• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : الفقه .
              • القسم الفرعي : إستفتاءات وأجوبة .
                    • الموضوع : تطيين الزوار لوجوههم ومحاسن أعضائهم حزناً على سيِّد الشهداء عليه السلام هو من جملة مصاديق الجزع عليه سلام الله عليه .

تطيين الزوار لوجوههم ومحاسن أعضائهم حزناً على سيِّد الشهداء عليه السلام هو من جملة مصاديق الجزع عليه سلام الله عليه

الإسم : *****

النص:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما رأي سماحتكم بالمطينين حزناً على الإمام الحسين عليه السلام وهل يعتبر من الشعائر الحسينية وينطبق عليه اسم شعيرة التطيين؟ واذا جاز ما رأيكم بمن يحرِّم ويتهجم على مثل هكذا مواضيع؟
 
 
 
الموضوع الفقهي: تطيين الزوار لوجوههم ومحاسن أعضائهم حزناً على سيِّد الشهداء عليه السلام هو من جملة مصاديق الجزع عليه سلام الله عليه/  لا قيمة علميَّة فقهيَّة لهرطقات بعض المعممين على التطيين والتطبير / الأدلة على استحباب التطيين. 
بسم الله الرَّحمان الرَّحيم
 
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
     تطيين ـ أي تلطيخ ـ المؤمنين الشيعة الموالين الطيبين (رضي الله عنهم ) لوجوههم  أو لرؤوسهم وأيديهم بالطين حزناً على سيِّد الشهداء الإمام المظلوم أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه مما لا ريب في رجحان جوازه وصحته باعتباره من مظاهر الحزن والتفجع على مصاب سيِّدنا المعظَّم الإمام الحسين المظلوم سلام الله عليه ،  ولا يبعد كونه من المستحبات في أيام الحزن والبكاء على سيّد الشهداء عليه السلام وروحي فداه باعتباره مصداقاً من مصاديق الشعائر الحسينيَّة ( على صاحبها آلاف السلام والتحية) الدالة على إحياء المصاب وتذكيراً بما أصاب ذاك الإمام الهمام عليه السلام وتفجعاً على ما دهاه على صحراء كربلاء وما جرى من العظائم على أهل بيته وعياله في يوم عاشوراء وما تلاه من الأيام...فما يفعله المؤمنون الموالون الطاهرون رضي الله عنهم من تطيينهم لوجوههم ومحاسن أعضائهم، يُرضي الربَّ شريطة الإخلاص في نيَّة التقرب إلى الله تعالى والتعزية لنبيّه الكريم وأهل بيته الطيبين سلام الله عليهم أجمعين ، فالمطيّنون لوجوههم الكريمة بالطين لا يريدون به الشهرة والعلو والإستكبار ولا يبتغون أشراً ولا بطراً ولا فساداً ولا ظلماً، وإنَّما يبتغون إظهار الفجيعة والحزن على سيِّد الشهداء وأهل بيته الأطهار سلام الله عليهم عندما سفتِ الرياحُ تراباً على وجوههم الطاهرة يوم العاشر من محرَّم وخلال مسيرة إمامنا المظلوم زين العابدين سلام الله عليه والسبايا الطاهرات معه... والأراجيف والهرطقات التي نفثها ــــ ولا يزال ينفثها ــــ عليهم من لا حريجة له في الدين ولا مانع له من أمر الله ونهيه، إنْ دلت على شيء فإنما تدل على إفلاسهم الإيماني والمعرفي، فضلاً عن جهلهم بطرق الاستدلال الفقهي ، ولا يملكون دليلاً واحداً على الحرمة التي ادَّعوها كغيرها من الدعاوى التي ادّعوها على حرمة بقية الشعائر الحسينية المقدَّسة، وقد فندنا دعاويهم برمتها في كتابنا الجليل الموسوم بـ ( ردّ الهجوم عن شعائر الإمام الحسين المظلوم عليه السلام ).
    وهي دعاوى مبنية على الأقيسة والاستحسانات العقليَّة كالتظني والعمل بالرأي المنهى عنهما في الكتاب الكريم والأخبار المقدَّسة، وأصحاب هذه الدعاوى معروفون في الوسط العلمي الشيعي بتوجهاتهم العاميَّة ومشاربهم الوحدويَّة القائمة على تمييع الفوارق الدينيَّة وتذويب الخلافات المذهبية المبثوثة في أبواب الفقه والعقيدة والتاريخ.
  ودليلنا الشرعي على استحباب التطيين  ـ حزناً على الإمام المظلوم غريب كربلاء سلام الله عليه ـ وأنه من الشعائر الحسينيَّة كغيره من الشعائر الحسينيَّة التي ليس عليها نصٌّ خاصٌ بل الدال عليها هو العمومات والإطلاقات من الكتاب الكريم والسنَّة الشريفة، ونلخّصها بثلاثة أُمور:
 (الأمر الأول): إن شعيرة التطيين كغيرها من الشعائر الحسينية المقدَّسة تدل على التذكير بالإمام الحسين عليه السلام وبما جرى عليه صلوات الله عليه وآله من ظلامات يكاد الصخر الأصم يتفطر منها، وهي أيام ليس لها نظير في عالم المصائب والأحزان والتضحيات الجسام، والتذكير بها قد يكون واجباً في كلِّ حال وزمان، وقد يكون مستحباً، ووسائل التذكير كثيرة، نصَّ الشارع المقدَّس على بعضٍ منها، وترك للمكلّفين الحريَّة في اختيار الوسائل الأُخرى للتذكير بتلك الفادحة الكبرى والمصيبة العظمى كالتطبير والتطيين والضرب بالسلاسل والزناجيل وغيرها مما قد يستحدثه الموالون ضمن حدود الشرع المبين.
 (الأمر الثاني): أن التطيين وسيلة من وسائل التعبير عن الحزن والجزع على فراق الإمام الحسين عليه السلام وعلى ما دهاه من مصائب عظام.
  والفرق بين الأمر الأول والثاني: أن الأول هو نوعٌ من التذكير به وبما جرى عليه، والثاني هو بكاء وحزن عليه وعلى ما أصابه، فالمؤمن يذكّر الآخرين  بالمظلوم وما جرى عليه من فوادح عظام، ثم يبكي عليه ويحزن على فراقه وعلى ما حلَّ به. 
 (الأمر الثالث): إن التطيين عند عامة الشرفاء المطينين لوجوههم رضي الله عنهم لا يشتمل على محرَّم ولا يستلزم محرَّماً، ولو فُرِضَ ــ وفَرْضُ المحالِ ليس محالاً ــ اشتماله على محرَّمٍ أو استلزم محرَّماً، فإنه عرضيٌّ خاصٌ ومقيّدٌ بفاعله وهو شاذٌ عن القاعدة العامة، فلا يجوز تعميم تحريمه على الجميع لأن الأحكام لا تُبنى على الأفراد الشاذين عن القاعدة العامة أو النوع الذي لم يتضرر بموضوع ترتب عليه حكم شرعيّ، فمن حَرُمَ عليه أكلُ العسلِ لأنه تضرر به لا يجوز تعميم حرمته على الأصحاء ممن لا يتضرر به.
  بالإضافة إلى ما أشرنا آنفاً : هناك أخبارٌ تشير بالإجمال إلى صحة التطيين غير الإختياري الذي يصيب الزائر خلال زيارته للإمام الحسين عليه السلام مشياً على الأقدام، وهي ما كشفت عنه بعض الأخبار المادحة لمن زاره أشعثاً أغبراً، وإذا ما كان ممدوحاً مع كونه غير مطلوبٍ بالإختيار لا ريب في كونه ممدوحاً حال الإختيار فيطيِّن المؤمنُ محاسنَ وجهه ابتغاء رضوان الله وحزناً على سيِّد الشهداء عليه السلام، وإن كنا نميل إلى أن الظاهر من تلكم الأخبار الشريفة هو اختيارية التطيين خلال زيارة سيِّد الشهداء عليه السلام، حسبما جاء خبر كرام بن عمرو قال: قال أبو عبد الله عليه السلام :" إذا أردت قبر الحسين عليه السلام فزره وأنت كئيب حزين شعثٌ مغبَّرٌ، فإن الحسين عليه السلام قُتِل وهو كئيب حزين شعثٌ مغبّرٌ جائعٌ عطشانٌ ".
 وفي صحيحة المفضل بن عمر، قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : تزورون خير من أن لا تزورون ولا تزورون خير من أن تزورون،  قال: قلت: قطعت ظهري ، قال : تالله ان أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيبا حزينا، وتأتونه أنتم بالسُفَر ، كلا حتى تأتونه شعثاً غبراً ".
  معنى الخبر: أنَّه لا بدَّ أن تأتوه مكروبين محزونين وعلى وجوهكم آثار الذلة والمسكنة والحزن والكآبة، وتهجرون لذيذ الطعام والشراب والتعطر وهو ما عبّرت عنه الرواية الشريفة بالأشعث أي بعيد العهد عن العطور والزينة كما تأتون أمواتكم شعثاً غبراً...والأغبر هو الملطّخ بالغبار، والغبراء هي الأرض لغبرة لونها أو لما فيها من الغبار، والغبار هو دقيق التراب، فمن زاره ملطّخاً بغبار الأرض كان مرضياً عند الله تعالى والحجج الطاهرين سلام الله عليهم لأنه أكرب نفسه لأجل مولاه الذي لولاه لما استقام الإسلام والإيمان، فلأجله تهون كلّ داهية وتُستهان له كلّ مصيبة ورزيَّة...والتطيين حزناً على سيِّد الشهداء أرواحنا فداه نظير تطيين صعصة بن صوحان بحثو التراب على رأسه لمّا وقف حزيناً باكياً ولهاناً بالفراق على قبر الإمام الأعظم والوليّ الأكبر مولانا وسيّدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام كما ورد في مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي رحمه الله في أعمال مسجد السهلة ــــ أنه لما لحّد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقف صعصعة على القبر وأخذ كفاً من التراب فأهاله على رأسه وقال : بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) هنيئا لك يا أبا الحسن ( عليه السلام ) فلقد طاب مولدك وقوي صبرك وعظم جهادك وبلغت ما أمّلت وربحت تجارتك ومضيت إلى ربّك ، ونطق بكثير من مثلها وبكى بكاءً شديداً وأبكى كلّ من كان معه ".
  وعلى فرض كان التطيين للوجوه حزناً على الإمام المظلوم عليه السلام مذلةً للمؤمن ــ كما يتخيّل بعض المخبولين من المعممين في الحوزات العلمية المنتسبين إلى التشيع الحقّ ــ فلتكن هذه المذلة حباً له، وهو ما أمرت به الأخبار الشريفة كما في الخبر المتقدم " كلا حتى تأتونه شعثاً غبراً "؛ وفي رواية كرام بن عمرو" فزره وأنت كئيب حزين شعثٌ مغبَّرٌ، فإن الحسين عليه السلام قُتِل وهو كئيب حزين شعثٌ مغبّرٌ جائعٌ عطشانٌ "؛ فإتيان قبره الشريف منكسر النفس ومتواضعاً ذليلاً، رافضاً لأنانية ذاته، يكون مطلوباً شرعاً... فكلُّ شيء يهون أمام شخصه الكريم سلام الله عليه، وهو عربونُ وفاءٍ ومحبة لما قدّمه الإمام الهمام روحي فداه من تضحيات عظام لم يسبقه إليها سابق ولن يلحقه لاحقٌ، فلا يعوَّل على أولئك المهرجين والمهرطقين من جنود إبليس ممن تزيوا بزيِّ العلم والدين.... وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
كلبهم الباسط ذراعيه بالوصيد
محمد جميل حمود العاملي
بيروت بتاريخ 17 ربيع الأول 1436هـ.  
 

  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1093
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 01 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29