهد لما قلنا ما ذكره في مجلة المنطلق العدد صفحة   111 صفحة 77 كما أنَّه يتوافق مع قوله في كتابه "الندوة /الجزء الثاني صفحة 461 " بأنَّ الغاية تبرر الوسيلة،لذا لا يبعد في منهجه الفقهي والكلامي عن المخالفين في إستنباطاتهم وإستنتاجاتهم العلمية،وهذا إن دل على شيء فإنّما يدل على عدم اعتقاده بالأخبار الصادرة عن أهل البيت(عليهم السلام) التي تغني الفقيه عن القياس والإستحسان اللذين يعمل بهما جمهور العامة،وسبب ذلك عدم وفرة الأخبار عندهم لأخذ الأحكام منها،وحيث إنَّ فضل الله لا يؤمن بالأخبار التي تتعارض مع منهاجه الوحدوي ،لذا فهو يقول بالقياس كالعامة العمياء  في إستدلالاتهم وإستنباطاتهمَ.
(الوجه السابع):

على فرض صحة دعواه بعدم الإثبات والنفي ـ وفرض المحال ليس محالاً ـ بمعنى أنَّه لا يثبت ولا ينفي،فيبقى إحتمال تحقق الكسر ووقوعه قائماً وممكناً ثبوتاً وواقعاً ولو بحساب الإحتمالات الرياضية،فيحتاج الإستدلال على الوقوع حينئذٍ إلى قرينة قطعيّة أو ظنيّة تثبت ذلك،وهذه القرينة موجودة في الأخبار الكثيرة التي فيها المعتبر والصحيح،وعلى فرض ضعفها كلّها عنده ـ وعليه أن يدلنا على موضع الخلل حتى نناقشه فيه ـ فإنَّها تشكّل قرينةً قطعيَّةً على وقوع الكسر،لا سيَّما وأنَّ المشكِّك يعتقد بصحة الخبر الضعيف سنداً إذا كان موثوق الصدور بحيث تدل القرينة على صحته،أوليست هذه الأخبار التي ناهزت التواتر بقرينةٍ قطعيَّةً أو ظنيَّةً على أقل تقدير وهي كافية في إثبات القضايا الفقهية عدا عن القضايا التاريخية التي لا يشترط فيها صحة الأسانيد والقرائن على إثباتهاوتحققها وإلاَّ فلا يجوز لنفس المشكّك أن يعتمد على أيّ حادثة تاريخية رويت في كتاب تاريخي لأنَّ أكثر هذه الوقائع رويت بأسانيد ضعيفة، وهو نفسه قد استند إليها في كتبه ومحاوراته وخطاباته،وإنكاره لما قلنا يُعدُّ مكابرةً لا تخفى على العالم الفقيه الورع!!
(الوجه الثامن):

على فرض صحة دعواه بوجود أخبار لا تفي بالغرض من ناحية أسانيدها ومضامينها،فإنَّ في مقابلها أخباراً مستفيضة في قوة أسانيدها ومضامينها،ولا يجوز تقديم تلك الضعيفة على القوية،وذلك لموافقة الضعيفة –بحسب مدَّعاه ـ لإعتقاد العامة الرافضين لوقوع القضية تنزيهاً منهم لعمر بن الخطاب وإستنكارهم علينا بذلك،وقد ورد عن أئمتنا الطاهرين(عليهم السلام) بعرض الأخبار المنسوبة إليهم على أخبار العامة فما خالفه فيُضرب به عرض الحائط،وهذا واضحٌ عند عامة فقهاء الإماميّة في قواعدهم الإستنباطية،فالعجب كيف تخفى الواضحات عند مرجع الأمة وعبقريها؟؟!!! اللهم إلاَّ أنَّه يعرف ولكنَّه يكابر جفاءً للحقيقة رغبةً فيما عند المخالفين من الجاه والشهرة أو محبةً بأعداء سيّدة النساء الزهراء البتول عليها السلام..!! وصدق ما جاء عن مولانا الإمام العسكري(عليه السلام) في معرض كلامه عن العلماء المنحرفين عنهم صلوات ربي عليهم فقال:"فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ،حافظاً لدينه مخالفاً لهواه،مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه وذلك لا يكون إلاَّ بعض فقهاء الشيعة لا كلَّهم،فإنَّ من ركب من القبائح والفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنَّا شيئاً ولا كرامة،وإنَّما كثر التخليط فيما يتحمَّل عنّا أهل البيت لذلك لأنَّ الفسقة يتحمَّلون عنّا فيحرفونه بأسره لجهلهم ويضعون الأشياءعلى غير وجهها لقلة معرفتهم،وآخرون يتعمّدون الكذب علينا" .
(الوجه التاسع):

لقد ذكرنا في كتابنا الكريم"أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد "الجزء الثاني/421  وما بعدها من الصفحات الكثير من الأخبار الدالة على حصول الكسر،مضافاً للأخبار الأخرى والتي منها الأخبار الآتية :
(الخبر الأول):

ما رواه المحدّث الصحابي الجليل في كتابه الكريم المعروف بكتاب سليم بن قيس الكوفي في موضعين منه بأنَّ عمر بن الخطّاب أرسل قنفذاً عليه اللعنة السرمدية إلى منزل سيّدتنا الطاهرة الزهراء الحوراء(عليها السلام) لضربها وقتلها،ففي الموضع الاول صفحة 76 ذكر فيه ما فعله قنفذٌ لعنه الله تعالى حيث" ضربها وألجأها إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت صلَّى الله عليها من ذلك شهيدة.."وفي الموضع الثاني صفحة231 ذكر فيه إقتحام عمر بن الحطّاب دار الطاهرة الزكيّة(صلوات ربي عليها)بعد أن أحرقه ثمَّ دفعه فاستقبلته مولاتنا الطاهرة الشهيدة وصاحت:يا أبتاه يا رسول الله!فرفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها.." ،ولا يخفى صحة واعتبار كتاب سليم بن قيس عند أهل التحقيق من فقهاء الإماميَّة،إذ إنَّ سليم من أكابر صحابة أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام)،فما ورد فيه متسالم عليه بين الشيعة منذ زمن الأئمة الطاهرين عليهم السلام إلى يومنا هذا من دون نكير من أحدٍ،وما ورد من تشكيك السيّد فضل الله حول الكتاب فقد فندناه من أساسه في كتابنا أبهى المداد فليراجع..فرواية سليم صحيحة لا غبار عليها من الناحيّة السنديّة،وعلى فرض ضعفها ـ وفرض المحال ليس محالاً ـ فإنَّها مجبورة بالشهرة العظيمة بين الطائفة لا سيّما فقهائها ومحدثيها،فتصبح قويةً للقاعدة الاصوليّة المتفق عليها بين الاصحاب ومفادها:"عمل الأصحاب بخبرٍ ضعيفٍ سنداً يوجب تقويته"لأنَّ عملهم حينذاك يعتبر قرينةً ترفع من قيمته واعتباره...
(الخبر الثاني):

ما رواه الشيخ الصدوق في الأمالي في موثقة سعيد بن جبير/ المجلس الرابع والعشرين/ الحديث الثاني:فقال، حدثنا علي بن أحمد بن موسى الدقاق ( رحمه الله )، قال: حدثنا محمد ابن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان جالسا ذات يوم إذ أقبل الحسن ( عليه السلام )، فلما رآه بكى، ثم قال: إلي يا بني، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى، ثم أقبل الحسين ( عليه السلام )، فلما رآه بكى، ثم قال: إلي يا بني، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى، ثم أقبلت فاطمة ( عليها السلام )، فلما رآها بكى، ثم قال: إلى يا بنية، فأجلسها بين يديه، ثم أقبل أمير المؤمنين ( عليه السلام )، فلما رآه بكى، ثم قال: إلي يا أخي، فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن، فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما ترى واحدا من هؤلاء إلا بكيت، أو ما فيهم من تسر برؤيته ! فقال ( صلى الله عليه وآله ): والذي بعثني بالنبوة، واصطفاني على جميع البرية، إني وإياهم لأكرم الخلق على الله عز وجل، وما على وجه الأرض نسمة أحب إلي منهم. أما علي بن أبي طالب فإنه أخي وشقيقي، وصاحب الامر بعدي، وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وصاحب حوضي وشفاعتي، وهو مولى كل مسلم، وإمام كل مؤمن، وقائد كل تقي، وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأمتي في حياتي وبعد مماتي، محبه محبي، ومبغضه مبغضي، وبولايته صارت أمتي مرحومة، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة، وإني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي حتى إنه ليزال عن مقعدي، وقد جعله الله له بعدي، ثم لا يزال الامر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهو نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عز وجل لملائكته: يا ملائكتي، انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي، قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار. وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقها، ومنعت إرثها، وكُسِرَ جنبُها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمداه، فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية، تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة، وتتذكر فراقي أخرى، وتستوحش إذا جنها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن، ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة، فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة ( إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين )، يا فاطمة ( اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ). ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض، فيبعث الله عز وجل إليها مريم بنت عمران، تمرضها وتؤنسها في علتها، فتقول عند ذلك: يا رب، إني قد سئمت الحياة، وتبرمت بأهل الدنيا، فألحقني بأبي. فيلحقها الله عز وجل بي، فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتُقْدِمُ عَلَيَّ مَحْزُوْنَةً مَكْرُوْبَةً مَغْمُوْمَةً مَغْصُوْبَةً مَقْتُوْلَةً، فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وأذل من أذلها، وخلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين. وأما الحسن فإنه ابني وولدي، ومني، وقرة عيني، وضياء قلبي، وثمرة فؤادي، وهو سيد شباب أهل الجنة، وحجة الله على الأمة، أمره أمري، وقوله قولي، من تبعه فإنه مني، ومن عصاه فليس مني، وإني لما نظرت إليه تذكرت ما يجرى عليه من الذل بعدي، فلا يزال الامر به حتى يقتل بالسم ظلما وعدوانا، فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته، ويبكيه كل شئ حتى الطير في جو السماء، والحيتان في جوف الماء، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمي العيون، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب، ومن زاره، في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزل فيه الاقدام. وأما الحسين فإنه مني، وهو ابني وولدي، وخير الخلق بعد أخيه، وهو إمام المسلمين، ومولى المؤمنين، وخليفة رب العالمين، وغياث المستغيثين، وكهف المستجيرين، وحجة الله على خلقه أجمعين، وهو سيد شباب أهل الجنة، وباب نجاة الأمة، أمره أمري، وطاعته طاعتي، من تبعه فإنه مني، ومن عصاه فليس مني، وإني لما رأيته تذكرت ما يصنع به بعدي، كأني به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار، فأضمه في منامه إلى صدري، وآمره بالرحلة على دار هجرتي، وأبشره بالشهادة، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله وموضع مصرعه أرض كرب وبلاء وقتل وفناء، تنصره عصابة من المسلمين، أولئك من سادة شهداء أمتي يوم القيامة، كأني أنظر إليه وقد رمي بسهم فخر عن فرسه صريعا، ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوما. ثم بكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبكى من حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، ثم قام ( صلى الله عليه وآله ): وهو يقول: اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي، ثم دخل منزله.
(الخبر الثالث):

ما رواه التقة الجليل إبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمي المتوفى عام368 للهجرة ـ وقد كان معاصراً للغيبة الصغرى ـ  في كامل الزيارات الباب/108الحديث رقم 840   بأسناده الصحيح عن حمّاد بن عثمان عن مولانا الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال:لمّا اسري بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله) إلى السماء قيل لهكإنّ الله تبارك وتعالى يختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك،قال :أسلم لأمرك يا رب ولا قوة لي على الصبر إلاَّ بك فما هنّ؟قيل له:...وأما الثالثة فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل،أما أخوك عليّ فيلقى من أمتك الشتم والتعنيف والتوبيخ والحرمان والجحد والظلم وآخر ذلك القتل،فقال:يا رب قبلت ورضيت ومنك التوفيق والصبر ،وأما إبنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها،وتضرب وهي حامل،ويدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن ثمّ يمسها هوانٌ وذلٌ ثمّ لا تجد مانعاً وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب..."
(الخبر الرابع):

ما رواه إبن قولويه أيضاً في كامل الزيارات بأسناده الصحيح عن عبد الله بن حماد عن عبد الله الأصم عن عبد الله بن بكير الأرجائي قال:
حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سليمان، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد البصري، عن أبي عبد الله ( عليه السلام )، قال: قال لي: ان عندكم ـأو قال: في قربكم ـ لفضيلة ما أوتي أحد مثلها، وما أحسبكم تعرفونها كنه معرفتها، ولا تحافظون عليها ولا على القيام بها، وان لها لاهلا خاصة قد سموا لها، وأعطوها بلا حول منهم ولا قوة، الا ما كان من صنع الله لهم وسعادة حباهم الله بها ورحمة ورأفة وتقدم. قلت: جعلت فداك وما هذا الذي وصفت ولم تسمه، قال: زيارة جدي الحسين بن علي ( عليهما السلام )، فإنه غريب بأرض غربة، يبكيه من زاره، ويحزن له من لم يزره، ويحترق له من لم يشهده، ويرحمه من نظر إلى قبر ابنه عند رجله، في ارض فلاة لا حميم قربه ولا قريب، ثم منع الحق وتوازر عليه أهل الردة، حتى قتلوه وضيعوه وعرضوه للسباع، ومنعوه شرب ماء الفرات الذي يشربه الكلاب، وضيعوا حق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ووصيته به وباهل بيته، فأمسي مجفوا في حفرته، صريعا بين قرابته، وشيعته بين اطباق التراب، قد أوحش قربه في الوحدة والبعد عن جده، والمنزل الذي لا يأتيه الا من امتحن الله قلبه للايمان وعرفه حقنا. فقلت له: جعلت فداك قد كنت آتيه حتى بليت بالسلطان وفي حفظ أموالهم وانا عندهم مشهور، فتركت للتقية اتياته وانا اعرف ما في اتيانه من الخير، فقال: هل تدري ما فضل من أتاه وما له عندنا من جزيل الخير، فقلت: لا، فقال: اما الفضل فيباهيه ملائكة السماء، وأما ما له عندنا فالترحم عليه كل صباح ومساء. ولقد حدثني أبي انه لم يخل مكانه منذ قتل من مصلي يصلي عليه من الملائكة، أو من الجن أو من الانس أو من الوحش، وما من شئ الا وهو يغبط زائره ويتمسح به ويرجو في النظر إليه الخير لنظره إلى قبره. ثم قال: بلغني أن قوما يأتونه من نواحي الكوفة وناسا من غيرهم، ونسأ يندبنه، وذلك في النصف من شعبان، فمن بين قارئ يقرأ، وقاص يقص، ونادب يندب، وقائل يقول المراثي، فقلت له: نعم جعلت فداك قد شهدت بعض ما تصف، فقال: الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا، وجعل عدونا من يطعن عليهم من قرابتنا وغيرهم يهدرونهم ويقبحون ما يصنعون" ثم قال إبن قولويه:وبهذا الاسناد، عن عبد الله الأصم، عن عبد الله بن بكير الأرجاني، قال: صحبت أبا عبد الله ( عليه السلام ) في طريق مكة من المدينة، فنزلنا منزلا يقال له: عسفان، ثم مررنا بجبل اسود عن يسار الطريق موحش، فقلت له: يا ابن رسول الله ما أوحش هذا الجبل ما رأيت في الطريق مثل هذا، فقال لي: يا بن بكير أتدري اي جبل هذا، قلت: لا، قال: هذا جبل يقال له الكمد، وهو على واد من أودية جهنم، وفيه قتلة أبي الحسين ( عليه السلام )، استودعهم فيه، تجري من تحتهم مياه جهنم من الغسلين والصديد والحميم، وما يخرج من جب الجوى، وما يخرج من الفلق، وما يخرج من اثام، وما يخرج من طينة الخبال، وما يخرج من جهنم، وما يخرج من لظي ومن الحطمة، وما يخرج من سقر، وما يخرج من الحميم، وما يخرج من الهاوية، وما يخرج من السعير، وما مررت بهذا الجبل في سفري فوقفت به الا رأيتهما يستغيثان إلي، واني لأنظر إلى قتلة أبي وأقول لهما: هؤلاء فعلوا ما أسستما، لم ترحمونا إذ وليتم، وقتلتمونا وحرمتمونا، ووثبتم على حقنا، واستبددتم بالامر دوننا، فلا رحم الله من يرحمكما، ذوقا وبال ما قدمتما، وما الله بظلام للعبيد، وأشدهما تضرعا واستكانة الثاني، فربما وقفت عليهما ليتسلى عني بعض ما في قلبي، وربما طويت الجبل الذي هما فيه، وهو جبل الكمد. قال: قلت له: جعلت فداك فإذا طويت الجبل فما تسمع، قال: اسمع أصواتهما يناديان: عرج علينا نكلمك فانا نتوب، واسمع من الجبل صارخا يصرخ بي: اجبهما، وقل لهما: اخسؤوا فيها ولا تكلمون. قال: قلت له: جعلت فداك ومن معهم، قال: كل فرعون عتى على الله وحكى الله عنه فعاله وكل من علم العباد الكفر. فقلت: من هم، قال: نحو بولس الذي علم اليهود ان يد الله مغلولة، ونحو نسطور الذي علم النصارى ان المسيح ابن الله، وقال لهم: هم ثلاثة، ونحو فرعون موسى الذي قال: انا ربكم الاعلى، ونحو نمرود الذي قال: قهرت أهل الأرض وقتلت من في السماء، وقاتل أمير المؤمنين ( عليه السلام )، وقاتل فاطمة ومحسن، وقاتل الحسن والحسين ( عليهما السلام )، فاما معاوية وعمرو فما يطمعان في الخلاص، ومعهم كل من نصب لنا العداوة، وأعان علينا بلسانه ويده وماله. قلت له: جعلت فداك فأنت تسمع ذا كله ولا تفزع، قال: يا بن بكير ان قلوبنا غير قلوب الناس، انا مطيعون مصفون مصطفون، نرى ما لا يرى الناس ونسمع ما لا يسمعون، وان الملائكة تنزل علينا في رحالنا وتتقلب في فرشنا، وتشهد طعامنا، وتحضر موتانا، وتأتينا باخبار ما يحدث قبل أن يكون، وتصلي معنا وتدعو لنا، وتلقي علينا أجنحتها، وتتقلب على أجنحتها صبياننا، وتمنع الدواب ان تصل إلينا، وتأتينا مما في الأرضين من كل نبات في زمانه، وتسقينا من ماء كل ارض نجد ذلك في آنيتنا. وما من يوم ولا ساعة ولا وقت صلاة الا وهي نبهنا لها، وما من ليلة تأتي علينا الا واخبار كل ارض عندنا وما يحدث فيها، واخبار الجن واخبار أهل الهوى من الملائكة، وما من ملك يموت في الأرض ويقوم غيره الا اتانا خبره، وكيف سيرته في الذين قبله، وما من ارض من ستة أرضين إلى السابعة الا ونحن نؤتي بخبرهم. فقلت: جعلت فداك فأين منتهى هذا الجبل، قال: إلى الأرض السادسة، وفيها جهنم، على واد من أوديته، عليه حفظة أكثر من نجوم السماء وقطر المطر وعدد ما في البحار وعدد الثرى، قد وكل كل ملك منهم بشئ وهو مقيم عليه لا يفارقه. قلت: جعلت فداك إليكم جميعا يلقون الاخبار، قال: لا، إنما يلقى ذلك إلى صاحب الامر، وانا لنحمل ما لا يقدر العباد على الحكومة فيه فنحكم فيه، فمن لم يقبل حكومتنا جبرته الملائكة على قولنا، وأمرت الذين يحفظون ناحيته ان يقسروه على قولنا، وإن كان من الجن من أهل الخلاف والكفر أوثقته وعذبته حتى يصير إلى ما حكمنا به. قلت: جعلت فداك فهل يرى الامام ما بين المشرق والمغرب، فقال: يا بن بكير فكيف يكون حجة الله على ما بين قطريها وهو لا يراهم ولا يحكم فيهم، وكيف يكون حجة على قوم غيب لا يقدر عليهم ولا يقدرون عليه، وكيف يكون مؤديا عن الله وشاهدا على الخلق وهو لا يراهم، وكيف يكون حجة عليهم وهو محجوب عنهم، وقد حيل بينهم وبينه ان يقوم بأمر ربه فيهم، والله يقول: ( وما أرسلناك الا كافة للناس )، يعني به من على الأرض والحجة من بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقوم مقام النبي ( صلى الله عليه وآله ). وهو الدليل على ما تشاجرت فيه الأمة والاخذ بحقوق الناس والقيام بأمر الله والمنصف لبعضهم من بعض، فإذا لم يكن معهم من ينفذ قوله، وهو يقول: ( سنريهم اياتنا في الآفاق وفي أنفسهم )، فأي آية في الآفاق غيرنا أراها الله أهل الآفاق، وقال: ( ما نريهم من اية الا هي أكبر من أختها )، فأي آية أكبر منا. والله ان بني هاشم وقريشا لتعرف ما أعطانا الله، ولكن الحسد أهلكهم كما أهلك إبليس، وانهم ليأتوننا إذا اضطروا وخافوا على أنفسهم، فيسألونا فنوضح لهم فيقولون: نشهد انكم أهل العلم، ثم يخرجون فيقولون: ما رأينا أضل ممن اتبع هؤلاء ويقبل مقالتهم. قلت: جعلت فداك اخبرني عن الحسين ( عليه السلام ) لو نبش كانوا يجدون في قبره شيئا، قال: يا بن بكير ما أعظم مسائلك الحسين ( عليه السلام ) مع أبيه وأمه وأخيه الحسن في منزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله )، يحبون كما يحبي ويرزقون كما يرزق، فلو نبش في أيامه لوجد ( 4 )، واما اليوم فهو حي عند ربه ينظر إلى معسكره، وينظر إلى العرش متى يؤمر ان يحمله، وانه لعلى يمين العرش متعلق، يقول: يا رب انجز لي ما وعدتني. وانه لينظر إلى زواره وهو اعرف بهم وبأسماء آبائهم وبدرجاتهم وبمنزلتهم عند الله من أحدكم بولده وما في رحله، وانه ليرى من يبكيه فيستغفر له رحمة له ويسأل أباه الاستغفار له، ويقول: لو تعلم أيها الباكي ما أعد لك لفرحت أكثر مما جزعت، فيستغفر له كل من سمع بكائه من الملائكة في السماء وفي الحائر، وينقلب وما عليه من ذنب.
  فهذه الأخبار شاهد صدقٍ على ظلامة الصدّيقة الشهيدة(عليها السلام) وأنَّها قُتلت من جراء الإعتداء عليها بالضرب وضغطة الباب ونبت المسمار في الصدر وإسقاط الجنين بسبب العصر خلف الباب كما يشير إلى ذلك  خبر إثبات الوصيّة في قصة السقيفة،إلى غير ذلك مما جرى عليها روحي بين يديها ،فمن أراد المزيد فليرجع إلى كتابنا أبهى المداد/طبع مؤسسة الأعلمي/بيروت .
وأما الدعوى الثانية ـ وهي أنَّ موضوع كسر الضلع من المسائل التاريخية التي لا يهم النزاع فيها وليست من مسائل العقيدة التي تختلف فيها الأنظار تبعاً لإختلاف الأُصول المعتمدة فيها ـ  فباطلة أيضاً بالوجوه التالية:
(الوجه الأول):

إنَّ ما إدَّعاه مصادرة على المطلوب،فإنَّ المسائل التاريخية لا تنفك غالباً عن المسائل العقائدية،إذ إنَّ المسائل التاريخية ليست من الموضوعات الصرفة التي لا يتعلق بها حكمٌ شرعي أو عقيدي،بل قلَّ ما تخلو حادثة أو موضوع من حكمٍ شرعيٍّ ملازمٍ لها ملازمة الظل لذيه،فما من موضوع إلاَّ ويتعلق به حكمٌ شرعيّ،وكسر ضلع الطاهرة الزكيَّة(صلوات ربي عليها) موضوع من تلكم الموضوعات العرفيّة المستنبطة لا بدَّ من ترتب حكمٍ عليها وإلاَّ لخرجت من دائرة الحوادث المعاصرة للعصر النبوي فيصبح تحرك تلك المظلومة المقهورة(فديتها بنفسي)عبثياً،والعبث مندفعٌ عن ساحتها لطهارتها بنص آية التطهير والأخبار المتواترة الدالة على عصمتها ونزاهتها وقداستها(صلوات ربي عليها).
 وبعبارةٍ أُخرى:فإنَّ كونها قضيَّة تاريخيّة لا يخرجها عن مدلولها العقائدي والفقهي،إنَّ قضية كسر ضلع الطاهرة الزكيَّة(عليها السلام) ليست  من التاريخ الخيالي المحض كقصة ألف ليلة وليلة،بل هي من الموضوعات التي تصبُّ في خانة العقيدة والفقه،فأذية سيّدة النساء(عليها السلام) والإعتداء عليها تُخرج بفاعله من الإسلام وتُدخله في زمرة الزنادقة والملحدين،ولو كان الأمر بهذه البساطة لكان الإعتداء على الأنبياء والأوصياء(عليهم السلام)أمراً سهلاً لا يترتب عليه عقاب إلهي أو عتاب عقلائي؟؟!!
(الوجه الثاني):

مسألة كسر الضلع من لوازم الدفاع عن ولاية وإمامة أمير المؤمنين عليّ(عليهما السلام)إذ لولا تصدّى سيّدة الطهر والقداسة(لعن الله تعالى ظالميها)لأولئك الظلمة الكفرة لاندرست الإمامة من أساسها ولقويت نار الجاهليّة ونائرة الكفر والفسق،فبقاء الإمامة والولاية إنَّما كان بفضل هذه العظيمة الطاهرة(عليها آلاف التحية والسلام) وببقاء الولاية بقي الإسلام،لذا فللسيّدة الزكيّة فضلٌ على عامة المسلمين إلى يوم القيامة،فكيف يُعقل حينئذٍ تصوير الإعتداء عليها(فديتها بنفسي)بأنَّه من المسائل التاريخية الصرفة التي لا يهمُّ النزاع فيها؟؟!!!! وهل أنَّ القضايا التاريخيَّة بجميع مفرداتها خارجة عن دائرة إهتمامه حتى تلك التي تحدَّث عنها القرآن الكريم أم أنَّ الأمر يقتصر على ظلامة سيّدة النساء عليها السلام باعتبارها المتصدّي الأول لتلك الطغمة الظالمة،فأراد المشكّك تلميع   صورتهم ميلاً إليهم وتقرُّباً من أتباعهم ؟؟!!
(الوجه الثالث):

تصوير المشكّك للقضية بكونها من مسائل التاريخ إنَّما هو على قاعدة قول القائل"ما لنا وللتاريخ الغابر" وماذا يفيدنا نبش الماضي في حين علينا التطلع إلى الحاضر والمستقبل،وطالما كرّر المشكّك هذه المقالة في محاضراته وكلماته،وفيها ما فيها من المخالفات للقرآن الكريم الذي زخر بالتحدث عن الماضين والغابرين كقصص قابيل وهابيل والنمرود وفرعون وهامان وقوم عادٍ وثمود وصالح ومشركي جزيرة العرب مع رسول الله(صلّى الله عليه وآله)إلخ..فهل ـ يا تُرى ـ  يرى المشكّك بأنَّ ما ذكره القرآن هو أيضاً من التاريخ المحض الذي لا يترتب عليه فائدة تُذكر ولا داعي ساعتئذٍ للبحث والحديث عنه لأنَّه يوجب الفرقة بين الناس ويحرك فيهم العصبيات والحزازات؟؟!! فإن أجابنا بأنَّ ما ذكره القرآن الكريم حقاً وصواباً وذا فائدة ،فليكن حينئذٍ ما تحدثت عنه الأخبار بشأن ظلاماتها(عليها السلام)ذا فائدة راجعة لمن أراد الحقَّ والإنصياع إليه والعمل به وعدم الإنحراف عنه،وإلاَّ فإنَّ الفصل بين قصص القرآن وبين ما جرى على تلك الطاهرة الزكيّة يعتبر فصلاً من دون دليلٍ وترجيحاً بلا مرجحٍ وهو باطلٌ عقلاً ونقلاً بإتفاق الأمة.
(الوجه الرابع):

لقد أشار القرآن الكريم إلى وجوب السير في الأرض لأخذ العبرة والعظة كما في قوله تعالى:"لقد كان في قصصهم عبرة لأُولي الألباب ..."ولم يقيّد ذلك بحوادث ما قبل شهادة الرسول الأعظم(صلَّى الله عليه وآله) بل أطلق،والأطلاق علامة الإنتشار والسعة لكلِّ حوادث التاريخ بلا إستثناء،فإخراج قسمٍ من هذا الإطلاق أو العموم من دون دليلٍ قطعيٍّ يعتبر إستحساناً محرَّماً في شريعتنا بل هو ترجيحٍ بلا مرجحٍ أيضاً لا مسوّغ له عقلاً،ولكنَّ المشكّك لا يرى قيمةً للعقل في مقابل ما يذهب إليه لإعتقاده بأنَّ الغاية تبرّر الوسيلة وتنظّفها كما صرّح بذلك في بعض كتبه،وبالتالي فلا قيمة لكلِّ القواعد والأصول الشرعيَّة والعقلائيّة ما دامت تناهض المصلحة التي يقررها بنفسه للإسلام والمسلمين باعتباره ممن فوِّض الله عزَّ وجلّ إليهم أمور دينه نظير معتقد أتباع ولاية الفقيه المطلقة،وقد فنَّدنا ما توهموه في كتابنا الفريد"ولاية الفقيه العامة في الميزان"فليُراجع.
وبما تقدَّم نكون قد دفعنا بالحجة والدليل ما أورده المشكّك حول ظلامة سيّدة نساء العالمين لعن الله ظالميها من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين، فلتذهب تشكيكاته أدراج الرياح ولا يجوز الإصغاء إليه والأخذ منه حتى يعلن توبته عمّا ارتكبه من ظلامات جديدة أضافها إلى سجّل المتقدّمين الظالمين لها(صلوات ربي عليها)ولا يصغي إليه سوى شذاذ الآفاق الذين لا يعرفون شيئاً من عقائد التشيع فحسبهم سيّدة النساء خصيماً يوم يقفون للحساب والعذاب ولن تنفعهم غيرتهم على العاقّ لأجداده،فهنالك:"يوم يفر المرء من أخيه وأمّه وأبيه وصاحبته وبنيه لكلّ امرىءٍ منهم شأنٌ يغنيه"   والسلام عليكم ورحمته وبركاته.
    

 حرره عبد الصدّيقة الطاهرة الشهيدة عليها السلام محمَّد جميل حمُّود العاملي بتاريخ 10صفر 1429 للهجرة.بيروت

 


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=8
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 03 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28