• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : مواضيع مشتركة ومتفرقة .
              • القسم الفرعي : فقهي عقائدي .
                    • الموضوع : ما الدليل على صحة قبض الخمس بواسطة المراجع في عصر الغيبة الشريفة / لا يحتاج سهم السادة إلى الاستجازة من المجتهد المطلق الجامع للشرائط من الورع والعقيدة الصحيحة / الدليل على صحة توزيع سهم السادة من دون استجازة من أحدٍ .

ما الدليل على صحة قبض الخمس بواسطة المراجع في عصر الغيبة الشريفة / لا يحتاج سهم السادة إلى الاستجازة من المجتهد المطلق الجامع للشرائط من الورع والعقيدة الصحيحة / الدليل على صحة توزيع سهم السادة من دون استجازة من أحدٍ

لإسم:  *****

النص: 
بسم الله الرحمن الرحيم 
سماحة الشيخ هذه اسئلة نرجوا منك ان تتفضل بالاجابة عليها حفظك الله
1-ما الدليل على صحة قبض الخمس من قبل المراجع في عصر الغيبة ؟ 
2-ما الدليل النقلي على جواز التقليد واذا كنتم تقولون بالتقليد تبعاً للدليل العقلي فكيف توجه الرويات التي ظاهرها النهي عن التقليد مثل الخبر الذي رواه الشيخ المفيد عن مولانا الصادق عليه الصلاة والسلام من قلده في دينه فقد هلك..الخبر 
3-بعض الاخبار ورد فيها ان من رأى رسول الله صل الله عليه واله وسلم او اهل بيته فقد رأهم وان الشيطان لا يتلبس بصورهم 
واليوم نرى الناصبي يدعي رؤيا الرسول صل الله عليه واله وسلم والمنحرف كذلك ؟ 
ارجوا الاسراع بالاجابة جزاكم الله عنى خيراً ودمتم بحفظ الله عز وجل بتسديد الامام عجل الله فرجه
 
 
 الموضوع الفقهي والعقائدي: ما الدليل على صحة قبض الخمس بواسطة المراجع في عصر الغيبة الشريفة / لا يحتاج سهم السادة إلى الاستجازة من المجتهد المطلق الجامع للشرائط من الورع والعقيدة الصحيحة / الدليل على صحة توزيع سهم السادة من دون استجازة من أحدٍ / الخلاف الفقهي إنما هو في سهم الإمام عليه السلام على رأيين / أدلة الفريق القائل بوجوب الإستجازة من المجتهد المطلق والإيراد عليها /أدلة الفريق القائل بعدم وجوب الإستجازة من المجتهد المطلق / ما الدليل على جواز التقليد / الأدلة على جواز التقليد من الأدلة الأربعة المقررة / تصحيح الحديث المنقول عن الشيخ المفيد رحمه الله / تفسير النهي الوارد في الخبر عن التقليد / هل يمكن للناصبي أو الفاسق الشيعي أن يريا المعصوم عليه السلام في المنام ؟ / تفسير قوله عليه السلام" من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي / لا تخلو رؤيا الناصبي والفاسق الشيعي من أمرين لا ثالث لهما / لرؤيا المعصوم عليه السلام في المنام شروط وأسباب / الردّ على الدعوى القائلة بأن أخبار الرؤيا هي أخبار آحاد.

بسمه تعالى
 
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استعراض الأسئلة والإجابة عليها:
السؤال الأول: ما الدليل على صحة قبض الخمس من قبل المراجع في عصر الغيبة ؟.
  الجواب: لا يخفى عليكم أن الخمس نصفان: سهم إمام على صاحبه آلاف التحية والسلام، وسهم سادة؛ والخلاف القائم بين الأعلام قديماً وحديثاً إنما هو في سهم الإمام على صاحبه آلاف التحية والسلام وعجّل الله تعالى فرجه الشريف وليس في سهم السادة، إذ لا خلاف بينهم في جواز توزيع سهم السادة على مستحقيه من دون مراجعة الحاكم الشرعي أي الفقيه الجامع للشرائط....وذلك لأمرين هما:
 (الأمر الأول):إن النصوص كاشفة عن أن سهم السادة ملك خاص لهم من الله ورسوله وأهل بيته الطيبين عليهم السلام، ولا يحتاج الإذن الخاص من الله تعالى ونبيه وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام إلى الإستجازة من الحاكم الشرعي، بداهة أن المجتهد العادل تابع في حكمه لله تعالى ولرسوله وأهل بيته ولا حكم له في مقابلهم وإلا صار مشرعاً في مقابل تشريع الله وحججه الطاهرين عليهم السلام فيخرج بصاحبه من الإسلام، وليس حال هذا السهم حال سهم الإمام عليه السلام الذي ليس ملكاً للفقراء من العوام بل هو حقٌّ خاص بأئمة الهدى عليهم السلام تنازلوا عنه للفقراء من شيعتهم الموالين لهم ، فمن المحتمل وجوب الاستجازة من النائب عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام لا سيما الإمام الحجة القائم عجّل الله تعالى بفرجه الشريف حيث إن الفقيه الورع ينوب عنه في الغيبة باستلام الحقوق الشرعية المنوطة بإذن الفقيه كما كانت منوطة بإذن الإمام عليه السلام في عصر الحضور، وغن كان هذا الإحتمال يعارضه احتمال آخر وهو جواز الصرف بما يكون محرزاً لرضا الإمام عليه السلام حتى لو كان من دون استئذان من الفقيه الورع كما سوف نشير إليه.
 والملكية الخاصة في سهم السادة إما لكل واحد من الأصناف الثلاثة الواردة في آية توزيع الخمس، كلُّ واحد منهم على حدا ، أو للجامع الكلي للفقراء من السادة، فيوزعه المالك عليهم... فقد ردت الرخصة بتوزيعه على الفقراء والمساكين من السادة فلا يحتاج إلى استجازة الحاكم الشرعي، لأن الإستجازة منه فيها شيء من المذلة وهو خلاف إكرامهم لأجل كرامة أجدادهم الطاهرين عليهم السلام، والكرامة المخصوصة بالسادة إنما هي للسادة الطيبين السائرين على هدي أجدادهم الطاهرين عليهم السلام لا المشككين بمقاماتهم وعلو درجاتهم ولا المتنازلين عن مبادئ أجدادهم ويميلون نحو المخالفين وينهجون نهجهم.... فإن هؤلاء لا كرامه لهم عند الله تعالى وعند حججه الطاهرين سلام الله عليهم بل لا يجوز إعطاؤهم من سهم السادة ومن يفعل ذلك يلق آثاماً ويخلد في جهنم مهاناً..ذلك لأن الإعطاء للسادة مشروط بإيمانهم بالله وبرسوله وبأهل بيته لا المشككين بهم وبظلاماتهم ومنازلهم ومقاماتهم العالية والمائلين إلى أعدائهم وأعداء شيعتهم ومواليهم والظالمين لهم.... وما أكثرهم من سادة في هذا الزمان...!. 
 (الأمر الثاني): إن النصوص مطلقة في توزيعه على مستحقيه من دون إجازة من أحد؛ والحاجة إلى الاستجازة تتوقف على الدليل الخاص، وهو مفقود في البين، ولا دليل عليها بوجهٍ من الوجوه .
 وما أشرنا إليه من جواز توزيع سهم السادة بلا استئذان من الفقيه المطلق الورع موضع وفاق وإجماع بين أعلام الطائفة إلا من بعض الشواذ من القائلين بولاية الفقيه العامة حيث جعلوا للفقيه الولاية على السهمين ينفقهما الفقيه وغير الفقيه المتسلط بالسيف والمقصلة كيفما شاء وأنى شاء من دون حسيب ولا رقيب تحت عنوان "أن للفقيه الولاية المطلقة كما هي للإمام عليه السلام في كل شيء منها الأموال والنفوس....ودونه خرط القتاد وقد فندناه من أساسه في كتابنا" ولاية الفقيه العامة في الميزان " فلراجع.
الخلاف في سهم الإمام عليه السلام:
لقد انقسم الأعلام على توزيع سهم الإمام عليه السلام إلى فريقين:
  الفريق الأول: القائل بأنه يجب إعطاؤه للمجتهد الجامع للشرائط باعتباره نائباً بالنيابة العامة عن الإمام الحجة القائم أرواحنا فداه، من الإيصال إليه أو الدفع للمستحقين بإذنه.
أدلة الموجبين للإستجازة من المجتهد المطلق والإيراد عليها:
 فقد استدل هذا الفريق على المدَّعى بدليلين:
    الدليل الأول: أن للفقيه الجامع للشرائط الولاية على الأموال نيابة عن الإمام عليه السلام في عصر الغيبة الكبرى على صاحبها آلاف التحية والسلام، سواء أكانت الولاية عامة أو خاصة في الأمور الحسبية، فإن الإستئذان منه مطلوب باعتبار أن الفقيه وليّ عن الإمام عليه السلام في غيبته ولا يصح التصرف من دون إذن الولي الوكيل عن الإمام والقائم مقامه.
   الدليل الثاني: معاملة سهم الإمام عليه السلام في عصر الغيبة الكبرى معاملة مجهول المالك وإجراء حكم مجهول المالك على سهم الإمام عليه السلام وهو خيرة صاحب الجواهر الشيخ محمد حسن النجفي رحمه الله في جواهره ج 16 ص 177 تحت عنوان: الحاكم يتولى صرف سهم الإمام عليه السلام" قال:" وأقوى من ذلك معاملته معاملة المال المجهول مالكه باعتبار تعذر الوصول إليه روحي له الفداء ، إذ معرفة الملك باسمه ونسبه دون شخصه لا تجدي ، بل لعل حكمه حكم مجهول المالك باعتبار تعذر الوصول إليه للجهل به ، فيتصدق به حينئذ نايب الغيبة عنه ، ويكون ذلك وصولا إليه على حسب غيره من الأموال التي يمتنع ايصالها إلى أصحابهما ، والله أعلم بحقائق أحكامه ". انتهى كلامه.
وقال الشيخ النجفي رحمه الله في موضع آخر من الجواهر ج 16 ص 155 :" المسألة  الرابعة ما يجب من الخمس  بأحد الأسباب السابقة ( يجب صرفه إليه مع وجوده ) وحضوره ( عليه السلام ) كما هو ظاهر الأكثر وصريح البعض كالفاضل في قواعده وغيره ، بل ينبغي القطع به بالنسبة إلى حصته ، ضرورة وجوب إيصال المال إلى أهله ، أما حصة قبيله فالظاهر أنها كذلك أيضا ، خصوصا خمس الغنائم وفاقا لمن عرفت ، تحصيلا للفراغ اليقيني ، ولأنه الواقع والمأثور ، بل كان وكلاؤهم ( عليهم السلام ) على قبض الخمس في كثير من النواحي حتى في الغيبة الصغرى ، ولظهور سياق أكثر الأخبار فيه من إضافته إليهم عليهم السلام وتحليلهم ( عليهم السلام ) بعض الناس منه ، وغير ذلك مما يومي إلى أن ولاية التصرف والقسمة إليه ( عليه السلام ) ، وللأمر بايصاله إلى وكيله ( عليه السلام ) في صحيحة ابن مهزيار الطويلة..". انتهى مختصراً.
 فإنه رحمه الله أفتى بوجوب دفع سهم الإمام عليه السلام للنائب عن الإمام الحجة القائم عليه السلام معتمداً على دليلين:
    الأول: كون سهم الإمام عليه السلام داخل في عنوان مجهول المالك، نظراً إلى أن المناط في جواز التصدق بمال عن مالكه ليس هو الجهل بالمالك بل عدم امكان ايصاله إليه ، سواء علم به أم جهل كما هو مورد بعض نصوصه مثل ما ورد في صحيحة علي بن مهزيار الآتية من وجوب إيصاله إلى وكيل الإمام عليه السلام حال حضوره، ووجوب التصدق به عنه حال غيابه لمجرد الجهل بمكانه وإن كان عارفاً شخصه بطبيعة الحال ، فيكون التصدق عند حينئذ نوعا من الايصال إليه  فإنه وإن لم يصل إليه عين المال إلا أنه وصل إليه ثواب التصدق به .
  الثاني: إن وكلاء الأئمة الطاهرين عليهم السلام في الغيبة الصغرى وما قبلها كانوا يقبضون الخمس نيابة عنهم عليهم السلام، ويشهد له صحيحة علي بن مهزيار التي جاء فيها الأمر من الإمام عليه السلام لعلي بن مهزيار في أن يخبر الشيعة بوجوب إيصال الخمس إلى وكيله...وإليكم الرواية:
  روى المحدّث الحر العاملي بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد وعبد الله بن محمد جميعا ، عن علي بن مهزيار قال : كتب إليه أبو جعفر عليه السلام - وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة - قال : إن الذي أوجبت في سنتي هذه وهذه سنة عشرين ومائتين فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كله خوفا من الانتشار ، وسأفسر لك بعضه  إن شاء الله إن موالي - أسأل الله صلاحهم - أو بعضهم قصروا فيما يجب عليهم ، فعلمت ذلك فأحببت أن أطهرهم وأزكيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس ( في عامي هذا )  ، قال الله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم * ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم * وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) ولم أوجب ذلك عليهم في كل عام ، ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله عليهم ، وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول ، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفا مني عن موالي ومنا مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم ، فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام قال الله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير  والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء ، والفائدة يفيدها ، والجائزة من الإنسان للإنسان  التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب ، وما صار إلى موالي من أموال الخرمية  الفسقة ، فقد علمت أن أموالا عظاما صارت إلى قوم من موالي ، فمن كان عنده شئ من ذلك فليوصل إلى وكيلي ، ومن كان نائيا بعيد الشقة فليتعمد لإيصاله ولو بعد حين ، فان نية المؤمن خير من عمله ، فأما الذي أوجب من الضياع والغلات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمؤونته ، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك". انتهى الحديث.
الإيراد على أدلة الشيخ الجواهري رحمه الله تعالى بما يلي:
فإنّ الوجه الأوّل وإن كان وجيهاً في الجملة وأنّ ما لا يمكن فيه الإيصال يتصدّق به فإنّه نوع من الإيصال ، إلَّا أنّه لا إطلاق لدليله يشمل صورة وجود مصرف يحرز رضا المالك بالصرف فيه ، كما أن حديث الرفيق في طريق مكَّة ـ وهي صحيحة ابن مهزيار ـ قضيّة في واقعة، وهو منصرف عن هذه الصورة بالضرورة .
فلو فرضنا أنّا أحرزنا أنّ المالك المجهول كان عازماً على صرف هذا المال في مصرف معيّن من عمارة المسجد أو بنائه المدرسة أو إقامة التعزية فإنّه لا يسعنا وقتئذٍ الصرف في تصدّق الفقيه النائب عن الإمام عليه السلام ، إذ بعد أن كان له مصرف معيّن والمالك يرضى به فالتصدّق بدون إذن منه ولا من وليّه فإنّ وليّه الإمام ( عليه السلام ) يعتبر حينئذٍ تصرفاً في ملك الغير بغير اذنه، فالمتعيّن إذن ما عرفت بعد الفراغ من إحراز أن الإمام عليه السلام يريد إنفاقه في في مصرف معين ولكن من أين لنا الجزم بأنه عليه السلام يريد إنفاقه في غير الفقراء من الموالين المخلصين المستضعفين والناشرين للدين والمنافحين عنهم شرور المعاندين..؟! فإثباته دونه خرط القتاد، بل القدر المتيقن هو الدفع إلى الموالين من فقراء الشيعة .
أدلة الفريق الآخر القائل بعدم وجوب الإستجازة من المجتهد المطلق:
 (الفريق الثاني): القائل بعدم وجوب الدفع إلى المجتهد الجامع للشرائط وهو خيرة جماعة منهم البحراني في الحدائق ج12 ص470 والحر العاملي وصاحب المدارك محمد بن علي الموسوي العاملي والخوئي في شرح العروة وغيرهم كثيرون، وهو الأقوى عندنا أيضاً بتحفظ في موارد معينة كما سوف نبيِّن ، وقد اعتمد هذا الفريق على دليلين:
الدليل الأول: عدم تمامية ما استدل به الفريق الأول كما أشرنا في الإيراد على العلامة النجفي رحمه الله آنفاً.
الدليل الثاني: أن المناط في مصرف الخمس هو إحراز رضا الإمام عليه السلام أن يصرف في موارد يحرز فيها رضا الإمام ( عليه السلام ) قطعاً أو اطمئناناً بحيث كان الصرف في تلك الجهة مرضيّاً عنده ، كالمصالح العامّة ، وما فيه تشييد قوائم الدين ودعائم الشرع المبين وبثّ الأحكام ونشر راية الإسلام التي من أبرز مصاديقها في العصر الحاضر إدارة شؤون الحوزات العلميّة ومؤونة طلبة العلوم الدينيّة الموصوفين بصفتي التولي لأهل البيت عليهم السلام والتبري من أعدائهم ...فسهم الإمام عليه السلام يجب أن ينفق بمقتضى إحراز رضاه عليه السلام وليس بإحراز رضا المجتهد إلا إذا لم يحرز المكلف رضاه عليه السلام إلا بالدفع للمجتهد الجامع للشرائط فيتعين عليه الدفع إليه إحرازاً لبراءة الذمة.
وبعبارة أُخرى: هل أن المالك  مستقل في هذا التصرف أو أنه يتوقف على مراجعة الحاكم الشرعي والاستيذان منه ؟
  الجواب:يتبع هذا ما عليه المالك من الوجدان ولا يصل الأمر إلى البرهان فإنه إن كان قد وجد من نفسه - فيما بينه وبين ربه - أنه قد أحرز رضا الإمام ( عليه السلام ) بالمصرف الكذائي بحيث كان قاطعا أو مطمئنا به فلا اشكال ولا حاجة معه إلى المراجعة ، إذ لا مقتضي لها بعد نيل الهدف والوصول إلى المقصد . وأما إذا لم يجد من نفسه هذا الاحراز بل انقدح في ذهنه احتمال أن يكون هذا الصرف منوطا بإذن نائب الإمام في عصر الغيبة كما كان منوطا بإذن نفسه في عصر الحضور ولم يتمكن من دفع هذا الاحتمال الذي يخطر على بال كل أحد بطبيعة الحال ، بل هو جزمي غير قابل للانكار ، ولا أقل من أجل رعاية مصالح الشيعة الفقراء وإحياء معالم التشيع والتحفظ على منصب الزعامة الدينية المتمثلة بالفقهاء المتصدين لرد الشبهات ودفع الضلالات ، كان اللازم عندئذ مراجعة الحاكم الشرعي لعدم جواز التصرف في مال الغير وهو الإمام ( عليه السلام ) ما لم يحرز رضاه المنوط بالاستيذان من الحاكم بحسب الفرض .
  ومراجعة الفقيه في صرف سهم الإمام عليه السلام ليست من باب أن للفقيه ولاية عامة في كافة الشؤون بدعوى أن  جميع ما كان راجعاً إلى الإمام حال حضوره راجع إلى نائبه العام حال غيبته ، فإن ذلك فاسد شرعاً وعقلاً كما برهنا عليه في كتابنا" ولاية الفقيه العامة في الميزان"؛ بل هي من باب أن الفقيه الجامع لشرائط الفتوى والتقليد هو نائب بالنيابة العامة في مهمة التبليغ وأداء الحقوق لمستحقيها... مجرد الشك في جواز التصرف بدون إذنه كاف في استقلال العقل بلزوم الاستيذان منه ، للزوم الاقتصار في الخروج عن حرمة التصرف في ملك الغير على المقدار المتيقن من إذنه ورضاه وهو مورد الاستيذان ، إذ بدونه يشك في الجواز ومقتضى الأصل عدمه . ومن ثم كانت الاستجازة مطابقة لمقتضى القاعدة حسبما عرفت .
وبالجملة: لا بد من الإستئذان من الفقيه في موردين:
الأول: حال الشك في جواز التصرف بدون إذنه عليه السلام، فإن العقل حاكم في وجوب الإستئذان من الفقيه العادل والمستقيم في عقيدته بالإمامة والولاية لأهل البيت عليهم السلام والبراءة من أعدائهم.
الثاني: حال عدم إحراز المكلف من نفسه عدم براءة ذمته إلا بالدفع للفقيه فيتعين هنا الدفع إليه. 
 ولو شك المكلف في تصرف الفقيه بصرف السهم الشريف في غير موارده المقررة أو الإطمئنان بعدم عدالته وضعف عقيدته أو بميله إلى المخالفين وأعمدة السقيفة وبعدم ولائه وعدم تبريه من أعداء آل محمد عليهم السلام، فهنا لا يجوز الدفع إليه حتى يطمئن بولائه لأهل البيت والبراءة من أعدائهم، فإن لم يقطع بعدالته ولم يقطع بالتولي والتبري،  يتعين عليه صرفه بنفسه على المستحقين بشروطه التي أشنا إليها آنفاً.. وفي حال الشك في عدالته وعقيدته، يجب البحث والفحص عن حاله لتحصيل الإطمئنان بالعقيدة والعدالة... هذا هو نظرنا في المسألة؛ والله العالم.
  السؤال الثاني: ما الدليل النقلي على جواز التقليد واذا كنتم تقولون بالتقليد تبعاً للدليل العقلي فكيف توجه الروايات التي ظاهرها النهي عن التقليد مثل الخبر الذي رواه الشيخ المفيد عن مولانا الصادق عليه الصلاة والسلام من قلده في دينه فقد هلك..الخبر.
الجواب: يجب على كلّ مكلّف تقليد المجتهد الجامع للشرائط المقررة لمن لا  يقدر على الإجتهاد أو الإحتياط، والتقليد من المسائل الفرعية المشهورة شهرة عظيمة بل كادت تكون مجمعاً عليها في الطائفة، ولم يقتصر الدليل على وجوب التقليد بالدليل العقلي المحكم فحسب بل ثمة أدلة أُخرى تدل على وجوب التقليد هي: الإجماع ـ آيات الكتاب الكريم الآمرة برجوع الجاهل إلى العالم العادل ـ بناء العقلاء على رجوع الجاهل إلى أهل الإختصاص ـ بناء سيرة المتدينين على استفتاء الفقهاء، وهي سيرة متصلة بسيرة المعصومين عليهم السلام ـ الأخبار الكثيرة الآمرة برجوع العوام إلى رواة الأحاديث وهم الفقهاء العدول المستقيمين في عقائدهم بأهل البيت عليهم السلام والبراءة من أعدائهم .
 ولم يخالف السيرة والبناء العقلائي أحد من الإمامية سوى الأخباريون حيث ذهبوا إلى حرمة التقليد، واستندوا إلى أدلة واهية وقد ردها عامة علماء الامامية بأدلة متينة وواضحة فلتراجع من مظانها.
   وليس الحديث الذي استشهدت به في سؤالك كما رواه الشيخ المفيد في تصحيح الإعتقاد صفحة 72 فالحديث هكذا:" قال عليه السّلام:" إيّاكم والتقليد ، فإنّه من قلَّد في دينه هلك " إنّ اللَّه تعالى يقول : اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّه )    فلا واللَّه ما صلَّوا لهم ولا صاموا ولكنّهم أحلَّوا لهم حراما وحرّموا عليهم حلالا فقلَّدوهم في ذلك فعبّدوهم وهم لا يشعرون "
 وهو حديث مستفيض ذيله إلا أن صدره أي قوله عليه السلام" إياكم والتقليد فإنه من قلَّد في دينه هلك" مرسل وليس له شبيه في الأخبار الأخرى إلا على نحو الإشتراك المعنوي، وإرسال الصدر لا يضر بأصل الحديث فإنه تام من ناحية الدلالة ومؤيد بالآيات والأخبار الذامة للتقليد في أصول العقائد والفروع الفقهية بشرط أن يحلل العالم حرام الله ويحرم حلال الله افتراءاً على الله تعالى والنبي والحجج الطاهرين عليهم السلام بقرينة قوله عليه السلام" ولكنهم أحلوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً، فقلدوهم في ذلك" فيكون معنى قوله في صدر الحديث" إياكم والتقليد.." أي إياكم أن تقلدوا عالماً يحلل لكم الحرام المقطوع بحرمته في الكتاب والسنَّة المطهرة ويحرم عليكم الحلال المقطوع بحليته مما لم يقم الدليل على حرمته في الكتاب والسنة...وأين هذا مما تمسكت به على حرمة التقليد الموافق للكتاب والسنة الشريفة، بل التقليد هو الرجوع إلى الفقيه العادل المستقيم في عقيدته الموثوق بدينه يستنبط الحكم من الكتاب والسنة معاً فهو كاشف عن حكم الله ورسوله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام ولا يفتي برأيه كما يفعل المخالفون حيث يعملون بالقياس والإستحسان ولا يأخذون من آل محمد عليهم السلام المحيطين بالكتاب وسنة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله...وكلّ فقيه يعمل بالقياس وبغير أخبار آل محمد عليهم السلام فهو كذاب أشر ولا يجوز تقليد وتشمله الآيات والأخبار الذامة بمن قلده وسار على نهجه كبعض البتريين من علماء شيعة يعملون بأخبار المخالفين وبأقيستهم ..فهؤلاء ينطبق عليهم خبر الشيخ المفيد فإنهم حللوا الحرام وحرموا الحلال لأجل المصلحة الولايتية والشخصية وألبسوها ثوب المصلحة الإسلامية...مع أنه لا يجوز تغيير العناوين الأولية تحت عنوان المصلحة الولايتية كما يسمونها...والله من ورائهم رقيب وحسيب وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون...
 السؤال الثالث: بعض الاخبار ورد فيها أن من رأى رسول الله صل الله عليه واله وسلم أو أهل بيته فقد رآهم وأن الشيطان لا يتلبس بصورهم  واليوم نرى الناصبي يدَّعي رؤيا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمنحرف كذلك ؟.
   الجواب: إن الحديث مرويٌّ بألفاظ متعددة صحيحة بمضمونها، فقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام قال:" ولقد حدثني أبي عن جدي عن أبيه عليه السلام ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال :" من رآني في منامه فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي ولا في صورة أحد من شيعتهم وان الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة ".
 إن رؤية المنحرف الشيعي أو الناصبي للنبي صلى الله عليه وآله ليست رؤية حقيقية له بل هي مجرد أوهام وتصورات ابتدعتها مخيلتهما لا واقع لها، وذلك لأن رؤية النبي صلى الله عليه وآله هي رؤية واقعية ولا يتشرف بها إلا المؤمنون الطاهرون من الخطيئة والذنوب الموبقة، لأن الصور الطاهرة تحتاج إلى مرآة صافية من الحجب والصدأ، فما دامت النفس صدأة ومليئة بدخان المعاصي لا يمكن انطباع الصور المثالية فيها، فالمانع من الإنطباع هو الحجب الظلمانية، فإذا ارتفعت من محلها، انتقش المثال فيها، فالإنتقاش بحاجة إلى مقتضي وعدم مانه كالعلَّة مؤلفة من مقتضي وعدم مانع، فإذا كانت النفس بمستوى يقبل الإنتقاش للصور الطاهرة ولم يكن هناك مانع من حجب ارتسمت الصور الثالية في صقع النفس الإنسانية بلا استئذان...وحيث تخلو النفس الفاسقة والكافرة من من طهارة المحل بسبب تراكم الحجب الظلمانية لا يمكن ارتسام الصور الطاهرة فيها بسبب مانعية النفس الظلمانية من حلول الصور المثالية فيها، وبالتالي لا تخلو دعوى المنحرف أو الناصبي لرؤية النبي الأعظم صلى الله عليه وآله من أمرين:
   الأمر الأول: إمَّا أنها دعوى كاذبة ليرفع الناصبي نفسه على الشيعة بأن الحق مع أعمدة السقيفة وصحة مذهبه المعادي لأهل البيت عليهم السلام... وكذلك الشيعي المنحرف، يدعي الرؤية للنبيِّ أو لأحدٍ من أهل بيته المطهرين سلام الله عليهم أجمعين في المنام ليرفع نفسه بين أقرانه ليغطي عليهم منكراته وموبقاته.
    الأمر الثاني: وإمّا أن دعواه للرؤية حقيقية لا كذب فيها، وهو صادق بدعواه إلا أنه كان متوهماً بأن ما رآه هو النبي صلى الله عليه وآله، والتوهم أو التصور ناشئٌ من تخزينه لتصور النبي أو أحد المطهرين عليهم السلام في اليقظة، فينطبع ذلك في خزانة عقله فينكشف ما تصوره في المنام بحيث تلعب القوة المخيلة في الدماغ بخلق الصور التي يحبها فتظهر على شكل المحبوب في المنام.
 إن الدعوى القائلة بأنه يمكن للناصبي أو المنحرف أن يرى رسول الله أو أحداً من أهل البيت عليهم السلام هي دعوى مزخرفة وباطلة إلا إذا كانت الرؤية لأجل ردع الناصبي عن ظلمه لبعض المؤمنين الموالين، أو إذا كانت لردع المنحرف الشيعي بعمله إلا أن عقيدته صحيحة بالنبي وآله الطاهرين عليهم السلام فتحمل الرؤيا على تثبيته على اعتقاده الحسن الطيب ولا علاقة لها بعمله القبيح الخبيث أو كانت الرؤية لأجل إلقاء الحجة عليهما لإثبات الحق لأهل البيت عليهم السلام أو لرد مظلمة أو ردع عن ظلم لبعض المؤمنين، وهو ما جاء في العديد من قصص الرؤيا المبثوثة في كتاب" دار السلام" للشيخ النوري الطبرسي ومدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني رحمه الله والتي منها المعجزة رقم 2078 في رؤيا محمد المهدي لأمير المؤمنين عليه السلام يهدده بأليم العذاب لأنه نوى قتل الإمام الكاظم عليه السلام بغتةً وهو محمول على زجره عن قتله قبل حلول زمان قتله...
  والحاصل: إن الغاية من رؤيا المعصوم عليه السلام هي ما أشرنا إليه آنفاً، وغيره دونه خرط القتاد، ولا يمني المنحرف أو الناصبي نفسه بأنه رأى النبي في المنام فإنه لا يغدو سوى أنه تصور باطل، لأن رؤية النبي في المنام تندرج تحت الاعتقاد الذي يتصف به الرآئي فإن كان حقاً بحسب الأدلة الظاهرية كانت الرؤيا حقاً وصواباً وإلا فهي باطل زخرف... وهنا كلام رشيق للشيخ الكراجكي تلميذ الشيخ المفيد رحمهما الله ينقله عن أستاذه المفيد، جدير بنا نقله لأهميته وهو التالي:
 قال رحمه:" وأما رؤية الانسان للنبي صلى الله عليه وآله أو لاحد الأئمة عليهم السلام في المنام فإن ذلك عندي على ثلاثة أقسام
قسم أقطع على صحته وقسم أقطع ( على بطلانه وقسم أجوز فيه الصحة والبطلان فلا أقطع فيه على حال فاما الذي أقطع على صحته ) فهو كل منام رأى فيه النبي صلى الله عليه وآله أو أحد الأئمة عليهم السلام وهو فاعل لطاعة أو آمر بها وناه عن معصية أو مبين لقبحها وقائل لحق أو داع إليه أو زاجر عن باطل أو ذام لما هو عليه وأما الذي اقطع على بطلانه فهو كل ما كان على ضد ذلك لعلمنا ان النبي والامام عليهما السلام صاحبا حق وصاحب الحق بعيد عن الباطل وأما الذي أجوز فيه الصحة والبطلان فهو المنام الذي يرى فيه النبي أو الامام عليهم السلام وليس هو آمرا ولا ناهيا ولا على حال يختص بالديانات مثل ان يراه راكبا أو ماشيا أو جالسا ونحو ذلك فاما الخبر الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتشبه بي فإنه إذا كان المراد به المنام يحمل على التخصيص دون ان يكون في حال ويكون المراد به القسم الأول من الثلاثة أقسام لأن الشيطان لا يتشبه بالنبي صلى الله عليه وآله في شئ من الحق والطاعات وأما ما روى عنه صلى الله عليه وآله من قوله من رآني نائما فكانما رآني يقظانا فإنه يحتمل وجهين أحدهما ان يكون المراد به رؤية المنام ويكون خاصا كالخبر الأول على القسم الذي قدمناه والثاني ان يكون أراد به رؤية اليقظة دون المنام ويكون قوله نائما حالا للنبي صلى الله عليه وآله وليست حالا لمن رآه فكأنه قال من رآني وانا نائم فكانما رآني وانا منتبه والفائدة في هذا المقام ان يعلمهم بأنه يدرك في الحالتين ادراكا واحدا فيمنعهم
ذلك إذا حضروا عنده وهو نائم ان يفيضوا فيما لا يحسن ان يذكروه بحضرته وهو منتبه وقد روى عنه صلى الله عليه وآله انه غفا ثم قام يصلي من غير تجديد الوضوء فسئل عن ذلك فقال اني لست كأحدكم تنام عيناي ولا ينام قلبي وجميع هذه الروايات أخبار آحاد فإن سلمت فعلى هذا المنهاج وقد كان شيخي رحمه الله يقول إذا جاز من بشر ان يدعي في اليقظة انه اله كفرعون ومن جرى مجراه مع قله حيلة البشر وزوال اللبس في اليقظة فما المانع من أن يدعي إبليس عند النائم بوسوسته له انه نبي مع تمكن إبليس بما لا يتمكن منه البشر وكثرة اللبس المعترض في المنام ومما يوضح لك ان من المنامات التي يتخيل للانسان انه قد رأى فيها رسول الله والأئمة صلوات الله عليهم منها ما هو حق ومنها ما هو باطل انك ترى الشيعي يقول رأيت في المنام رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يأمرني بالاقتداء به دون غيره ويعلمني انه خليفته من بعده وان أبا بكر وعمر وعثمان ظالموه وأعداؤه وينهاني عن موالاتهم ويأمرني بالبرائة منهم ونحو ذلك مما يختص بمذهب الشيعة ثم ترى الناصبي يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في النوم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وهو يأمرني بمحبتهم وينهاني عن بغضهم ويعلمني انهم أصحابه في الدنيا والآخرة وانهم ومعه في الجنة ونحو ذلك مما يختص بمذهب الناصبة فتعلم لا محالة ان أحد المنامين حق والاخر
باطل فأولى الأشياء ان يكون الحق منهما ما ثبت بالدليل في اليقظة على صحة ما تضمنه والباطل ما أوضحت الحجة عن فساده وبطلانه وليس يمكن للشيعي أن يقول للناصبي انك كذبت في قولك انك رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه يقدر أن يقول له مثل هذا بعينه وقد شاهدنا ناصبيا تشيع وأخبرنا في حال تشيعه بأنه يرى منامات بالضد مما كان يراه في حال نصبه فبان بذلك ان أحد المنامين باطل وانه من نتيجة حديث النفس أو من وسوسة إبليس ونحو ذلك وان المنام الصحيح هو لطف من الله تعالى بعيده على المعنى المتقدم وصفه وقولنا في المنام الصحيح ان الانسان إذا رأى في نومه النبي صلى الله عليه وآله إنما معناه انه كان
قد رآه وليس المراد به التحقيق في اتصال شعاع بصره بجسد النبي وأي بصر يدرك به حال نومه وإنما هي معانٍ تصورت في نفسه تخيل له فيها أمر لطف الله تعالى له به قام مقام العلم وليس هذا بمناف للخبر الذي روي من قوله من رآني فقد رآني لأن معناه فكانما رآني وليس بغلط في هذا المكان إلا عند من ليس له من عقله اعتبار..". انتهى كلامه.
الإيراد على دعوى السيِّد المرتضى تلميذ الشيخ المفيد رحمهما الله:
 ما أفاده برمته لا غبار عليه سوى دعواه بأن روايات رؤيا النبي في المنام هي من أخبار الآحاد فإنها غير سديدة، وقد نهج في ذلك منهاج السيِّد المرتضى في كتابه عدة رسائل حيث ادعى أن رواية رؤية النبي وآله في المنام هي من أخبار الآحاد إلا أن التحقيق عكس دعواه فإن أخبار رؤيتهم في المنام تجاوزت حدّ الإستفاضة وكلها بطرق صحيحة ومنها خبر الحسن بن فضال عن أبيه عن إمامنا الرضا عليه السلام  الذي أشرنا إليه في مطلع جوابنا وهو خبر صحيح مدعوم بأخبار أخرى صحيحة روى جملة منها المجلسي في البحار والطوسي في رجال الكشي، فأين الآحادية المدعاة...!؟
 إن صحيحة زرارة الواردة في رجال الكشي واضحة الدلالة في عدم حضور المعصوم عليه السلام على المخالفين لهم، وإليكم الخبر وهو صحيح سنداً قال رحمه الله: وجدت بخط جبرئيل بن أحمد حدثني محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن حماد بن عثمان عن زرارة قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : أخبرني عن حمزة  أيزعم أن أبي آتيه  ؟[ أي جاءه في المنام] قلت : نعم ، قال كذب والله ما يأتيه إلا المتكون ، إن إبليس سلط شيطانا يقال له : المتكون ، يأتي الناس في أي صورة شاء ، إن شاء في صورة كبيرة وإن شاء في صورة صغيرة ، ولا والله ما يستطيع أن يجئ في صورة أبي عليه السلام .
 الإمام الصادق عليه السلام وأرواحنا فداه يشير في ذيل الحديث بأن الشيطان لا يتلبس بصورتهم ولا يمكن أن يراه المخالف له أو لجده رسول الله صلى الله عليه وآله لأن إبليس لا يجيء بصورهم عليهم السلام على أحد من مخالفيهم أبداً ولا على شيعتهم المنحرفين إلا لغايات ومصالح كما أشرنا سابقاً؛ بمعنى أن الشيطان لعنه الله غير قادر على التصور بصورهم بأي شكلٍ من الأشكال...فليس لديه القدرة على ذلك فهو ممنوع عن الحضور في الرؤيا على أعوانه بصورة النبي وأهل بيته الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم، وفي المقابل إنهم عليهم السلام يحضرون بصورهم الشريفة على شيعتهم المخلصين نظير ما ورد في فروع الكافي ج 5 ص 23 ح3 بإسناده عن  محمد بن الحسن الطائي [ الطاطري - خ ل ] عمن ذكره عن علي بن النعمان عن سويد القلاء [ القلانسي - خ ل ] عن بشير الدهان عن أبي عبد اللَّه ( عليه السلام ) قال : قلت له إني رأيت في المنام أني قلت لك إن القتال مع غير الإمام المفروض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير فقلت لي نعم هو كذلك فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام « هو كذلك هو كذلك ». وهو مروي بنفس السند عن طريق  محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن على بن النعمان عن سويد عن بشير الدهان، فيخرج من الإرسال المتقدم، وقد جاء ذكره في سلسلة سند كامل الزيارات، فالرواية صحيحة سنداً، والصحيحة تشير إلى حرمة مشروعية الجهاد الابتدائي مع المدعي للإمامة كما هو الحال في عصرنا الحاضر تحت عنوان الوالي الشيعي يشن حروباً ابتدائية لتوسيع سلطته باسم التشيع، فالرواية واضحة في النهي عن الجهاد الابتدائي مع غير المعصوم ووجوبه مشروط بوجود الإمام ( عليه السلام ) وبسط يده أو من نصبه للجهاد تنصيباً خاصاً وقت خروج إمامنا الحجة القائم أرواحنا فداه ... وبشير الدهان كان من صحابة الإمام الصادق عليه السلام العاملين بأوامره ونواهيه سلام الله عليه فكان مجيء الإمام عليه السلام لبشير في المنام نوع تسديد له وتوفيق منه عليه السلام إليه كواحد من شيعتهم المخلصين...وهكذا الحال في خبر الفضل بن الحارث الآتي حيث رأى الإمام الحسن العسكري عليه السلام في المنام يعلمه ويرشده، والتعليم والإرشاد منهم إنما هو خاص بشيعتهم المخلصين لا المشككين البتريين والفاسقين الجاحدين، فمن أخلص لله تعالى ولهم كانوا سمعه وأذنه كما قال إمامنا الصادق عليه السلام:" إن لنا مع كل ولي لنا أذن سامعة وعين ناظرة » ...ولأجل هذا فليتنافس المتنافسون..! اللهم بجاه بمحمد وآل محمد ارزقنا من ثمار يقينهم وأزهار كراماتهم ومعاجزهم ولا تحرمنا.
    وكذلك روى الكشي عن أحمد بن علي بن كلثوم ، عن إسحاق بن محمد البصري عن الفضل بن الحارث قال : كنت بسر من رأى وقت خروج سيدي أبى الحسن - عليه السلام - ، فرأينا أبا محمد - عليه السلام - ماشياً قد شق ثيابه ، فجعلت أتعجب من جلالته وما هو له أهل ومن شدة اللون والأدمة ، واشفق عليه من التعب ! فلما كانت الليلة رأيته - عليه السلام - في منامي، فقال:" اللون الذي تعجبت منه اختيار من الله لخلقه يجريه كيف يشاء وإنها لعبرة لأولي الابصار ، لا يقع فيه غير المختبر ، ولسنا كالناس فنتعب كما يتعبون ، فنسأل الله الثبات ونتفكر في خلق الله ، فان فيه متسعا ، واعلم إن كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقضة " .
  هذه الأخبار الشريفة توضح لنا أن أئمة الهدى عليهم السلام لا يظهرون بصورهم الشريفة إلا على شيعتهم المخلصين أو غير المخلصين لحكم ومصالح تكوينية وتشريعية وغرشادية، وهكذا جدهم الرسول الأعظم وأمير المؤمنين علي وسيّدة نساء العالمين وابنتيهما عليهم السلام لأن النور لا يظهر إلا على النور حتى على سبيل صورهم المثالية فضلاً عن جواهرهم القدسية سلام الله عليهم أجمعين...هذا ما أحببنا ذكره في هذه العجالة ولله تعالى ولرسوله وحججه الطاهرين عليهم السلام المنّة والفضل والشكر، وهم حسبنا ونعم الوكيل، والسلام عليكم.
 
حررها كلبهم الباسط ذراعيه بالوصيد
محمَّد جميل حمُّود العاملي
بيروت بتاريخ 20 جمادى الثانية 1436هـ.

  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1161
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 04 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28