• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : علم الرجال .
              • القسم الفرعي : مواضيع رجاليّة .
                    • الموضوع : هل سرق عبد الله ابن عباس أموال البصرة ؟ .

هل سرق عبد الله ابن عباس أموال البصرة ؟

الإسم: *****

النص:

اللهم صل على محمد وآل محمد 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

حياكم الله سماحة المحقق اية ألله العاملي 

هناك روايات عن أهل البيت عليهم السلام في انحراف ابن عباس منها رواية صحيحة السند في تغسير القمي ورواية أخرى في كتاب الكافي الشريف يصف الإمام ابن عباس بأنه منحرف وخائن وقال أيضا الشيخ عباس القمي رحمة ألله عليه بأن مسألة سرقة ابن عباس لمال البصرة حيرت المحققين فما هو رأيك مولانا؟

شكرا جزيلا لكم اخوكم *****

 

بسمه تعالى

السلام عليكم

الجواب: ابن عباس من الصحابة الأجلاء عند النبي وأمير المؤمنين علي عليهما السلام، والرجل كان من المحبين لأمير المؤمنين وأهل بيته الأطهار عليهم السلام وكان تلميذه المخلص، وإخلاصه للأمير سلام الله عليه أشهر من أن يخفى، وقد ذكر الكشي أحاديث تتضمن قدحاً به، وكلها ضعيفة السند ومتوافقة مع أخبار المخالفين، وبغضه لعائشة وأعمدة السقيفة مشهور ومشهود له، لذا لا يعول على ما يقال فيه من القدح، ونحن كنا قد بحثنا في الزمن الماضي في حال ابن عباس، وها نحن نعرضه عليكم كما هو بما يلي:

 

الإسم: ********

النص: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 كيف حالكم سماحة الشيخ الموقر المرجع العاملي يحفظه الله تعالى إلهي آمين

 اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم

 شيخي أصبحت أتوافد بكثرة على موقعكم المبارك حبا للعلم وطلبه في سبيل الله تعالى شأنه 

 شخصياً أنا متأثر بالشيخ ياسر الحبيب ولكني بدأت بمراسلتكم ومعرفة بعض الأمور التي يختلف فيها أو يخالف بها الشيخ ياسر الحبيب المشهور من علماء الإمامية في بعض الشخصيات كعبد الله بن عباس رحمه الله وغيره ولكني لا اوافقه في رأيه بهذه الشخصيات بل جنحت إلى رأيكم في هذه الشخصيات ولكن احتاج بيان رد الشبهات وعندي أسئلة أتمنى من جنابكم الكريم توسعة صدوركم لنا إن شاء الله تعالى واتمنى ان تدعوا لنا بالصحة والعافية إن شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الموضوع الفقهي الرجالي: هل سرق عبد الله ابن عباس أموال البصرة ؟/ قصة السرقة هي من تلفيقات بني أُميَّة / توافق الشيخ ياسر حبيب مع الكاتب المصري طه حسين الملفّق على ابن عباس / شهرة ابن عباس العلمية والجهادية والولائية تغني عن التشكيك به / مشاركة عبد الله بن عباس في الحروب الثلاثة التي خاضها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام / عداوة ابن عباس لعائشة ولبني أُمية كانت مشهورة / سببان استدعيا التشكيك بابن عباس / الإيراد على السببين المذكورين/ ضعف الأخبار المشكّكة بابن عباس وموافقتها لبني أمية/ ترجيح الأخبار المادحة لابن عباس/ روايتان تاريخيتان تنعتان ابن عباس بسرقة أموال البصرة/ الإيراد على الروايتين المذكورتين بتسعة وجوهٍ مهمة تشفي غليل العطشان إلى المعرفة / إشكالٌ وحلٌّ / الأسباب الداعية إلى افتعال قصة سرقة ابن عباس لأموال البصرة.

بسم الله الرَّحمان الرَّحيم

 الحمد لله كما هو أهله؛ والصلاة والسلام على أشرف خلقه وقادة رسله محمد رسول الله وآله الطيبين المطهرين، سفن النجاة والعروة الوثقى وحبل الله المتين وصراطه المستقيم وائمة المؤمنين المتقين؛ واللعنة السرمدية الأبدية على أعدائهم ومبغضيهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين...وبعد.

السلام على الأخ الكريم والمؤمن الفاضل العزيز....ورحمة الله وبركاته ودامت تأييداته

   استعراض الأسئلة والإجابة عليها: 

س1/ سرقة إبن عباس رضوان الله تعالى عليه مال مدينة البصرة هل هو ثابت حيث يتخذه البعض من أعظم المآخذ عليه ما ردكم مولانا؟ 

بسمه تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    الجواب على السؤال الأول:

    إن موضوع اتّهام ابن عباس بسرقة أموال بيت مال البصرة ، حينما كان والياً عليها من قبل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام؛ ليست صحيحة أصلاً، وقد افتراها عليه بنو أُمية، فدسوها في أخبارنا، فظن بعض الحشوية من الشيعة -كالشيخ ياسر الحبيب الكويتي - ممن لم يحققوا في المواضيع العلمية بسبب قلة بضاعته العلمية، فمشوا مع الموجة الأموية التي لم تترك لنا مصدراً تاريخياً إلا وتناولته بأقلامها السامة، فركَّبوا الأسانيد على المتون للقدح بأصحاب أمير المؤمنين أسد الله الغالب مولانا إمام المتقين سيِّدنا عليّ بن أبي طالب عليه السلام؛ وقد نقحنا موضوع التحريف في كتابنا الجليل الموسوم بـ (إفحام الفحول في شبهة تزويج عمر بن الخطاب بمولاتنا الصدّيقة أُم كلثوم عليها السلام)؛ حيث ذكرنا هناك أن قصة التزويج بهتان وزور على ابنة أمير المؤمنين عليهما السلام وهي من جملة التلفيقات على أئمة الهدى عليهم السلام، وقد انطلت اللعبة الأموية على السذج من علماء الشيعة ممن ليسوا من أهل التحقيق في الأسانيد والمتون؛ ومشكلة بعض علماء الشيعة هي أنهم دسوا أنفسهم في مطالب علمية وفقهية وتاريخية ليست من اختصاصهم كمدَّعي الطبابة وهو ليس بطبيب، وهي في الواقع مأساة كبرى حلَّت على الطائفة المحقة، حتى صار الرويبضة يتكلم في قضايا الفقه والعقيدة والتاريخ وهو من أبعد الناس عنها؛ فعندما يدخل الطالب إلى الحوزة ويعتمر عمامة على رأسه، يظن نفسه أنه عالم هذه الأمة ونحرير هذه الطائفة المسكينة التي تلاعبوا في مقدراتها ومعالمها الشريفة، فيجلس على كرسي الإفتاء، فيفتي بغير علمٍ، ويحكم بغير تقوى وورع...فيذري الأخبار ذرو الريح للهشيم كما أفاد المحدث الكليني في أصول الكافي ج 1 ص 54/ باب البدع بإسناده عن مسعدة بن صدقة  عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام ناقلاً عن جده مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في إحدى خطبه الشريفة فراجعوها. 

  وهذا هو حال الشيخ ياسر حبيب؛ حيث لم يتلمذ على أستاذ ولم يدرس في حوزة، بل فجأة طلَّ علينا من لندن، يفتي الناس وتمد إليه الأموال الطائلة من دون حساب....!، ما يدعو للريبة والشك بل والقطع بأن هذا الرجل اصطنعته الظروف المحلية والإقليمية ليفتك بجسم الطائفة الشيعية المسكينة تحت عنوان براءته من عائشة، ولكنه في الواقع يبثُّ سمومه على أحد أولاد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام كمحمد بن الحنفية رضي الله عنه، وبعض شيعته المخلصين كعمه العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله والمختار الثقفي رضي الله عنهم..إلخ؛ ولم يفلت من سطوته علماء في هذه الطائفة، والعبد الأحقر محمد جميل حمود ناله النصيب الوافي من سمومه وطعناته القاتلة بغير حقٍّ، فنصب لنا البغضاء والعداوة منذ عشر سنين لما رددنا عليه بفتوى اجترحها حول طهارة النواصب؛ وبدأت حملته علينا من هنا وهناك حتى نعتنا بالأحمق والجاهل في مقالة له منشورة على موقع (يا حسين عليه السلام) ولم يتوانَ الشيخ المذكور بافتراءاته علينا حتى حرّض علينا الفساق ممن أحسن الظن به أو ممن استفاد من هرطقاته بسبب الخبث واللؤم اللذين تخنمر به ذواتهم الخبيثة على العلماء المجاهدين المرابطين على الثغر الذي يلي إبليس وجنوده...وشكونا منه إلى الله تبارك شأنه حيث لا يتركنا في وقت الشدة والعسر...!.

  والحاصل: إن تهمة ابن عباس بسرقة أموال البصرة ليس لها نصيب من العلم والحق؛ بل هي كما أشرنا أعلاه من تلفيقات بني أمية وأعمدة السقيفة لعنهم الله تعالى؛ واغتر بها بعض السذج من دون تحقيق وخوف من العقاب والحساب، لكونهم متوافقين مع بعض كتّاب المخالفين ، مثل طه حسين في كتابه " الفتنة الكبرى"، بل نسبوا إلى ابن عباس أنه فارق الإمام عليَّاً عليه السلام بعد سرقة أموال البصرة؛ من دون أن يتعرّض أي منهما للتحقيق فيها مباشرة ، بصورة جديّة؛ لم ينصف التاريخ الأموي ابن عباس تلك الشخصية الفذة ، الذي قام بدور رئيسي في تأييد الإمام علي عليه السلام ، سواء في حياة الإمام عليه السلام، أو تأييد حق الإمام علي عليه السلام وحق أهل البيت عليهم السلام بعد شهادة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام؛ وابن عباس قد اشتهر بصراحته المثيرة ، ومواقفه الجريئة، بل هو الانسان الذي كان - وما يزال - يتمتع بالاحترام والتقدير ، وله شهرة علمية وأدبية واسعة ، والتي لم تكن لتكون له ، لو لم يتمتع بالمؤهلات الحقيقية والنادرة ، التي رسخت بمعطياتها هذه الشهرة الواسعة ، وجسدت المثال الحي للشخصية التي تستحق كلّ هذا الاحترام ، وكل ذلك التقدير . . ولكننا نلاحظ : أنه قد نسب إلى هذا الرجل بالذات : ابن عباس : ما يعكّر صفو كرامته ، ويطعن في نزاهته ، وينزله من أوج الجلال والمهابة . . إلى حضيض الذل والمهانة . . لقد نسب إليه : سرقة بيت مال البصرة ، وشهرة ابن عباس تغني عن التعرض له بسوء فهو : عبد الله بن العباس ، بن عبد المطلب ، بن هاشم ، بن عبد منا، أبوه: العباس ، عم النبي ، أمه : أم الفضل ، لبابة بنت الحارث الهلالية . . ولادته : قبل هجرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بثلاث سنين ، عند ما كان بنو هاشم محصورين في الشعب من قبل قريش . . وقيل : بل قبل الهجرة بخمس سنين ، وقيل غير ذلك . والأول هو الأشهر ، و عليه الأكثر . وفاته : في سنة 68 ه‍ . على أشهر الأقوال ، أي : في خلافة عبد الملك بن مروان في الشام ، وعبد الله بن الزبير في مكة . . عن عمر نيف على السبعين . وكانت وفاته بالطائف ، وصلى عليه محمد بن الحنفية ..شهد مع أمير المؤمنين علي عليه السلام: حرب الجمل، وله مواقف مشهودة ضد عائشة ،كان على مقدمة جيش أمير المؤمنين علي عليه السلام في حرب الجمل كما ذكره الشيخ المفيد في كتاب الجمل ؛ لكن يظهر من آخرين أنه كان على ميمنة جيشه فيها وشارك في حرب صفين ، والنهروان ؛ وكان على ميسرة جيش أمير المؤمنين علي عليه السلام في صفين، ولاه أمير المؤمنين علي عليه السلام على البصرة بعد حرب الجمل ، واستمر والياً عليها إلى أن قتل أمير المؤمنين علي عليه السلام في سنة أربعين .

وولى البصرة أيضاً من قبل الإمام عليه السلام ، وبقي عليها إلى أن صالح الإمام المجتبى الحسن عليه السلام معاوية على شروط لم يف بها معاوية له . . ويقال : إنه شهد الصلح أيضاً؛ وقد رشحه الإمام علي عليه السلام ممثلاً عنه في التحكيم بعد صفين ، فرفضه أولئك الذين أصبحوا فيما بعد الخوارج . . ناظر الخوارج في النهروان ، وكان يلقي عليهم ما يلقنه إياه الإمام عليه السلام ، فرجع منهم - على ما قيل - ألفان عن غيهم وضلالهم؛ كان مع الطالبين الذين حصرهم ابن الزبير ، وجمع الحطب حول دورهم ، وأراد إحراقهم ، فأنقدتهم النجدة من الكوفة من شر أبن الزبير . .اشتهر عنه : أنه كان يكتب الحديث ، ويحتفظ به ، ويقصد بيوت الصحابة في طلب، اشتهر بالتفسير والفقه ، وقوة العارضة في الجواب ، وايراد الحجيج . .له مواقف ، واحتجاجات ومناظرات مشهورة مع عمر بن الخطاب ومعاوية وابن العاص ، ومروان ، وابن الزبير . . وغيرهم من أعداء أمير المؤمنين علي عليه السلام وأهل بيته . .كف بصره في آخر عمره ، فعيره معاوية بذلك ، حيث قال له : أنتم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم . فقال له ابن عباس : وأنتم يا بني أمية تصابون في بصائركم ؛ وفقده بصره كان هو المانع له عن الخروج مع الإمام سيّد الشهداء الحسين عليه السلام .

سببان استدعيا التشكيك بابن عباس والحكم عليه بالخائن هما التالي:

  الأخبار التي قدحت به؛ وسرقة أموال البصرة.

 أمَّا الأخبار التي قدحت به: فهي خمسة روايات وكلُّها ضعيفة السند، فلا تصلح للاحتجاج بها والقدح بابن عباس، وذلك لمعارضتها للأخبار المادحة له، وقد روينا جملةً منها في بعض بحوثنا حول ابن عباس فلتراجع من الموقع الالكتروني؛ والفقيه المجدّ يعلم بالقطع واليقين بأن أخبار الذم مصدرها المدرسة العمرية والأموية معاً، فلا خير فيها ولا يجوز التعويل عليها أبداً، فإن الرشد في خلاف أخبارهم، لا سيّما وأن أئمة الهدى عليهم السلام أمرونا بعرض الأخبار المتعارضة على أخبار العامة، فما وافقهم يضرب به عرض الجدار، وحيث إن الأخبار القادحة بابن عباس متوافقة مع أخبار العامة، فلا يجوز شرعاً - والحال هذه - الاعتماد عليها والركون إليها؛ لأن الركون المذكور يستلزم طرح أخبارهم الأخرى المناهضة لأخبارهم الصحيحة المخالفة لأخبار المخالفين، حتى ولو من باب احتمال صدورها عنهم عليهم السلام، وذلك لأن الاحتمال المذكور متساوٍ مع احتمال صدور أخبار الذم له، فمقتضى القاعدة الدرائية تقديم الأخبار المادحة على الأخبار القادحة، وهو موافق للورع والاحتياط في رجالات الشيعة المعروفين بمواقفهم الرائعة وقت الشدة على أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه التي خاضها ضده أعداؤه كعائشة ومعاوية والخوارج وغيرهم .  

 أمَّا قصة سرقة أموال البصرة: فإن الراوي لقصة سرقته لأموال البصرة هما رجلان هما: قيس بن سعد الغاضب وابن الزبير؛ وهما من أعوان بني أمية، فكيف يصح – والحال هذه – أن يحتج بها الشيخ ياسر حبيب وغيره؟! وهل يحتج بروايات مصدرها عامي تنسب إلى رجل يشهد التاريخ بمواقفه المشهورة ضد أعمدة السقيفة وبني أمية...؟! نعم من ليس لديه حريجة في القذف والبهتان لا يتورع عن القذف والبهتان حتى لأمثال محمد بن الحنفية والعباس بن عبد المطلب والمختار الثقفي...!!.

 والرواية الأولى ذكرها طه حسين في الفتنة الكبرى، والثانية رواها ابن أبي الحديد في شرح النهج، وهما الآتيتان: 

  رواية قيس بن الغاضب:

  وفيها قال:"... وعند ما لحق عبيد الله بن العباس بمعاوية ، الذي جاء لحرب الحسن عليه السلام ، حيث أغراه بالمال . . قام قيس بن سعد ، فخطب في الجند حينئذٍ ، وقال : « إن هذا ، وأباه ، وأخاه لم يأتوا بيوم خير قط : إن أباه عم النبي ، خرج يقاتله بيدر ، فأسره أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري ، فأتى به رسول الله ، فأخذ فداءه وقسمه بين المسلمين ، وان أخاه ولاه على أمير المؤمنين على البصرة ، فسرق مال الله ، ومال المسلمين ، فاشترى به الجواري ، وزعم ان ذلك له حلال ».

 رواية ابن الزبير:

  لقد جاء في رواية عبد الله بن الزبير التعرض لابن عباس، وسرقته لبيت مال البصرة ، فقال بحيث يسمعه ابن عباس : « . . . وان ها هنا رجلاً قد أعمى الله قلبه ، كما أعمى بصيرته ، يزعم : إن متعة النساء حلال من الله ورسوله ، ويفتى في القملة والنملة ، وقد احتمل بيت مال البصرة بالأمس ، وترك المسلمين بها يرتضخون النوى . وكيف ألومه في ذلك ، وقد قاتل أم المؤمنين عائشة ، ثم ذكر جواب ابن عباس له ، فكان مما قاله : وأما حملي المال،  فإنه كان مالاً حبيناه ، وأعطينا كل ذي حق حقه ، وبقيت بقية ، دون حقنا في كتاب الله ، فأخذناها بحقنا . . »

الإيراد على الروايتين المتقدمتين بالوجوه الآتية:

  (الوجه الأول): الرواية من مصادر المخالفين، وبعضهم مجهول الحال في تراجم العامة؛ فهي تشتمل على مجهولين - كرجل من أهل اليمامة ، وسليمان بن راشد ، وغير ذلك - أو على من عرفوا بالانحراف عن أهل البيت ، والبغض لأمر المؤمنين علي وآله عليهم السلام ، وممالاتهم لأعدائهم ومناوئيهم ، كالشعبي ، والزهري وغيرهما . .

 (الوجه الثاني): تذكر لنا هذه الرواية : ان ابن عباس يتهم الإمام علياً عليه السلام في بعض رسائله به:" بأنه أنما أراق دماء المسلمين ، من أجل الملك والسلطان ، الأمر الذي أثار عجب علي عليه السلام ، الذي قال : وابن عباس ، ألم يشركنا في هذه الدماء ؟ ! ".

وهذا ينافي ما جرى بينه وبين ذلك الشامي ! الذي سأله عن الدماء التي سفكها أمير المؤمنين علي عليه السلام ، حيث أثبت له ابن عباس بعد موت الإمام علي عليه السلام : ان سفك الإمام علي عليه السلام لتلك الدماء كان بالحق ، لأنها كلها كانت تستحق القتل ، وقد أطال في اثبات هذا الأمر ، حتى اقتنع ذلك الشامي ، وأقر ، وعاد إلى موالاة الإمام علي عليه السلام؛ كما انه لا يتفق مع مواقف ابن عباس السابقة واللاحقة في دفاعه عن مواقف الإمام علي عليه السلام ، وتأكيداته المتكررة لكل خصوم الإمام عليه السلام : أنه عليه السلام كان على الهدى والحق ، ولم يكن يقصد في كل مواقفه إلا رضى الله تعالى . . بخلاف أعدائه ومناوئيه : معاوية ، ومن لف لفه ، وابن الزبير ، وغيرهم ، فإنهم كانوا طلاب ملك وسلطان.

 (الوجه الثالث): لم نجد في الأخبار لابن عباس ما يدل على أنه كان يمتلك ثروة كبيرة ، ولا ترك ما يثبت ذلك كملكه لدور ، أو ضياع ، أو موالي ، أو هبات لشعراء ، أو فقراء ، أو صلات لذوي رحم ، أو غير ذلك ، بل لم نجد ما يدل على امتلاكه لجزء من مئة جزء مما يقال : انه اختلسه من بيت مال البصرة ! ! . فأين ذهب ذلك المال الذي عبأه ابن عباس في الغرائر ؟ ! . وماذا جرى للستة ملايين دينار التي ذكرتها أخبار العامة القادحة بابن عباس؟!. 

 (الوجه الرابع): لقد أنكر عمرو بن عبيد ، المعروف بانحرافه عن أمير المؤمنين علي عليه السلام ، على سليمان بن علي  بن عبد الله بن العباس : أن يكون ذلك قد صدر من عبد الله بن العباس ، واحتج لذلك في جملة ما احتج بقوله : ( وأي مال يجتمع في بيت مال البصرة ، مع حاجة علي إلى الأموال ، وهو يفرغ بيت مال الكوفة في كل خميس ، ويرشه ، وقالوا : انه كان يقيل فيه ؛ فكيف يترك المال يجتمع بالبصرة ؟ ! ) . لا سيما إذا كان مبلغ هذا المال ستة ملايين دينار ، التي تحتاج لاجتماعها إلى مدة طويلة ، لا يصبر عليها أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي كان لا يزال يعمل ، ويتجهز من أجل العودة إلى صفين لمحاربة معاوية . .

 (الوجه الخامس): إن النصوص التاريخية، تدل على أن ابن عباس لم يزل على البصرة والياً حتى قتل أمير المؤمنين علي عليه السلام ؛ وقد ذهب إلى ذلك عدد من المؤرخين، وقد اعترف نفس أولئك الموردين لقضية السرقة بوجود المنكرين لها ،حتى لقد احتمل الراوندي : أن يكون السارق هو عبيد الله بن العباس لا عبد الله . . ورده ابن أبي الحديد : بأن عبيد الله كان والياً على اليمن ، لا على البصرة ؛ ومهما يكن الأمر؛ فقد أنكر ذلك بعضهم ، وقال : لم يزل عاملاً عليها للإمام علي عليه السلام ، حتى قتل عليه السلام ، وشهد صلح الحسن مع معاوية ، ثم خرج إلى مكة . ونقل الطبري عن أبي عبيدة  أنه قال : ( ان ابن عباس لم يبرح من البصرة حتى قتل[ الإمام] علي عليه السلام ؛ فشخص إلى [ الإمام] الحسن عليه السلام؛ فشهد الصلح بينه وبين معاوية ، ثم رجع إلى البصرة ، وثقله بها ؛ فحمله ، ومالاً من بيت المال قليلاً..".

 ومما يؤيد ما أشرنا إليه من بقاء ابن عباس والياً على البصرة حتى شهادة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ما أشار إليه ثلة من المؤرخين نظير ما قاله عمرو بن عبيد لسليمان بن علي : ( ابن عباس لم يفارق علياً حتى قتل ، وشهد صلح الحسن . . ) . وقال ابن كثير : ( . . وتأمر على البصرة من جهة علي [ عليه السلام]، وكان إذا خرج منها يستخلف أبا الأسود الدؤلي على الصلاة ، وزياد بن أبي سفيان على الخراج ، وكان أهل البصرة مغبوطين به، يفقههم ، ويعلم جاهلهم ، ويعظ مجرمهم ، ويعطي فقيرهم ، فلم يزل عليها حتى مات علي[ عليه السلام] ، ويقال: إن علياً [ عليه السلام] عزله عنها قبل موته . . ) .

وقال ابن حجر : ( . . فلم يزل ابن عباس على البصرة حتى قتل علي [ عليه السلام] ؛ فاستخلف على البصرة عبد الله بن الحارث ، ومضى إلى الحجاز . . ) . 

كانت تلك طائفة من الأقوال ، التي تؤيد بقاء ابن عباس والياً على البصرة إلى ما بعد مقتل أمير المؤمنين علي عليه السلام .

 كلام ابن حجر بأن عبد الله بن الحارث حلَّ محل عبد الله بن عباس على البصرة غير صحيح، وذلك لأن العلامة الشيخ الإربلي رحمه الله في كشف الغمة نقل عن أبي مخنف لوط بإسناده عن أبي إسحاق السبيعي وغيره قالوا:" خطب الإمام الحسن عليه السلام صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين عليه السلام... إلى أن قال: فقام عبد الله بن عباس بين يديه فقال: معاشر الناس هذا ابن نبيكم ووصيّ إمامكم فبايعوه..إلى أن قال: فرتّب العمال وأمّر الأُمراء وأنفذ عبد الله بن عباس إلى البصرة...". وهذه الرواية من أصح الروايات الدالة على أن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام كان راضياً عن ابن عباس رضي الله عنه، لذا نراه قد نصبه والياً على البصرة بعد شهادة أبيه، فلو كان سارقاً لما كان جاز للإمام الحسن عليه السلام أن يعيد تنصيبه بعد أبيه على البصرة...ولو فرضنا جدلاً أنه قد سرق أموال البصرة، فما المانع من أن يكون قد تاب، فتاب عليه الله تعالى ووليّه الحجة الإمام الحسن عليه السلام، وبالتالي فلا يجوز للشيخ ياسر حبيب وأمثاله من أدعياء العلم أن ينسبوا إلى ابن عباس ما لا يليق به...!.

وسوف نتطرق في الوجه السادس إلى كلمات جملة من علماء العامة الذين أكدوا توبته على فرض أنه كان سارقاً.

 إشكال وحل: 

  إن قيل لنا: إن ابن عباس كما تذكر رواية الإربلي كان في الكوفة ليلة مقتل أمير المؤمنين عليه السلام، ما يعني أنه لم يكن والياً على البصرة، وكذلك ما رواه الشيخ المفيد بأن ابن عباس كان في الكوفة حين مقتل أمير المؤمنين علي عليه السلام ، حيث كان في رمضان الذي قتل فيه ، يفطر يوماً عند الحسن ، ويوماً عند الحسين ، وثالث عند عبد الله بن العباس ، لا يزيد علي ثلاث لقم . . )؛ وكذلك ما رواه ابن أبي الحديد بأن المدائني قال ": ولما توفي علي عليه السلام ، خرج عبد الله بن العباس بن عبد المطلب إلى الناس ؛ فقال : إن أمير المؤمنين عليه السلام قد توفي ، وقد ترك خلفاً ، فان أحببتم خرج إليكم ، وان كرهتم فلا أحد على أحد ؛ فبكى الناس ، وقالوا : بل يخرج إلينا ، فخرج الحسن عليه السلام ، فخطبهم . . إلى ان قال : فبايعه الناس . . )؛ فكيف تدَّعون أنه كان والياً عليها إلى ما بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام..؟.

   والجواب: وجود ابن عباس في الكوفة في شهر رمضان كلّه لا يعني بالضرورة أن أمير المؤمنين عليه السلام قد عزله عنها، مع أن النصوص القادحة فيه، تشير إلى أنه ذهب إلى الطائف أو مكة واعتزل فيهما وهجر أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام، فوجوده في الكوفة يبطل الدعوى المذكورة من أساسها.

  هذا بالإضافة إلى أن ابن عباس كان يخرج من البصرة أياماً عديدة ويخلف عليها أبا الأسود الدؤلي، فما المانع الشرعي والعقلي من أن يكون قضى عطلته السنوية للتفرغ للعبادة في الكوفة بجوار أمير المؤمنين عليه السلام والتذود منه ؟؟؟!.  

 (الوجه السادس): على فرض أن ابن عباس سرق أموال البصرة؛ ولكنه - كما تذكر المصادر العاميَّة - أنه رجع إلى الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام وتاب إلى ربِّه من ذنبه؛ فعن أبي أراكة قال :" إن ابن عباس قد ندم، واعتذر إلى الإمام علي عليه السلام ؛ وقبل أمير المؤمنين عذره..". وقال السدي : ( كان الشيطان قد نزغ بين ابن عباس ، وبين علي[ عليه السلام] مدة ، ثم عاد إلى موالاته . . ).

  وتوبة ابن عباس عمَّا سرق من أموال البصرة، يجب أن تكون الحاكم على قدح الذامين به، فلا يؤاخذ بجريرة تاب واستغفر منها، وقبلها منه المعصوم عليه السلام؛ فلماذا يصرُّ الذامون على القدح فيه والنيل من كرامته..؟ فلم نجد سبباً إلى ذلك سوى القذف والتشهير - بغير حقٍّ - في شخصيةٍ  عُرِفَتْ ببغضها وعدائها لأعداء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام...!؛ ما يستلزم الاعتقاد بأن ثمة غاية عند هؤلاء الموتورين الحاقدين على ابن عباس بسبب ولائه لأهل البيت عليهم السلام وبغضه لأعدائهم ومحاربته لهم لا سيَّما عائشة وبني أمية..!.

 ولو كان الشيخ ياسر حبيب ذا ورع وتقوى وتحصيلٍ علمي...لما كان غضَّ الطرف عن النصوص التاريخية الكاشفة عن حسن اعتقاد عبد الله بن عباس بأهل البيت عليهم السلام؛ لكنَّ العصبيَّة المقيتة كانت المحرك الرئيسي له للقدح بابن عباس وأمثاله من أعلام الولاء لأهل البيت عليهم السلام كالمختار الثقفي ومحمد بن الحنفية والعباس بن عبد المطلب...إلخ؛ ووراء الأكمة ما وراءها...!.   

(الوجه السابع): إن ما تقدم من نصوص دالة على أن ابن عباس كان في الكوفة في شهر رمضان عام شهادة أمير المؤمنين عليه السلام تدحض مزاعم من نسب إليه السرقة...إذ كيف يعقل أن يكون سارقاً ويستقبله الإمام الحسن عليه السلام ثم ينصبه من جديد والياً على البصرة...؟ بل كيف يُعقل أن يكون سارقاً وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يفطر عنده..؟ وهل يفطر الأمير عليه السلام عند سارق لأموال الفقراء والمساكين..؟؟!! وإذا كان سارقاً وجاحداً لفضل أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ومات على ذلك الضلال والكفر...فلماذا صلى عليه محمد بن الحنفية ابن أمير المؤمنين عليه السلام ؟ وهل تجوز الصلاة على كافر..؟؟ كلا وألف كلا، كلّ هذه الأسئلة تأخذ بأعناقنا بأن ابن عباس ليس كما نسجته تلك الأسطورة الخيالية..بل لا يعتقد بهذا إلا ناصبي لدود أو جاهل عنود...!.

 (الوجه الثامن): أنه على فرض أن لهذه القضية أساس من الصحة ؛ فإن ما يمكن أن يكون قد حصل هو ما ذكره اليعقوبي وابن أعثم الكوفي في كتابه (الفتوح)  على ما نقل عنه بالآتي :

  " أنه لما ذهب عبد الله بن عباس إلى الحج ، واستخلف زياداً على الخراج ، وأبا الأسود على الصلاة ، وقع بينهما بعد خروجه تنافر ؛ فهجاه أبو الأسود ؛ فلما رجع ابن عباس شكاه زياد ، وقرأ عليه أهاجيه فيه ؛ فغضب ابن عباس ، وسبَّ أبا الأسود ، فاحتال أبو الأسود ، فكتب إلى أمير المؤمنين : ان ابن عمك خان في بيت المال ؛ فكتب عليه السلام إلى ابن عباس : بلغني عنك أمور الله أعلم بها ، وهي منك غير منتظرة ؛ فاكتب إلى بمقدار بيت المال ؛ فأجابه ابن عباس : « إن ذلك باطل ، وأعلم من كتب إليك ، ولا أتصدى بعد ذلك للعمل » . واعتزل في بيته ؛ فكتب علي عليه السلام إليه : « لا تكن واجداً مما كتب إليك[ الأصح: إليَّ ] ؛ فإن ذلك كان من اعتمادي عليك ، وتبين لي : أن ما كتبوا إلىَّ فيك باطل ؛ فارجع إلى عملك » فلما وصل الكتاب إلى ابن عباس ، سر ، واشتغل بعمله . . ".

(الوجه التاسع): إننا نجزم بأن قصة سرقة ابن عباس لأموال البصرة مفتعلة على ابن عباس؛ وذلك للأسباب الآتية:

  (السبب الأول): إن ابن عباس كان شوكةً جارحة في أعين أعمدة السقيفة لا سيما عائشة والأمويين والزبيرين؛ والسر في ذلك هو ولاؤه لأمير المؤمنين عليه السلام وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام، بالإضافة إلى عنصر الحسد له بسبب ما كان يتمتع به ابن عباس من مكانة خاصة عند أمير المؤمنين علي عليه السلام، وفي المجتمع الإسلامي بشكل عام ؛ فكانت مناظراته القوية، واحتجاجاته الدامغة  على معاوية وعائشة والزبيريين وغيرهم، قد شاعت وذاع سيطها وتناقلتها الألسن في مختلف أرجاء وأنحاء بلاد الحجاز والشام، وهي احتجاجات قوية فضح فيها الأمويين والزبيريين، وأظهر اعوجاجهم وكيدهم لأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، وأكَّد فيها على حقِّ اهل البيت عليهم السلام في الخلافة والإمامة والعصمة والطهارة، وأظهر الكثير من امتيازاتهم، وخصائصهم، وفضائلهم، ومنازلهم عند الله تعالى وعباده الصالحين، فأرادوا تحطيم هذه الشخصية الفذة، وزعزعة مكانتها في نفوس الناس، ومن ثم لتفقد كلّ مواقفه تلك حيويتها ، ولا تبقى لها تلك القيمة، وذلك الاعتبار .

 (السبب الثاني): إن سيرة أعمدة السقيفة ومن تلاهم من حكام بني أمية وآل الزبير والأمويين في أموال الأمة كانت من الوضوح بحيث لا يجهلها أحد لا سيما في عهد عثمان ومعاوية وابنه يزيد؛ كذلك لم يكن أحد يجهل سيرة أمير المؤمنين علي عليه السلام بالنسبة إلى الأموال التي كان يكنس بيت المال منها ويوزعها على الفقراء واليتامى والمساكين، وكذلك سيرة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام من بعده ، وغيره من أئمة الهدى عليهم السلام؛ ولم يقدر أحد أن يغمز فيها ولا القدح بصاحبها، فكان الفرق واضح بين أهل البيت عليهم السلام وبين هؤلاء الحكام الظالمين حيث إن هؤلاء الظالمين كانوا في حالة استئثار لأنفسهم ، بينما نجد الهاشميين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة؛ لأجل هذا السبب وذاك كان من الطبيعي : أن لا يجد الناس المظلومون والمقهورون والمستغلون إلا أهل البيت (عليهم السلام) ملاذاً وكهفاً لهم في العون والنصرة ، لأنهم كانوا على يقين بأن أهل البيت عليهم السلام لا يحكمون فيهم إلا بالعدل والانصاف طبقاً لحكم الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله؛ فوضع الأمويون هذه الأكذوبة المفضوحة ؛ ليظهروا للناس : أنهم غير متفردين في أكل مال الله ، والاستئثار بأموال المسلمين ،وأن من يتوجه الناس إليهم لإنصافهم ، ويعلقون الآمال عليهم ، وعلى حكمهم ، ليسوا بأفضل من غيرهم ، من حكام الأمويين وولاتهم، إن لم يكونوا أكثر منهم سوءاً . . سيما إذا رأوا أن أخص الناس عند الإمام علي عليه السلام ، ورأس الناس بعده كابن عباس يأكل ستة ملايين دفعة واحدة ؛ فكيف بما يأكله سائر العمال ، أو أكلوه ، مما لم يتيسر له مثل أبي الأسود الغاضب ليفضحه ، ويزيح الستار عنه ، فتكون النتيجة هي التالي : أن أمير المؤمنين عليَّاً عليه السلام ، وسائر العلويين هم : كسائر حكام بني أمية ، وعمالهم ، ان لم يكن أولئك يزيدون على هؤلاء ، ويتفوقون عليهم ، وقد اختاروا لهذه الأكذوبة عبد الله بن العباس تلميذ أمير المؤمنين علي عليه السلام، ذلك لأن الخدش بالتلميذ أسهل من الخدش بالمعلم الذي لم يكن بمقدورهم الخدشة فيه لعلو قدره وسمو فضله عند عامة المسلمين...وأنَّى لهم النيل من شخصه ونبل سيرته ، كيف وهي كالنار على المنار ، وكالشمس في رابعة النهار ، ولو أنهم حاولوا ذلك ؛ فإن الناس سوف لا يصدقونهم ، لذا اضطروا للنيل من تلميذه المخلص ابن عباس كما نالوا من شخصيات أخرى كانت القمة في الفضيلة والتقوى كأبي ذر وعمار...وهكذا كان الحال في سائر صحابة أئمة الهدى عليهم السلام. 

 (السبب الثالث): إن بغض ابن عباس لأعمدة السقيفة وبني أمية كان السبب الرئيسي للإفتراء عليه واتهامه بسرقة أموال البصرة لتشويه سمعته في الوسط الإسلامي، فعمدوا إلى دسّ الأخبار الملفقة عليه، فركبوا الأسانيد الشيعية على المتون الكاذبة للقدح به كما أشرنا سابقاً، من هنا حذر أئمتنا الطاهرون عليهم السلام من الأخبار المكذوبة عليهم، وأمروا شيعتهم بأخذ الحيطة والحذر منها وعرضها على أخبارهم الصحيحة، وقد جاء عنهم الكثير من المديح لابن عباس، وهذا ما غفل عنه الجاهل الشيخ ياسر حبيب وأمثاله من عمائم مستوردة إلى حوزاتنا العلمية بالمال والسلطان، وهي كارثة عظمى، نسال الله تعالى أن يفك أسر الطائفة منها بجهود العلماء المخلصين، ولا يخلو زمن منهم بحمد الله تعالى، ولا عبرة بما ينفثه الموتورون ممن يحسبون أنفسهم من علماء الطائفة وهم من أجهل الجاهلين بأحاديث الأئمة الطاهرين عليهم السلام.

     ومما يؤيد بغض ابن عباس لأعمدة السقيفة، أن ابن عباس رحمه الله كان الوحيد المتفرد برواية دعاء صنمي قريش عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام؛ ولم يثبت لنا التاريخ متى كان عام روايته للدعاء المذكور؛ هل كان بعد حرب الجمل عام 36 هجري أو كان في أواخر حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) عام أربعين للهجرة ؟ والمشهورعن ابن عباس أنه شارك في الحروب الثلاثة التي خاضها أمير المؤمنين عليه السلام ضد عائشة ومعاوية والخوارج: حرب الجمل وصفين والنهروان؛ ولم يفارقه فيها ولا بعدها أبداً، وبقي ابن عباس معه إلى يوم شهادته عليه السلام  أمير المؤمنين عليه السلام ... وبالتالي فإن روايته لدعاء صنمي قريش هي صك براءة لابن عباس في أنه كان من الموالين لأمير المؤمنين علي عليه السلام؛ فلا يجوز لأولئك الموتورين أن يجعلوا من قصة سرقة أموال البصرة حكماً مؤبداً على فساد عبد الله بن عباس ، لا سيَّما وأن القرائن القطعية التي أشرنا إليها في الوجوه السابقة تثبت حسن اعتقاد ابن عباس في أهل البيت عليهم السلام حتى مماته وقد صلى عليه محمد بن الحنفية بعدما لم يتمكن الإمام السجاد عليه السلام من الصلاة عليه لظروف التقية التي حكمت على تصرفاته.

 وبما تقدّم: يتضح أن ما افتراه الشيخ المذكور على ابن عباس لا واقع له بل هو كذب صريح وجهل محض، وليس افتراؤه على ابن عباس أول قارورة كسرها بل له سوابق في هذا المضمار، فقد افترى على والده العباس بن عبد المطلب..وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عصبية وحساسية اتجاه شخصيات ذات تاريخ مشرِّف بالجهاد في صف أمير المؤمنين عليه السلام وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام.

 والحمد لله ربِّ العالمين وصلِّ اللهم على رسول الله محمد وآله الطيبين الطاهرين وهو حسبنا ونعم الوكيل، والسلام.

 حررها العبد الأحقر محمد جميل حمُّود العاملي

بيروت بتاريخ 7 رجب المرجب 1437 هجري

 


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1572
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 11 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28