• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : الخلاف بين الشيعة والسنة حول تحريم النبي على نفسه ما صرَّح به القرآن الكريم في سورة التحريم / هل صحيح أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله امتنع عن أكل عسل العرفط لأن أزواجه شممن من فمه رائحةً كريهة ؟ .

الخلاف بين الشيعة والسنة حول تحريم النبي على نفسه ما صرَّح به القرآن الكريم في سورة التحريم / هل صحيح أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله امتنع عن أكل عسل العرفط لأن أزواجه شممن من فمه رائحةً كريهة ؟

 الإسم:  *****

النص: 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
سؤال:ما هو الوجه الشرعي والاخلاقي في تحريم او الامتناع عن تناول العسل؟ وكيف يحرم أو يمتنع النبي صلى الله عليه واله ما أحله الله سبحانه وتعالى ؟ وان كان يحق له ذلك بأعتبار يملك الولاية التشريعية ؟ فكيف ينسجم هذا مع الاعتراض الإلهية ووجوب التكفير((قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ))[التحريم/2]؟ خصوصا اذا فسرنا ان واحدة من اسباب ملكية الولاية التشريعية بأعتباره صلى الله عليه واله يحلل ويحرم ما ارده الله سبحانه وتعالى؟
سؤال : هل يعتبر الجمال الظاهري وحسن الصوت كمال ؟ وكيف نفسر ان اهل البيت عليهم السلام يرثون كمالات الانبياء عليهم السلام وانهم لايملكون جمال النبي يوسف عليه السلام ولا صوت داود عليه السلام كما جاء في المرويات ومنها ((قال: يارجل إنه إذا كان يوم القيامة أعطى الله عليا من القوة مثل قوةجبرئيل، ومن الجمال مثل جمال يوسف، ومن الحلم مثل حلم رضوان، ومن الصوت ما يداني صوت داود، ولولا أن داود خطيب في الجنان لاعطي علي مثل صوته، وإن عليا أول من يشرب من السلسبيل والزنجبيل، وإن لعلي وشيعته من الله عزوجل مقاما يغبطه به الاولون والآخرون. \"
سؤال : ما معنى النجوم امان لاهل السماء ؟ 
 
 
الموضوع العقائدي: الخلاف بين الشيعة والسنة حول تحريم النبي على نفسه ما صرَّح به القرآن الكريم في سورة التحريم /  هل صحيح أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله امتنع عن أكل عسل العرفط لأن أزواجه شممن من فمه رائحةً كريهة ؟ / لماذا حرّم النبي صلى الله عليه وآله على نفسه مارية القبطية؟ / هل أن صوت النبي داود عليه السلام أجمل من صوت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام ؟ / مناقشة الرواية الدالة على أفضلية صوت داود عليه السلام على صوت أسد الله الغالب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام / الوجوه الأربعة في أفضلية صوت أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام على صوت داود عليه السلام.
بسمه تعالى
 
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
   
الجواب عن السؤال الأول: لقد ورد في سورة التحريم  عتاب الله سبحانه لنبيّه الأعظم صلى الله عليه وآله على ما حرّمه على نفسه إرضاءً لبعض أزواجه وهنّ عائشة وحفصة .
 ومورد نزول الآية يكشف عن حقيقة حفصة التي استغلت ما فعله النبيُّ الأكرم صلى الله عليه وآله عندما وطأ مارية القبطية بملك اليمين في غرفة حفصة ـــ ومارية كانت جارية تخدمه أهداه إياها المقوقس صاحب الإسكندرية حاطب بن أبي بلتعة في العام السابع للهجرة، وكانت بيضاء جميلة من خيرة نساء زمانها ـــ فاتفقت حفصة وعائشة على مكيدة له بفضحه، حسداً منهما لمارية التي كانت أجمل نساءه بعد مولاتنا أُمّ المؤمنين الصدّيقة الكبرى خديجة، وكأنه ارتكب جرماً بنظرهما المنكوس، فما كان منه سوى أن يحلف يميناً بعدم وطء مارية ، فطمأنه الله في أنه يمكن له أن يحلَّ يمينه بكفارة إطعام عشرة مساكين...وهذا الرأي للشيعة الامامية؛ وقد خالفهم العامة العمياء، فابتدعوا قصةً أُخرى تغاير القصة الأولى شكلاً ومضموناً؛ فادعوا بأن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله قد أكل عسلاً يسمى المغافير، وهو عسل تخرج من فم آكله رائحةٌ نتنة، كانت حفصة قد أطعمته إياه، فغارت عائشة منها، وابتدعت قصة رائحة الفم من عسل المغافير، وقد نقل لنا المحدِّثون العامة تفاصيل القصة، كما قد نقل لنا المحدث الطبرسي ثلاثة أقوال في المسألة وهي التالي:
 قال: اختلفت أقوال المفسرين في سبب نزول الآيات ، فقيل : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا صلى الغداة ، يدخل على أزواجه امرأة امرأة . وكان قد أهديت لحفصة بنت عمر بن الخطاب عكة من عسل . فكانت إذا دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حبسته وسقته منها . وإن عائشة أنكرت احتباسه عندها ، فقالت لجويرية حبشية عندها : إذا دخل رسول الله على حفصة ، فأدخلي عليها فانظري ماذا تصنع . فأخبرتها الخبر وشأن العسل ، فغارت عائشة وأرسلت إلى صواحبها فأخبرتهن وقالت : إذا دخل عليكن رسول الله فقلن : إنا نجد منك ريح المغافير ، وهو صمغ العرفط ، كريه الرائحة . وكان رسول الله يكره ويشق عليه أن يوجد منه ريح غير طيبة ، لأنه يأتيه الملك. قال : فدخل رسول الله على سودة ، قالت : فما أردت أن أقول ذلك لرسول الله ثم إني فرقت من عائشة ، فقلت : يا رسول الله ! ما هذه الريح التي أجدها منك أكلت المغافير ؟ فقال . لا ولكن حفصة سقتني عسلا . ثم دخل على امرأة امرأة ، وهنَّ يقلن له ذلك فدخل على عائشة ، فأخذت بأنفها ، فقال لها : ما شأنك ؟ قالت : أجد ريح المغافير أكلتها يا رسول الله ؟ قال : لا بل سقتني حفصة عسلا.
فقالت : جرست إذا نحلها العرفط . فقال : والله لا أطعمه أبداً . فحرمه على نفسه . وقيل : إن التي كانت تسقي رسول الله العسل ، أم سلمة ، عن عطاء بن أبي مسلم . وقيل : بل كانت زينب بنت جحش . قالت عائشة : إن رسول الله كان يمكث عند زينب بنت جحش ، ويشرب عندها عسلا ، فتواطأت أنا وحفصة أيتنا دخل عليها النبي فلتقل : إني أجد منك ريح المغافير ، أكلت مغافير؟ . فدخل على إحداهما فقالت له ذلك ، فقال : لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ، ولن أعود إليه ، فنزلت الآيات .
وقيل . إن رسول الله قسم الأيام بين نسائه ، فلما كان يوم حفصة قالت : يا رسول الله ! إن لي إلى أبي حاجة فائذن لي أن أزوره . فأذن لها . فلما خرجت أرسل رسول الله إلى جاريته مارية القبطية ، وكان قد أهداها له المقوقس ، فأدخلها بيت حفصة ، فوقع عليها ، فأتت حفصة . فوجدت الباب مغلقا ، فجلست عند الباب . فخرج رسول الله ووجهه يقطر عرقاً . فقالت حفصة: إنما أذنت لي من أجل هذا! أدخلت أمتك بيتي ، ثم وقعت عليها في يومي ، وعلى فراشي . أما ما رأيت لي حرمة وحقاً ؟ ! فقال : أليس هي جاريتي قد أحل الله ذلك لي؟ أسكتي فهو حرام عليَّ ألتمس بذلك رضاك فلا تخبري بهذا امرأة منهن ، وهو عندك أمانة .
فلما خرج رسول الله قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة ، فقالت : ألا أبشرك إن رسول الله قد حرم عليه أمته مارية ، وقد أراحنا الله منها .
وأخبرت عائشة بما رأت ، وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواجه ، فنزلت : ( يا أيها النبي لم تحرم ) فطلق حفصة ، واعتزل سائر نسائه تسعة وعشرين يوماً ، وقعد في مشربة أم إبراهيم مارية حتى نزلت آية التخيير ، عن قتادة ، والشعبي ، ومسروق . وقيل . إن النبي خلا في يوم لعائشة مع جاريته أم إبراهيم مارية القبطية ، فوقفت حفصة على ذلك ، فقال لها رسول الله : لا تعلمي عائشة ذلك ، وحرم مارية على نفسه . فأعلمت حفصة عائشة الخبر ، واستكتمتها إياه ، فأطلع الله نبيه على ذلك ، وهو قوله . ( وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا ) يعني حفصة ، عن الزجاج ، قال : ولما حرم مارية القبطية أخبر حفصة أنه يملك من بعده أبو بكر ، ثم عمر ، فعرفها بعض ما أفشت من الخبر ، وأعرض عن بعض إن أبا بكر وعمر يملكان بعدي . وقريب من ذلك ما رواه العياشي بالإسناد عن عبد الله بن عطاء المكي ، عن أبي جعفر عليه السلام إلا أنه زاد في ذلك . إن كل واحدة منهما حدثت أباها بذلك، فعاتبهما رسول الله في أمر مارية ، وما أفشتا عليه من ذلك ، وأعرض عن أن يعاتبهما في الأمر الأخر. انتهى كلامه
   والحاصل: إن القولين الأولين هما قول واحد وإن اختلفا في ليلة من كان قد وطأ مارية هل هي عائشة أو حفصة، ولا يهم الإختلاف في متعلق القصة، ما داما يكشفان عن تواطؤ عائشة وحفصة على النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وآله؛ وهو المشهور عند أعلام المخالفين، بخلاف القول الثالث فهو المشهور عند أعلام الامامية، وقد جاءت فيه أخبار كثيرة تجاوزت حدَّ الاستفاضة...لذا نحن نضغطهما في قولين فقط؛ الأول للمخالفين، والثاني للشيعة.
 والسؤال المهم الذي لا بد لنا من طرحه على بساط البحث؛ هو التالي: لماذا أخذ المخالفون بالقول الأول دون الثاني الذي اعتقد به الشيعة الامامية ؟.
والجواب: السبب في اعتقادهم بالقول الأول دون الثاني؛ باعتبار أن الثاني فيه فضيحة لعائشة وحفصة اللتين تواطأتا مع أبيهما على قتل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، فمن غير المناسب عندهم الأخذ به والاعتقاد بمضمونه، بخلاف القول الأول فهو وإن كان فيه ذمٌ لعائشة وحفصة، لكنه يبقى أهون من القول بأنهما دبرتا مع أبيهما المؤامرة على قتل النبي صلى الله عليه وآله، لذا كان من الواجب عندهم الذهاب إلى القول الأول الذي صنعوه لتبرأة عائشة وحفصة؛ وهو من صنع أتباع المدرسة البكرية التي تلاعبت بالأخبار إرضاءً لأعمدة السقيفة، ولكنهم غفلوا عن المراد فإن تبني القول الأول لا يخرج عائشة وحفصة عن القدح بهما من حيث تلفيقهما الكذب على النبي صلى الله عليه وآله بأنه شرب عسل المغافير؛ وتلقينهما الكذب لبعض نسوة النبي حتى يهجر زينب بنت جحش أو أُم سلمى، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم اعتقادهما بوحي السماء وإنكارهما لصدق النبي الأعظم صلى الله عليه وآله...بل هو طعن في نبوته وتصديقه وعصمته وجلالة قدره وسمو ذاته المطهرة....بالإضافة إلى كرههما له، فتصافقتا على أذيته وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام بدءً بابنته الصدّيقة الكبرى سيّدة نساء العالمين وأمها السيّدة خديجة وأمير المؤمنين، وانتهاءً بمارية القبطية سلام الله عليها. 
 زبدة المخض: إن القول الثاني هو الحق الصريح بحسب دلالة الأخبار عليه والركون إليه، وليس فيه شيء من الاعتراضات الشرعية إلا ما يوهمه عتاب الله تعالى لنبيه الأعظم صلى الله عليه وآله بقوله تعالى( يا أيها النبي لِمَ تحرِّم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك...)؛ فلربما يتصور البعض أن هذا التعنيف في الخطاب يوجب ارتكابه محذور تحليل الحرام...ولكن الواقع ليس كذلك؛ فهو عليه السلام لم يحرم حلال الله تعالى بل غاية ما في الأمر أنه حرم على نفسه مباحاً لأجل غاية أسمى من النكاح، وهي دفع الفتنة وعدم الخوض في اللجاج وتجنب الخصومة بين نسائه؛ وهو ليس تحريماً لحلال الله، بل هو تحريم لحظوظ النفس، تماماً كمن يحرم طعاماً لذيذاً على نفسه من باب ترويض النفس عن الخوض في اللذائذ المباحة،كما يفعل المرتاضون من الفقهاء والعلماء فيجتنبون اللذائذ بغية مخالفة النفس، فإنهم لا يفتون بتحريم ذلك تحريماً ذاتياً في مقابل تحليل الله تعالى، وإنما يقومون بالابتعاد عرضاً عن اللذة ترويضاً وتمريناً وتمحيصاً...وهكذا الحال بالنسبة إلى سيّد الخلائق محمد صلى الله عليه وآله، فإنما حرّم على نفسه اللذة عرضاً لا ذاتاً؛ لأن اللذة المباحة قد تستتبع في بعض الأحيان نقمة وتوجب الفتنة بين نسائه صلى الله عليه وآله..... وليس هذا بزلَّة منه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم وارتكابَ ذنبٍ صغير ، كما زعم جار اللَّه ، لأنّ تحريم الرجل أمته أو بعض ملاذّه بسبب أو غير سبب ليس بقبيح شرعاً وعقلاً ، ولا داخل في جملة الذنوب . ولا يمتنع أن يكون خرج هذا القول مخرج التوجّع له صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، إذ أنه صلوات الله عليه وآله بالغ في إرضاء أزواجه في تلك المشقّة . ولو أنّ رجلا أرضى بعض نسائه بتطليق بعضهنّ لجاز أن يقال له : لم فعلت ذلك وتحمّلت فيه المشقّة ؟ وإن لم يفعل قبيحاً . ولو قلنا : إنّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم عوتب على ذلك ، لأنّ ترك التحريم كان أفضل من فعله ، لم يمتنع ، لأنّه يحسن أن يقال لتارك النفل : لم لم تفعله ؟ ولم عدلت عنه ؟ ولأنّ تطييب قلوب النساء ممّا لا تنكره العقول .
 من هذا المنطلق: حرم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله مارية على نفسه وحلف بأن لا يقربها، ففك الله تعالى أسره بكفارة اليمين من باب التشريع للمكلفين إذا حلفوا، ولأن حلفه ملغى بدفع الكفارة مع أنه ليس حراماً عليه وهو ما أشار إليه مولانا الإمام أبي جعفر عليه السلام حيث قال للسائل المستفهم عن الآية ( لم تحرم ما أحل الله لك...) فقال:" إنما حرم عليه جاريته مارية وحلف أن لا يقربها، فإنما جعل عليه الكفارة في الحلف ولم يجعل عليه في التحريم". أي أن الله تعالى لم يحرم عليه نكاح مارية، ولكن النبي صلى الله عليه وآله حرم على نفسه مارية تحريماً عرضياً ولم يحرم تحريماً ذاتياً ما أحله الله له، فغاية ما فعله النبي صلى الله عليه وآله أنه حرم على نفسه بالعرض اللذة مع مارية دفعاً للفتنة وتطييباً لأفئدة نسائه، لا سيما تطييباً لفؤاد مارية صلوات الله عليها التي لا ينبغي في حكمة الله تعالى أن يمتنع عنها النبي لأجل عائشة وحفصة، وكأن هذه الآية وما تليها من آيات في سورة التحريم هي بمثابة تعريض بعائشة وحفصة وفضيحة لهما، وفي الوقت نفسه يكون تطييباً لقلب سيدتنا مارية القبطية وتنويهاً بفضلها وعلو قدرها وسمو ذاتها سلام الله عليها...فيكون الخطاب الإلهي لنبيه الأعظم صلى الله عليه وآله كشفاً إلهياً لما سوف تجنيه عائشة من قذف مارية القبطية في أيامها اللاحقة على مقاربة النبي لها في غرفة حفصة أو غرفتها، وكأن النبي صلى الله عليه وآله نكحها في تلك الفترة الزمنية إبان قدومها من عند المقوقس؛ ولعلّ تلك المقاربة كانت السبب في حملها بابنه إبراهيم سلام الله عليه الذي قُذِفَ وأُمه من قبل  عائشة بأن أُمَّه زانية وأنه ابن زنا، وقد نزلت آيات الإفك بتبرأة مارية من الزنا باتفاق المحصلين من أعلام الامامية...ولا علاقة لعائشة بآيات الإفك كما أوضحناه في كتابنا القيّم" خيانة عائشة بين الاستحالة والواقع" ــــ هذا الكتاب الذي قضّ مضجع الخامنئي المتيَّم بحب أمه عائشة فصدّر أمراً لجلاوزته في بيروت باقتحام دارنا في الأيام الفاطمية (على صاحبها آلاف السلام والتحية) منذ ثلاثة أعوام، فاغتصبوا كتابنا وبعض ممتلكاتنا وروعوا عيالنا وقاموا بتهديدنا على مرأى ومسمع الدولة اللبنانية التي لا يهمها رعاياها من الشيعة المستضعفين الذين لا يركنون إلى حزب أو تنظيم بمقدار ما يهمها بطش الأقوياء المتجبرين...! وهو أمر يستهوي العمريين في لبنان ويشفي غليل صدورهم بما فعلوه بنا، ولسان حالهم يقول: أحسنت صنعاً يا نصر الله لما دخلت دار وليّ الزهراء وأمير المؤمنين علي عليهما السلام لأجل عائشة...شكراً لك يا نصر الله يا حبيب عائشة...فنحن معك وإن اختلفنا على الكرسي والزعامة...!
 معذرة من القارئ الكريم فقد شط بنا القلم لأن في الصدر نفثات لم أجد لها طريقاً سوى البيان بالحبر والورق...قال تعالى:( لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً ) ــــــــ. 
  عود على بدء: إن الحكمة من دفع الكفارة هو ما أشرنا إليه من أن مارية الطاهرة المؤمنة لا تقاس بعائشة وحفصة، وكأن الخطاب الإلهي هو خطاب تشريعي عقائدي، يقارن به المولى تبارك اسمه بين نساء النبي الصالحات والطالحات، فلا تساوى الصالحة بالطالحة، ولا تهجر الصالحة لأجل بعض الطالحات...وكأن الله تعالى يقول لنبيه الكريم: لا يحق لك يا رسولي أن تحلف على عدم مقاربة مارية الطاهرة لأجل عائشة وحفصة الطالحتين اللتين اتفقتا على أذية الرسول الأعظم وأهل بيته الطيبين سلام الله عليهم، فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وهل تستوي الظلمات والنور...لا يستويان أبداً...والمخالفون ومن وافقهم من بترية الشيعة المحبين لعائشة والمضحين في سبيلها لا يغارون على مارية القبطية بمقدار غيرتهم وحميتهم على عائشة، مع أن مارية من خيرة أزواج النبيِّ صلى الله عليه وآله من أزواج النبي...! فلماذا كلّ هذه الحمية على عائشة على وجه الخصوص دون سواها من نساء النبيّ صلى الله عليه وآله ...! أمر يدعو للاستغراب ويثير الحفيظة والتساؤلات..! ألأن عائشة عدوة أسد الله الغالب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وسيّدة نساء العالمين سلام الله عليهما، وهؤلاء الموتورون يتوافقون معها بالعداوة لهما سلام الله عليهما...!؟ الظاهر من النصوص الكاشفة عن حال النواصب والمنافقين هو كذلك؛لأن صديق عدوك هو عدوك؛ ولأن محبّ عدو آل البيت عليهم السلام هو عدو لهم سلام الله عليهم....!.
  والحاصل: إن نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله لم يسمح لنفسه بأن يحرم تحريماً ذاتياً ما أحل الله له، لأن التحريم الذاتي المقابل لتحليل الله تعالى يعتبر تحريماً بغير ما أنزل الله تعالى وهو الكفر بعينه؛ والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله يتنزه عن التحريم الذاتي بغير ما أنزل الله بسبب عصمته وطهارته وأمانته وإخلاصه لله تعالى، فلا بد ـــ والحال هذه ـــ أن نحمل التحريم على تنزيه النفس عن اللذة لأجل دفع مفسدة أعظم، وهو عين ما فعله نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله... فالآية من المتشابهات التي يجب الرجوع في معرفتها على حقيقتها إلى المحكمات من الكتاب الكريم والسنَّة المطهرة وهما قد كشفا عن وجه الحقيقة في تحريم النبي على نفسه بمقاربة مارية القبطية سلام الله عليها....وأية دعوى تعاكس ما أشرنا إليه تعتبر طعناً بشخصية النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وهو منزه عن الخيانة في تبليغ الرسالة ومؤتمن على وحي الله تعالى وتشريعاته وعقائده وأحكامه....( إن هو إلا وحيٌّ يوحى علَّمه شديد القوى) وسيعلم الذين ظلموه وآل بيته أي منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين.
 
الجواب عن السؤال الثاني: كان سؤالك ــ أخي الكريم ــ حول الجمال الظاهري.. وهل يعتبر الجمال الظاهري وحسن الصوت كمال ؟ وكيف نفسر أن اهل البيت عليهم السلام يرثون كمالات الأنبياء عليهم السلام وأنهم لايملكون جمال النبي يوسف عليه السلام ولا صوت داود عليه السلام كما جاء في المرويات ومنها الرواية التالية:
  روى الشيخ الصدوق في الأمالي قال: حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن جده أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه محمد بن خالد ، عن خلف بن حماد ، عن أبي الحسن العبدي ، عن الأعمش ، عن عبابة بن ربعي ، عن عبد الله بن عباس ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أتاني جبرئيل وهو فرح مستبشر ، فقلت له : حبيبي جبرئيل مع ما أنت فيه من الفرح ، ما منزلة أخي وابن عمي علي بن أبي طالب عند ربه ؟ فقال جبرئيل : يا محمد ، والذي بعثك بالنبوة ، واصطفاك بالرسالة ، ما هبطت في وقتي هذا إلا لهذا . يا محمد ، الله العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ، ويقول : محمد نبي رحمتي ، وعلي مقيم حجتي ، لا أعذب من والاه وإن عصاني ، ولا أرحم من عاداه وإن أطاعني .
  قال ابن عباس : ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا كان يوم القيامة أتاني جبرئيل ( عليه السلام ) وبيده لواء الحمد وهو سبعون شقة ، الشقة منه أوسع من الشمس والقمر ، فيدفعه إلي فآخذه وأدفعه إلى علي بن أبي طالب . فقال رجل : يا رسول الله ، وكيف يطيق عليٌّ عليه السلام حمل اللواء ، وقد ذكرت أنه سبعون شقة ، الشقة منه أوسع من الشمس والقمر ! فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم قال : يا رجل ، إنه إذا كان يوم القيامة أعطى الله عليَّاً من القوة مثل قوة جبرئيل ( عليه السلام ) ، ومن الجمال مثل جمال يوسف ( عليه السلام ) ، ومن الحلم مثل حلم رضوان ، ومن الصوت ما يداني صوت داود ( عليه السلام ) ، ولولا أن داود خطيب في الجنان لأعطي علي مثل صوته ، وإن علياً أول من يشرب من السلسبيل والزنجبيل ، وإن لعلي وشيعته من الله عز وجل مقاماً يغبطهم به الأولون والآخرون ".
   نقول وبالله تعالى نستعين: الرواية ضعيفة السند بأبي الحسن العبدي فإنه مجهول الحال عند أعلام الرجال، وبالتالي تسقط عن الحجية السندية، فتبقى دلالتها موضع النقاش، ولا يجوز طرحها لمجرد فقرة فيها مضطربة بحسب الظاهر، لذا نقول:
 لا ريب في أن فقرات الخبر كلها متطابقة مع الأخبار الأخرى الدالة على علو شأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام إلا الفقرة المتعلقة بصوت النبي داود عليه السلام حيث نفت أن يعطي الله لأمير المؤمنين عليه السلام صوتاً كصوت النبي داود عليه السلام، وقد عللت الرواية ذلك بأن داود عليه السلام خطيب الجنة، ولولا ذلك لكان الله تعالى أعطاه صوتاً كصوت داود عليه السلام، ولن نتسرع بطرح الفقرة المذكورة لمجرد قصور أفهامنا لمغزاها، وقد نهت أخبارنا عن طرح الأخبار التي لم يصل فهمنا إلى حقيقتها بشكلٍ كامل... ونحتمل أن تكون الفقرة المذكورة مدسوسة من قبل اليهود الذين لا يريدون لأمير المؤمنين عليه السلام ولا لأحد من أهل بيته الطاهرين عليهم السلام أن يكونوا بمستوى النبي داوود عليه السلام؛ وهو احتمال وجيه إلا أن التسليم لأخبارهم يفرض علينا التسليم بالفقرة المذكورة؛ كما أن الاحتمال يبقى مجرد احتمال لا نعول عليه كثيراً حرصاً منا على عدم طرح الفقرة من الخبر... لذا لا بد من معالجة الفقرة المذكورة حتى تتناسب مع الأسس العقائدية عندنا نحن الشيعة الامامية، من هنا نحملها على الوجوه الآتية:
  الوجه الأول: إن الخبر أشار إلى مساواة صوت أمير المؤمنين عليه السلام لصوت داود عليه السلام من حيث الرخامة والعذوبة إلا أنه ليس مثله تماماً، بل ثمة اختلاف طفيف بين الصوتين، وهذا الاختلاف لا يكون فضيلة لداود عليه السلام دون أسد الله الغالب مولانا الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام، فلا بد من التمييز بالصوتين حتى يُميَّز داود بصوته عن صوت الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام؛ وهذا التمييز بالصوت لأجل أن النبي داود عليه السلام خطيب الجنة، فيميز عن الإمام عليه السلام بالتفرد في صوته الذي لا يشاركه فيه أحدٌ بتمامه، ليس لأن داود عليه السلام أفضل من أمير المؤمنين سلام الله عليه..كلا ! بل لأن المقام الخطابي في الجنة يستلزم التمييز بالصوت حتى يُعرف بأنه داود وليس إمامه أسد الله الغالب مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليهما؛ من هنا جاء التعبير بلفظ " يداني صوت داود"، ودانى مداناة تعني: التقارب والمشابهة، فهو بصوته شبيه صوت داود ولكن لا على وجه المساواة الكلية.
  الوجه الثاني: إن الأخبار بضميمة الآيات الدالة على علو مقام أمير المؤمنين عليه السلام وكونه أفضل من الأنبياء والمرسلين في كلّ شيء، سواء أكان بصوته أم بكمالاته وجماله وجلاله وإلا لو كان داود عليه السلام أفضل منه بصوته لكان ذلك خلاف الآيات والروايات الكاشفة عن أفضليته على الأنبياء في كل شيء حتى الصوت...فتميّز داود عليه السلام بصوته دون أن يشاركه فيه أحد لا يستلزم أن يكون صوته أجمل من صوت أمير المؤمنين علي عليه السلام...فالملازمة غير لازمة على الإطلاق..!
  الوجه الثالث: لقد دلت الأخبار الشريفة على أن صوت النبي وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام كان أجمل وأعذب وأفخم من صوت داود عليه السلام ومن عامة أنبياء الله على الإطلاق، ويشهد لما قلنا ما ورد في الصحيح من الأخبار في الكافي وغيره بإسناده عن سهل عن ابن شمون عن علي بن محمد النوفلي عن أبي الحسن عليه السّلام قال : ذكرت الصوت عنده فقال « إن علي بن الحسين عليه السّلام كان يقرأ القرآن فربما مر به المار فصعق من حسن صوته وإن الإمام لو أظهر من ذلك شيئاً لما احتمله الناس من حسنه ؛ قلت: ولم يكن رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم يصلي بالناس ويرفع صوته بالقرآن؛ فقال: إن رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يحمل الناس من خلقه ما يطيقون » . 
   فقد دلت هذه الرواية الشريفة على أن صوت الإمام الكبير سيدنا المعظم علي بن الإمام الحسين الملقب بالسجاد سلام الله عليهما، لا يفوقه صوت في الدنيا ولا في الآخرة على الإطلاق إلا صوت آبائه وأبنائه المطهرين عليهم السلام، ولو أنه أظهر عليه السلام عن حقيقة صوته الذي حباه المولى به، لصعق الناس من حلاوته وعذوبته، في حين أن أهل الجنة عندما يخطب فيهم النبي داود عليه السلام لا يُصعقون من صوته، ما يعني أن صوته أدنى بالحلاوة من أصوات أئمة الهدى ومصابيح الدجى سلام الله عليهم؛ فأين المساواة يا أولي الألباب...!؟.
  وبعبارةٍ أُخرى: إن الإطلاق في قوله الشريف" لما احتمله الناس من حسنه " دلالة واضحة على عموم الناس من دون تمييزٍ بين الناس العاديين وبين الأنبياء والمرسلين، ومن دون فرق بين أن يكون في الدنيا أو في الآخرة؛ فصوت الإمام أجمل بكثير من أصوات جميع الناس على العموم.
  الوجه الرابع: الخبر دل على أن النبي داود عليه السلام إنما يخطب في الجنة لا في الجنان، والمراد منها جنة معينة وقسم خاص من الجنان وليس كل الجنة المتفاوتة في طبقاتها ودرجاتها، فهو يخطب في بعض السماوات المتواجد فيها، إلا أن أمير المؤمنين عليه السلام سوف يخطب في جنته بصوته الواقعي كما خلقه الله تعالى عليه، وذلك لتمايز طبقات الأنبياء بمعارفهم ويقينهم، فليسوا في درجة واحدة في الجنة بل كل واحد منهم في الجنة الخاصة به باعتبار أن الجنة سبعة طبقات، وداود عليه السلام في إحدى هذه الجنات بخلاف أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام فإنهم في أعلى درجات الجنة...لذا سيكون صوته بحقيقته الواقعية التي لا يتصورها عقل بشر..
 هذا ما سنح لنا استنباطه من الخبر وبقية الأخبار الشريفة، وهي وجوه لم يسبقنا إليها أحد بفضل الله تعالى ودعاء الحجج الطاهرين سلام الله عليهم، والمنة لهم والشكر لله رب العالمين الذي شرفنا بمعرفتهم والغوص في معارفهم الشريفة...كيف لا ! وأنا كلبهم الباسط ذراعيه بالوصيد...صلى الله عليهم ولعن الله أعداءهم وظالميهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين.
أطوف ببابكم في كلِّ حينٍ         كأن ببابكم جُعِلَ الطوافُ
 
والحمد لله رب العالمين .
حررها كلبهم الباسط ذراعيه بالوصيد 
محمد جميل حمود العاملي
بيروت بتاريخ 17 ربيع الثاني 1436 هـ

  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1119
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 02 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28