• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : الفقه .
              • القسم الفرعي : إستفتاءات وأجوبة .
                    • الموضوع : إعلان الحداد وإظهار الحزن لا يقتصر على مولانا الإمام الحسين بل يجب أن يكون على جميع أئمة أهل البيت عليهم السَّلام .

إعلان الحداد وإظهار الحزن لا يقتصر على مولانا الإمام الحسين بل يجب أن يكون على جميع أئمة أهل البيت عليهم السَّلام

الموضوع:إعلان الحداد والحزن لا يقتصران على مولانا الإمام الحسين عليه السلام فحسب بل هو على عامة أهل البيت عليهم السلام

بسمه تعالى
 

السؤال: يردد بعضهم: إن ترك العمل أو تعطيل الدراسة خاص بالإمام الحسين عليه السلام، ولا يشمل بقية المعصومين عليهم السلام، فهل توافقونه على ذلك؟
إذ يقول: "فلم يعهد عن الأئمة المتأخرين إقامة مراسم العزاء في المناسبات الدينية للائمة السابقين لهم مع رجحان ذلك على كل حال، ما عدا ذكرى سيد الشهداء  التي هي حالة خاصة لما جرى فيها حرص الأئمة من بعده على إحيائها وتذكير المؤمنين بها كما كان يفعل الإمام السجاد  في سوق الجزارين حينما يسألهم هل سقوا الحيوان ماء قبل ذبحه ويذكر ما فعل بالحسين  ، والإمام الرضا  حين يدعو دعبلاً الخزاعي لينشد بين يديه قصيدته المشهورة مدارس آيات.
ويذكر علماؤنا كراهة التكسب - لا حرمته - في العاشر من المحرم فقط دون غيره من المناسبات، حيث كان بنو أمية وأشياعهم يتخذونه عيداً يظهرون فيه الشماتة لأهل بيت النبوة عليهم السلام ويدخرون فيه الطعام للمؤونة".
وقال: "إن القول بحرمة التكسب أو كراهته في المناسبات الدينية المحزنة مبني على أن هذا العمل فيه شماتة بأهل البيت عليهم السلام، وفرح بما حل بهم من مصائب ولا ملازمة أصلاً بين هذين الأمرين، بل يُقطع بأن مثل ذلك الشعور لا يكون عند أحد من الشيعة بل والمسلمين عموماً على الإطلاق"
وقال: أيضاً: "إن فتح المحال التجارية يقلل من حضور الناس إلى المجالس الحسينية وإغلاقها يزيد منه، فهو كلام غير دقيق، إذ قلة الحضور في بعض المجالس الحسينية له أكثر من سبب، قد يكون وجود القنوات الفضائية التي تبث المجالس الحسينية، وقد يكون ضعف بعض الخطباء الذين لا يهتمون بالإعداد الجيد لمجالسهم ويجعلون جل همهم في قراءة المصيبة آخر المجلس.
ثم إن صلاح المجتمع وفساده لا يوزن بهذا الميزان، فهل نستدل على صلاح المجتمع بكثرة الحضور في تلك المجالس، وعلى فساده بقلة الحضور".
وهل يمكننا الاستفادة على أن ذلك يشمل جميع المعصومين من بعض الروايات، كما عن الرواية الواردة عن الإمام الرضا عليه السلام: (فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإن البكاء يحطّ الذنوب العظام)، باعتبار أن مثل الحسين هم بقية المعصومين عليهم السلام، فأولهم محمد وأوسطهم محمد وآخرهم محمد وكلهم محمد كما في الرواية الواردة عنهم عليهم السلام، وباعتبارهم أنهم نور واحد، فما يجري على أحدهم يجري على بقيتهم؟
وهل يمكن استفادة ذلك من رواية ( أحيوا أمرنا) إذ أن الإمام الرضا عليه السلام قد جمع الأمر لهم كلهم، ولم يقل أحيوا أمر الحسين (عليه السلام)؟
وقد قال ذلك البعض: أن الأئمة عليهم السلام لم يحيوا إلا أمر الحسين عليه السلام ولم يأمرونا بإحياء بقية وفيات أو موالد المعصومين عليهم السلام، فما هو الرد عليه؟

 

والجواب:
 

لقد أفادت الشبهة أمراً خطيراً على المستوى الفقهي والعقيدي يجب دفعها حتى لا يُفْتَتَنَ بها المؤمنون ، وهي تتلخص بدعويين:
(الدعوى الأولى):إنَّ كراهة العمل أو التكسب في يوم عاشوراء مبنيٌّ على أنَّ في هذا العمل شماتةٌ بأهل البيت عليهم السلام وفرحٌ بما حلَّ بهم من المصائب،وحيث إنَّ المسلمين ـــ سوآء أكانوا خاصةً أم عامةًـــ لا ينطبق عليهم عنوانُ الشماتة فجاز حينئذٍ فتح المحال التجارية وتعاطي الكسب فترتفع الكراهة لكونها مرتبطة بالشماتة،فإذا ارتفعت الشماتة ارتفعت الكراهة أو الحرمة.
(الدعوى الثانية):أنَّ إقامة العزاء خاصٌ بالإمام المولى أبي عبد الله الحسين عليه السلام ولا يشمل بقية أهل البيت عليهم السلام بدليل أنَّ أئمتنا الطيبين الطاهرين (صلوات ربي عليهم أجمعين) كانوا يقيمون المآتم ومجالس العزاء على جدهم الإمام الحسين عليه السلام فقط ولم يُعهد منهم إقامة مراسم العزاء على غير الإمام الحسين عليه السلام،فهم عليهم السلام لم يحيوا إلاَّ أمر الإمام الحسين عليه السلام ولم يأمرونا بإحياء بقية شهادات الائمة الطاهرين عليهم السلام.
ردنا على الدعوى الأولى:
لقد حصر صاحبُ الدعوى تركَ التكسب يوم عاشوراء بما لو كان ثمة شماتة بأهل البيت عليهم السلام،فجعل الشماتةَ سبباً رئيساً أو علةً تامةً في الكراهة أو الحرمة طبقاً لما جاء تعليل ذلك في بعض الأخبار مع أنَّ ثمةَ أخباراً أُخرى تشير بوضوحٍ إلى أنَّ كراهة التكسب وأكل الطعام الجيِّد ـــ بل ورد أنَّه يستحب الإمساك تشبهاً بالصائمين إلى ما قبل المغرب بساعة ثمَّ يفطر على الماء ويتذكر عطشَ سيِّد الشهداء وأهل بيته وأصحابه ــــ  إنَّما هو لأجل الحزن على سيّد الشهداء (روحي فِداه)وإظهار مظلوميتِهُ والتعاطفِ مع سيّد المظلومين والرقة عليه فديته بنفسي،من هنا بكى المولى الإمام زين العابدين عليه السلام على أبيه المظلوم زهاء أربعين سنَّةً بل ما قرَّبوا إليه ماءً أو طعاماً إلاَّ وبلَّه بدموعه رافعاً صوته قائلاً:"إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاَّ خنقتني العبرة لذلك"وكان إذا أخذ الماء ليشرب بكى حتى يملأها دمعاً فقيل له لمَ تفعل ذلك؟قال عليه السلام:"وكيف لا أبكي وقد مُنِعَ أبي من الماء الذي كان مطلقاً للسباع والوحوش" فبكاء الإمام زين العابدين عليه السلام كان من باب الرقة والحزن على أبيه كما أشار عليه السلام بقوله:"إني أذكر يومهم مع أبي عبد الله الحسين بن عليّ عليهما السلام فأرقّ لهم"...فالحزن والبكاء وترك الكسب وما شابه ذلك يُراد منه التعاطف والحداد والرقة وليس شيئاً آخر غير ذلك مما ادَّعاه صاحب الشبهة.
  مضافاً لما قلنا فإنَّ الاخبار الشريفة الصحيحة تؤكد المعنى الذي قدَّمناه وقد دلت على كراهة أن يتخذ المسافر لزيارة الإمام الحسين عليه السلام الأطعمة والحلوى بل يستحب زيارته وهو مغبَّر جائع عطشان،ففي الباب السابع والأربعين والثامن والأربعين من كامل الزيارات العديد من هذه الأخبار وهي التالي:
الباب(47)
ما يكره اتخاذه لزيارة الحسين بن علي ( عليهما السلام )
[ 370 ] 1 ــ حدثني أبي رحمه الله وعلي بن الحسين وجماعة مشايخي رحمهم الله، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن بعض أصحابنا، قال: قال أبو عبد الله ( عليه السلام ): بلغني ان قوما إذا زاروا الحسين ( عليه السلام ) حملوا معهم السفر، فيها الحلاوة والاخبصة وأشباهها، ولو زاروا قبور أحبائهم ما حملوا معهم هذا .
[ 371 ] 2 ــ وحدثني محمد بن الحسن بن أحمد وغيره، عن سعد بن عبد الله، عن موسى بن عمر، عن صالح بن السندي الجمال، عن رجل من أهل الرقة  يقال له: أبو المضا، قال: قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ): تأتون قبر أبي عبد الله ( عليه السلام )، قلت: نعم، قال: أفتتخذون لذلك سفرا، قلت: نعم، فقال: أما لو اتيتم قبور آبائكم و أمهاتكم لم تفعلوا ذلك، قال: قلت: اي شئ نأكل، قال: الخبز واللبن، قال: وقال كرام ( عليه السلام ) لأبي عبد الله ( عليه السلام ): جعلت فداك ان قوما يزورون قبر الحسين ( عليه السلام ) فيطيبون السفر، قال: فقال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ): أما انهم لو زاروا قبور آبائهم ما فعلوا ذلك .
[ 372 ] 3 ــ حدثني حكيم بن داود، عن سلمة بن الخطاب، عن أحمد ابن محمد، عن علي بن الحكم، عن بعض أصحابنا، قال: قال أبو عبد الله ( عليه السلام ): بلغني ان قوما إذا زاروا الحسين بن علي حملوا معهم السفر، فيها الحلاوة والاخبصة وأشباهها، لو زاروا قبور أحبائهم ما حملوا ذلك .
[ 373 ] 4 ــ حدثني محمد بن أحمد بن الحسين، قال: حدثني الحسن ابن علي بن مهزيار، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد، عن زرعة بن محمد الحضرمي، عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله ( عليه السلام ): تزورون خير من أن لا تزورون ولا تزورون خير من أن تزورون، قال: قلت: قطعت ظهري، قال: تالله ان أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيبا حزينا، وتأتونه أنتم بالسفر، كلا حتى تأتونه شعثاً غبراً .
الباب(48)
كيف يجب أن يكون زائر الحسين بن علي ( عليهما السلام )
[ 374 ] 1 ــ حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمان الأصم، قال: حدثنا مدلج، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله ( عليه السلام )، قال: قلت له: إذا خرجنا إلى أبيك افلسنا في حج، قال: بلي، قلت: فيلزمنا ما يلزم الحاج، قال: ماذا، قلت: من الأشياء التي يلزم الحاج، قال: يلزمك حسن الصحابة لمن يصحبك ويلزمك قلة الكلام الا بخير، ويلزمك كثرة ذكر الله، ويلزمك نظافة الثياب، ويلزمك الغسل قبل ان تأتي الحائر، ويلزمك الخشوع وكثرة الصلاة والصلاة على محمد وال محمد، ويلزمك التوقير  لاخذ ما ليس لك، ويلزمك ان تغض بصرك، ويلزمك ان تعود إلى أهل الحاجة من إخوانك إذا رأيت منقطعا والمواساة. ويلزمك التقية التي قوام دينك بها والورع عما نهيت عنه والخصومة وكثرة الايمان والجدال الذي فيه الايمان، فإذا فعلت ذلك تم حجك وعمرتك، واستوجبت من الذي طلبت ما عنده بنفقتك واغترابك عن أهلك ورغبتك فيما رغبت ان تنصرف بالمغفرة والرحمة والرضوان .
[ 375 ] 2 ــ حدثني محمد بن أحمد بن الحسين، عن الحسن بن علي بن مهزيار، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد، عن زرعة بن محمد الحضرمي، عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله ( عليه السلام ): تزورون خير من أن لا تزورون ولا تزورون خير من أن تزورون، قال: قلت: قطعت ظهري، قال: تالله ان أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيبا حزينا، وتأتونه أنتم بالسفر كلا حتى تأتونه شعثا غبرا .
 [ 376 ] 3 ــ حدثني أبي وأخي وعلي بن الحسين وغيرهم رحمهم الله، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف، عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، عن علي بن الحكم، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله ( عليه السلام )، قال: إذا أردت زيارة الحسين ( عليه السلام ) فزره وأنت كئيب حزين مكروب، شعث مغبر، جائع عطشان، فان الحسين قتل حزينا مكروبا شعثا مغبرا جائعا عطشانا، وسله الحوائج، وانصرف عنه ولا تتخذه وطنا .
[ 377 ] 4 ــ وبهذا الاسناد عن سعد بن عبد الله، عن موسى بن عمر، عن صالح بن السندي الجمال، عمن ذكره، عن كرام بن عمرو، قال: قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) لكرام: إذا أردت أنت قبر الحسين ( عليه السلام ) فزره وأنت كئيب حزين شعث مغبر، فان الحسين ( عليه السلام ) قتل وهو كئيب حزين، شعث مغبر جائع عطشان.
   فاتضح بما تقدَّم أنَّ المطلوب من المؤمن الموالي هو الحداد والحزن والتعاطف والرقّةوالتفاعل مع سيِّد المظلومين مولى الأحرار أبي عبد الله (عليه السلام وأرواحنا له الفِداء) بشكلٍ مطلقٍ سوآءٌ أكان ذلك في يوم عاشوراء أم في غيره من الأيام، وليس كما يتوهم ذاك المدَّعي من كون الحداد لدفع الشماتة،فهو خلاف الأخبار المتقدِّمة وخلاف ما ورد  عن مولانا الإمام الباقر عليه السلام في نفس زيارة عاشوراء المقدَّسة الصحيحة سنداً ودلالةً حيث قال لمالك الجهني:( فإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجةٍ فافعل ،فإنَّه يوم نحسٍ لا تُقضى فيه حاجةٌ وإن قُضيت لم يبارك له فيها ولم يرَ رُشداً ولا تدَّخِرَنَّ لمنزلك شيئاً،فإنَّه من ادَّخر لمنزله شيئاً في ذلك اليوم لم يبارك له فيما يدَّخره ولا يبارك له في أهله ،فمن فعل ذلك كتب له ثواب ألف ألف حجة وألف ألف عمرة وألف ألف غزوة كلّها مع رسول الله صلى الله عليه وآله...)فكلُّ هذه الوصايا والنواهي ليس فيها ما يشير إلى ما ادَّعاه ذاك الغافل،فما هي إلاَّ شنشنة أعرفها من أخزم؟! إنَّهم أنصاف العلماء فلا علاقة لهم بمعارف وفقه آل الله تعالى،فهؤلاء قطَّاع الطريق على عباد الله عزَّ وجلَّ...
 

والحاصل :أنَّه يستفاد من هذه الأخبار شيئان:
 (الأول):إستحباب إتخاذ  الحزن شعاراً على المولى سيِّد الشهداء (فديته بنفسي) لكونه قُتِلَ مظلوماً كئيباً حزيناً شعثاً مغبَّراً وجائعاً عطشانَ،إذ كيف يفرح الزائر وهو في ضيافة مكروبٍ ومحزونٍ قد أذلَّ مقتله عزيزهم عليهم السلام كما أفاد مولانا الإمام الرضا عليه السلام"إنَّ المحرَّم شهرٌ كان أهل الجاهليَّة يحرِّمون فيه القتال فاستُحلت فيه دماؤنا وهُتكت فيه حرمتنا وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا وأُضرمت النيران في مضاربنا وانتهب ما فيها من ثقلنا ولم تُرعَ لرسول الله حرمة في أمرنا،إنَّ يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذلَّ عزيزنا بأرض كربٍ وبلاء وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الإنقضاء،فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون فإنَّ البكاء عليه يحط الذنوب العظام)المصدر/البحار ج/44 ص285 /. 
(الثاني):لا فرق في إستحباب الحزن عليه (فديته بنفسي) بين أن يكون في يوم عاشوراء أو في غيره من الأيام،والحزن والكرب والبلاء لا يجتمع مع التجارة والكسب في اليوم العاشر من محرَّم على وجه الخصوص لكونه اليوم الذي فُجِعَ فيه ذاك الإمام الهمَّام(صلوات ربي عليه) وتتجدَّد فيه أحزانُ آلِ الله تعالى،لا سيَّما إمام الزمان(أرواحنا لتراب نعليه الفداء)الذي يكاد تزهق روحه حزناً على جده في يوم عاشوراء،كما أنَّ الحزن على سيِّد الشهداء عليه السلام سيكون العلة أو السبب في موت إمام زماننا بعد ظهوره وبسطه للعدل والقسط ،فقد ورد عن مولانا المعظَّم بقيَّة الله الإمام المهدي عليه السلام في زيارته لجدّه سيِّد الشهداء عليه السلام:"السلام عليك سلام العارف بحرمتك المخلص في ولايتك،المتقرِّب إلى الله بمحبتك،البريء من أعدائك،سلام من قلبه بمصابك مقروح ودمعه عند ذكرك مسفوح،سلام المفجوع المحزون الواله المسكين ،سلام من لو كان معك بالطفوف لوقاك بنفسه من حدّ السيوف وبذل حشاشته دونك للحتوف وجاهد بين يديك ونصرك على من بغى عليك وفداك بروحه وجسده وماله وولده وروحه لروحك الفداء وأهله لأهلك وقاء ، فلئن أخرتني الدهور وعاقني عن نصرتك المقدور ولم أكن لمن حاربك محارباً ولمن نصب لك العداوة مناصباً فلأندبنَّك صباحاً ومساءً ولأبكينَّ عليك بدل الدموع دماً حسرةً عليك وتأسفاً وتحسراً على ما دهاك وتلهفاً حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الإكتياب.."
ردنا على الدعوى الثانيَّة:
ومما يُكذِّب دعواه الثانية أيضاً ما ورد في عدة أخبار تشير إلى أنَّ العزاء لم يكن خاصاً بالإمام الحسين عليه السلام فقد كان المأتم أمراً شائعاً في عهد رسول الله ،فقد روى إبن بابويه القمي في الفقيه عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام قال:" إنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله لمَّا جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جداً ويقول:كانا يحدثاني ويؤنساني فذهبا جميعاً،  ولمَّا انصرف من وقعة أُحد إلى المدينة سمع من كلِّ دارٍ من أهلها نوحاً وبكاءً ولم يسمع من دار   عمُّه حمزة فقال:لكن حمزة لا بواكي له فآلى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميِّت ولا يبكوه حتى يبدؤا بحمزة فينوحوا عليه ويبكوه فهم إلى اليوم على ذلك"البحار ج79 /104 نقلاً عن الفقيه ج1 ص116 .وكذلك مولاتنا المطهرة الزهراء البتول عليها السلام كانت تقيم مأتماً خاصاً على قبر حمزة وجعفر وكذلك فعل نساء أهل البيت على شهداء كربلاء.
مضافاً إلى ذلك فإنَّ عدم معهوديَّة إقامة الإمام اللاحق للعزاء على الإمام السابق ليس دليلاً على عدم مشروعيَّة إقامتنا العزاء عليهم،إذ عدم إقامتهم ذلك بسبب ظروفهم الخاصة بهم لا سيَّما وأنَّهم كانوا تحت أستار التقيَّة وفي دولة الظالمين يمنعهم من إقامة العزاء  أو المأتم العام،فعدم إحيائهم لعزاء بعضهم مردُّه كثرة الضغط عليهم وحرصاً منهم على دفع الضرر المتيقن لو إقاموا العزاء على من استشهد منهم على أيدي الحكام،لذا كانوا ينتهزون الفرص لفعل ذلك كما حصل مع الإمامين الباقر والرضا عليهما السلام حيث أوصيا عيالهم بإقامة العزاء عليهما في أماكن محدودة بعد شهادتهما بحيث لا يُشَكِّل ذلك خطراً على أحدٍ من شيعتهم ،والسر في ذلك هو الفسحة المتوفرة لهما دون غيرهما من الأئمة الطاهرين عليهم السلام،فقد روي عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام قال: قال لي أبي أبو جعفر عليه السلام"أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب يندبنني عشر سنين بمنى أيام منى".
وكذا روي عن مولانا الإمام الرضا عليه السلام قال:"لمّا أردت الخروج من المدينة إلى خراسان جمعت عيالي وأمرتهم بالندبة عليَّ حتى أسمع بكاءَهم ثم قسمت بينهم اثنى عشر ألف دينار وقلت لهم إني لا أعود إلى أهل بيتي أبداً" .فإذا جاز  للإمام عليه السلام أن يقيم مأتماً لنفسه جاز له أن يقيمه لبعض آبائه بطريقٍ أولى ولكنَّ الموانع حالت دون ذلك،لذا فإنَّ مولانا الإمام المهدي المنتظر عليه السلام قد عوَّض عن آبائه ما قد مُنِعوا منه ،فقد أفاض في إقامة العزاء والندبة عليهم في كلِّ يومٍ حيث ورد عنه (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)إستحباب قراءة دعاء الندبة كلَّ يومٍ بعد صلاة الفجر ولا سيَّما في الأعياد الأربعة /الفطر والأضحى والغدير والجمعة/ فها هو (عجَّل الله فرجه الشريف) يندب آباءَه الطيبين الطاهرين عليهم السلام بقوله الشريف: "لم يمتثل أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الهادين بعد الهادين، والأمة مصرة على مقته مجتمعة على قطيعة رحمه وإقصاء ولده إلا القليل ممن وفى لرعاية الحق فيهم فقتل من قتل، وسبي من سبي، وأقصي من أقصي وجرى القضاء لهم بما يرجى له حسن المثوبة إذ كانت الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. * ( وسبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ) * ولن يخلف الله وعده وهو العزيز الحكيم. فعلى الأطايب من أهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون وإياهم فليندب النادبون، ولمثلهم فلتذرف الدموع وليصرخ الصارخون، ويضج الضاجون ويعج العاجون. أين الحسن أين الحسين أين أبناء الحسين صالح بعد صالح، وصادق بعد صادق، أين السبيل بعد السبيل، أين الخيرة بعد الخيرة، أين الشموس الطالعة، أين الأقمار المنيرة، أين الأنجم الزاهرة، أين أعلام الدين، وقواعد العلم. أين بقية الله التي لا تخلو من العترة الطاهرة، أين المعد لقطع دابر الظلمة، أين المنتظر لإقامة الأمت والعوج، أين المرتجى لإزالة الجور والعدوان، أين المدخر لتجديد الفرائض والسنن، أين المتخير لإعادة الملة والشريعة، أين المؤمل لإحياء الكتاب وحدوده، أين محيي معالم الدين وأهله أين قاصم شوكة المعتدين، أين هادم أبنية الشرك والنفاق، أين مبيد أهل الفسوق والعصيان، أين حاصد فروع الغي والشقاق، أين طامس آثار الزيغ والأهواء، أين قاطع حبائل الكذب والافتراء، أين مبيد العتاة والمردة، أين مستأصل أهل العناد والتضليل والإلحاد. أين معز الأولياء ومذل الأعداء، أين جامع الكلم على التقوى أين باب الله الذي منه يؤتى، أين وجه الله الذي إليه يتوجه الأولياء أين السبب المتصل بين أهل الأرض والسماء أين صاحب يوم الفتح، وناشر رايات الهدى، أين مؤلف شمل الصلاح والرضا أين الطالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء أين الطالب بدم المقتول بكربلاء. أين المنصور على من اعتدى عليه وافترى أين المضطر الذي يجاب إذا دعا. أين صدر الخلائق ذو البر والتقوى. أين ابن النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) وابن علي المرتضى وابن خديجة الغراء وابن فاطمة الزهراء الكبرى، بأبي أنت وأمي ونفسي لك الوقاء والحمى يا بن السادة المقربين يا بن النجباء الأكرمين، يا بن الهداة المهتدين يا بن الخيرة المهذبين يا بن الغطارفة الأنجبين يا بن الخضارمة المنتجبين".من خلال التأمل والتدبر في فقرات دعاء الندبة يتضح كذب أو غفلة كلّ من ادّعى بأنَّ العزاء كان خاصاً بالإمام الحسين عليه السلام دون غيره من بقية الأئمة الطاهرين عليهم السلام،فالبكاء على أهل البيت عليهم السلام مما قامت الضرورة الدينيَّة على صحته وجوازه بل وإستحبابه ،وتخصيصه بالإمام الحسين عليه السلام خلاف التعميم في الأخبار حيث يستفاد منها إستحباب البكاء عليهم كما إستفدتم أنتم من قول مولانا الإمام الرضا عليه السلام"على مثل الحسين فليبكِ الباكون"وكذلك قول مولانا الإمام الصادق عليه السلام :"أحيوا أمرنا "يشمل جميع الأئمة الطيبين الطاهرين عليهم السلام ،كما أنَّه يشمل تعطيل التجارات والمكاسب في مناسبات شهاداتهم وظلاماتهم وذلك للإطلاق في لفظ إحياء الأمر،وليس مقتصراً على البكاء أو منحصراً بيوم عاشوراء وفي الإمام الحسين عليه السلام،كما أنَّ تعطيل المكاسب أيام الشهادات من أبرز مصاديق تعظيم شعائر الله تعالى وحرماته لقوله عزَّ وجلَّ "ذلك ومن يُعظِّم شعائرَ الله فإنَّها من تقوى القلوب" "ذلك ومن يُعظِّم حرماتِ الله فهو خيرٌ له عند ربِّه" فأهل بيت الطهارة والعصمة المطلقة عليهم السلام هم حرمات الله تعالى وشعائره على نحو المعنى الحقيقي لا المجازي،فليس ذبح الهدي في الحج ـــــ المتفق عليه على أنَّه من الشعائر ــــ  أفضل ممن لولاهم لما وجب الحج على عامة العباد!!!
 مضافاً لما قدَّمناه آنفاً فثمة نصوصٌ كثيرة تشير إلى إستحباب عقد المجالس لأجل البكاء على أهل البيت عليهم السلام،منها:
ما ورد عن مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام قال:"...وأيُّما مؤمنٌ دمعت عيناه دمعاً حتى يسيل على خدِّه لأذىً مسَّنا من عدونا في الدنيا بوأه الله مبوَّأ صدقٍ في الجنَّة،وأيُّما مؤمن مسَّه أذىً فينا فدمعت عيناه حتى يسيل دمعه على خدّيه من مضاضة ما أُوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار" المصدر /البحار ج 44 / 281 ح 13 .
ومنها ما ورد عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام قال لفضيل:"تجلسون وتتحدثون؟قال:نعم جعلت فداك قال:إنَّ تلك المجالس أُحبها فأحيوا أمرنا يا فضيل! فرحم الله من أحيى أمرنا،يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذُّباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر" نفس المصدر/ص 282 .
ومنها ما ورد عن مولانا الإمام الرضا عليه السلام قال لدعبل الخزاعي:"...يا دعبل من بكى أو أبكى على مصابنا ولو كان واحداً أجره على الله يا دعبل من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا حشره الله معنا في زمرتنا.."المصدر/منتخب للطريحي ص26 .
ومنها ما ورد عن مولانا الرضا عليه السلام قال لإبن شبيب:" يا بن شبيب إن سرك أن تكون معنا في الدرجات العُلى من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا وعليك بولايتنا.."البحار ج 44 /286 .وغيرها من النصوص الكثيرة جداً تدل على المطلوب،والحزن لهم لا يتم إلاَّ من خلال البكاء والتوقف عن العمل في أيام شهاداتهم وإلاَّ فلا يصدق على من فتح دكانه أنّه حزينٌ عليهم ،فالحزن يستلزم ترك التجارة والكسب وإلاَّ صار موضع إتهامٍ من قبل الناس.
فتحصّل مما ذكرنا:

أنَّ أئمتنا الطاهرين عليهم السلام أرادوا منا إحياء أمرهم بالولادات والشهادات ولكن ليس على الطريقة اللبنانيّة والكويتية والإيرانيّة حيث التصفيق والغناء على نغمات التلحين والموسيقى تحت عنوان المواليد وهي في الواقع أغاني ومجالس لهو كمجالس الفساق من المغنيات والمغنين،وقد فصّلنا حرمة كلّ ذلك في كتابنا الفقهي القيم"القول الفصل بحرمة الغناء في العرس"فليراجع .
إنّ الإحياء لا يكون إلاَّ بذكر سيرتهم ومعاجزهم وعلومهم وفضائلهم وظلاماتهم وما جرى عليهم وليس بنشوة تلحين الأشعار وبهزّ الخواصر والرقاب بإسم الدين وهو منهم برآء،ومما ينكي قلب المؤمن الغيور الورع أن ذلك يتم في الحسينيات وبمرأى من علماء وحضورهم فيها،فأقسم صادقاً بأنَّ إمام الزمان (روحي فداه)بريءٌ من أفعالهم وهو خصمهم في الدنيا وفي الآخرة،آهٍ آهٍ من هكذا شيعة؟!!فهؤلاء هم أعداء الإمام عليه السلام ،فهم ومن أفتى لهم في الدرك الأسفل من النار،وصدق ما جاء عن الرسول الأكرم واصفاً حال أكثر الفقهاء في آخر الزمان:"سيأتي على الناس زمانٌ لايبقى من القرآن إلاَّ رسمه ومن الإسلام إلاَّ اسمه ،يسمَّون به وهم أبعد الناس منه ،مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى،فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظلّ السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود.."الكافي ج 8 ص 308 وعقاب الأعمال للصدوق.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=82
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 03 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28