• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : الفقه .
              • القسم الفرعي : إستفتاءات وأجوبة .
                    • الموضوع : الإحسان إلى الوالدين واجبٌ شرعاً وعقلاً .

الإحسان إلى الوالدين واجبٌ شرعاً وعقلاً

الإسم: *****

النص: 
السلام عليكم 
  أرجو من الشيخ المرجع المفدي محمد جميل حمود العاملي الإجابه على السؤال التالي مع خالص الشكر والتقدير .
شيخنا الكريم لقد علمنا عقوبة عقوق الوالدين لكن سؤالي حول اساءة الوالدين للاولاد والتعامل مع بعضهم بصورة خاصه والآخر بصورة خشنه ومؤذيه وجافه وظالمه وأكثر من ذلك ما حكم ونظر الشرع بهكذا تعامل . دمتم سالمين بالحجج الاطهار عليهم السلام.

الموضوع الفقهي: الإحسان إلى الوالدين واجبٌ شرعاً وعقلاً / معنى الإحسان إلى الوالدين / كيف يجب أن يتصرف الولد مع والديه الظالمين له / الظلم قبيح ذاتاً / قد يظن الولد أن الوالدين ظالمان له في حين يكون هو الظالم لهما / على الولد أن يتحلم ويتصبر / على الولد أن يبحث عن السبب والعلَّة المؤدية إلى ظلم والديه له / يجب على الولد أن لا يركن إلى نفسه الأمارة بالسوء / تسعة تنبيهات مهمة حول العقوق والعصيان والإحسان.

بسمه تعالى
 
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أسأل المولى تبارك ذكره أن يحفظكم ويرعاكم ببركة مولانا الإمام الأعظم وليّ الأمر الحجَّة القائم (سلام الله عليه) وأرواحنا له الفداء، راجين منه أن يأخذ بأيديكم إلى شاطئ رحمته ونصرته والذود عنه؛ ونتمنى لكم التوفيق والسداد، وبعد:
الجواب: يجب الإحسان إلى الوالدين ولو كانا كافرين، فضلاً عن كونهما عاصيين أو ظالمين لأولادهما كما أشرتم في سؤالكم الكريم، ومعنى الإحسان أن لا يعاملهما بنفس المعاملة التي يعاملان به الولد، ومنه حفظ حقهما بالإنفاق عليهما ودفع الأذى عنهما، ونصرتهما في حقٍّ، ورعايتهما والإشفاق عليهما إلى آخر الحقوق الإنسانية والشرعية والعقلية..؛ إذ إن الإحسان إليهما من الواجبات الشرعية بمقتضى الآيات والأخبار الشريفة، ولو صدر منهما ظلمٌ على الولد، فيجب عليه النصح لهما بالموعظة الحسنة والكلمة الطيبة، فإن اقتنعا فهو خيرٌ وإلا فليصبر مهما أمكنه، وليحاول إرضاءهما بالطريقة التي تناسبهما من التواضع لهما والتذلل إليهما والمفاكهة معهما وجلب الهدايا لكسب ودهما ــ فيما لو كان ذلك سبباً لإرضائهما ــ والاستماع إليهما والأخذ بنصائحهما الخيّرة؛ وكما تعلمون حفظكم المولى تبارك وتعالى وسدَّد خطاكم أن الولد حينما يتواضع لوالديه، فإنه يحرز رضا الربّ والحجج الطاهرين (سلام الله عليهم)؛ أنهما والدان هما الأساس في إنجاب الولد إلى عالم الوجود فلهما حقُّ الاحترام والتقدير لتربيتهما للأولاد والشقاء والتعب من أجلهم، فلا يكافيهما الولد بالزجر والتأفف والتبرم بالعينين والوجه، والتلويح باليدين في وجههما، فضلاً عن الصراخ أو الضرب أو التهديد والتخويف والوعيد، وتضييع حقهما بالإنفاق عليهما وعدم نصرتهما في حقّ... إلخ؛ فإن ذلك كلّه حرام شرعاً وعقلاً، لأنه خلاق تأدية حق الإحسان إليهما بمقتضى الآيات والأخبار الشريفة؛ نعم لا يجوز إطاعتهما في المعاصي فيما لو أمرا الأولاد بفعل الحرام كإرتكاب المناهي وترك الواجبات، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق العظيم، ولو فعلا الحرام ، لا يجوز ضربهما ولا تهديدهما بالضرب والشتم والصراخ، بل يجب على الولد أن لا يطيعهما في الحرام مطلقاً، نعم يجب أن يهددهما بوعيد الله تعالى فيروي لهما عاقبة ارتكابهما الحرام...هذه هي الوظيفة الشرعية اتجاه الوالدين، وأيُّ إخلال فيما ذكرنا يكون عقوقاً يوجب دخول النار ( أعاذنا الله تعالى وإياكم منها).
   وبالجملة: إن ظلم الأبوين لأولادهما من الكبائر العظيمة ـــ كما تعلمون حفظكم المولى ــ ولهما عقاب شديد عند الله تعالى، فالظلم قبيح ذاتاً عقلاً وشرعاً؛ ولكن على الأولاد أن يسعوا إلى عدم ارتكاب ما يزعجهما ويعكر صفو عيشهما، ولعلَّ الأولاد هم السبب في تحريك الظلم عليهم من قبل الوالدين، وهذا لا يعني أن على الوالدين ظلم أولادهما...كلا ثم كلا ! ولكن على الولد أن يبحث في ذاته وسيرته عن السبب الذي أدَّى إلى ظلامته من قبل والديه؛ إذ إن الولد في كثيرٍ من الأحيان يقلل الأدب مع والديه، فيثير مشاعرهما فيؤدي إلى سخطهما والغلظة عليه، وأغلب الأولاد في زماننا هذا يلقون اللوم على الوالدين من دون النظر إلى أنفسهم الأمارة بالسوء...! ولو فرضنا أن الولد كان باراً مطيعاً إلا أن طبيعة الوالدين هي الإنطباع على الشر، فيجب على الولد ـــ والحال هذه ـــ أن يكون صبوراً حكيماً يعرف كيف يستوعب والديه اللذين سيبخعان إليه بتواضع مهما كانا متجبرين، لأن حنان الولد إليهما وعليهما يعطيهما درساً عملياً، ولا بدّ في خلواتهما من الإنابة ومراجعة حساباتهما، وبالتالي سوف يغيران من طريقة تعاملهما بقسوة مع الولد...فليبدأ الولد بنفسه فيلقنها درساً بالتأدب والصبر والحنان والتحلم والتصبر ــ إن لم يكن قادراً على الحلم والصبر النابعان من طبيعته اللينة ــ فيتصنع الحلم والصبر لإرضائهما في سبيل الله تعالى وحباً لله (تبارك ذكره) وحباً لاهل بيت العصمة والطهارة (سلام الله عليهم) وليجعل الصبر على ظلم والديه له في سبيل رضا الله تعالى ورضا وليّ الأمر إمام الزمان الحجَّة القائم (سلام الله عليه) و( أرواحنا له الفداء)، فإن الصبر على أذية الوالدين ـــ على فرض أنهما ظالمان له ـــ من أعظم الجهاد للنفس الأمارة بالسوء، فلا يطمئن الولد إلى نفسه الأمارة بالسوء، فيظن أنه على حقٍّ في الوقت الذي يكون فيه من أظلم الناس لوالديه...!! فيكون مصداقاً لقوله تبارك ذكره في محكم آياته الكريمة التالية:
  ( فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ)
  ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)
  (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ)
  (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ)
  فليكن المؤمن على بصيرة من أمره ولا يركن إلى نفسه الأمارة التي لو سمح لها بالتسويلات الشيطانية، لأهلكته وأقحمته موارد السوء وإسائة الظن بوالديه، فالولد يوماً ما سيكون أباً، وسوف يعرف قيمة والديه مهما كان نوعهما وجنسهما وفصلهما..!
 ولا بأس هنا أن نتوسع في الموضوع من باب الاستدلال على وجوب الإحسان إلى الوالدين ضمن  التنبيه على أمور هي الآتية:
 
    (التنبيه الأول): حرمة العقوق؛ فلا ريب في أن عقوق الأبوين من المحرمات والكبائر القادحة في العدالة؛ والعقوق جمع "عقّ" بمعنى "عصى وتمرد"؛ وقد صرح في النهاية والقاموس والمصباح المنير ومجمع البحرين بأن العقوق في الأصل من العق وهو الشق، وقال في الأول فيقال:" عق والده": إذا اذاه وعصاه وخرح عليه؛ ومن العقوق: الإساءة إلى الوالدين وأذيتهما والتضييع لحقهما وترك الاحسان إليهما .
 
    (التنبيه الثاني): هل يحرم أن يقال للوالدين أف أو لا ؟ نعم يعتبر عقوقاً، والمعتمد فيه هو قوله تعالى:« وقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ولا تَنْهَرْهُما وقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً » فان النهى حقيقة ظاهرٌ في التحريم، ولا معارض لها في آية أُخرى، فيجب العمل بالآية المتقدمة؛ ويؤيدها جملة من الروايات الصحيحة والضعيفة سنداً ، ولا يضر ضعفها السندي لكونها مدعومة بأخبار صحيحة؛ من هذه الأخبار ما جاء في رواية مجمع البيان مرسلاً عن الإمام الصادق عليه السلام قال:" أدنى العقوق أف، ولو علم الله بشئ أيسر منه أو أهون منه لنهى عنه". 
  وهذا المضمون وارد في عدة من الاخبار؛ وفى رواية أخرى مروية في مجمع البيان مرسلاً عن الإمام الرضا عليه السلام عن أبيه عن جده الإمام الصادق عليه السلام قال:" ولو علم الله لفظة أوجز في أقل عقوق الوالدين عن أف لأتى به".
   ويستفاد من هذه الاخبار كون ذلك كبيرة؛ ذلك لأنها من أبرز مصاديق الايذاء؛ فقد صرح في مجمع البيان بأن كلمة أف تدل على الضجر، وحكى عن بعض أنه حكى عن أبى عبيدة أنه قال: إن الآف والتف وسخ الأصابع إذا فتلته؛ وحكى عن بعض أنه حكى عن ابن عباس انه قال: هي كلة كراهة وحكى عن بعض تفسيرها بالسنن ويستفاد من النهى عن التأفيف المنع من سائر الأذى قياسا بطريق الأولى ولا معارض له فيلزم العمل به، ويدخل في ذلك الإهانة والزجر باغلاظ وصياح وغيرهما وقد فسر به في مجمع البيان والصافي وغيرهما النهر المنهى عنه بقوله تعالى:« ولا تَنْهَرْهُما »؛ وفسره المحدِّث الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره بالمخاصمة وهى أيضا حرام، وقيل معناه لا تمنعاهما من شئ اراداه شريطة أن يكون حلالاً، وفيه نظر بل الأقرب عدم تحريمه، والأف الوارد في الآية أقل غلظة من "النهر"، لأن النهر هو الصياح بغلظة بخلاف الأف فإنه تبرم خفيف يوجب الأذية والاستخفاف بهما، ومع ذلك فهو حرام؛ ويدخل في ذلك أيضا النظر إليها على وجه المقت؛ ويدل على حرمته بعض الاخبار الصحيحة أيضا فلا إشكال فيها .
 
  (التنبيه الثالث): هل يجوز إهانة الأبوين وايذاهما أو زجرهما وضربهما حيث يتوقف أمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر عليها أو لا ؟ 
 
     الجواب: الصحيح هو الثاني؛ أي: حرمة إهانتهما بالإيذاء والزجر والضرب فيما لو توقف أمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر على ذلك، والدليل عليه هو ظهور العمومات الدالة على حرمة المذكورات، ومن العمومات الدالة على وجوب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر المؤيدة بعموم قوله تعالى : « ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ » وبقوله تعالى : « وتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتَّقْوى » وبالاعتبار العقلي الدال على وجوب الامرين وبما دل على حرمة العقوق بناء على تفسيره بترك الاحسان وبما دل على رجحان برهما بناء على تفسيره بالاحسان، ومع ذلك كله؛ فهذه العمومات أكثر كتاباً وسنة وفتوى فهي بالترجيح أولى. 
 
  (التنبيه الرابع): هل يجوز الأمور المذكورة للتقية أو لا ؟ الأقرب هو الأول؛ أي: جواز المحذورات المتقدمة مع الوالدين في حال ألجأت التقية الولد إلى إهانتهما أو ضربهما حفاظاً على حياته أو حياتهما معاً؛ كما لو أمر الظالم القوي المستبد أن يضرب والده فينجو من القتل، فيتعارض حرمة أذية الوالد مع وجوب حفظ نفسه أو نفس والده، فيتعين الثاني؛ لأن العمومات الدالة على لزوم التقية أولى بالترجيح لاعتضادها بعموم قوله تعالى : « ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ » وبالعمومات الدالة على نفى الحرج والضرر .
 
  (التنبيه الخامس):هل يجوز الأمور المذكورة إذا رضى بها الوالدين تحنناً منهما ورأفة ورحمة عليهما من عذاب الآخرة، أو لا يجوز مطلقاً ؟  
 
     الجواب: لا يجوز ارتكاب المحذورات المتقدمة بحقِّ الوالدين حتى لو رضيا بذلك رأفة وتحنناً منهما على الوالد، وهكذا العكس؛ وذلك للإطلاقات المانعة عن أذيتهما حتى لو رضيا بذلك تحنناً منهما ورأفة بهما على الولد، فحقّ الله تعالى أولى من حقهما، وتشريعه حاكم على رضاهما. 
 
  (التنبيه السادس): هل يجوز للولد ارتكاب الأمور المتقدمة المذكورة لدفع الأذية والإهانة عن نفسه كما لو زجراه واهاناه وضرباه من غير استحقاق ــ كما هو مفروض سؤالكم ــ أو لا ؟
 
   الجواب: فيه إشكال؛ أي: يحرم ارتكاب المحذورات مع الوالدين لأجل دفع الأذية عن نفسه؛ وذلك لعموم الآية الشريفة المتقدمة وعموم قوله تعالى : « وصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً » وعموم قوله تعالى : « واخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ » وعموم أكثر الاخبار المتقدمة وقول الإمام الصادق (سلام الله عليه) في رواية أبى ولاد الحناط:" وإنْ أضجراك فلا تقل لهما أف، ولا تنهرهما إن ضرباك (وقل لهما قولاً كريماً) إنْ ضرباك فقل لهما غفر الله لكما فذلك منك قول كريم". نعم، يستثنى من الحرمة فيما لو أراد أحدهما قتل الولد أو طعنه بسكينمما يؤدي إلى إدخال الضرر الجسدي على الولد، فهنا يجب ردعهما بيده مهما أمكن من دون نية قتلهما؛ ففي النصوص أن الوالد لو قتل الولد لا يُقاد به ـــ أي لا يقتص من الوالد وإن كان مصيره نار جهنم؛ ويؤخذ منه ديته ومقدارها ثلاث كيلوات ونصف من الذهب؛ ولا يرث منها، بل تُعطى لورثة ولده الذي قتله، ويعاقب بتعزير ويدفع كفارة القتل ـــ في حين أن الولد إذا قتل والده فإنه يقاد به؛ أي: يقاد به ويقتص منه . وكذا الأم تقتل لو قتلت ابنها؛ ويقتل الإبن لو قتل أمه. والحكم المذكور متفق عليه بين عامة أعلام الإمامية، بلا خلاف بينهم؛ وقد دلت عليه النصوص النصوص المعتبرة المستفيضة بين الخاصة والعامة، منها قول أحدهما ( عليهما السلام ) في خبر حمران: ( لا يقاد والد بولده،  ويقتل الولد إذا قتل والده عمدا ) . وقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) في خبر الفضيل بن يسار: ( لا يقاد الرجل بولده إذا قتله ، ويقتل الولد إذا قتل والده ) .
  وعن كتاب ظريف ( قضى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قود لولد أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه فأصابه عيب من قطع وغيره وتكون له الدية ولا يقاد ) ومنه يعلم عدم الفرق بين النفس والطرف .
 
  (التنبيه السابع): يستفاد من ظواهر الآيات المتقدمة وجوب الاحسان إلى الوالدين وان يقول لهما قولا كريما وأن يصاحبهما في الدنيا بالمعروف وأن يخفض لهما جناح الذل من الرحمة ولم نجد لها معارضاً ــ من الآيات الشريفة ــ يعتد به فيجب المصير إليها؛ والمرجع في جميع ذلك إلى العرف؛ أي: يجب الإحسان إليهما بكلّ وسيلة يراها العرف مناسبة لإرضائهما وإدخال السرور عليهما شريطة أن يكون ذلك في دائرة الحلال وما يرضي الله والحجج المطهرين (سلام الله عليهم)؛ وهو ما ورد في خبر أبى ولاد:" بأن يحسن صحبتهما وأن لا يكلفهما شيئا مما يحتاجان إليه، إن سألاه وإن كان مستغنين..". وفسر الشيخ الطبرسي الإحسان إليهما بأن يخاطبهما بقول رقيق لطيف حسن جميل بعيد عن اللغو والقبيحح وكلا التفسيرين صحيحان وهما من مصاديق البر والإحسان إلى الوالدين.
 
  (التنبيه الثامن): يجب بر الوالدين حتى لو كانا كافرين أو فاسقين؛ فلا يجوز هجرهما أو التعرض لهما بأذى نفسي في غير الأمور الدينية، ويجوز أذيتهما النفسية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وهل يجوز للولد لعن والديه الكافرين أو الناصبيين، وهل يجب البراءة منهما في هذه الحال أم لا ؟
 
     والجواب: إعلم أن بر الوالدين بالنفقة واحتمال الصحة والكراهة غير مناف للعنهما والبراءة منهما إذا كانا كافرين أو ناصبيين، ويجب مجابهتهما، لأن حق الله تعالى وحججه الطاهرين (سلام الله عليهم) أوجب من احترامهما والإحسان إليهما؛ فبرهما بالنفقة وتحمل المشاق في سبيلهما في صحتهما ومرضهما؛ وليس هناك ملازمة بين شكر الكافر على نعمه وبين لعنه على كفره ، وإن كان الشكر معه ضرب من التعظيم ، فإن ذلك التعظيم غير مناف للاستخفاف على الكفر لاختلاف جهتهما.
 
  والخلاصة:إذا كانت للوالدين نعمة التربية والحضانة وغير ذلك ، وجب من إكرامهما وتعظيمهما ما يجب لكل منعم ، فإن اقترن بذلك منهما كفر وجب لعنهما بالكفر والبراءة منهما من أجله .
 
  (التنبيه التاسع): لا إشكال في أنه لا يجوز اطاعتهما في المعصية من ترك الواجب أو فعل الحرام، سواء كانت المعصية من الكفر أو الكبيرة أو الصغيرة وسواء ثبتت بالضرورة من الدين أو المذهب أو بغيرها من الأدلة المعتبرة شرعا ولو كانت ظنية وقد صرح بذلك أعلام الإمامية، والظاهر أنه مما لا خلاف فيه؛ ويدل عليه مضافا إلى ما ذكر العمومات الدالة على ذم العاصي مطلقاً واستحقاقه النار والحد والتعزير بصدور معصية الله تعالى، وكذا العمومات الدالة على وجوب الطاعة والتجنب عن المعصية وخصوص جملة من الاخبار منها خبر الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا عليه السلام قال:" بر الوالدين واجب وإن كانا مشركين ولا طاعة لهما في معصية الخالق عز وجل فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"؛ ومنها خبر صفوان عن الصادق عليه السلام والمروى عن نهج البلاغة والمروى عن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال:" لا تسخطوا الله برضا أحد من خلقه ولا تتقربوا من الناس بتباعد من الله". ومن ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وآله قال:" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". ومنها خبر أبى بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال:" من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد عبده".   وعن أحدهم عليه السلام قال: ما اتقى الله يتقى ، ومن أطاع الله يطاع ، وقال:" من أرضى الخالق لم يبال بسخط المخلوقين ومن أسخط الخالق فليتيقن أن يحلَّ الله عليه [ به] سخط المخلوقين ". والحمد لله ربّ العالمين؛ وفقكم الله لكلِّ خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حررها العبد الأحقر محمَّد جميل حمُّود العاملي
بيروت/بتاريخ 16 ذي الحجة 1437 هجري

  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1329
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 09 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28