• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : الفقه .
              • القسم الفرعي : إستفتاءات وأجوبة .
                    • الموضوع : روائح المطبرين أفضل عند الله تعالى من عطر المشككين البتريين .

روائح المطبرين أفضل عند الله تعالى من عطر المشككين البتريين

الإسم: *****

النص: 
بسم الله الرحمان الرحيم 
اللهم صل على محمد واله الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم والعن عدوهم 
يا مولاي يا صاحب الزمان ادركنا 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
سماحة المرجع الديني فقيه عصره المحقق الكبير العلامة الفهامة شيخنا محمد جميل حمود العاملي أدام الله بظلكم الوراف 
نشكوا  الى الله تعالى والى وليه الامام صاحب العصر والزمان عليه السلام ما نلاقي ومما يحل بنا
  يا شيخنا يا حضرة  فقيه أهل البيت عليهم السلام عرض علينا أحد المعيبين والمشككين على شعائر الامام الحسين عليه السلام جملة من الشبهات في حوار على صفحات الانترنت وتم الرد عليها لكن قد أشكلت على خادمكم الصغير هذه المعضلة فلم أهتدي الى رد فقهي وحقيقة لم أسمع مثل هكذا اشكال منذ قبل لكونه غريب وشاذ
  لذا فاني أطمع بكرم جنابكم وكما العهد بالسخاء لا منقطع من سماحتكم 
يقول هذا المستشكل التالي 
((تخيل كل تلك الاحاديث التي تتكلم عن النظافة وان الله نظيف يحب النظافة واستحباب التطيب ولبس الثوب النظيف الجديد. يوم عاشوراء الوضع يكون مأساة. باسم الشعائر في ذلك اليوم تلك الشعائر التي لا اصل لها ولا خبر يذكر))
حفظكم الله تعالى ودفع عنكم كل مكروه بحق مولانا الامام الحجة عليه السلام 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
خادمك الحقير
 
 
الموضوع الفقهي: روائح المطبرين أفضل عند الله تعالى من عطر المشككين البتريين.
الجواب / بسمه تعالى

     الحمد لله كما هو أهله والصلاة والسلام على سادق خلقه وأنوار قدسه وسفن نجاته وعروته الوثقى وحبله المتين وصراطه المستقيم، واللعنة الأبدية السرمدية التي لا انقطاع لها على أعدائهم ومبغضيهم ومبغضي شيعتهم ومواليهم ومحبيهم والمنافحين عنهم بعدد قطر السماء ونسمات الهواء وحبات الرمال...وبعد.
السلام على الأخ الحبيب والمسدد الغريب والموالي الرشيد الفاضل *****  دامت بركاته...
   ليس غريباً على مَنْ تربى في أحضان الرذيلة والفساد العقائدي والأخلاقي أن يتطاول على الشعائر الحسينية وروادها الطيبين بعبارات نابية تنمُّ عن انعدام التقوى والورع...! وبات من الواضح أن صدور تلكم الإنحرافات إنما هو من جهات حزبية دعوتية طالما عُرِفَت بالنصب والعداوة لأهم ركنٍ من أركان البراءة من أعداء آل محمد عليهم السلام لاسيَّما الشعائر الحسينية على صاحبها آلاف السلام والتحية فينعتونها بما يخجل المخالفون مِن صدورها..! فهذا إنْ دل على شيء فإنما يدل على وساختهم وقذارتهم التي تذكّرنا بقذارة أعمدة السقيفة وأتباعها وأنصارها.. بل لا تقل قذارة عن قذارة معاوية ويزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد والشمر..عليهم اللعنة السرمدية ! فنحن لا نتوقف بالحكم عليهم بالنصب لشيعة آل محمد سلام الله عليهم بسبب ولائهم للعترة الطاهرة على قاعدة قولهم عليهم السلام: "ليس الناصب مَنْ نصب لنا العداوة أهل البيت لأنك لا تجد أحداً يقول أنا أبغض محمداً وآل محمد وإنما الناصب مَن نصب لكم وهو يعلم أنكم تتوالونا وتتبرؤون من أعدائنا".. وذنب الشيعة المخلصين أنهم يقيمون الشعائر الحسينية التي شوشت عليهم حياتهم وعكرت عليهم صفو عيشهم لشدة كرههم للشعائر المقدّسة... وها هو ذاك الناصبي صبَّ جام غضبه ونصبه على الشعائر فيصفها بالقذارة وبالخرافة التي لا واقع لها تبعاً للمبتدع الخامنئي الذي هو أساس هذه البلية في الحاضرة الشيعية... فقد ادّعى هذا الناصبي دعويين هما التالي:
(الدعوى الأولى): أن يوم عاشوراء مأساة لأنها مشحونة بالقذارة المادية..!
(الدعوى الثانية): إن الشعائر الحسينية المقدسة لا أصل لها ولا خبر..!
   هاتان الدعويان هما من أبرز الإفتراءات على أبنائنا الأحباء من مقيمي الشعائر المقدسة وهما ترديد لما نفثه - ولا يزال ينفثه - ثلة مِن الموتورين من عمائم السوء الذين حدّثت عنهم أخبارنا الشريفة ووصفتهم بأنهم شر الخليقة على وجه البسيطة، منهم بدأت الفتنة وإليهم تعود.. وكما وصفتهم رواية إمامنا المعظم الحسن العسكري عليه السلام قائلاً لأبي هاشم الجعفري رضي الله عنه: "سيأتي زمانٌ على الناس، وجوههم ضاحكة مستبشرة، وقلوبهم مظلمة منكدرة، السنّة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سنة؛ المؤمن بينهم محقَّر، والفاسق بينهم موقر، أمراؤهم جائرون وعلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون، أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء وأصاغرهم يتقدمون على الكبراء؛ كل جاهل عندهم خبير، وكل محيل عنهم فقير لا يميّزون بين المخلص والمرتاب ولا يعرفون الضأن من الذئاب؛ علماؤهم شرار خلق الله على وجه الأرض لأنهم يميلون إلى الفلسفة والتصوف، وأيم الله إنهم من أهل العدوان والتحرف، يبالغون في حب مخالفينا ويضلون شيعتنا وموالينا، فإن نالوا منصباً لم يشبعوا من الرشا وإن خذلوا عبدوا الله على الرياء ألا إنهم قطاع طريق المؤمنين والدعاة إلى نحلة الملحدين فمن أدركهم فليحذرهم وليصن دينه وإيمانه.." الخ.. 
- لقد فضحت الصحيحة المتقدمة واقع البتريين الجدد من حيث إنهم يبالغون في حب المخالفين ويضلون الشيعة الموالين، فالمؤمن بينهم محقر والفاسق بينهم موقر.. فهم قطاع طريق المؤمنين إلى الولاية الحسينية على صاحبها آلاف السلام والتحية.. ابتدعوا أحكاماً تتوافق مع المخالفين، فجعلوها سنةً نبوية، كما جعلوا السنة النبوية العلوية الحسينية بدعةً تزلفاً إلى المخالفين ليرضوا عنهم وما هم براضين حتى يدخلوا في دينهم ويتركوا دين آل محمد عليهم السلام (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم) وبالفعل قد تركوا ولاية آل محمد من خلال الأحكام التي ابتدعوها تتناسب مع مدرسة السقيفة وتوجهات أعمدتها..
   
الجواب على الدعوى الأولى: ليس خفياً على القارئ الفطن أن الناصبي الملعون حاول الانتقاص برواد الشعائر الحسينية من خلال نعتهم بالقذارة الجسمية.. مدعياً بأن الله تعالى يحب النظافة.. ما يعني أن روادها لا يقيمون وزناً للنظافة خلال مراسم عاشوراء فأجسامهم تطفح بالقاذورات (حاشاهم من ذلك) فكان الواجب عليه أن ينظر إلى نظافة لسانه وقلبه قبل النظر غلى نظافة أجسام الزوار ومحبي الشعائر الأبرار، لأن النظافة من الإيمان كما في الحديث ويراد بها النظافتان المادية والمعنوية، وحيث إن ذوي الشعائر نظيفون مادياً ومعنوياً وإن طرأت عليهم القذارة المادية في ظروف معينة بسبب إقامتهم للشعيرة التطبيرية إلا أن الناصبي عيَّرهم بما هو عارض على أجسامهم الطيبة ونظر إليها نظر السوء شماتةً وانتقاصاً وتحقيراً من دون النظر إلى أرواحهم الطيبة العاشقة لإمام المظلومين أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه...فطروء الوسخ على أجسامهم الطيبة كطروء الوسخ على العامل والمجاهد في سبيل الله تعالى فرائحتهما القبيحة بسبب العمل والجهاد، طارئ عليهما وليس ذاتياً فيهما لأن الله يحب النظافة لعبده المؤمن..فتعيير المطبّر بالقذارة لا يختلف عن تعيير العامل والمجاهد بما يفوح منهما روائح المعامل والحقول والوديان وسوح الجهاد..فعلامَ التشويش والتشنيع على من شاطر العمال والمجاهدين في وحدة المصير وهو الرائحة المنفرة الطارئة على الجسوم المستغرقة بإقامة الشعيرة الملتصقة بربان السفينة الحسينية على صاحبها آلاف السلام والتحية...!؟
 فهذا الناصبي البتري وإن تطيب بالعطر إلا أن روحه أنتن من الجيفة لا تزيلها العطور ولا يمحوها الصابون... ونحن نسأل الناصبي المذكور:
   هل قمت باستقراء لمقيمي الشعائر وشممتهم واحداً واحداً حتى حكمت عليهم بأنهم جميعهم قذرون لا يعتنون بالنظافة الجسمية؟! فهل قمت بجولة في العراق وإيران ولبنان والكويت والبحرين وباكستان والهند وأمريكا اللاتينية والشمالية وأقطاع الأرض فشممتهم واحداً تلو الآخر حتى طلعت علينا بحكم عام بالقذارة على عامة المؤمنين في كل هذه البلدان..؟! لم نحسب أنك قمر صناعي يستقرأ الجزئيات اللامتناهية.. بل لعلك تحسب نفسك أقدر من الأقمار الصناعية العاجزة عن الإستقراء المزبور..!
   والله إنك لمن المفرتين ولا تنفع معك المواعظ الحسنة.. بل يلزم على المؤمنين أن يكووك بالسياط لأنك قذر نبت في دار قذارة لا تعرف شيئاً من القيم والمبادئ الأخلاقية والضوابط الشرعية..! وأقل ما نقول عنك: إنك مجرم بحق رواد الشعائر الحسينية بقذفهم بما ليس فيهم؛ وعلى فرض أن بعضهم أصابته القاذورة بسبب وعثاء السفر الطويل مشياً على الأقدام وما شابه ذلك فلا يجوز التعميم على الجميع.. كما لا يجوز التشهير ببعض من وصفتهم أيها المكار اللئيم لأن ذلك من الغيبة المحرمة.. فضلاً عن الإنتقاص من زوار سيد الشهداء عليه السلام، والمقطوع به أنك لم تعرف حدود الغيبة والبهتان والانتقاص من المؤمنين.. ونحيلك إلى كتاب "عقاب الأعمال" للشيخ الصدوق عسى ولعل أن تنتفع به ففيه عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "لا تحقروا مؤمناً فقيراً فإنه من حقر مؤمناً فقيراً واستخف به، حقره الله تعالى ولم يزل ماقتاً له حتى يرجع عن محقرته أو يتوب.. وقال: ومن استذل مؤمناً وحقره لقلة ذات يده ولفقره شهره الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق". المصدر ص 297. 
   وفي باب (عقاب من أذى المؤمنين ونصب لهم وعاندهم) بإسناده عن ابن محبوب عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين الصدود لأوليائي؟ قال: فيقوم قومٌ ليس على وجوههم لحم، قال: فيقول: هؤلاء الذين آذوا المؤمنين ونصبوا لهم  وعاندوهم وعنفوهم في دينهم، قال: ثم يؤمر بهم إلى جهنم.. قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام: كانوا والله الذين يقولون بقولهم ولكنهم حبسوا حقوقهم وأذاعوا عليهم سرهم". 
   وفي باب عقاب (من بهت مؤمناً أو مؤمنة بما ليس فيهما) بإسناده عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن ابن أبي يعفور عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "من بهت مؤمناً أو مؤمنة بما ليس فيهما بعثه الله يوم القيامة في طينة خبال حتى يخرج مما قال، قلت: وما طينة الخبال؟ قال: صديد يخرج من فروج المومسات". المصدر ص 286.
   وبإسناده عن أبي بصير عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر وأكل لحمه معصية الله".
   وفي باب (عقاب من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه) بإسناده عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروءته ليسقط من أعين الناس، أخرجه الله عز وجل من ولايته إلى ولاية الشيطان". نفس المصدر ص 286.
   وفي باب (عقاب الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا) بإسناده عن محمد بن الفضيل عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قال:  قلت له: جعلت فداك! الرجل من إخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكره له، فأسأله عنه فينكر ذلك، وقد أخبرني عنه قوم ثقات, فقال لي: يا محمّد كذِّب سمعك وبصرك عن أخيك وإنْ شهد عندك خمسون قسّامة وقال لك قولاً فصدّقه وكذّبهم ولا تذيعنّ عليه شيئاً تشينه به وتهدم به مروءته فتكون من الذين قال الله عزّ وجلّ: (الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ).
   وبإسناده عن منصور بن حازم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من أذاع فاحشة كان كمبتديها، ومَنْ عيَّر مؤمناً بشيء لا يموت حتى يركبه".
   - هذه الأخبار واضحة الدلالة في ذم المعيّرين والمذلين والمحقرين لزوار سيد الشهداء عليه السلام... فقد ورد في الصحيح عن المفضل بن عمر عن إمامنا الصادق عليه السلام قال: "... قال لي: يا مفضل أزيدك؟ قلت: نعم سيدي! قال: كأني بسرير من نور قد وضع وقد ضربت عليه قبة من ياقوتة حمراء مكللة بالجواهر، وكأني بالحسين عليه السلام جالس على ذلك السرير وحوله تسعون ألف قبة خضراء وكأني بالمؤمنين يزورونه ويسلمون عليه، فيقول الله عزّ وجل لهم: (أوليائي سلوني! فطال ما أوذيتم وذللتم واضطهدتم، فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها لكم)..".
   نعم لقد تطاول النواصب والأعداء على زوار سيد الشهداء (عليه السلام) فنعتموهم بالقذارة والحمق والفسق والفجور... إلخ. وسوف ينتقم الله تعالى لهم في الدنيا والآخرة.. وهؤلاء من أجلى مصاديق حثالة من الناس يعيّرون زوار سيد الشهداء عليه السلام، فقد ورد في الصحيح عن أبي عامر عن إمامنا الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده عليه السلام قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وآله :لأمير المؤمنين علي عليه السلام" يا أبا الحسن! إن الله عز وجل جعل قبرك وقبور ولدك بقاعاً من بقاع الجنة وعرصة من عرصاتها، وإن الله عز وجل جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده تحنُّ إليكم وتحتمل الأذى والمذلة فيكم، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرباً منهم إلى الله ومودةً منهم لرسول الله صلى الله عليه وآله.. أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي والواردون حوضي وهم زواري غداً في الجنة.. يا علي من عمَّر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود عليه السلام على بناء بيت المقدس، ومن زار قبوركم عدل ذلك ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أُمه، فأبشر يا عليّ وبشّر أولياءك ومحبيك من النعيم وقرة العين بما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولكن حثالة من الناس يعيرون زوار قبوركم بزيارتكم كما تعيَّر الزانية بزناها، أولئك شرار أمتي لا تنالهم شفاعتي ولا يردون حوضي.."        
   ملاحظة: ليس لنا كلام بعد الكلام الصادر من المعصوم عليه السلام في الرواية المتقدمة، فقد كشفت عن خبث أولئك الأشرار الخارجين من ولاية الأئمة الأطهار.. فكل من عيَّر مؤمناً بسبب زيارته لهم سلام الله عليهم وأقام شعيرة حزناً عليهم لا ريب في أنه من الكفار المستوجبين دخول النار وبئس القرار.. فلينظر المشكك في زوار سيد الشهداء في نسبه لعلّ أمه حملت به من زنا أو حيضة أو أنه منافق يظهر الإيمان ويبطن الكفر والآثام... 
   وتعييره الزوار بالقذارة المادية على أجسامهم الطيبة هي تماماً كرائحة خلوف فم الصائم يحبها الله كما جاء في الحديث الشريف.. ففي صحيحة عبد الله بن سنان عن إمامنا الصادق عليه السلام قال: "خلوف فم الصائم أفضل عند الله من رائحة المسك". فالروائح الكريهة من جراء المسير كرائحة الإبطين والرجلين من أجل الزيارة والتعب بسببها هي عند الله تعالى أفضل من رائحة المسك التي يضعها المستكبرون على أجسادهم النتنة هي عند الله تعالى أنتن من الجيفة بخلاف الروائح الكريهة المنبعثة من أجسام الزوار الطيبين هي عند الله تعالى أفضل من المسك لأنها انتسبت إلى سيد الشهداء وآبائه وأبنائه الطاهرين سلام الله عليهم تماماً كما تنبعث الرائحة الكريهم من فم الصائم فصارت عند الله تعالى افضل من رائحة المسك لانتسابها إلى الله تعالى بالصيام... فالتعييب على الزوار الطيبين إنما هو تعييبٌ على ضيوف الإمام الحسين عليه السلام.. وتعييب على مواليه وشيعته وهو عين النصب والعداوة لهم لإنتسابهم  إلى أئمة الهدى سلام الله عليهم... 
   ودعوى الناصبي بأن الأحاديث كلها تدل على استحباب التطيب ولبس الثوب النظيف الجديد.. دونها خرط القتاد وهي مصادرة على مطلوب، وذلك لأمور:
   (الأمر الأول): إن أغلب من يزور الإمام الحسين عليه السلام هم من فقراء الشيعة الذين لا يملكون ثوباً جديداً.. بل لربما لا يكون عند بعضهم ثوبين بل لا يملك إلا ثوباً واحداً للزيارة.. فتحميلهم بما لا يطيقون مرفوع عنهم كتاباً وسنةً.. وأغلب الزائرين يغتسلون ويلبسون ثياباً نظيفة خلال خروجهم للزيارة إلا أن وعثاء السفر أو المشي من مقام إلى آخر يؤدي في أكثر الأحيان إلى انبعاث روائح من بعضهم.. وهو لا يقدح بنظافتهم وطهارتهم وصدق إخلاصهم فعلامَ التعييب عليهم..!؟ ولماذا كل هذا التشهير بهم! أليس الله ستاراً يحب ستر العيوب على المؤمنين، ويحب منهم أن يستروا عيوبهم عن الآخرين! فكما أن الناصبي يتمسك بأخبار النظافة.. كان الأوجب عليه أن يتمسك بآيات وأخبار ستر العيوب الصادرة من الزوار الشرفاء فلا يبوحها للأعداء فيؤدي ذلك إلى احتقار الزوار والإنتقاص منهم والإزدراء بهم...!!    
   (الأمر الثاني): دعواه بأن الأحاديث تدل على استحباب التطيب ولبس الجديد.. ليس هناك ما يؤيدها سوى ما ورد في زيارة جابر بن عبد الله الأنصاري في يوم العشرين من صفر حيث تطيب ولبس قميصاً طاهراً؛ وهو بالرغم من ضعفه لإرساله ومعارضته للأخبار الأُخرى الخالية من ذكر التطيب بل صريح بعضها النهي عن التطيب... فلا يكون حجةً شرعيةً في هذه المسألة بالذات (أي التطيب) لأن عمل الصحابي ليس حجةً على المؤمنين إلا إذا كان مؤيداً بتقرير أو قول أو فعل المعصوم عليه السلام... وليس هناك خبر يؤيد التطيب سوى ما ورد في كامل الزيارات ص 393 / الباب 79، ولكنَّ الخبر المذكور ليس مطلقاً بل مقيَّد بما قبل الوصول إلى نينوى، وعند الوصول إلى نينوى ينهى الخبر عن التطيب والإكتحال وأكل اللحم ما دام مقيماً بها؛ وإليكم الخبر المذكور:
   قال ابن قولويه القمي في الباب 79 ص 393 ح 639: حدثني أبو عبد الرحمان... إلى أبي حمزة الثمالي قال: قال الصادق عليه السلام: 
   "إذا أردت المسير إلى قبر الحسين عليه السلام فصُم يوم الأربعاء والخميس والجمعة، فإذا أردت الخروج فاجمع أهلك ووُلدك وادع بدعاء السفر واغتسل قبل خروجك وقل حين تغتسل ..وذكر الدعاء... فإذا خرجت فقل (...) ثم قل (...) واقرأ الفاتحة والمعوذتين والتوحيد والقدر وآية الكرسي ويس والحشر.. ثم قال عليه السلام" ولا تدهن ولا تكتحل حتى تأتي الفرات... ثم تأتي النينوى فتضع رحلك بها ولا تدهن ولا تكتحل ولا تأكل اللحم ما دمت مقيماً بها ثم تأتي الشط بحذاء نخل القبر واغتسل وعليك الميزر وقل وأنت تغتسل..." ثم قال: (ثم البس أطهر ثيابك).
   فالحديث واضح في نهيه عن الإدهان والاكتحال سواء وصل إلى الفرات أو إلى نينوى ما يدل على كراهة وضع الطيب في زيارة سيد الشهداء عليه السلام.. بل وردت الأخبار باستحباب زيارته أشعثاً أغبراً، وقد فاقت حدَّ التواتر.. ومن المعلوم أن الأشعث الأغبر هو من تلوث بالغبار والطين المانعين من انبعاث رائحة الطيب على فرض وجود طيب على جسم الزائر.. والأشعث: المتفرِّق الشعر أو الحافُّ الذي لم يَدَّهن، قال ابن منظور في لسان العرب/مادة "شعث": شعثَ شَعْثاً وشعوثةً فهو شعث وأشعث وشعثان وتشعَّث: تلبَّد شعره وأغبر.. والشعث: المغبَّر الرأس، المنتتف الشعر، الحافُّ الذي لم يدَّهن.. والتشعث: التفرق والتنكُّث كما يتشعب رأس المسواك.. وفي الحديث: "ربّ أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له، ولو أقسم على الله لأبرّه".
   وقد دلت الأخبار الشريفة - كما أشرنا سابقاً - باستحباب أن يكون الزائر أشعثاً أغبراً.. وهي حالةٌ تعتري الحزين الكئيب على سيد الشهداء عليه السلام والتدهن والتطيب خلاف الحزن والكآبة.. فهل رأيتم وليّاً لميّت فقَده يتطيب ويتدهن..؟! كلا..! فكيف الحال بمن فقد أعظم حبيب ووليّ وقُتِل بأبشع قتلة وسبي حريمه وعياله وجُزر أطفاله وأولاده وإخوته وأصحابه بمرأى منه قبل استشهاده.. ومات عطشاناً حزيناً غريباً وحيداً..! ليت السماء أطبقت على الأرض وليت الجبال تدكدكت على السهل.. على حدّ تعبير الصدّيقة الكبرى الحوراء زينب سلام الله عليها... يريد الناصبي من الزوار أن يتطيبوا ويلبسوا الجديد... في يوم تحزن فيه السماوات والأرض وتبكي فيه الحور والأنبياء والأولياء والأصفياء..!! نعم نرى اليوم أناساً يحسبون أنفسهم شيعة ويلبسون الثياب البيضاء في اليوم العاشر من محرم غير مبالين بحزن إمام العصر وولي الأمر الحجة بن الإمام الحسن العسكري عليهما السلام...! لا لشيء سوى تحويل يوم الحزن إلى يوم فرح وسرور كما يفعل المخالفون في أيام عاشوراء.. وجعلوا رأس السنة الهجرية في أول محرم ليفرحوا شماتةً بمقتل سيّد الشهداء وأهل بيته الأطهار سلام الله عليهم..
   من الأخبار الدالة على استحباب كون الزائر أشعثاً أغبراً ما أورده ابن قولويه بإسناده عن كرام بن عمرو قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "إذا أردت قبر الحسين عليه السلام فزره وأنت كئيب حزين شعث مغبر، فإن الحسين عليه السلام قُتِل وهو كئيب حزين، شعث مغبر جائع عطشان".
   ودعوى الناصبي بأن الأخبار كثيرة تدل على استحباب لبس الثوب الجديد.. مجافية للحقيقة، وكذب صريح، إذ لم يرد في خبرٍ من الأخبار ما يدل على لبس الثياب الجديدة.. بل ما ورد في الأخبار هو الثياب النظيفة في الحج كما في خبر محمد بن مسلم الوارد في كامل الزيارات وهو قوله عليه السلام: "ويلزمك نظافة الثياب" ولكنه في مورد الحج وذلك لأن الإمام الصادق عليه السلام أنكر على محمد بن مسلم لمّا ساوى بين أفعال الحج وأفعال زيارة أبيه.. فقال له الإمام عليه السلام: ماذا؟ فقال له محمد بن مسلم: من الأشياء التي يلزم الحاج؟ فأجابه الإمام عليه السلام بأمور يستحب للحاج أن يعمل بها.. منها نظافة الثوب... ونظافة الثوب خلال الزيارة غير متوفرة لأغلب الزائرين الماشين والذين أغبرت ثيابهم وكانوا مأمورين بهيئة التغبير والتشعيث وهما يتنافيان مع نظافة الثوب والبدن.. وهو واضح عند أهل البصائر وغامض عند العميان (صم بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون). (فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذاً ولّو مدبرين) (أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومَنْ كان في ضلال مبين)...!
   الإيراد على الدعوى الثانية للناصبي:
   قال: إن الشعائر في ذلك اليوم - ويقصد به اليوم العاشر - تلك الشعائر التي لا أصل لها ولا خبر..
   الإيراد على الناصبي:
   لقد أطلق الناصبي نفيه للشعائر ولم يقيّد حتى يمكننا تفنيد ما ردَّه.. ولكنه عمم إنكاره للشعائر مما يعطينا صورةً كاملة أنه ناصبي على الشعائر الحسينية من العيار الثقيل... والشعائر كثيرة ذات مصاديق متعددة هي: البكاء - التشعيث والتغبير - التباكي - اللطم -الندب - الإدماء - اللدم - تقريح العيون - الكرب والحزن - الموت غصة واكتئاباً... خمس الوجوه، نتف اللحى - شق الجيوب - الضجيج والعجيج...       
   وكلُّها مصاديق وردت في الأخبار الكثيرة الصحيحة والعالية الأسانيد... لا يسعنا المجال لسردها ومَنْ أراد الإطلاع عليها فليرجع إلى كتابنا "رد الهجوم عن شعائر الإمام الحسين المظلوم عليه السلام"...
   فيبقى مصداقان مهمان - لعلّ الناصبي يقصدهما قطعاً - وهما: التطبير والضرب بالزنجيل على الظهر... وقد دلت على جوازهما الأخبار الخاصة والعامة، فالأخبار الخاصة هي الأخبار الدالة على جواز اللدم على الرأس وسائر الأعضاء، منها: نطح سيدتنا الصدّيقة الكبرى الحوراء زينب عليها السلام رأسها في مقدم المحمل، ومنها خمش العلويات الطاهرات وجوههنَّ لمّا رأين الأجساد الطاهرة مقطعات على أرض كربلاء..وهكذا خمشن نساء المدينة وجوههن لما وصلهن نبأُ شهادة سيّد الشهداء وأهل بيته الطيبين عليهم السلام، وخمش الوجه أشد ضرراً من الضرب على الرأس لما فيه من تغيير معالمه وتشويه منظره...والخمش على الخدود هو من أبرز مصاديق الإدماء.
 ومنها ما ورد عن عائشة أنها لدمت على النبي صلى الله عليه وآله كما روى ذلك أحمد بن حنبل وأبو يعلى في مسنديهما والطبري في تاريخه وابن الأثير في الكامل وغيرهم عن عباد قال: سمعت عائشة تقول: "إن النبي فارق الدنيا عندها، فوضعت رأسه على وسادة وقامت تلتدم مع النساء وتضرب على وجهها..".
   ومنها ما ورد عن بنات أبي سفيان في قصر يزيد لعنه الله بعد واقعة عاشوراء، فقد روى المدائني أنه لما أُدخل السبايا على يزيد، قالت فاطمة بنت الإمام الحسين عليهما السلام: يا يزيد أبنات رسول الله سبايا؟ قال: بل حرائر كرام، أدخلي على بنات عمك تجديهنَّ قد فعلن ما فعلن، قالت: فدخلت إليهن فما وجدت بينهن إلا سفيانية متلدمة". المصدر/إقناع اللائم ص 153 عن العقد الفريد عن المدائني.  
   ومنها: ما أورده الحائري في معالي السبطين ج2 ص 174 أن هنداً زوجة يزيد لعنه الله قد ضربت رأسها بحجر فسال الدم على وجهها ومقنعتها وغشي عليها لمّا سمعت مولاتنا زينب عليها السلام تقول: "أنا زينب وهذي أم كلثوم بقية مخدرات فاطمة الزهراء.."
   والحاصل: إن التطبير والضرب بالزنجيل هو مصداق من مصاديق اللدم وهو الضرب بشيء ثقيل يُسمع وقعه، يقال: لدمت المرأة صدرها ووجهها أي ضربته، وهو يشمل مثل ضرب السلاسل والضرب على الصدر بالكف المقبوضة أو الضرب بالرأس أو الظهر أو الصدر بالعصا ونحوها..
   وبعبارة أُخرى: إن التطبير هو مصداق من مصاديق مفهوم التعظيم والتذكير بمصائب يوم عاشوراء.. مضافاً إلى أن خبر مولاتنا الحوراء عليها السلام دليل واضح على جوازه منضماً إلى دليل السيرة بين المسلمين القائمة على جواز اللدم التي كشف عنها لدم عائشة لما توفى رسول الله مسموماً، وكذلك ما جرى لبنات أبي سفيان وزوجة يزيد.. وقد أسهبنا في البحث عن جواز التطبير والضرب بالسلاسل في كتابنا (ردّ الهجوم) و (الشعائر الحسينية) فليراجعان... والله من وراء القصد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
حررها كلبهم الباسط ذراعيه بالوصيد
محمد جميل حمود العاملي
بيروت بتاريخ 27 محرم الحرام 1435هــ.  
 

  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1055
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 11 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28