• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : الفقه .
              • القسم الفرعي : إستفتاءات وأجوبة .
                    • الموضوع : مسائل في أحكام وقف المقابر .

مسائل في أحكام وقف المقابر

 الإسم: *****

النص:
يوجد لدينا في المقبرة  قسم خاص للشهداء ، فلا يدفن فيه بعدهم، توارثناه عن أجدادنا،
قام بعض المؤمنين بتنظيف القبور من الحشائش ولكنهم غيروا معالمها و أزاحوا الأحجار التي عليها و لم يردوها لفترة طويلة وعبثوا بتراثها 
هل يعتبر هذا التصرف جائز ؟ و هل يجب عليهم ردّها
 
 
الموضوع الفقهي: مسائل في أحكام وقف المقابر/ يحرم التصرف بقبور المؤمنين بتغيير معالمها والعبث بتراثها المعماري كإزاحة الأحجار المنصوبة عليها لأنه يؤدي إلى تضييع أماكنهم وهو يستلزم هتكهم .
بسمه تعالى جلَّت عظمته
 
 
السلام على من اتبع الهدى
 الجواب: لم نفهم مرادك من قولك "لم يردوها لفترة طويلة " هل مقصودك أنهم أزاحوها ثم بعد فترة طويلة ردوها أو أن المقصود أنهم أزاحوا الأحجار عنها ولم يردوها أصلاً ...؟ ما فهمناه من السؤال هو التالي: المقبرة خاصة بدفن الشهداء، فهل أن تغيير معالمها من قبل بعض الجهات المؤمنة كإزاحة الأحجار التي كانت عليها وقلع الأعشاب النابتة فيها يعدُّ تصرفاً بالوقف الخاص ما يعني حرمة تصرفهم..؟
 نقول وبه تعالى نستعين: لا بدَّ من التفصيل في المسألة لنجلو الغموض عنها وهنا مسائل:
(المسألة الأولى): إذا كانت المقبرة وقفاً خاصاً على الشهداء فلا يجوز دفن غيرهم فيها إلا بإذن الواقف لها حال حياته أو إذن ورثته بعد مماته بحسب التفصيل الآتي ؛ وكذلك الحكم فيما إذا كانت المقبرة وقفاً عاماً على الشهداء وغير الشهداء من أهل القرية أو المدينة فلا يجوز دفن الموتى من غير القرية أو المدينة الموقوفة عليهم على وجه الخصوص...لأن معنى الوقف لغةً هو: الحبس والمنع، ومعناه اصطلاحاً هو: نوع عطية يقضي بتحبيس الأصل...أو تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة، يقال: وقفت الدار للمساكين وقفاً: أي أوقفت الدار، ومعنى تحبيس الأصل المنع عن الإرث والتصرف في العين بأي نحو من الأنحاء بالبيع أو الهبة أو الرهن أو الإجارة أو الإعارة أو الهدم أو  التعمير ولو بهدم حجرٍ أو بناء ثلمة أو قلع حشيش كما هو مفروض السؤال... وهو إمَّا عام كالوقف للفقراء أو خاص كالوقف لفلان...والوقوف على حسب ما يوقفها أهلها، ومعنى ذلك أن التعامل مع الوقف والاستفادة منه يكون وفق ما عيّنه الواقف من شروط وخصوصيات، فإذا وقف الواقف مدرسة أو مقبرة على طلاب العلوم الإسلامية أو موتى القرية فقط فلا يجوز لأهل القرية ولا للورثة التصرف فيها لجهات أُخرى، ويدل على ما ذكرنا ما جاء في صحيحة الصفار عن الإمام أبي محمد الحسن عليه السلام في جوابه عن سؤال حول الوقف فوقع عليه السلام: الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله".
 (المسألة الثانية): يحرم على أيّ جهة كانت أن تتصرف بالوقف العام والخاص مع وجود الواقفين للمقبرة أو وجود ورثتهم، حتى لو كان هذا التصرف لصالح المقبرة فضلاً عما إذا كان التصرف بها على نحو الإضرار بها...بمقتضى الحديث المشهور عن نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله:" لا ضرر ولا ضرار في الإسلام".
( المسألة الثالثة): كل من ألحق بالمقبرة ضرراً كتغيير معالمها وإزاحة الأحجار التي عليها وحولها ولم يردها كما كانت فقد ارتكب إثماً وله عقاب عند الله تعالى لأن ذلك يعدُّ تصرفاً في غير ملكه وهو غصب للعين بقلع أعشابها وهدم حيطانها تماماً كما لو هدم جدار جاره أو بنى على أرض غيره حائطاً من دون إذنه فلا ريب في أنه تصرف فضوليٌّ في مال غيره، ويقع ضمان التخريب على الفاعل المخرِّب، ولو رفض الضمان يجبره المؤمنون عليه.
(المسألة الرابعة): لو كانت نية هؤلاء المؤمنون حسنة فقاموا ـــ من دون استجازة الواقفين أو ورثتهم ـــ بتنظيف المقبرة بقلع حشيشها وإزاحة الأحجار التي عليها لأنها تحول دون المرور بين القبور .. فما عملوه حسن يستحق الشكر لكن يجب عليهم أن لا يغيِّروا بمعالمها ويعبثوا بتراثها كما هو مفروض السؤال...لأن تغيير معالم الوقف خلاف الإحسان الصادر منهم، ذلك لأنَّ الإحسان إلى الآخرين مشروطٌ بعدم إلحاق الضرر بهم قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) وتغيير معالم المقبرة من دون إذن الواقف أو ورثته أو عدم الإذن من أهالي القرية أو المدينة هو من الأذى الملحق بالواقفين وورثتهم وبأولياء الموتى وهو محرّم شرعاً...هذا كلُّه فيما لو كانت الأحجار التي أزاحوها منتشرة بين القبور ... وأما إذا كانت الأحجار على القبور ــــ أي رفعوا الأحجار المنصوبة على القبور لتحديد كلِّ قبرٍ عن غيره ـــ فلا ريب في أنه حرام شرعاً  وهو من الغصب والتصرف بمال الغير من دون إذنه، وفاعله يستحق النار وأليم العقاب...! ويجب على فاعل ذلك ردّ الأحجار المنصوبة على القبور إلى مكانها وهو القبور؛ ولا يجب عليهم ردّ الحشيش النابت بين القبور إلى مكانه وكذلك الأحجار المبعثرة بين القبور ولا يجب ضمانه إلا إذا كان الحشيش نبتاً زرعه أصحاب القبور حول قبور موتاهم ـــ كنبتة ريحان أو ورد أو صفصاف أو نخل وما شابه ذلك مما يعدُّ تزييناً للمقبرة أو ملطِّفاً لمناخها ــ فهكذا نبت أو شجر له قيمة مالية وله مالك فلا يجوز قلعه من دون إذنه إلا إذا كان مزاحماً لدفن موتى آخرين فلا يحق لأولياء الموتى التصرف بالمقبرة بزرع أشجار أو نبت كبير بأيِّ نحوٍ من الأنحاء فيما لو استلزم مزاحمة دفن موتى آخرين كما أشرنا آنفاً لأن المقبرة أصل موقوف أو محبوس لأجل الموتى وزوارهم، وزرع الشجر ينافي حق الدفن والزيارة....كما لا يحق لأولياء الموتى قلع شجرة أو زرع له مالك بلا إذن مالكه حتى لو كان زرعه مزاحماً لزوار المقبرة، فلا بدَّ لهم من الإستجازة من مالك الزرع في كل ذلك، فإذا لم يعطهم الإجازة في قلع الزرع المزاحم لحقّ المارة والموتى فيمكنهم قلع الزرع من دون رضا مالكه.
والحاصل: لا يجوز للمؤمنين أن يتصرفوا بالمقابر بتغيير معالمها والعبث بتراثها المعماري من دون إذن الواقف أو ورثته ومن فعل ذلك فهو آثم ويستحق النار...بل وحتى لو مات الواقفون والورثة فلا يجوز للمؤمنين التصرف بالمعالم الوقفية بما يستلزم تخريب المقابر الخاصة بالمؤمنين بإزاحة الأحجار المنصوبة عليها ونبشها ودفن موتى آخرين في القبور القديمة لأنَّ التغيير علامة على تضييع القبور فيؤدي إلى هتكها بهتك من فيها وقد ورد في الخبر الشريف عنهم سلام الله عليهم:" أن حرمة الميّت كحرمة الحيّ..." والله تعالى هو حسبي ونعم الوكيل والحمد لله ربّ العالمين والسلام عليكم.
 
 
حررها العبد الفقير محمد جميل حمُّود العاملي
بيروت بتاريخ 28 ذي القعدة 1435هـ.

  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1014
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 10 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19