• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : الفقه .
              • القسم الفرعي : إستفتاءات وأجوبة .
                    • الموضوع : ما هو الرأي الصائب في ولاية الفقيه وما هي الأدلة عليها؟ وهل هي خاصة أم عامة وما هو الرأي الصائب حول إقامة الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة الكبرى؟ .

ما هو الرأي الصائب في ولاية الفقيه وما هي الأدلة عليها؟ وهل هي خاصة أم عامة وما هو الرأي الصائب حول إقامة الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة الكبرى؟

الإسم: *****

النص: 
السلام عليكم 
بعد أن اطلعنا على المنهج و الفكر  الذي تبنيتموه القائم على الدليل والبرهان و في جهدكم و جهادكم في الدفاع عن التشيع الحقيقي و عن محمد و ال محمد صلوات الله عليهم . 
أحببنا أن نعرف الرأي الصائب في ولاية الفقيه مع أدلتها الشرعية وتفاصيلها من حيث إنها خاصة أم عامة وحول إقامة الحكومة الاسلامية والى ما هنالك . 
دمتم في رعاية الله والسلام عليكم

الموضوع الفقهي: ما هو الرأي الصائب في ولاية الفقيه وما هي الأدلة عليها؟ وهل هي خاصة أم عامة وما هو الرأي الصائب حول إقامة الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة الكبرى؟ / شكر وتقدير للسائل الكريم / إن للفقيه ولاية خاصة في ثلاثة موارد فقهية فقط:" القضاء والفتوى والأمور الحسبية" / توضيح معنى الولاية على الموارد الثلاثة / معنى الأمور الحسبية لغةً واصطلاحاً / أول من ادعى الولاية العامة لنفسه هو الشيخ النراقي / المنشأ الفقهي في تأسيس ولاية الفقيه / لا وجه للملازمة بين إقامة الدولة وولاية الفقيه المطلقة / إفحامنا الحجَّة لقاضي محكمة الروحانيين في قم / قادة الأنظمة الإسلامية والأحزاب لا يعجبهم عهد مالك الأشتر الذي سنّه أمير المؤمنين عليه السلام / من أين لكم هذا يا قادة الأحزاب / إشكال وحل / الإيراد الإجمالي على دعوى ولاية الفقيه العامة / زبدة ما استدل به أصحاب نظرية الولاية المطلقة مبنيٌ على تصورين / تقرير التصورين / الإيراد على التصورين المذكورين / بطلان التصور الأول بوجوهٍ متعددة / بطلان التصور الثاني بوجوهٍ متعددة  / دعوى ورد / رواية علي بن مهزيار لا دلالة فيها على الولاية المطلقة للفقهاء / الإيراد على الإستدلال برواية ابن مهزيار بأربعة وجوه / تحليل فقهاء الولاية والخمس للمخالفين.

بسمه تعالى
 
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
   نشكر تقديركم للعبد الأحقر، فجزاكم الله تعالى خيراً وأصلح بالكم وأعلى مقامكم ، وجعلكم ممن ينتصر به لدينه القويم، وأرجو الله عظيم العظماء (تبارك شأنه) أن تكونوا يداً طولى بالفكر والعقيدة والفقه في محاربة البتريين والنواصب من الشيعة والمخالفين المعاندين، فإن جهادهم أفضل عند الله تعالى من جهاد الترك والديلم والروم بحسب ما دلت عليه أخبارنا الشريفة، وفقكم الله تعالى وألهمكم اليقين بحق النبيّ وآله الأطهار الميامين (سلام الله عليهم أجمعين) ...وبعدُ.
  الجواب: إنَّ كلَّ ما سألتم عنه حول ولاية الفقيه تجدونه في كتابنا الموسوم بـ" ولاية الفقيه العامة في الميزان" المنشور على الموقع الإلكتروني فليراجع، ولكن نجيبكم باختصار حول ماهية ولاية الفقيه وما هو المسموح به للفقيه من غير المسموح، بما يلي:
   إن للفقيه العادل العارف بآل محمَّد (عليهم السلام) والمتبرئ من أعدائهم، ولاية خاصة (جزئية) في ثلاثة موارد فقط اعتبرها الفقهاء ــ قديماً وحديثاً ــ قَدْراً متيقناً في لسان الأدلة القطعية، وما عداها مشكوك منفيٌّ بالأصل؛ وهذه الموارد هي التالي:
1 ــ القضاء؛ وذلك للفصل بين المتخاصمين والمتنازعين على حقوق مالية وغيرها مما يوجب الخلاف والخصومة.
2 ـــ الفتوى؛ وذلك لاستنباط الحكم الشرعي من المدارك المقررة في الكتاب والأخبار الشريفة .
3 ـــ الأمور الحسبيَّة؛ وهي التي تؤتى حِسْبَةً وقربةً إلى الله تعالى، والحِسْبَة بمعنى أن هناك أموراً لا بدَّ من القيام بها خارجاً تحت إشراف الفقيه العادل، فيقوم برعايتها من باب التقرب إلى الله تعالى بالحفاظ عليها من الإندثار والفناء.
   وبعبارةٍ أُخرى: إن الأمور الحسبيَّة هي الأمور الأمور الخارجية التي لا مناص من أن تتحقق في الخارج كالتصرف بحفظ أموال القصر واليتامى في حال لم يكن هناك وصيّ من قبل الميت على رعاية شؤونهم والقيام بما يرجع إلى حفظ مصالحهم، لكن لا على نحو الولاية العامة بحيث يتصرف بأموالهم وذواتهم كيفما يشاء، بل على نحو الولاية الجزئية الحسبية، ويطلق عليها ولاية التصرف بالحفظ والرعاية فقط وليست للفقيه ولاية على التصرف المطلق بالمعنى المدَّعى في منهج ولاية الفقيه المطلقة؛ إذ إن الاصل يقتضي عدم نفوذ تصرفات الفقيه في بيعه لمال القصّر أو اليتامى أو الغائبين أو تزويجه الصغير والصغيرة، إلا أنه لمّا كان نفوذ تصرفه في هذه الأمور يعتبر من الأمور الحسبية ولم يكن بد من وقوعها في الخارج، كشف ذلك كشفاً قطعياً عن رضى المالك الحقيقي وهو الله تبارك وتعالى الذي جعل ذلك التصرف نافذاً حقيقة. 
   والأمور الحسبية التي لا بُدَّ للفقيه العادل من القيام بها في حال فقدان الوصيّ من قبل الميت لأحد المؤمنين الأتقياء على رعاية شؤون اليتامى والمجانين والقاصرين والأوقاف العامة والخاصة التي لا قيّم عليها من قبل المؤمنين وغيرها من الأموال العامة التي لا أحد يرعاها ويقوم بشؤونها حتى لا تضيع، فلا يجوز إهمالها أبداً؛ بل لا بُدَّ للمؤمنين الورعين من أن يقوموا برعايتها والحفاظ عليها، وأفضل المؤمنين هو الفقيه الجامع للشرائط التي من أهمها أن يكون موالياً لأهل البيت عليهم السلام ومعادياً لأعدائهم من أتباع السقيفة ولا يكون من دعاة الوحدة بين الحق والباطل، كما يشترط فيه الزهد بأموال الناس وحطام الدنيا..إلى آخر ما اشترطناه في رسالتنا العملية في باب الاجتهاد والتقليد، وكما أوضحناها بشكلٍ تفصيلي في بعض أجوبتنا على بعض المسائل حول ولاية الفقيه في موقعنا الإلكتروني.
  والحاصل: إن للفقيه الجامع للشرائط ولاية جزئية على الأمور الحسبية التي لا يجوز تركها وإهمالها حتى لا تكون إلعوبةً في أيدي الفساق والمنحرفين والطامعين، فيأكلون أموال اليتامى والأوقاف العامة كالأراضي والمؤسسات والبيوت والأموال والمصحات والمستشفيات وكل ما يكون موقوفاً على الفقراء والمساكين وغيرهم...والمشهور بين الأعلام قديماً وحديثاً أنه ليس للفقيه ولاية عامة ؛ بينما ذهب شرذمة قليلة إلى الولاية العامة للفقيه ، وأول من ادَّعاها لنفسه هو الشيخ أحمد بن بن مهدي النراقي المتوفى عام 1245 هجري في كتابه (مستند الشيعة) المؤسس الأول للولاية العامة الفقيه؛ وقد ترقّى السيِّد الخميني فادَّعى لنفسه الولاية المطلقة، وكلا الولايتين ــ العامة والمطلقة ــ بدعة مستحدثة، والبدعة محرَّمة شرعاً، لأنها الضلال بعينه وصاحبها صنمٌ يُعْبَد من دون الله تعالى؛ إذ إن الإطاعة المطلقة للفقيه تستلزم الصنمية المطلقة وهي عبادة للشخص من خلال تصديقه في كلّ شيء ؛ ففي صحيحة  محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن أيوب ، عن أبي عقيلة الصيرفي قال : حدثنا كرام ، عن أبي حمزة الثمالي قال : قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : إياك والرئاسة وإياك أن تطأ أعقاب الرجال ، قال : قلت : جعلت فداك أما الرئاسة فقد عرفتها وأما أن أطأ أعقاب الرجال فما ثلثا ما في يدي إلا مما وطئت أعقاب الرجال! فقال لي : ليس حيث تذهب ، إياك أن تنصب رجلاً دون الحجة ، فتصدقه في كل ما قال ".
   وفي موثقة عبد الله بن مسكان قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول :" إياكم وهؤلاء الرؤساء الذين يترأسون، فوالله ما خفقت النعال خلف رجل إلا هلك وأهلك ".
    والمنشأ الفقهي لولاية الفقيه بشقيها (الولاية العامة والمطلقة) هو منهج مدرسة السقيفة التي جعلت الحاكم ــ سواء أكان فقيهاً أم سلطاناً ــ هو القائم بشؤون المسلمين وأموالهم وأعراضهم ودماءهم، يتصرف بهم كيفما شاء وأنَّى شاء وساعة يشاء، ولفقوا شعاراً نسبوه إلى النبيّ الأعظم صلَّى الله عليه وآله بقوله:" أطع الحاكم ولو ضرب ظهرك بالسياط"؛ وقد أسسها هؤلاء لكي يستطيعوا أن يتصرفوا بمقدرات الأمة والتلاعب بمصيرها كما سبق منّا بيانه في كتابنا الجليل "ولاية الفقيه العامة في الميزان"، ومن لوازمها الباطلة إقامة دولة إسلامية في غيبة إمامنا المعظَّم الحُجَّة القائم (صلوات الله وسلامه عليه) (وأرواحنا له الفداء) حيث ربط السيِّد الخميني بين ولاية الفقيه وبين إقامة الدولة الإسلاميَّة، وهو ربط فاسد؛ إذ يمكن للفقيه أو غير الفقيه أن يقيمَ دولة عادلة ولا تكون له تلك الولاية العامة أو المطلقة، فتنتصف دولته للمظلوم من الظالم وتوزع العطاء على الفقراء والمساكين والمحتاجين وتوفر سبل العيش الرغيد وتؤمِّن فرص العمل للشباب العاطلين عن العمل وتؤمن الضمان الاجتماعي للعجائز والمرضى وتوفر الضمان الصحي والقروض الميسرة لتأمين مسكن لمن أراد الزواج والمسكن لذي العيال وتعفيهم من الرسوم والضرائب وتفسح المجال لحرية الرأي السياسي والفقهي للأعلام الموالين والمفكرين والمثقفين، وتقبل النقد والتصحيح...وكل ذلك لم نجده في الدولة الخمينية الحالية منذ نشأتها والتي طالما وعد بها السيِّد الخميني قبل اعتلائه لسدَّةِ الحكم، إذ إن أكثر ما وجدناه في هذه الدولة هو العكس تماماً، فقد اختلفت النظرية عن التطبيق اختلافاً كليَّاً؛ وقد عشنا شطراً من حياتنا في إيران أيام دراستنا للعلوم الدينية في قم، فلم تمد لنا الدولة يد العون، لأننا لم نبايع الفقيه الوالي كما فعل غيرنا فعاشوا حياتهم في يسرٍ وبحبوحة..! وما لمسناه بالوجدان يوم إقامتنا في قم هو العكس، فقد قطعوا عنا الماء والكهرباء لأننا لم ندفع فاتورة شهر واحد بسبب ضيقنا المالي، فأحالونا إلى محكمة الروحانيين، فسحبوا منا جوازي سفري وعيالي وأرادوا حبسنا وعيالنا لأننا نسينا تجديد الإقامة، واحتجينا على قاضي المحكمة يومذاك بأننا نسينا تجديد الإقامة منذ ثلاثة أيام فقط فما المشكلة في ذلك فكلنا معرَّضون للنسيان حتى أنت أيها القاضي، والله تعالى لا يؤاخذ الناسي حتى لو ترك الصلاة نسياناً، ألم تقرأ أيها القاضي حديث الرفع الوارد عن النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) حيث قال :"رفع عن أمتي تسعة: الخطأ ، والنسيان ، وما أكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطروا إليه ، والحسد ، والطيرة ، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة "؛ وإذا كان حبسنا لجرمٍ ارتكبناه فما ذنب العيال..؟ فكان ردُّه علينا:" لا يجوز لك أن تنسى قوانين الدولة الإسلامية، فيجب حبسك مع زوجتك لكي لا تنسى في المستقبل، ولمَّا ألزمناه الحجة بالدليل والبرهان أمام الناس في المحكمة ظهر العجز على صفحات وجهه وهمَّ بضربنا لولا تدَّخُل حراسه وبعض الموظفين في المحكمة فمنعوه من الوصول إليَّ، ثم أخذوني إلى غرفة أخرى واعتذروا منا بعدما انبهروا بمحاجتنا له وأجازونا بالإقامة قائلين لنا:" نشكرك لأنك لقنته درساً لم يجرأ عليه أحد ، فإنه ظالم وسيء الخلق ولم نقدر على الاعتراض عليه بشيء لأنه مدعوم من الهيئة العليا للمحكمة في طهران...! هذا هو قاضي الدولة الإسلامية الموعودة التي اعتبرها الخميني في تصريح له مسجَّل يقول فيه:" إن حفظ الجمهورية الإسلامية الإيرانية أهم من حفظ كلّ الأنفس حتى نفس الإمام المهدي عليه السلام...!!
    وكنا نرى في قم المئات من الأرامل واليتامى والفقراء يتسكعون على أبواب مقام السيّدة الطاهرة مولاتنا فاطمة بنت الإمام الكاظم عليه السلام وأبواب المراجع وفي الأزقة والطرقات والأسواق...ولا يزال الحال على ما تركناه منذ عشرين سنة..!! فهل أن الدولة الإسلامية الإيرانية تنقصها الأموال لإعالة هؤلاء الفقراء والمساكين حتى يتسكعون على الطرقات بلا مأوى ولا طعام...؟ وهل أن الإنفاق على المنظمات الحزبية في العالم الشيعي وغيره ــ التي يبذخ النظام الإيراني بنثر الأموال على رؤوس قادتها ومحازبيهم يملؤون كروشهم من أموال التشيع وأموال الشعب ــ أهم من إطعام الفقراء وكفالتهم وإعالتهم..؟! وقد كان أمير المؤمنين الإمام الأعظم أسد الله الغالب مولانا عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليه) يكنس كلّ يوم بيت مال المسلمين بعدما يوزع ما فيه على الفقراء والمساكين...وكان شعاره الرفيع (أرواحنا له الفداء) في كلمته العالية المضامين ضمن كتاب وجهه إلى عامله عثمان بن حنيف في البصرة : « أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى ، وأكباد حرى ، أو أكون كما قال القائل : وحسبك داءً أن تبيت ببطنة  **   وحولك أكباد تحن إلى القدِّ ". 
 ولا بأس بأن ننقل كلام مولانا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام بكامله عسى أن نلقي الحجة على القادة والحكام في إيران وغيرها، فإن لله الحجة البالغة؛ قال (سلام الله عليه) لوكيله عثمان بن حنيف في البصرة:
  [ أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ - فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ - دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا - تُسْتَطَابُ لَكَ الأَلْوَانُ وتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ - ومَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ - عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ - فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُه مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ - فَمَا اشْتَبَه عَلَيْكَ عِلْمُه فَالْفِظْه - ومَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِه فَنَلْ مِنْه - أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِه - ويَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِه - أَلَا وإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاه بِطِمْرَيْه - ومِنْ طُعْمِه بِقُرْصَيْه - أَلَا وإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ - ولَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ واجْتِهَادٍ وعِفَّةٍ وسَدَادٍ - فَوَاللَّه مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً - ولَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً - ولَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً - ولَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً - ولَا أَخَذْتُ مِنْه إِلَّا كَقُوتِ أَتَانٍ دَبِرَةٍ - ولَهِيَ فِي عَيْنِي أَوْهَى وأَوْهَنُ مِنْ عَفْصَةٍ مَقِرَةٍ بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْه السَّمَاءُ - فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ - وسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ - ونِعْمَ الْحَكَمُ اللَّه - ومَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ وغَيْرِ فَدَكٍ - والنَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِه آثَارُهَا - وتَغِيبُ أَخْبَارُهَا - وحُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا وأَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا - لأَضْغَطَهَا الْحَجَرُ والْمَدَرُ - وسَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ - وإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى - لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الأَكْبَرِ - وتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ ولَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ - ولُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ ونَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ - ولَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ - ويَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الأَطْعِمَةِ - ولَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَه فِي الْقُرْصِ - ولَا عَهْدَ لَه بِالشِّبَعِ - أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى - وأَكْبَادٌ حَرَّى أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ - وحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ وحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ - أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ لي هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ولَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِه الدَّهْرِ - أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ - فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ - كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا - أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا - تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا - أَوْ أُتْرَكَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً - أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ وكَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ - إِذَا كَانَ هَذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ - فَقَدْ قَعَدَ بِه الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الأَقْرَانِ - ومُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ - أَلَا وإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً - والرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً - والنَّابِتَاتِ الْعِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً وأَبْطَأُ خُمُوداً - . وأَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّه كَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ - والذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ - واللَّه لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا - ولَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا – وسَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ - والْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ - حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ...].
   بالله عليكم هل وجدتم أحداً من رجال الدين الذين يحكمون الشيعة اليوم في إيران والعراق ولبنان... يقتدي بأمير المؤمنين عليّ عليه السلام في عقيدته ومسلكه وزهده وورعه..؟! هل رأيتم أحداً من قادة الأحزاب والحكام من يقبل موعظة أحدٍ من الحكماء والعلماء..؟ وهل رأيتم حاكماً يجول في الطرقات وسكك البيوت مفتشياً عن فقير ليقدِّم له العون كما كان يفعل مولانا أمير المؤمنين عليّ (سلام الله عليه)..؟ كلا ثم كلا !! لن تحلم البشرية بقائدٍ عظيم مثل قائدنا وزعيمنا وحكيمنا أمير المؤمنين عليّ وأولاده الغر الميامين (صلوات الله عليهم أجمعين)..!!
    إنَّ قادة الدولة في إيران وأعوانهم من قادة الأحزاب الدعوتية والولايتية في لبنان والعراق والبحرين والكويت واليمن يملك كلّ واحد منهم ملايين الدولارات مدخراً لها في بنوك أمريكا الشيطان الأكبر ــ كما يسميها أتباع النظام ــ وفي بنوك أميركا الجنوبية والشمالية وأوروبا كسويسرا وجنيف ولندن والنمسا وبلجيكا...ضارباً عرض الجدار سيرة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) القائمة على مد يد العون للفقراء والمحتاجين، فهم لم يسدوا الرمق بالإطعام بل كانوا يعطون الأموال إلى حدِّ الإغناء حتى لا يتكفف الفقير بعد أكله الزاد...فقادة العصر من الشيعة صاروا كغيرهم من الحكام همهم بطونهم وجيوبهم لتأمين حياة رغيدة لهم ولعيالهم وأحفادهم وبطانتهم..! وإذا ما قام عالم يبدي النصيحة لهم أو الإنكار عليهم، قاموا إليه كالسباع الضارية والذئاب المفترسة، يتناوشون سمعته ويفتون بقتله فكأن الرحمة قد انتزعت من قلوبهم، فلبسوا الجلود على قلوب السباع...!! ولم يقتصر تجميع الأموال على قادة الأحزاب فحسب، بل تعداه إلى عمائم ــ لا تحسن تفسير مسألة فقهية في رسالة عملية ــ ركبت الموجة لتسلم السلطة والرياسة، فعقدت صفقات وعلاقات مع دول غربية وسعودية، فملأت تلك الدول جيوبهم بالأموال حتى صار الرويبضة يتكلم بأمور العامة ويفتي هنا وهناك بغير علم لكي ينخر في جسم التشيع ويبث السموم في الأوساط الشعبية التي تعوم على شبر من ماء وهي مستعدة للتضحية في سبيل كلّ من وفّر لها لقمة العيش والحياة الرغيدة...وإن عشت أراك الدهر عجباً !!! 
    إنْ قال لنا أحدٌ من قادتهم: ليس بإمكان الدولة في إيران تأمين حاجات كل الفقراء فيها وهم يعدون بالملايين ؛ فينتفي الإشكال الذي قدمتموه !
  والجواب: إنكم تنفقون بليارات الدولارات على الأحزاب اليسارية واليمينية والعمرية...إلخ ولم تنقص خزائنكم من العطاء ولم تتبرموا من كثرة السخاء لمجرد أنهم أدوات لكم وسطوة بأيديكم على تنفيذ مشاريعكم ، فبدلاً من السخاء على هؤلاء يجب أن تسخوا على فقرائكم من الشيعة فإنهم أحق بالإنفاق والعطاء، ولو سلّمنا جدلاً بأنكم غير قادرين على البذل على عامة الفقراء في بلدكم إلا أنه يمكنكم التعويض عليهم بالقروض الميسرة من دون فوائد ولا يمكن لأية دولة تملك الثروات ثم تدعي أنها غير قادرة على حلّ مشكلة فقرائها ومحتاجيها... فها هي سريسرا وهي دولة لا تعتقد بالإسلام ولا بالتشيع ولا يوجد فيها فقير واحد بالرغم من قلة مصادرها الطبيعية...فكيف وجدت حلاً لفقرائها ولم تجد دولة الإسلام حلاً لفقرائها مع ما تملك من مخزون نفطي وغازي كبيرين يفوق مخزون الدول النفطية العربية...ولو أن قادة هذه الدولة وأحزابها في الشرق والغرب جمعوا ثرواتهم التي جمعوها من خزينة بيت مال الشيعة والثروات الوطنية كالنفط والغاز والتجارات وغيرها لأشبعوا وكسوا وآووا عامة الفقراء في بلاد التشيع فضلاً عن عامة الفقراء في أفريقيا والهند وباكستان...!! والعاقل يسأل: من أين حصل قادة الحزب في لبنان على مليارات الدولارات التي قد استودعها هؤلاء عند التاجر صلاح عز الدين ثم تبخرت بإفلاسه التجاري إبان النكسة المالية العالمية منذ سنين..؟! هل حصلوا عليها من مناجم ذهب آبائهم وأجدادهم في أفريقيا والبرازيل والمكسيك...؟!! بلى..! لقد حصلوا عليها من أموال الفقراء والصدقات والتبرعات من دول الخليج لشيعة لبنان بعد حرب تموز، واحتكروا أموال الخمس والأنفال الخاصة بالإمام عليه السلام كالنفط والغاز والثروات الطبيعية الدولة الإيرانية..!! 
وبالغضِّ عن  ذلك كلّه؛ فأين حق الضمان الإجتماعي وأين إنصاف المظلومين وأين توفير فرص العمل للفقراء والمساكين..وأين وأين...مما رفعوا شعاره قبل حكمهم في إيران..فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون..!!
    زبدة المخض: لم يثبت بدليلٍ معتبر ثبوت ولاية عامة ولا مطلقة للفقيه، وما اعتمده أصحابها ــ تصوراً منهم أنها أدلة ــ  دونه خرط القتاد، ولا يعدو كونه مجرد ظنون عامية منشؤها المنهج العمري القائم على الأقيسة والاستحسانات العقلية المنهي عنها في الآيات والأخبار الشريفة، وقد فندنا دعائمها في كتابنا "ولاية الفقيه العامة في الميزان" وهو كتاب أزعج النظام الإيراني وحزبه في لبنان، فهجموا على دارنا في 12 نيسان من عام 2011م وقد ترافق اعتداؤهم علينا لما نشرنا على موقعنا كتاب " خيانة عائشة بين الاستحالة والواقع " فكان ذريعة للاعتداء علينا بحُجَّة أننا نسلِّط تنظيم القاعدة على الشيعة ــ مع أن تنظيم القاعدة كانت سيوفه ورماحه توغل في رقاب رجال الشيعة وأطفالهم، وكانوا يتناوبون على اغتصاب نساء الشيعة في العراق وأفغانستان وباكستان، وكان أولاد أسامة بن لادن معززين مكرَّمين في قصور وبيوت فخمة مكيفة في طهران وتنفق عليهم الدولة الشيعية الإيرانية ملايين الدولارات ــ وقد بعثوا لنا برسالة تتضمن أن الاعتداء علينا لأجل كتابنا"ولاية الفقيه.." لأنه أوجد اضطراباً في أوساطهم العلمية المشيخية وقواعدهم الشعبية؛ فبدلاً من أن يردوا علينا بكتابٍ، فنرد الصاع صاعين؛ ردوا علينا باعتداء..فاستباحوا منزلنا وروَّعوا عيالنا وبطشوا بأحد طلابنا واغتصبوا مالنا وهددونا بالقتل، وكان أحدهم ينبح كالكلب على بابنا بأنه ينتظر الأمر الإلهي من نصر الله ليفعل بنا ما لم يفعله بعنصر من عناصر داعش والنصرة..!! فأين هي حرمة العلماء واحترامهم..؟! وأين هي حرية التعبير بالرأي الصحيح الذي يدَّعي ــ النظام الولايتي ــ توفره في أوساطه العلمية والشعبية في إيران وخارجها...!! مع التأكيد على أن نظام الولاية في إيران لا يسمح لأيّ عالم أو فقيه بالإيراد على أخطاء الوالي الحاكم عندهم أو أحد مساعدية في إيران وخارجهان فضلاً عن تفنيد الأدلة التي اعتمدها أصحاب نظرية الولاية المطلقة، بالرغم من كونها مسألة فقهية ولسيت مسألة سياسية بحتة...!
   إن الفقيه العادل عبدٌ مأمور لا يملك من أمر الشريعة شيئاً ــ سوى الحفاظ على الشريعة ومصالح الفقراء والأوقاف كما أشرنا أعلاه ــ بل لا يملك حرية التصرف بنفسه، فضلاً عن أن تكون له ولاية على غيره من المكلَّفين فيتصرف بأموالهم وأعراضهم ودمائهم كيفما شاء وحيث يشاء بدعوى أنه نائب الإمام المهديّ (عليه السلام وأرواحنا له الفداء) وأن للنائب صلاحية تامة بالتصرف في كلِّ شيء ( في الأحكام والعقائد والحجر والمدر والشجر والحيوان والبشر)..!! كلا وألف كلا!! الفقيه ليس نائباً عن الإمام عليه السلام في تحليل الحرام وتحريم الحلال وقلب الموازين الدينية والفقهية لأجل مصالحه الشخصية أو النوعية السياسية والمزاجية كالوحدة بين الحق والباطل بتذويب الفوارق المذهبية عبر التنازل عن ضروريات ديننا ومعالم تشيعنا المقدَّس...وقد أوضحنا ذلك بتفصيل مهم في الفصل الأول ــ حول معالم البترية ــ من كتابنا" الحقيقة الغراء في تفضيل الصدّيقة الكبرى زينب الحوراء على مريم العذراء عليهما السلام" فليراجع.
  إن سفراء الإمام المعظَّم الحُجَّة القائم (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) في الغيبة الصغرى ــ وقد امتدت سفارتهم حوالي السبعين عاماً ــ كانوا وكلاءه الخواص وصفوة الشيعة في الغيبة الصغرى، ولم تكن سفارتهم ونيابتهم بتلك السعة في الولاية والنيابة عن الإمام الحجة القائم (صلوات الله وسلامه عليه)، ولو كان للفقيه تلك السعة، لكان سفراؤه (رضي الله عنهم) في غيبته الصغرى أولى بها من الفقهاء في الغيبة الكبرى بالرغم من حاجة الظرف إلى توسعة ولايتهم بتحليل الحرام درءاً لهدر دماء الشيعة يومذاك حيث كانوا يعيشون تحت سنابك التقية ، ومع هذا كلّه، لم ترد من الإمام المهدي (سلام الله عليه) أوامر لهم بقلب الحلال إلى حرام وبالعكس لأجل الظروف الوقتية التي يدَّعي الخميني كونها مبرراً له في قلب العناوين الأولية في الفقه الشيعي إلى عناوين أخرى معاكسة لها، ما يعني أن الولاية المطلقة التي ابتدعها الخميني ليست سوى مجرد بدعة استحدثها ليشرّع أحكاماً جديدة تتوافق مع تطلعات دولته التي بناها لينعم المخالفون بأموالها ويُحْرَم منها الشيعة المستضعفون...ذلك كلّه على حساب التشيع وأحكامه وعقائده...!
 
    الإيراد الإجمالي على ولاية الفقيه المطلقة: إن فكرة ولاية الفقيه العامة والمطلقة قائمة على تصورات متعددة هزيلة لا قيمة لها في ميزان التحقيق الفقهي والكلامي، وأهمها عند الولايتيين تصوران هما التالي:
 
(التصور الأول): أن للفقيه ولاية عامة على النفوس والأموال والدماء وعلى عامة التصرفات الفردية والنوعيّة، بحجة وجود أخبارٍ دالة على ذلك، منها ما جاء في مقبولة عمر بن حنظلة عن إمامنا الصادق عليه السلام في حديث طويل قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا تكون بينهما منازعة في دَيْنٍ أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القاضي أيحل ذلك ؟ قال عليه السلام :" من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتاً ، لأنه أخذ بحكم الطاغوت وقد أمر الله عز وجل أن يكفر بها قلت : كيف يصنعان ؟ قال : أنظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا فليرتضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله..".
  لقد استدل الخميني لإثبات الولاية العامة على الموارد الثلاثة التي أشرنا إليها أعلاه بقول الإمام عليه السلام " إني قد جعلته عليكم حاكماً "، حيث ادّعى الخميني بأن كلمة "حاكماً " تعني كونه قيّماً على كل شيء، والقيوميَّة تعني الحاكمية على الأفراد والجماعات من دون تمييز بين الموارد الثلاثة (الأنفس ــ الأموال ــ الدماء ) وبين القضاء الوارد في الرواية؛ وقد ملأ السيد الخميني كتبه الفقهية ومحاضراته في الاستدلال على ولايته المبتدَعَة ـــ ككتاب الحكومة الإسلامية ـــ وبحث الولاية من كتاب البيع /الجزء الثاني ـــ وصحيفة النور ج 20 ص 366. 
  ومن جملة ما قاله الخميني في كتاب "الحكومة الإسلامية ص 50نشر دار الأعلمي الطبعة الأولى":إنّ ولاية الفقيه هي نفس ولاية المعصوم ، فلا فرق بين ولاية المعصوم وولاية الفقيه العادل من حيث العموم والشمول ، أجل ، إنّ منـزلة المعصوم أرفع من منـزلة الفقيه ، ولكن وظيفتهما واحدة حتى في السلطة والإمارة ، وهل هناك فرق بين ولاية المعصوم على الصغار وولاية الفقيه مثلاً ؟ وإذا فرضنا النبي والإمام عليهما السَّلام قيمين على الصغار فإنّ مهمتهما في هذا المجال واحدة كمّاً وكيفاً ، لا تختلف عن أيّ فردٍ عادي آخر إذا عُيّن للقيومية على نفس أولئك الصغار ، وكذلك قيوميتهما على الأمّة بأسرها من الناحية العمليّة لا تختلف عن قيوميّة أي فقيه عالم عادل في زمن الغيبة ...".
(التصور الثاني): أن ولاية الفقيه المطلقة مستمدة من سعة ولاية النبي وأهل بيته الأطهار (سلام الله عليهم)، فكما يجوز للنبيِّ وأهل بيته الطاهرين (سلام الله عليهم) أن يحللوا الحرام ويحرموا الحلال، فكذا يجوز ذلك للفقيه في عصر الغيبة الكبرى، لوحدة الملاك أو المناط وهي المصلحة التي يراها الفقيه تماماً كما يراها النبيُّ والوليُّ (عليهما السلام).
    لقد ظنَّ الخميني أن ولايته مطلقة من حيثية حاكميتها على عامة الأحكام الشرعية حيث يمكنه أن يعطلها إذا اقتضت المصلحة، مع أنها مصلحة غير مشروعة أبداً ليست للنبي ولا لأهل بيته الطاهرين عليهم السلام، فكيف تكون له..؟! ومن جملة ما قاله في هذا الصدد ــ في صحيفة النور موجهاً الخطاب للخامنئي ــ هو التالي:[ إنّ ولاية الفقهاء المطلَقة هي نفس الولاية التي أعطاها الله إلى نبيّه الكريم والأئمّة عليهم السَّلام ، وهي من أهمّ الأحكام الإلهيّة ، ومقدَّمة على جميع الأحكام الإلهيّة ، ولا تتقيّد صلاحياتها في دائرة هذه الأحكام ، فالحكومة تعتبر من الأحكام الأوليّة ، وهي مقدَّمة على الأحكام الفرعيّة حتى الصّلاة والصّوم والحج ، وتستطيع الحكومة أنْ تلغي من جانب واحد الإتفاقات الشرعيّة التي تعقدها مع الأمّة ، إذا رأت أنها مخالفة لمصالح الإسلام أو الدّولة ، كما تستطيع أنْ تمنع أي أمر عبادي أو غير عبادي يخالف المصالح العامّة ، وللحكومات صلاحيات أوسع من ذلك ]. راجع: صحيفة النور ج 20 ص 366 المؤرخة بتاريخ 16 شهر دي بالفارسي عام 1366 ش. ق. جمادى الأولى عام 1408 ه ، ق. ضمن موضوع صلاحيات الحكومة الإسلامية؛ وراجع أيضاً كتاب " نظرية الحكم والدولة" للسيد محمد مصطفوي، الطبعة الأولى نشر معهد الرسول الأكرم العالي عام 1423 هجري؛ وهو من علماء نظام الولاية؛ وراجع كتابنا" ولاية الفقيه العامة في الميزان والإيراد عليها" صفحة 344 ـــ 347.
  قال السيِّد محمد المصطفوي وهو أحد علماء نظام الولاية في كتابه " نظريات الحكم والدولة ص 234:" فهو ــ أي السيِّد الخميني ــ يرى أنّ دائرة صلاحيّات وسلطات الوليّ الفقيه أوسع بكثير مما يراه الفقهاء الآخرون".
 الإيراد على التصورين المتقدمين:
 إن كلا التصورَيْنِ باطلان:
   بطلان التصور الأول بوجوهٍ متعددة هي الآتية:
 (الوجه الأول): من حيث رجوعه إلى فساد الاستدلال بالأخبار التي ساقها هؤلاء ــ أي: أصحاب نظرية الفقيه الوالي ــ لإثبات مدعاهم الأول؛ حيث تصوروا أن مراد الإمام الصادق (سلام الله عليه) بقوله الشريف:" فإني قد جعلته عليكم حاكماً" هو السعة في الحاكمية، مع أن سياق الفقرة المستدل بها في الرواية، إنما هو في مورد القضاء وفصل الخصومة بين المتنازعين على الميراث، فموردها خاص وهو القضاء في حكم شرعي في قضية خاصة، وهو ما أطلق عليه في لسان الفقهاء بالقدر المتيقن، فالتعدي عنه إلى ما هو أوسع منه بحيث يشمل الحاكمية في كل شيء حتى في الأموال والأعراض والدماء في غاية الإشكال، بل هو عين الحرام؛ وقد أسهبنا في ذكر الإيرادات على مدعاهم في هذه الرواية في كتابنا " ولاية الفقيه العامة في الميزان" حتى بلغ إيرادنا عليه بعشرة إيرادات في الطائفة الثانية عشرة من الأخبار المدعاة على ولاية الفقيه؛فلتراجع.
  ومما يؤيد كون رواية عمر بن حنظلة في مورد القضاء وأن للفقيه حق ولاية أو تولي القضاء بين المتخاصمين دون التوسعة في الولاية التي ادَّعاها الخميني، ما ورد في عدة أخبار صحيحة تشير إلى ما أشرنا إليه، منها خبران هما التاليان:
 (الخبر الأول): ما جاء في صحيحة أبي خديجة عن الإمام الصادق (سلام الله عليه) قال:": إياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا [ وفي نسخة الكليني هكذا: شيئاً من قضائنا] فاجعلوه بينكم، فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه ".
 (الخبر الثاني): ما ورد في صحيحة حريز عن أبي بصير عن الإمام الصادق (سلام الله عليه) أنه قال : أيما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حق فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه فأبى إلا أن يرافعه إلى هؤلاء ، كان بمنزلة الذين قال الله عز وجل : " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيداً " . راجع : وسائل الشيعة /باب القضاء/ الباب الأول من صفات القاضي؛ وراجع كتابنا "ولاية الفقيه العامة في الميزان" الطائفة الثالثة عشرة/ مشهورة أبي خديجة. 
 (الوجه الثاني): كلّ ما أوردناه سابقاً في كتابنا "ولاية الفقيه العامة في الميزان" على ولاية الفقيه العامّة نورده هنا على هذه الدّعوى ، وهذه الدّعوى هي التي من أجلها قمنا بالنقض على الولاية العامّة ، لكونها من مختصّات المعصوم (سلام الله عليه) التي لا تُعطى أو تُوهَب لأحدٍ على الإطلاق مهما علا شأنه وسمت مكانته ، وإلا لكان أعطاها أئمتنا الطاهرون (سلام الله عليهم) إلى بعض أصحابهم ، مع أنّ شيئاً من هذا لم يحصل أصلاً ، بل الحقَّ أقولُ إنّ هذه الولاية المدّعاة هي نفسها التي ادّعاها وتقمّصها أبو بكر ابن أبي قحافة وعمر وعثمان ، من هنا شدّد أمير المؤمنين عليّ (سلام الله عليه) النكير على أولئك المتقمّصين الّذين اغتصبوها من أصحابها ، فكما أنه لا فرق ـ بنظر الخميني ــ بين الإمام المعصوم (سلام الله عليه)  وبين ولاية الفقيه من حيث الشمول والعموم ، كذا لا فرق بينه وبين ولاية أبي بكر الّذي تقمّص ولاية أمير المؤمنين عليّ (سلام الله عليه) إلا من حيث إنّ أبا بكر ينكر الخلافة الخاصّة بأمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) ، لكنّه يدّعي الخلافة عن رسول الله محمّد (صلّى الله عليه وآله ) بخلاف العلماء المزيفين المدّعين للولاية؛ فهم وإنْ كانوا يعتبرونها امتداداً لولاية الأئمّة عليهم السَّلام ولا يتظاهرون بغصب خلافة وولاية الأئمة الأطهار (سلام الله عليهم) إلا أنَّهم يتلبسون بها واقعاً ؛ فالجوهر والهدف واحد وهو غصب الخلافة الشرعيّة من أهلها ، أعاذنا الله تعالى من شطحات الأوهام وزلاّت اللسان ، وغفلة القلب ، وسكرة العقل ، بحقّ محمّد وآله الطاهرين عليهم السلام .
 (الوجه الثالث): لا ريب أن ثمّة تفاوتاً في المنـزلة بين المعصوم (سلام الله عليه) والفقيه ، بل لا يمكن قياس أحد من العالمين على المعصومين من عترة آل محمّد عليهم السَّلام ، والتفاوت في المنـزلة يستلزم التفاوت في الآثار لا محالة ، من هنا كان للمعصوم (سلام الله عليه) الولاية على الكبير والصغير ، فقيهاً أو غير فقيهٍ ، ولا ولاية للمجتهد على نفسه وأمواله ، فلا يحقّ له أنْ يتلف عضواً من أعضائه أو أنْ يقتل نفسه وما شابه ذلك ، فكيف تكون له ولاية على غيره يفعل به ما يشاء بحجّة المصلحة الإسلاميّة العليا ، وكأنّ الآخرين خُلقوا له ، حياتهم وأموالهم وأعراضهم تحت أمره ، فهم عبيد له ولزمرته وحاشيته وأعوانه وأنصاره .
    وأمّا المساواة في الولاية على الصغار ـ حسبما ادَّعى الخميني ــ بين المعصوم (سلام الله عليه) والفقيه كمّاً وكيفاً ، فلا تستدعي بحالٍ أنْ تكون ولاية المجتهد كولاية المعصوم الّذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم من دون استثناء .
   بطلان التصور الثاني: والسر في بطلان ما ادَّعاه الخميني وأتباعه من حيثية رجوعه إلى فساد ما توهموه وابتدعوه من سعة ولاية النبيّ وأهل بيته الأطهار (سلام الله عليهم) بدعوى أن النبيَّ وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) لديهم سعة في الولاية بحيث يحللون الحرام، ويحرِّمون الحلال؛ ولم نجد حتى رواية واحدة تدل على سعة ولايتهم على تبديلهم الحلال إلى حرام، والحرام إلى حلال؛ ــ أي بقيد التبديل ـــ نعم هناك روايات تفيد سعة ولايتهم (عليهم السلام) في تشريع بعض الأحكام كتشريع النبيّ في تحريمه كلّ نبيذ وكل مسكر بعد أن حرم الله الخمر بعينه، وتشريع النبي الركعات السبعة الزائدة على العشر ركعات المفروضة في الصلوات الواجبة، وتشريعه دية العين ودية النفس وتشريعه السدس للجد...إلخ؛ لكنها تشريعات محمدية تتوافق مع إرادة الله تبارك وتعالى، فالمشرع هو الله تعالى عبر التفويض إلى النبي ليظهر فضله على العالمين؛ لأن النبي لا يختار إلا ما يوافق الحق ولا يخالف مشيئته، ففوَّض إليه تعيين بعض الأمور كزيادة الركعات وتعيين النوافل من الصلاة والصوم وطعمة الجد ودية العين والنفس ونحو ذلك إظهاراً لشرفه وكرامته، ثم لما اختار النبي بعض التشريعات أكد ذلك بالوحي، وهذا مما لا فساد فيه عقلاً ونقلاً بل في الأخبار ما يدل عليه ولا اختصاص لهذا بالنبي بل يجري في الأوصياء من عترة النبي، ولا يشمل غيرهم من الأولياء العظام أصلاً، فضلاً عن الفقهاء. 
 
الإيراد على التصور الثاني بوجوهٍ متعددة هي التالي:  
 (الوجه الأول): إن دعوى سعة ولاية النبي وآله على التشريع في قلب (تبديل) الحلال إلى حرام وبالعكس، مناهضة لكتاب الله تبارك شأنه الذي نفى عن أن تكون للنبيّ صلى الله عليه وآله ولاية على قلب تشريعات الله وأحكامه حيث قال له تبارك وتعالى: ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ) آل عمران128. وسورة آل عمران مدنية، والسور المدنية حاكمة على السور المكية. 
 إن النبيَّ وأهل البيت (سلام الله عليهم) أمناء على التشريع، وحافظون له من التغيير والتبديل، ونهوا المسلمين عن تغيير حرف في حديث أو آية، وأوعدوا صاحبه أليم العقاب، فكيف ينهون غيرهم عما هم صانعون بحسب دعوى الخميني بأنهم قادرون على تغيير الأحكام بسبب سعة ولايتهم؛ وقد هدد الله تبارك وتعالى نبيَّه الكريم بقوله تعالى (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ )؛ فتشريع الله تعالى ثابت لا يتغيَّر ولا تطرأ عليه المصالح فتبدله إلى مصالح شخصية عبر أقيسة واستحسانات للتسهيل على الناس ونيل رضاهم؛ والتبديل بحسب ظنون وأقيسة المجتهدين في نظام ولاية الفقيه يؤدي إلى نسخ شريعة النبي وآله المطهرين عليهم السلام واستبدالها بشريعة أخرى ابتدعها فقهاء نظام الولاية، مع أن شريعة النبي وآله ثابتة كما سبق منا بيانه؛ فقد جاء عن النبيّ الأعظم صلَّى الله عليه وآله قال:"حلال محمَّد حلالٌ إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة ".
  هذا بالإضافة إلى أن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أمين على الوحي كما جاء في أربعة عشر موضعاً في القرآن الكريم يثبت أمانته على التشريع، فلا يخون الأمانة بالتغيير والتبديل ولا أن الله تعالى سمح له بذلك حتى يصل الأمر بالخميني فيدَّعي بأن ولايته فيها من السعة ما لرسول الله وأهل بيته (سلام الله عليهم) بحيث يغيّر ويبدِّل فيسير الله تعالى على هدي نبيه، فيصير الله تعالى تابعاً له مع أن الله تعالى متبوع، ويصبح الله تعالى جاهلاً بالمصالح والمفاسد بعدما كان عالماً ولم يزل...نعم قد يتبع الله تعالى إرادة النبي وآله كما في الحديث:" إن الحق مع عليّ، وعليٌّ مع الحق" ونظير قوله عليه السلام" إذا شئنا شاء الله" ــ عندما تكون إرادة النبيّ والوليّ (سلام الله عليهما) كاشفة عن إرادة الله تعالى وفي طولها، لا أنها معارضة لإرادته وفي عرضها، فإن ذلك هو الشرك بعينه..فقد جاء في كثيرٍ من الأحاديث قولهم عليهم السلام:" إذا شاء الله شئنا" "رضا الله رضا أهل البيت " " إرادة الربّ في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم.." يرجى التأمل. 
  وبعبارةٍ أُخرى: إن النبيّ صلّى الله عليه وآله محدِّثٌ عن الله تعالى ومشرّعٌ بأمر من الله تعالى وفي طول إرادته، فهو مظهر إرادة الله الكبرى؛ ولا يملك حرية التصرف بحقائق التشريع، فليست له ولا لأهل بيته الطاهرين (سلام الله عليهم) ولاية على التشريع؛ وهذه الولاية المطلقة التي ادَّعاها الخميني لنفسه لم تكن للنبيِّ الأعظم وأهل بيته الطيبين (سلام الله عليهم)؛ إذ لا يحقّ للرسول والعترة (صلوات الله وسلامه عليهم) أنْ يغيّروا أحكام الله تعالى، ولا يقلبوا الحلال إلى حرام وبالعكس ، كما لا يمكنهم أن يجحدوا الأحكام الفرعيّة من خلال نسخها طبقاً للمصلحة..وما شابه ذلك؛ فكل ذلك منفيٌّ عنهم لقربهم من المولى وعصمتهم ولكونهم مبلِّغِين عن الله تعالى ليس لهم من الأمر شيء قال تعالى:
  ( يا أيها الرّسول بلِّغ ما أُنـزلَ إليكَ من ربّك . . ) ( المائدة 67 ) .
  ( يا أيها المدثر قم فأنذر . . ) ( المدثر ) .
  (فذكِّر إنما أنتَ مذكِّر لست عليهم بمصيطر ) ( الغاشية 21 - 22 ) .
  ( الّذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله ) ( الأحزاب 39 ) .
  (إنْ هو إلاّ وحيٌ يوحى . . ) ( النجم 4 ) .
  ( ليس لكَ من الأمر شيء ) ( آل عمران 128 ) .
    هذه الآيات واضحة الدلالة على أن النبيَّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) مبلّغ للأحكام وليس مغيّراً لها ولا مبتدعاً غيرها بحسب ما ترتئيه مصلحته؛ ويؤيدها قول النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله):" حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة ".
   فإذا لم يكن لرسول الله من الأمر شيء؛ بل هو مجرد ناقل عن الله تعالى ومحدّث عنه، وكذلك أهل بيته الميامين عليهم السلام ، فكيف يكون للخميني أشياء وأشياء ويحلل ويحرم كيفما شاءت مصلحته تحت ذريعة أن ولايته مقدمة على عامة الأحكام الإلهية، فيصبح الخميني أهم من الأحكام الإلهية برمتها...فأين عصمة النبي وآله من عصمة الخميني، بل إن الخميني ــ بمقالته المتقدمة ــ أفضل من الصوم والصلاة والخمس والزكاة وعاة الاحكام والعقائد... ؟؟!! ، أتراه سبحانه وتعالى فوّض دينه إليه وأطلق له العنان في أحكامه عزّ وجلّ يتصرّف فيها حسبما يراه نظره المنكوس وحظه المنحوس ، ولا يفوضه بشكلٍ مطلق إلى رسوله والغرّ الميامين من آله الطاهرين وهم سادة الخلق وقوّاد الرّحمة وسبل النجاة ؟ !
   نعم؛ إن ولاية النبيّ وأهل بيته المطهرين (سلام الله عليهم) مقدَّمة على عامة الأحكام الإلهية باعتبار أن ولايتهم المقدسة أصلاً من أهم الأصول الاعتقادية باعتبارها من ولاية الله تعالى بل هين عين ولايته المطهرة، وهذا لا يعني أنهم أعطوها للخميني ولكلِّ شاردٍ ووارد وطامح وطامع، بل إنهم لم يعطوها للأنبياء، فكيف يعطونها لمن في رقبته آلاف الجرائر والآثام...!!  
    نعم؛ إن ولايتهم أهم من من  عامة النبوات والرسالات، ولا علاقة للخميني بها حتى يسحبها إلى نفسه الأمارة بالسوء..! بل إن تولي الفقهاء لعملية استنباط الحكم الشرعي لا تخوِّل الفقيه أن تكون له ولاية مطلقة على التشريع، فكما أن النبي وأهل بيته الأطهار (سلام الله عليهم) ليست لهم ولاية على التشريع ــ إلا بما سمح به المولى لهم مع كونه موافقاً لإرادته عزَّ شأنه ــ فكذلك الفقهاء ليست لهم ولاية على التشريع ولم يسمح لهم الله تعالى ولا النبي ولا الأئمة الطاهرون عليهم السلام بأنْ يشرِّعوا بحسب المصلحة والأقيسة والاستحسانات...وشتان ما بين ولاية النبي وآله وبين ولاية الفقهاء على استنباط الأحكام من الكتاب والأخبار فقط من دون التلاعب بهما والتصرف بمضمونهما بحسب المصالح والظروف...!!
  (الوجه الثاني): إن تبديل الأحكام تحت شعار سعة الولاية للفقيه، يستلزم تجويزَ نسخِ الشريعة السمحاء مرة بعد أخرى بحسب اختلاف اجتهادات فقهاء ولاية الفقيه ما يؤدي إلى عدم استمرار الأحكام الشرعية والملة المحمدية العلوية (على صاحبيها آلاف السلام والتحية) بل يصير الحلال حراماً والحرام حلالاً وقد تواترت الأخبار بأن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة؛ ومن المعلوم أن استحالة النسخ لشريعة الرسول صلى اللَّه عليه وآله كلاً أو بعضاً من أوضح ضروريات الدين، فيلزم كون تلك الظنون الاستحسانية التي ابتدعها ـــ ولا يزال ــ فقهاء ولاية الفقيه طبقاً للمصالح المرسلة التي يعتقد بها المخالفون، ليست من شريعة الرسول صلى اللَّه عليه وآله؛ بل هي من نسج أعمدة سقيفة بني ساعدة (لعنهم الله ولعن أتباعهم) .
  (الوجه الثالث): لقد رددنا على كلام الخميني في ادعائه بعض الصلاحيات التامة التي نسبها لنفسه في كتابنا "ولاية الفقيه العامة ص 33 " ومن جملة ما قلناه هو التالي:
   إنّ ما ادّعاه من الصلاحيات المطلَقة المقدَّمة على جميع الأحكام الإلهيّة ــ بحيث لا تتقيّد في دائرة الأحكام ، إلى آخر كلامه ــ مخالفٌ للقرآن الكريم وللسنّة المطهرة؛ إذ إنَّ هذه الصلاحيات ليست من صلاحيات النبيّ والأئمّة المطهَّرين (سلام الله عليهم) ، فليس للنبيّ والأئمّة (صلى الله عليهم) أنْ يمنعوا الأمور العبادية وغيرها لأجل مصلحة الأمّة ، وإلا لمنع أمير المؤمنين (صلوات الله عليه وآله) الصلاة ليلة الهرير يوم صفّين عندما قال له ابن عباس إنّ عندنا لشغلاً بالقتال عن الصلاة ، ومع هذا لم يعتنِ (سلام الله عليه) بكلام ابن عباس فلم يترك الصلاة لأجل مصلحة القتال والنصر في المعركة على معاوية ، ولم يرد في أخبار أئمتنا الطاهرين (سلام الله عليهم) أنهم منعوا الصلاة لأجل مصلحة الأمّة ، بل ما ورد هو العكس حيث إنه كان بإمكان أمير المؤمنين عليّ (سلام الله عليه) أنْ يمنع الماء عن جند معاوية ليشكّل ذلك نصراً له على معاوية، لكنّه لم يفعل؛ لأنّ الإسلام قيّد الفتك حسب تعبيره عليه السلام ، وهكذا كان بإمكان الإمام الحسن (سلام الله عليه)  أنْ ينكث الصلح مع معاوية مع علمه بأنّ معاوية سينكث بذلك، مؤيداً فعله (صلوات الله عليه) بكلام أبيه " الإسلام قيَّد الفتك "؛ وهكذا كان بإمكان الإمام الحسين (صلوات الله عليه)  أنْ يهادن يزيد بن معاوية لفترة زمنية لمصلحة الأمّة فيسمح له بشرب الخمر وضرب الطنبور والزنا، لكنه لم يفعل ولا أولاده الكرام المطهرون (صلوات الله عليهم) فعلوا ذلك ، فمن أين جاء السيّد الخميني بتلك الصلاحيات التي تفوق صلاحيات النبي والعترة (صلوات الله عليهم) !!؟!؛ لست أدري لعلّ غيري يدري ! ! فليأتنا بجواب حنى نفنّد ما كان يدريه..!!
 
  إنّ الصلاحيات المطلَقة للفقيه الوالي هي نفسها الولاية التي يعتقدها العامّة في الأمراء والحكّام ورووا أخباراً عن رسول الله هي في الواقع أكاذيب ودسائس عليه صلّى الله عليه وآله وسلَّم منها:
( 1 ) ـ ما رواه مسلم في كتاب الإمارة باب 13 تحريم الخروج على طاعة السلطان بإسناده إلى زيد بن سلام عن أبي سلام قال قال حذيفة بن اليمان قال رسول الله يكون بعدي أئمّة لا يهتدون بهداي ولا يستنّون بسنّتي وسيقوم فيهم رجالٌ قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ، قلت كيف أصنع يا رسول الله إنْ أدركتُ ذلك ؟ قال تسمع وتُطيع للأمير وإنْ كان ضرب ظهرك ، وأخذ مالك ، فاسمع وأطع.
( 2 ) ـ وبإسناده إلى إبن عباس عن رسول الله قال مَن رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه مَن فارق الجماعة شبراً فمات ، فميتةٌ جاهليّة  .
( 3 ) ـ وبإسناده إلى نافع عن رسول الله قال مَن خلع يداً من طاعة ، لقى الله يوم القيامة لا حجّة له ، ومَن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهليّة  .
   ونفس المقولة يردّدها أصحاب نظريّة الفقيه الوالي ، فكلّ مَن لم يؤمن بالولاية العامّة ولم يبايع الفقيه الوالي يعتبر فاسقاً،  كافراً ، تُستباح أمواله وسمعتُه بل دمه ، فعندهم طاعة الوالي الفقيه هي الإسلام كلّه ولا شيء بعده ، وتصرفاته كلها ممضاة من قِبَل الله تعالى حتى لو ضرب الفقيه ظهر المكلّف بالسياط واستباح ماله، فيجب عليه أن يسلِّم لطاعة الفقيه الوالي؛ لأنّ الفقيه الوالي إذا رضي عن شخص يعني أنّ الله عزَّ وجلَّ والنبيّ والأئمّة الأطهار (سلام الله عليهم) راضون عنه،  وإذا عصى المسلمُ الوالي، فإنّ الله ساخط عليه وسيدخل جهنم بحسب دعواهم الزائفة .
   هذا المنطق المتعصّب الّذي يغضب للعَصَبَة ويقاتل للعَصَبَة منهيٌّ عنه في أخبارنا المقدَّسة ، فقد أورد الشيخان الكليني والصّدوق أخباراً عديدة فوق حدّ الإستفاضة بشأن الحَميّة والعصبيّة المذمومتين منها ما رواه الشيخ الصدوق في عقاب الاعمال: بإسناده إلى دُرُست بن أبي منصُور عن الإمام أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسُولُ اللّه صلّى الله عليه وآله وسلَّم:" مَن تعصّب أو تُعُصّب لهُ فقد خلع ربقة الإسلام من عُنُقه".
   وبإسناده إلى مُحمّد بن مُسلم عن الإمام أبي عبد اللّه عليه السلام قال:" من تعصّب عصبهُ اللّهُ بعصابة من نار".
  وبإسناده عن السّكُونيّ عن الإمام أبي عبد اللّه عليه السلام قال قال رسُولُ اللّه صلّى الله عليه وآله وسلَّم من كان في قلبه حبّةٌ من خردل من عصبيّة بعثهُ اللّهُ يوم القيامة مع أعراب الجاهليّة". راجع الكافي ج 2 ص 308 وعقاب الاعمال ص 263.
ومن كتاب أمير المؤمنين عليّ عليه السلام إلى مالك الأشتر قال أملك حميّة أنفك وسورة حدّك ، وسطوة يدك ، وغرب لسانك.
  وما ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام عن العصبيّة فقال:" العصبيّةُ الّتي يأثمُ عليها صاحبُها أن يرى الرّجُلُ شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين وليس من العصبيّة أن يُحبُّ الرّجُلُ قومهُ ولكن من العصبيّة أن يُعين قومهُ على الظُّلم ".
   ما الضير عند أتباع الولاية لو تعصّبوا للحق ، فإنّ التعصّب للحقّ حقٌّ ، ورد عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام قال:" إن كنتم لا محالة متعصبين فتعصّبوا لنصرة الحق وإغاثة الملهوف.
   وعن مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام قال:" لم يُدخل الجنّة حميّةٌ غيرُ حميّة حمزة بن عبد المُطّلب وذلك حين أسلم غضباً للنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلَّم في حديث السّلى الّذي أُلقي على النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلَّم " .
   إن التعصّب يجب أنْ يكون للحق المتمثل بآل البيت عليهم السَّلام، لأن الحق يدور معهم حيثما داروا ، أمّا التعصّب لغيرهم فحرام ، فلا يُقاس بآل محمّد واحدٌ من الناس حسبما جاء في المستفيض ، فعلام حينئذٍ يتعصّب أتباع الخميني لفكرة ولاية الفقيه..؟!.
  ونحن لسنا ضدّ الأفراد ــ بما هم أفراد ــ بمقدار ما نكره ما يصوّبون من أفكار لا دليل عليها من الكتاب والأخبار الشريفة، فنكره أن ينسب علويٌّ أو فاطميٌّ لنفسه مقاماً هو لأجداده الميامين (سلام الله عليهم) الّذين لا يشاركهم في مقامٍ من مقاماتهم أحدٌ من العالمين حتى الرسل من الأنبياء (عليهم السلام) ، والولاية الشرعيّة لأهل البيت (سلام الله عليهم) هي أحد هذه المقامات الشريفة التي لا يجوز أن يشاركهم فيها أحدٌ على الإطلاق، وقد نهوا عن أن يتلبَّس بها أحدٌ ، فإلصاقها بغيرهم خلاف إرادتهم عليهم السَّلام ، بل إنّ دعوى الإمامة التشريعيّة هي شرك ، فقد ورد في تفسير المحدِّث الجليل عليّ بن إبراهيم القمي بإسناده عن أبي المغرا عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى ( ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ) قال مَن ادّعى أنه إمام وليس بإمام ، قلت: وإنْ كان علوياً فاطمياً؟ قال: وإنْ كان علوياً فاطمياً.
  وورد في خبر طلحة بن زيد عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام قال:" مَن أشرك مع إمام إمامته من عند الله مَن ليست إمامته من الله كان مشركاً بالله ".
    قال صاحب بحار الأنوار العلاّمة محمّد باقر المجلسي رحمه الله:[ إنّ مَن أشرك مع إمام الحق غيره فقد شارك الله في نصب الإمام، فإنه لا يكون إلا من الله ، وإنْ تبع في ذلك غيره فقد جعل شريكاً لله ، بل كلّ مَن تابع غير من أمر الله بمتابعته في كلّ ما يقول فهو مشرك لقوله تعالى ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ) وقدّ سمّى الله طاعة الشيطان عبادة حيث قال لا تعبدوا الشيطان ].
  دعوى وردٌّ
     إن قيل لنا: إن هناك روايات تدل على أن الله تعالى فوَّض أمر دينه إلى النبيِّ وآله الأطهار عليهم السلام ما يعني أن الله تعالى فسح المجال للنبيِّ وآله الأطهار أن يحللوا ويحرموا بما يرون من المصلحة، وربما يستأنس أصحاب نظرية الولاية العامة بما رواه المحدِّث الحر العاملي في كتاب الخمس/ الباب الثامن من وسائل الشيعة بإسناده عن عليّ بن مهزيار عن الإمام أبي جعفر الثاني الجواد عليه السلام حيث ظاهرها رفع الإمام الزكاة عن شيعته واستبدالها بالخمس؛ أي: أوجب الإمام عليه السلام الخمس في مورد الزكاة؛ والرواية هي التالي:
  روى الشيخ المحدِّث محمد بن الحسن الحر العاملي رحمه الله بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد وعبد الله بن محمد جميعا عن علي بن مهزيار قال : كتب إليه أبو جعفر عليه السلام : وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة قال : إن الذي أوجبت في سنتي هذه وهذه سنة عشرين ومأتين فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كله خوفا من الانتشار ، وسأفسر لك بعضه إن شاء الله إن موالي أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصروا فيما يجب عليهم ، فعلمت ذلك فأحببت أن أطهرهم وأزكيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي هذا ، قال الله تعالى : " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم * ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم * وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون " ولم أوجب عليهم ذلك في كل عام ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله عليهم، وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول ، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلا في ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفا مني عن موالي ومنا مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم ، فأما الغنائم والفوايد فهي واجبة عليهم في كل عام قال الله تعالى : " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير " فالغنايم والفوايد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء ، والفائدة يفيدها ، والجايزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب ، وما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة فقد علمت أن أموالا عظاما صارت إلى قوم من موالي ، فمن كان عنده شئ من ذلك فليوصله إلى وكيلي ، ومن كان نائياً بعيد الشقة فليتعمد لإيصاله ولو بعد حين ، فان نية المؤمن خير من عمله ، فأما الذي أوجب من الضياع والغلات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمؤنته ، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤنته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك ". راجع: الوسائل ج 6 ص 349 ح 5 باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.  
  الإيراد على الاستدلال المتقدِّم:
  إن الاستدلال برواية علي بن مهزيار على صلاحية ولاية الفقيه باطل ومردود جملة وتفصيلاً، وذلك بثلاثة وجوهٍ هي الآتية:
 (الوجه الأول): إن رواية عليّ بن مهزيار وإنْ كانت معتبرة سنداً إلا أنها متروكة الظاهر، وأعرض عنها مشهور فقهاء الإمامية، ولم يعملوا ببعض مضمونها ــ والذي منه الفقرة التي استدل بها دعاة ولاية الفقيه ظناً منهم أنها تدل على تحليل الحرام وتحريم الحلال ـــ وإعراضهم وهجرهم لها ــ أو لبعض فقراتها يوجب ضعفها أو ضعف الفقرة التي ذكر فيها الإعفاء عن الزكاة في كلّ السنين وعلى مر الدهور والعصور باعتبار أن الزكاة واجبة في الذهب والفضة بمقتضى النصوص الصريحة ــ يوجب سقوطها وحرمة العمل بمضمونها، وبالتالي لا يكون الخمس بديلاً عن الزكاة؛ إذ إن الزكاة تبقى واجبة على مر العصور ولا تغيرها العناوين، كما لا يسقطها خبرٌ واحدٌ يُحْمَل على سبعين محملاً..!
  وسبب هجران مشهور الفقهاء لها يعود لأمرين: أحدهما: معارضتها للأخبار الكثيرة الدالة على وجوب الزكاة في كلّ عام، فلا تسقط بحالٍ أبداً ولا تُستبدل بالخمس؛ وثانيهما: لأن الإسقاط المذكور حقٌّ خاصٌّ بالأئمة الطاهرين عليهم السلام بمقتضى الولاية الإلهية التي حباهم المولى عزَّ وجلَّ بها، فلا يحق لغيرهم التلبس بحقوقهم الخاصة.
 (الوجه الثاني): إن رواية ابن مهزيار ليست ظاهرة في تحليل الحرام، وتحريم الحلال كما ربما يتوهم ذلك أتباع نظرية الولاية المطلقة؛ بل هي ظاهرة في وجوب الخمس على الشيعة في مورد الزكاة من باب التشديد في التكليف ليتطهروا أكثر، أو من باب المنِّ والتفضل للتخفيف على شيعة الإمام الجواد (سلام الله عليه) في عام واحد وليس في كلِّ الأعوام ، بمعنى أن الإمام الجواد (سلام الله عليه) أوجب على شيعته في ذاك العام الخمس بدلاً من الزكاة لمصلحة تشريعية خاصة بالشيعة حرصاً منه (صلوات الله عليه) على الشيعة مما أثقلهم به السلطان من دفع الضرائب، فقصروا في دفع الخمس، مما استدعى الإمام الجواد (سلام الله عليه) الخمسَ على مواليه في الذهب والفضة من باب التشديد ليطهرهم ويزكيهم، ولم يوجب فيما عداهما تخفيفاً ومنَّاً منه عليهم؛ وهذا التشريع المستبدَل هو من شؤون وصلاحية الإمام عليه السلام دون سواه من غير المعصومين من أهل البيت عليهم السلام؛ فله أن يتصرف بهذا النحو من التصرفات خصوصاً إذا رأى صلاح مواليه وشيعته في ذلك، فهو حقٌّ خاصٌّ به حباه الله تعالى به وآبائه الطاهرين عليهم السلام لعصمته المطلقة دون سواهم؛ وما علاقة غير المعصوم من الفقهاء بهذا التشريع...؟!!
  وبعبارةٍ أُخرى: إن صدر رواية علي بن مهزيار صريحة في أنّ ما صنعه الإمام الجواد عليه السّلام في تلك السنة من وضع الخمس على بعض الأشياء ، ورفعه عن بعض، كان مخصوصاً بتلك السنة لمعنى من المعاني الَّذي كره الإمام عليه السّلام تفسيره كلَّه لموضع التقية ، وفسّر بعضه ، وهو أنّ مواليه جميعهم أو بعضهم قصّروا في تأدية الحقوق الواجبة عليهم ، فشدّد عليهم بعض التشديد ليطهّرهم ويزكَّيهم، فأوجب عليهم في الذهب والفضة ، ولم يوجب في ما عداهما تخفيفاً ومنّاً منه عليهم؛ فهي ــ إذاً ــ في مقام بيان جهتين: إحداهما: التشديد عليهم ليطهرهم؛ وثانيهما: التخفيف والمنّ في عام واحد ، وليست في مقام بيان التشريع الدائم في التشديد والمنِّ ؛ ففي الرواية جهات تخفيفية على الشيعة في عصره عليه السلام كما أن هناك جهات غير تخفيفية من حيث دلالتها على رفع الخمس عن أشياء ووضعه على أشياء لا تخلو عن المناقشة لعدم انطباقها بظاهرها على القواعد الا ان صدر الرواية يدل على اختصاص ذلك بسنة معينة وهي سنة عشرين ومأتين فقط وقد كان ذلك لعلل أعرض الإمام عليه السّلام عن بيان بعضها خوفاً من انتشاره وفسر بعضها ومرجع ما ذكره من التعليل هو ان مواليه كانوا قد قصروا في أداء ما كان يجب عليهم فاستحقوا بذلك العقوبة لا محالة فوضع الخمس عليهم في أشياء ليكون ذلك سببا لطهارتهم وخروجهم عن رجس التقصير والمعصية كما استشهد له بالآية وهو عليه السّلام مع ذلك منّ عليهم وخفف عنهم من جهات أخرى لما رأى من غلبة سلطان الجور عليهم والأخذ من أموالهم وابتلائهم في نفوسهم، فإن للإمام عليه السّلام أن يعامل مع شيعته ومواليه بما يرى لهم من المصالح فإنه الهادي بإذن اللَّه إلى صراط مستقيم .
 (الوجه الثالث): هذه الرواية مخالفة لعامة الأخبار النافية لوجود مثل هكذا ولاية للنبيِّ وأهل بيته الطيبين الطاهرين (سلام الله عليهم أجمعين)، وهي روايات صحيحة قد فاقت التواتر بعشرات المرات، فلا يجوز ــ والحال هذه ــ الركون إلى رواية واحدة ( أي:خبر واحد لا يوجب علماً ولا عملاً ) متعارضة تعارضاً تاماً مع الأخبار الأخرى النافية عنهم مثل هذه السعة في التحليل والتحريم.
 (الوجه الرابع): يحرم بالحرمة القطعية التمسك بكلِّ رواية تخالف آيةً صريحة بحكمها في كتاب الله تعالى، بمقتضى الأخبار الكثيرة الآمرة بعرض كلّ خبر منسوبٍ إليهم (صلوات الله وسلامه عليهم) على كتاب الله تبارك وتعالى، فإذا وافق الخبرُ المنسوب إليهم كتابَ الله تعالى، يؤخذ به حينئذٍ وإلا فيُضْرَب بعرض الجدار، فكيف الحال لو كانت الأخبار التي توهموها من نسج خيالهم فأولوها على غير وجهتها الحقيقية لغايات رخيصة منها شهوة الحكم والسلطة، وذلك لأجل حيثيتين هما:
 (الحيثية الأولى): تأويلهم للأخبار على غير وجهتها لإرضاء أتباعهم وسد احتياجاتهم الدنيوية وتسهيلاً لأمور معاشهم، فيسدوا عليهم ذرائع الاحتجاج عليهم والنهوض ضدهم.
 (الحيثية الثانية): إن حلال وحرام النبي وآله لا يفيان ــ بحسب توهم فقيه الولاية ــ بتوسعة سلطانه ورضا الناس عنه لا سيَّما المخالفين، فيقوم فقيه نظام الولاية إلى تحريم ما يراه مناهضاً لتثبيت حكمه ورضا المخالفين عنه...!! من هنا حلل الخميني الخمس للمخالفين، وقد صدرت له فتوى في هذا الأمر في السبعينات عندما حلل الخمس لمنظمة فتح الفلسطينية التي كان يقودها ياسر عرفات، وفتواه نشرت في كتابه "الجهاد والرفض"، وتبعه بعد ذلك محمد حسين فضل الله ثم لحقه الخامنئي ثم السيستاني حيث صدرت له فتوى حديثة  في عامنا هذا ــ وهو عام 1437 هجري ــ يحلل فيها الخمس للمخالفين في العراق لا سيما أهالي الفلوجة الذين كانوا يذبحون رجال الشيعة ويغتصبون نساءهم...وا محمداه وا علياه وا فاطمتاه وا مهدياه... ! 
 اليوم يتنعم المخالفون بالخمس ــ لا سيَّما المنظمات الفدائية الجهادية كما يسمونها مع ما هي عليه من النصب والعداوة لأئمتنا الطاهرين عليهم السلام كحماس والجهاد وغيرهما من الجهات السياسية المتعاونة مع أحزاب إيران من النصارى  والدروز والعامة كميشال عون ورجاله ووئام وهاب وأرسلان وفرنجية ونظام بشار الأسد وغيرهم ــ بسبب هؤلاء المفتين الذين أباحوا خمس الأئمة الطاهرين عليهم السلام لكلّ من أعانهم في تقوية سلطانهم وقوَّى شوكتهم، في حين أن الملايين من الشيعة الموالين يتضورون جوعاً في شرق الأرض وغربها..لا لشيء سوى أن هؤلاء الشيعة لا يبايعون الولي الفقيه ولا يرخصون بأنفسهم في سبيله، وفي الوقت الذي أتخمت فيه كروش أبنائهم مع آبائهم المفتين من أموال الإمام المهدي عليه السلام وحقوقه المهضوبة التي شرعها هلؤلاء المفتون لأنفسهم ولكلّ من يلوذ بهم ويدعو إلى نصرتهم ومبايعتهم...!! 
  وبما تقدَّم يتضح بطلان دعوى ولاية الفقيه المطلقة لقصور الأدلة في إثباتها، بل هي في مقابل ولاية النبيّ وآله الأطهار (عليهم السلام)، والفقيه الذي يدَّعي الزهد في الدنيا ويعتبر نفسه عارفاً بمقام النبيّ وأهل بيته المطهرين (سلام الله عليهم) لا يرغب في أن يجعل نفسه في مصافّ هؤلاء العظماء عليهم السلام ولا يطمع في أن يكون مميزاً نفسه بفضيلة من فضائلهم العالية الشريفة؛ كما أنه لا يكبر في تبنيه لمقام من مقاماتهم العظمى ولا بجر ألقابهم المطهرة إلى شخصه...! وإقامة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة الكبرى لا تستلزم أن يكون لمقيمها ولاية مطلقة، بالرغم من عدم إمكان تأسيس دولة في غياب الإمام الحجة القائم (أرواحنا له الفداء) بحيث ترضي الإمام عليه السلام أن تحل في مكانه الشريف؛ ومن ينشد تحقيق الدولة الإسلامية، يجب عليه التلبس بثوب العدالة الأجتماعية قبل أن يجلس على سدَّة كرسي الولاية، ولم نجد أحداً من الإسلاميين ــ شيعة ومخالفين ــ حقق شيئاً من الإنصاف والعدل الاجتماعي بين طبقات المجتمع الإسلامي، بل كلهم ظالمون بحاجة إلى من يقوِّمهم؛ فقبل أن يفكروا بإقامة دولة شيعية، عليهم أن يقيموا العدالة في نفوسهم قبل أن يطبقوها على غيرهم، ففاقد الشيء لا يعطيه، ومن كان في رقبته حدٌّ لا يجوز له إقامة الحدود، ولا أن تكون له ولاية على المؤمنين....وسيعلم الذين ظلموا أيّض منقلبٍ ينقلبون، والعاقبة للمتقين؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حررها كلب آل محمد
العبد الأحقر محمد جميل حمُّود العاملي
بيروت بتاريخ 6 ذي الحجة 1437 هجري 

  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1330
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 09 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29