• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : الفقه .
              • القسم الفرعي : إستفتاءات وأجوبة .
                    • الموضوع : يريد المعترض تخليص نصوص أهل البيت عليهم السلام من سطوة المنهج الفقهي المؤوِّل للنصوص..!! .

يريد المعترض تخليص نصوص أهل البيت عليهم السلام من سطوة المنهج الفقهي المؤوِّل للنصوص..!!

الإسم: *****

النص: 

السلام عليكم

سماحة الشيخ 

طرح أحد المشككين الجدد هذه الشبهة ونرجو من سماحتكم الجواب الشافي

ربّما لا تسمح المنطلقات الكلاميّة للفقيه الشيعي بقراءة بعض النصوص الروائيّة قراءة تجريديّة فاحصة، فيضطر الفقيه في أغلب الأحيان إلى تأويلها أو إسقاطها عن الحجيّة؛ بغية الحفاظ على تلك المنطلقات الكلاميّة الموروثة، مع أنّنا بحاجة ماسّة إلى تحويل هذه النصوص إلى منبّهات منهجيّة تحدو بنا إلى إعادة النظر في تلك المنطلقات الكلاميّة، ومواءمتها مع الحقيقة كما هي، لا مع الحقيقة كما نريدها أن تكون.

سنحاول اليوم أن نتحلّى بشيء من الجرأة (البحثيّة) وأتمنّى التركيز على ما بين معقوفتين؛ لنقرأ روايةً صحيحة السند، قراءة (ربّما) تختلف عن النظرة الشيعيّة لطبيعة علم الإمام (ع) واجتهاده، ونعود بعد ذلك إلى ذكر الاستفهام الأساس الذي حدا بنا إلى ذكرها:

روى الشيخ الطوسي في الاستبصار والتهذيب عن شيخ الطائفة ووجيهها: سعد بن عبد الله القمّي، عن الإماميّ الثقة: أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، عن الإماميّ الثقة: الحسين بن سعيد الأهوازيّ، عن الإماميّ الثقة: حماد بن عيسى الجهني، عن الإماميّ الثقة: عمر بن أذينة، عن الإماميّ الثقة: زرارة بن أعين، قال:

«كنت قاعداً عند أبي جعفر الباقر (ع)، وليس عنده غير أبنه جعفر [الصادق (ع)]، فقال [لي الباقر]: يا زرارة إنّ أبا ذرّ وعثمان تنازعا على عهد النبيّ (ص)، فقال عثمان: كلّ مال من ذهبٍ أو فضّةٍ يُدار به ويُعمل به ويُتّجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول [السنة]. فقال أبو ذر: أمّا ما اُتّجر به أو دِير وعُمل به فليس فيه زكاة؛ إنّما [تثبت] الزكاة فيه إذا كان ركازاً أو كنزاً موضوعاً، فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة… فاختصما في ذلك إلى النبيّ (ص)، فقال: القول ما قال أبو ذر».

ولا مشكلة مع هذا النصّ إلى هذه الّلحظة من حيث ما نريد، وإنّما تبدأ المشكلة مع بقيّته؛ فحينما سمع الإمام الصادق (ع) هذا الكلام من أبيه الباقر (ع) وبحضور زرارة فقط، اعترض عليه بشدّة، ورأى إن إظهار هذا الكلام إلى الناس يحمل لازماً غير مستساغ؛ إذ سيمتنع الناس حينئذٍ عن دفع زكاة أموالهم إلى الفقراء والمساكين بحجّة عدم وجوب الزكاة فيها ما دامت متحرّكة، [كما هو حاصل عند الشيعة بالفعل اليوم]…، وبالتالي فالظاهر: إن الإمام الصادق (ع) يرى: إن الصحيح الذي ينبغي أن يسود في ظلّ ظروفهم ومعاناتهم (عليهم السلام) هو رأي عثمان… لنقرأ معاً نصّ الاعتراض الذي ينقله لنا زرارة بن أعين:

«فقال أبو عبد الله [الصادق] (ع) لأبيه [الباقر] (ع):

ما تريد إلى أن تُخرج مثل هذا فيكفُّ النّاس أن يعطوا فُقراءَهم ومَساكينَهم؟!

فقال [له] أبوه [الباقر] (ع): إليك عنّي، لا أجد منها بُداً». تهذيب الأحكام: ج4، ص70ـ71.

أي: تنحّ وكفّ عن طرح مثل هذا السؤال؛ فليس لي خيار آخر غير ذكر ذلك.

وفي ضوء هذه الرواية ذات السند الأعلائيّ الصحيح أقول:

مهما كان التفسير الذي سنختاره لتفسير الاعتراض الذي سجّله الصادق (ع) على أبيه الباقر (ع) في تلك الجلسة، ومهما كان التأويل الذي سنختاره في توجيه انسجامه مع العصمة بقراءتها الشيعيّة المعاصرة، وسواء أ كان للإمام (الأبن) الحقّ في الاعتراض بهذه الطريقة على الإمام (الأبّ) أم لم يكن له مثل هذا الحقّ أصلاً… جميع ذلك لا يهمّنا في هذا المقال، ولكن الذي يعنينا هو التفتيش عن إجابة للسؤال التالي:

لنفترض جدلاً إن الإمام الصادق (ع) لم يكن حاضراً في مجلس زرارة والباقر (ع) في أثناء هذه المحاورة، وقدّم له زرارة بن أعين بعد ذلك استفتاءً حول زكاة النقدين، فهل سينقل له الصادق (ع) نفس فتوى أبيه الباقر (ع) التي اعترض عليها في هذه الرواية، أم سيُقدّم له (فتوى) أخرى تنطلق من رؤيته الاجتهاديّة التي طرح مستندها أثناء مناقشته لأبيه الباقر (ع)، أي فتوى: لا تُعطي للناس مبرّراً للكفّ عن إعانة فقرائهم ومساكينهم؟!

وبغض النظر عن جميع الأجوبة التأويليّة التي ستُطرح لهذا الاستفهام الجادّ، إلّا أنّي كنت أصغي إلى هذه الرواية في بحوث الخارج الفقهيّة مع حذف هذا الذيل من الرواية عادةً، أي: الاعتراض الذي سجّله الإمام الصادق (ع) على أبيه الباقر (ع)، وقد كنت حينها أتمنّى على الفقهاء من أساتذتنا أن يفتحوا كوّة للنقاش الحرّ حول هذا الذيل المهمّ من الرواية، لكنّهم لم يذكروا الرواية إلا للتفتيش عن حكم فقهي جزئي، وتجاوز (أغلبهم) ذكر هذا الذيل أصلاً؛ لمجموعة أسباب ربّما يكون أهمّها: إن سياقات الحوزة والمذهب لا تسمح بذلك، ولكونه خارجاً عن صلب الموضوع الفقهيّ، وهذه من آفات البحث الفقهي الذي يحيّث النصوص الدينيّة؛ ليسقط جميع الحيثيّات ليحتفظ بالحيثيّة الفقهيّة فقط، وسأبقى أنافح من أجل تخليص نصوص أهل البيت (ع) من سطوة المنهج الفقهي المأوّل لها، مع أنّها أجلى من الشمس في وضح النهار.

ملاحظتان أساسيّتان:

الأولى: لقد وظّفت مفردة (الفتوى) في وصف (بعض) الأحكام الصادرة من أهل البيت (عليهم السلام)، مع إن هذا الأمر خلاف توجّهات المذهب الشيعي بقراءته المعاصرة، وإنّما قمت بذلك: انسياقاً مع تعبيرات الشهيد الأوّل في كتابه القواعد والفوائد، حينما نصّ بصريح العبارة قائلاً: (إن فتاوى أهل البيت (ع) مشحونةٌ بالتقيّة)؛ وربّما يساعد مثل هذا التعبير على تقديم تفسير معقول لذيل الرواية، ولا يعني ذلك إيماني به بشكل مطلق وعامّ.

الثانية: علمتنا هذه الرواية على ثقافة الحوار والاعتراض؛ فقد اعترض فيها الصادق (ع) على أبيه الباقر (ع) وبشدّة أيضاً، فلماذا يعقد (بعض) المنتفعين مجلساً للبكاء والعويل حينما نقدّم نقداً (علميّاً) لبعض الفقهاء والمراجع مثلاً، أو ليس هذه الثقافة كانت سائدة بين الأئمة أنفسهم (عليهم السلام) فكيف بمن هو دونهم بآلاف المرّات؟


الموضوع الفقهي: يريد المعترض تخليص نصوص أهل البيت عليهم السلام من سطوة المنهج الفقهي المؤوِّل للنصوص..!!

بسمه تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

   الجواب: إن صاحب الشبهة ظن نفسه أنه حريصٌ على الطائفة الشيعية التي ادعى أنها تنكمش على ذاتها بفعل العوامل الموروثة كما يلمح إليه في مطاوي كلماته، فاعتقد أن الطائفة (بعلمائها الممثلين لها) صارت بالية حتى جاء هذا المدعي ليصلح ما فسد منها..!!

 ويظهر لنا من خلال قراءة كلماته أنه متحلل من الأمور الآتية:

  (الأمر الأول): أنه لا يعتقد بعصمة أهل البيت (سلام الله عليهم) من هنا نسب إليهم الإختلاف بالرأي حول المسائل الفقهية؛ فقد جعلهم كبقية العلماء الذين يبنون أحكامهم على الاستنباط من ظواهر النصوص والقواعد العامة العقلية والشرعية....!

 (الأمر الثاني): أنه لا يعتقد بوجود فوارق بين المذهب الشيعي وبقية المذاهب المبتدعة، لذا أراد أن يؤول النص الروائي لصالح الوحدة الإسلامية بين المذهب الحق (وهو التشيع) وبين المذاهب العمرية الباطلة والمضلة...! من هنا صنَّف الإمام الصادق عليه السلام بأنه أكثر انفتاحاً من أبيه الإمام الباقر عليه السلام المنغلق على مذهبه الشيعي، فقد جعله مميزاً عن أبيه الإمام الباقر عليه السلام، حيث اعتبر الإمام الصادق عليه السلام في خانة المدرسة العثمانية (أي المدرسة الوحدوية)، بينما اعتبر أباه الإمام الباقر عليه السلام من مدرسة الصحابي أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه (أي المدرسة الطائفية المذهبية المنكمشة على نفسها)...!!

 (الأمر الثالث): إنه أراد تخليص النصوص الشرعية من أسر تأويل الفقهاء لبعضها حسب تعبيره التالي:" وسأبقى أنافح من أجل تخليص نصوص أهل البيت (ع) من سطوة المنهج الفقهي المأوّل لها".

  لقد ضرب المدعي ثلاثة ركائز عقدية وشرعية عرض الحائط وهي نصوص العصمة ونصوص الخلاف بين الحق والباطل، ونصوص التقية.

  وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على تحلله من العقيدة المستقيمة التي يجب أن يتحلى بها المؤمن فضلاً عن المدعي للعلم (حسبما قال بأنه حضر بحوث الخارج الفقهية..) وبئس الحضور حضوره في دروس بحوث الخارج الفقهية..! إن حضوره المشؤوم في بحوث الخارج كحضور سعد بن أبي الوقاص لدروس إمامنا أمير المؤمنين (سلام الله عليه) يتلو عليه الدروس العالية، فما كان من سعد إلا أن جابهه بقوله:" كم شعرة على رأسي..!" فأجابه الإمام عليه السلام:" تحت كل شعرة شيطان يلعنك.." وهذا المدعي نظير سعد بن أبي الوقاص، إذ إن عند كل جلسة له في بحوث الخارج كان هناك شيطان يلعنه...فلم تنفعه دروس فقه الخارج تحت منبر علماء الفقه كما لم تنفع دروس المعرفة العالية سعد بن أبي وقاص..!!  

   إن ذاك المضال الضال قد ساوى بين الأئمة الطاهرين (سلام الله عليهم) وبين الفقهاء الشيعة الذين يختلفون مع بعضهم البعض بفتاويهم بسبب ظنونهم الإجتهادية بفهم النصوص وإعمال النظر في فهم مرادها وكيفية استنباط الحكم منها، ويبدو أنه جهل أو تجاهل أن أئمتنا الأطهار (سلام الله عليهم) لا يقاس بهم أحدٌ من العالمين لأنهم من أهل بيت أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، والظاهر من تلميذ بحث الخارج (ما شاء الله) لم يفهم مفردتي: التطهير وإذهاب الرجس عنهم..! تعلم الفقه المعوج عند علماء عند علماء مشككين مثله مع وفور قابليته للفساد والإفساد، ولم يتعلم أصول العقيدة والتفسير ولم يدرِ ما هو التطهير ولا مفهوم إذهاب الرجس ولم يدرس بحوث أصول الفقه الكاشف عن عدم حجية الخبر الواحد الشاذ في الفقه التشريعي وأُصول العقيدة..!

   إن أهل بيت العصمة والطهارة (سلام الله عليهم) (يا أحمق الزمان) معصومون مطهرون عن الدنس والخطيئة والجهل والنسيان بمقتضى الأدلة القاطعة في الكتاب الكريم والسنَّة المطهرة التي دلت على تنزيهيهم عن الجهل بالأحكام والموضوعات الخارجية، فلا نزاع ولا اختلاف بينهم في إصدار الأحكام والتشريعات التي فوَّضهم الله تعالى بحفظها وتبليغها كما نزلت على رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) فهم مأمونون عليها فلا يشتبهون بتبليغها ولا يضطربون في نقلها ولا يتناقضون فيما بينهم في معرفتها والمراد منها...وحيث إن صاحب الشبهة نسب الخصومة إليهم وجهلهم بمعرفة الأحكام اعتماداً منه (خذله الله) على خبر واحد ينسب إليهم الجهل وهو رجس تجلَّى بالخصومة بين الإمام الأب والإمام الإبن عليهما السلام ما يعني أنه لا يعتقد بعصمتهما التي حباهما الله تعالى بها كما هي الحال في آبائهما وأبنائهما الطاهرين (سلام الله عليهم) ضارباً بذلك نصوص الكتاب الكريم والأخبار الشريفة الدالين بوضوح على طهارة أهل البيت (عليهم السلام) وأنهم عالمون بالأحكام الشرعية والمعارف الإلهية بالعلم الحضوري الذي حباهم به المولى تبارك وتعالى ، وأراد المدَّعي أن يساوي المعصومين ببقية الفقهاء حيث يتنازعون فيما بينهم على فهم الأحكام...وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن هذا المدعي لم يتذوق حلاوة المعرفة بأهل البيت (سلام الله عليهم) ومدى عظمتهم عند الله تعالى وعند جدهم النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)...والأعجب من ذلك أن المدَّعي ينسب إلى الإمامين الصادقين عليهما السلام الإجتهاد في فهم النصوص، وهو لا يدري ما معنى الإجتهاد؟ وهل أن الأئمة الأطهار عليهم السلام مجتهدون في فهم النصوص أم أنهم محدثون عن الله تعالى كما دلت على ذلك الآيات والنصوص الشريفة..؟! يبدو لنا من كلام هذا المنحرف أن الأئمة الأطهار عليهم السلام كغيرهم من الفقهاء يستنبطون الأحكام برأيهم وظنونهم كما يفعل غيرهم من الفقهاء..!! كما أنه لم يصل إلى مستوى فهم حقيقة الإمام والقنوات العلمية التي يتصف بها الإمام عليه السلام، فهذا المدعي قشري بكل ما للكلمة من معنى، ومن كان كذلك لا يمكن لنا ولغيرنا أن يغيِّر من قناعاته الفكرية الفاسدة حول الإمام والإمامة والولي والولاية..!  

  والحاصل: إن ذاك المدَّعي خاوٍ من العقيدة وأصول الفقه والتفسير ودراية الأخبار، ونعتبره من قرود أعمدة الضلالة التي تتخندق هنا وهناك لإضلال المؤمنين وحرفهم عن شريعة سيد المرسلين وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام، ولم يكتفِ بذلك حتى زبد بفمه النجس يتشدق بأنه لن يكّف عن المنافحة" من أجل تخليص نصوص أهل البيت (ع) من سطوة المنهج الفقهي المأوّل لها"؛ فهو بالرغم من كونه جاهلاً بالإنشاء العربي حيث كتب الهمزة على الألف في كلمة (المأوّل) مع أن أصل وضعها اللغوي يجب أن يكون على الواو هكذا(المؤوّلين) إنه يريد إبعاد المؤمنين عن الفقهاء الواقفين في الثغر الذي يلي إبليس وجنوده لأنهم يؤولون النصوص الظاهرة في التقية؛ وهذه التقية التي أشار إليها الكتاب الكريم وعمل بها النبي إبراهيم الخليل عليه السلام ونبي الله موسى عليه السلام في قصر فرعون وشطراً من حياته خوفاً من الظالمين.. وعمل بها أيضاً سيد المرسلين محمد (صلى الله عليه وآله) مع بعض صحابته المنافقين وبعض أزواجه المنافقات، وعمل بها سيدنا أبو طالب عليه السلام في مكة وتبعه على ذلك بعض المؤمنين كعمار بن ياسر الذي نزل بحقه آيات من الكتاب الكريم، وكانت التقية ديدن أمير المؤمنين عليه السلام طيلة إقصائه عن الخلافة وإبعاده عن مسرح القيادة...وهكذا كان الحال مع أئمتنا المطهرين عليهم السلام يتخفون من الحكام الظالمين خوفاً على شيعتهم الأبرار وأوليائهم الأخيار وصدرت منهم أخبار كثيرة في التقية تكشف عن عملهم بها وأمرهم شيعتهم بالتمسك بها لدفع الضرر عن أنفسهم..وحيث إنهم أفتوا بأحكام تتوافق مع المخالفين من باب التقية.. أمرونا بعرض أخبارهم على الكتاب والأخبار المحكمة حتى يتميَّز الصحيح من السقيم، والمستقيم من العليل..ومن هذا القبيل ما ورد في الخبر الذي تمسك به ذاك الضال الحقير، فجعله مناطاً للتشويش على الأحاديث والفقهاء العارفين بأساليب العرض على الكتاب والسنَّة المطهرة، ولم يراعِ ذاك الحقير منهج التقية القاهرة التي عاشها أئمة الهدى ومصابيح الدجى (سلام الله عليهم) فأخذ بالرواية أخذ المسلمات القطعية التي لا تكشف عن الواقع الثبوتي في عالم التشريع باعتبارها صدرت تقية منهم أو أنها ملفقة عليهم حتى لو كان سندها في غاية الجودة، إذ إن الملاك والمناط في دراية الأحاديث إنما هو في الخبر الموثوق الصدور لا الخبر الثقة كما هو معلوم في أصول الفقه الجعفري، فلا يهمنا الخبر الثقة لوحده ما لم تقم القرائن والشواهد الداخلية والخارجية على صحته، ولو كان الخبر الثقة كافياً لوحده لما كان هناك اجتهاد ولا استنباط، بل لكانت الأحاديث مسرحاً لكلِّ هاوٍ وطامح يعمل بها كيفما شاء وكيفما تحلو قريحة المطلع عليها ولما كان هناك مفتون ومستفتون، مجتهدون ومقلدون، ولكنتم رأيتم العجب العجاب في تناقض الأحكام مع بعضها البعض بسبب وفرة الأخبار الصادرة عن تقية والمتعارضة مع الكتاب والأخبار القطعية المتسالم عليها بين الأعلام قديماً وحديثاً..!

 يبدو لنا أن هذا المدعي لم يدرس أصول الفقه ولم يجلس تحت منبر علمي مستقيم في الحوزة العلمية ولم يطلع على التفسير والأخبار الشريفة...وذلك واضح لمن قرأ اعتراضه على الأئمة الطاهرين عليهم السلام وأخبارهم التي يتدارسها الأعلام من فقهاء ومتكلمي الإمامية منذ عصر الأئمة الأطهار (سلام الله عليهم) حتى يومنا هذا...!! 

   وما يكشف زيفه هو اعتماده على خبرٍ تفوح منه رائحة الدس والتلفيق على سادة الكون من آل محمد (سلام الله عليهم) أو على أقل تقدير تفوح منه رائحة التقية التي عاش تحت ظلالها أئمة الهدى (سلام الله عليهم) حتى لو كان الإمامان الصادقان (سلام الله عليهما) ومعهما زرارة كما سوف نبيّن وجه الحكمة من المنازعة الصورية أمام زرارة رحمه الله..فصاحب الشبهة هذا الكذاب الدجال لم يأخذ بنظر الاعتبار ظروف التقية التي عاشها أئمتنا الطاهرون (صلى الله عليهم) حتى من أصحابهم الذين كان يخاف عليهم أئمتنا الطاهرون (عليهم السلام) من الحكام الظالمين، فكانوا عليهم السلام يتحدثون أمام بعضهم تقية حتى إذا ألزمتهم ظروف السطوة من الحكام وضغطوهم للبوح بأسرار الأئمة الأخيار فلعلهم كانوا يبيحون بما سمعوه من الأئمة الأطهار عليهم السلام، فتحدثوا أمامهم بالتقية ليكون ذلك خشبة خلاصهم وفكاك رقابهم من سيوف الظالمين..وما المانع العقلي والنقلي في أن يتحدث الإمامان الصادقان عليهما السلام بحكم شرعي لسان حاله التقية الواجبة، فواحد يتوافق مع المخالفين والآخر يخالفه تقية..!!؟ وإن كنا نميل إلى أن الخبر ملفق على سادة الهدى عليهم السلام؛ ولكن لو فرضنا جدلاً صحة صدوره منهم عليهم السلام فلا بدَّ لنا أن نوجهه بما يتلائم والأصول الاعتقادية بحق الإمام المعصوم عليه السلام لأنه لا ينطق عن الهوى ولا ينازع معصوماً مثله، لذا نقول وبالله تعالى نستعين:

 إن الزكاة الواردة في الخبر الذي تمسك به على تلفيق مراده، هي الزكاة المستحبة لا الواجبة التي صرح بها المولى أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، والظاهر أن منازعة الإمامين الظاهرية الصورية كانت لأجل ثلاثة أمور هي ما يلي:

   (الأمر الأول): المنازعة الصورية التي جرت بينهما إنما كانت لأجل إسكات العامة بحيث يتصوروا إن ابن وهو الإمام الصادق عليه السلام نازع أباه الإمام الباقر عليه السلام ولم يقبل منه، لأنه لا يقول إلا ما نقل عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الله عز وجل ولم يعمل في أحكام الله تعالى بالمناهج التي يعمل بها المخالفون كالرأي والقياس والاستحسان، وكأن الإمام الصادق عليه السلام يضع نفسه موضع المخالف السائل المعترض على الإمام الباقر عليه السلام، فمعارضته لأبيه صورية وليست واقعية وحقيقية من باب "إياك أعني واسمعي يا جارة" ولهذه القضية الصورية لها نظائر متعددة في باب العقائد والأحكام، فإذا كان المدعي من تلامذة البحث الخارج واقعاً لكان عرف موارد التقية وكيفية التعامل معها حتى على مستوى معصومين من أئمة الهدى عليهم السلام .

  (الأمر الثاني): كانت المنازعة من باب التقية في تبليغ الأحكام وإن كانا لوحدهما مع وجود زرارة، ولعلَّ ما جرى لأجل الخوف على زرارة من الحاكم الظالم أن يحتز رقبته لو نقل الحكم الواقعي في الزكاة، فكان الحوار بين الإمام الأب والإمام الإبن من أجل دفع الضرر عن زرارة وغيره من الشيعة..!

   (الأمر الثالث): أن تكون المنازعة لبيان الواجب والمستحب من الزكاة، وحيث إن الزكاة الواجبة قليلة، فلا تكفي لسد جوع الفقراء في بعض الأحيان باعتبارها واجبة في كلّ عام بعكس الزكاة المستحبة التي تدر الأرزاق كل يوم على الفقراء والمساكين، من هنا تظاهر الإمام الصادق عليه السلام بالدفاع عن الزكاة المستحبة التي تنفع الفقراء والمساكين كل يوم، بينما اقتصر الإمام الباقر عليه السلام على الواجب، وقد توافق الإمام الصادق عليه السلام مع أبيه في خبر آخر حيث جرى بينه وبين ابنه إسماعيل رضي الله عنه نظير ما جرى بين الإمام الباقر والصادق عليهما السلام فأفتى الإمام الصادق عليه السلام بعدم الزكاة في المال المضطرب أي المتاجر به وإنما الزكاة الواجبة في أمور أخرى كالغلات الأربعة والأنعام والذهب والفضة، فقد روى الشيخ الطوسي في التهذيب بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال عن محمد واحمد عن علي بن يعقوب الهاشمي عن مروان بن مسلم عن عبد الله بن بكير وعبيد وجماعة من أصحابنا قالوا قال أبو عبد الله عليه السلام ليس في المال المضطرب به زكاة فقال له إسماعيل ابنه يا أبت جعلت فداك أهلكت فقراء أصحابك فقال: أي بني حق أراد الله أن يخرجه فخرج . 

  بما تقدم يتضح: أنه لا وجه لما ادعاه ذاك الضال، وأحكام التقية في الأحكام الشرعية كثيرة، ولو كان المدعي عالماً لعرف مواردها التي لا يخلو باب من أبواب الفقه إلا وفيها بعض الأخبار الصادرة عن تقية، إلا أن حاله ظهر جلياً للعوام والخوص أنه من المعاندين والنواصب البتريين يريدون إضلال المؤمنين تحت ستار البحث العلمي وشعارات البحث الخارج وما شابهها من هرطقات لا تمر على العلماء الأعلام، والحمد لله رب العالمين بقصم ظهر ذاك اللعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حررها العبد الفاني محمد جميل حمّود العاملي

بيروت بتاريخ 29 رجب الأصب يوم الجمعة 1438هجري


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1448
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 05 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29