• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : علم الرجال .
              • القسم الفرعي : مواضيع رجاليّة .
                    • الموضوع : تحقيق في سند الخطبة الشقشقية وصحتها .

تحقيق في سند الخطبة الشقشقية وصحتها

الموضوع:الخطبة الشقشقيَّة صحيحة سنداً
 

بسم الله الرحمن الرحيم
 

سؤال:بدأنا نلاحظ أصوات داخلية وخارجيةفي إضعاف الخطبة الشقشقية خصوصا من ناحية السند ، فما السبيل إلى الرد على هؤلاء ؟ وشكرا نسألكم الدعاء

والجواب:
 

بسم الله الرّحمان الرّحيم
   

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف الخلق محمّد المصطفى وآله الغرّ الميامين المنتجبين، واللعنة الدّائمة على أعدائهم ومبغضيهم ومنكري فضائلهم وظلاماتهم من الأوّلين والآخرين إلى قيام يوم الدّين..
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
 

أمّا بعدُ...
    الخطبة الشّريفة متواترة دلالةً بلا خلافٍ نجده بيننا نحن الإماميّة منذ الصّدر الأول إلى يومنا هذا، ولا عبرة بعواء المشكِّكين فإنّ هذا ديدنهم ومذهبهم عليهم اللعنة أبد الآبدين..
    كما إنّ الخطبة صحيحة من النّاحية السَّنَديّة، فقد رواها الشّيخ الصّدوق المتوفَّى عام 381هــ،في علل الشرائع بسندٍ معتبر وإن كان فيه عكرمة عدوّ آل محمّد عليهم السلام، فقد رواها عن ابن عباس،ورواي الخصم لمكرمة أو منقصة في أوليائه ترفع من درجة إعتبارها.. وبعكرمة يرتفع السند وثاقةً فوق وثاقته لأنه ليس من صالح الأعداء رواية خطبة فيها الشكاية والظلامة من مختلسي الخلافة من صاحبها الشّرعي إمام المتقين عليّ (عليه السَّلام)، فكلّ رواية فيها ظلامة وراويها عاتية وعدوّ وناصبيّ لأهل البيت (عليهم السَّلام) تصبح قويّة وصحيحةً حتى ولو كان سندها ضعيفاً، فكيف إذا كان السّند صحيحاً وكان في ضمنه عكرمة، فإنّها تزداد قوّةً وصحّةً...كما وأنََّها رويت بطرقٍ مختلفة من غير طريق عكرمة،فهي أشهر من النار على المنار ومن الشمس في رابعة النهار..  والسّند كما في العلل:ج1 ص181 باب122: حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه(1) عن عمّه محمّد بن أبي القاسم(2) عن أحمد بن أ بي عبد الله البرقي(3) عن أ بيه عن أبان بن أبي عمير(4) عن أبان بن عثمان(5) عن أبان بن تغلب(6) عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السَّلام) فقال: أمَا والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة....."
 فالرّواية ــ إذاً ــ موثقة وصحيحة وكلّ رواتها أمناء سوى عكرمة المعروف بنصبه وعداوته لأهل البيت (عليهم السَّلام) ورأيه مشهور في تحريف آية التطهير حيث كان يخرج إلى السُّوق وينادي بأعلى صوته أنّ أهل البيت هم نساؤه... وإذا ما كان بهذه الدّرجة من العداوة لعترة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فحريٌّ أن تكون الرواية التي ينقلها في ظلامة أمير المؤمنين عليّ وشكايته ممن ظلمه واعتدى عليه أبلغ من أيّ حديث آخر شيعي في نفس المستوى والدّلالة، وكلّما كثرت رواية الظلامة والفضائل من طرق الأعداء كلّما جاد وحسُنَ سندها وارتقت إلى أعلى مراتب الصحة وذلك لقاعدة "إقرار العقلاء على أنفسهم جائز" و"الفضل بما شهدت به الأعداء".
    بما تقدّم اتضح لكَ أخي السائل صحّة سند الخطبة الشقشقيّة المباركة، وأمّا الدلالة فلا مغمز عليها عندنا نحن الشيعة ولكنّ بعض علماء العامة طعنوا في نسبتها إلى الإمام أمير المؤمنين عليّ (عليه السَّلام) لما فيها من الشّكاية والظّلامة في أمر الإمامة ودلالتها على اغتصاب الخلافة، وادّعوا أنّ الخطبة من صنع السيد الرضيّ (رحمه الله).. وقد أفرط بعضهم وقال: إنّ الإمام عليّاً (عليه السَّلام) لم يصدر منه شكاية قط ولا كلام في هذا الأمر أصلاً.. وقد قال بها ثقاةٌ من علماء العامّة منهم إبن أبي الحديد وعمّن نقل عنه ــ كما سوف يأتيك ــ والقاضي عبد الجبار رغم تعصبه على الشيعة إعتقَدَ بصدورها عن الإمام عليّ (عليه السَّلام) إلاّ أنّه أوَّلَ المطاعن المشتملة عليها على وجه لا يوجب القدح في سلفه.
    والحقّ إنّ الخطبة لا غبار على كونها من أمير المؤمنين عليّ (عليه السَّلام) ولا معنى لإنكار ذلك للوجوه التالية:
    الوجه الأوّل: عذوبة ألفاظها وشدّة فصاحتها وحسن أسلوبها وبديع نظمها... كلّ ذلك يشهد على أنها كلام فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، فهي بنفسها شاهد صدقٍ على صدورها من معدن الإمامة والولاية.
    الوجه الثّاني: ضعف مستند المنكر، إذ الألفاظ المشتملة على التظلم والشكاية قد صدرت منه (عليه السَّلام) فوق حدّ الإحصاء، كما يشهد به ملاحظة أخبارالسقيفة وغيرها والمناقشة بينه (عليه السَّلام) وبين المغتصبين للخلافة فصارت من الضّروريات التي لا ينكرها إلاّ جاهلٌ أو متجاهل معاندٌ...
    الوجه الثّالث: إنّ هذه الخطبة الشريفة قد وُجِدَت في كتب جماعة من العامّة والخاصّة وقد صُنِّفَتْ قبل زمن الرّضي (رحمه الله)، وقد تلونا عليكَ ــ أخي القارئ ــ مصدر الخطبة الشقشقيّة من كتاب العلل للشيخ الصدوق المتوفى عام 381هــ قبل السيد الرضي المتوفى عام405هــ..
    قال البحراني رحمه الله شارح النّهج: "قد وجدتُها في موضعين، تاريخهما قبل مولد الرضي بمدّة، أحدهما: أنها مضمنة كتاب الإنصاف لأبي جعفر بن قبة تلميذ أبي القاسم الكعبي أحد شيوخ المعتزلة وكانت وفاته قبل مولد الرضي. الثاني: إني وجدتها بنسخة عليها خط الوزير أبي الحسن عليّ بن محمّد بن الفرات وكان وزير المقتدر بالله وذلك قبل مولد الرضي بنيف وستين سنة، والذي يغلب على ظني أن تلك النسخة كانت كتبت قبل وجود ابن الفرات بمدّة".
    وقال ابن أبي الحديد شارح النّهج:ج1 ص158: " فحدثني شيخي أبو الخير مصدق بن شبيب الواسطي في سنة ثلاث وستمائة، قال: قرأت على الشيخ أبى محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن الخشاب هذه الخطبة، فلما انتهيت إلى هذا الموضع، قال لي: لو سمعت ابن عباس يقول هذا لقلت له: وهل بقي في نفس ابن عمك أمر لم يبلغه في هذه الخطبة لتتأسف ألا يكون بلغ من كلامه ما أراد! والله ما رجع عن الأولين ولا عن الآخرين، ولا بقي في نفسه أحد لم يذكره إلا رسول الله صلى الله عليه وآله. قال مصدق: وكان ابن الخشاب صاحب دعابة وهزل، قال: فقلت له: أتقول أنها منحولة! فقال: لا والله، وإني لأعلم أنها كلامه، كما أعلم أنك مصدق. قال فقلت له: إن كثيرا من الناس يقولون إنها من كلام الرضي رحمه الله تعالى. فقال: إني للرضي ولغير الرضى هذا النفس وهذا الأسلوب! قد وقفنا على رسائل الرضى، وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور، وما يقع مع هذا الكلام في خل ولا خمر: ثم قال: والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنفت قبل أن يخلق الرضى بمائتي سنة، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها، وأعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضى. قلت: وقد وجدت أنا كثيرا من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبى القاسم البلخي إمام البغداديين من المعتزلة، وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضى بمدة طويلة. ووجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبى جعفر بن قبة أحد متكلمي الإمامية وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب "الانصاف". وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبى القاسم البلخي رحمه الله تعالى، ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضى رحمة الله تعالى موجودا." (شرح نهج البلاغة/إبن أبي الحديد:ج1 ص158ــ159).
    وقال المحدّث العلاّمة المجلسي رحمه الله في البحار: " ومن الشواهد على بطلان تلك الدعوى الواهية الفاسدة أن القاضي عبد الجبار ـ الذي هو من متعصبي المعتزلة ـ قد تصدى في كتاب المغني لتأويل بعض كلمات الخطبة، ومنع دلالتها على الطعن في خلافة من تقدم عليه، ولم ينكر استناد الخطبة إليه. وذكر السيد المرتضى رضي الله عنه كلامه في الشافي وزيفه، وهو أكبر من أخيه الرضي قدس الله روحهما، وقاضي القضاة متقدم عليهما، ولو كان يجد للقدح في استناد الخطبة إليه عليه السلام مساغا لما تمسك بالتأويلات الركيكة في مقام الاعتذار، وقدح في صحتها كما فعل في كثير من الروايات المشهورة، وكفى للمنصف وجودها في تصانيف الصدوق رحمه الله، وكانت وفاته سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وكان مولد الرضي رضي الله عنه سنة تسع وخمسين وثلاثمائة." [بحار الأنوار:ج29 ص508].
    ملاحظة:

ذكر صاحب البحار تاريخ وفاة الصّدوق عام329هــ في حين ذكرنا سابقاً أنّ تاريخ وفاته كان عام 381هــ وقد جرينا في ذلك على ما هو مرقوم في ترجمة حياته في كتابه العلل وغيره، ولعلّ ما ذكره صاحب البحار هو الصّواب من تاريخ وفاته عام329هــ.
عَوْدٌ على بَدء:
    الخطبة رواها مَنْ ذكرنا آنفاً، يضاف إلى ذلك أنّ الشيخ المفيد في الإرشاد قد رواها أيضاً، وهو شيخ الرضي وأستاذه... فقد ظهر واستبان مما ذكرنا كلّه أنه لا وجه لإنكار كون الخطبة منه (عليه السَّلام)، ويقيني أن من أنكر ذلك إنما أنكره من حيث أنه رأى صراحتها في الطعن على المنتحلين للخلافة، لذا بادر إلى الإنكار كي لا يلتزم بمقتضاها كما هو دأبهم وديدنهم في أكثر النصوص المفيدة لانحصار الخلافة به (عليه السَّلام) أو للطعن في غيره، وكفى بذلك إنكار بعضهم لحديث الغدير المتواتر الذي قاله النبي بمحضر مائة ألف ويزيدون... ولا نستغرب من بعض أدعياء التشيع أن يشككوا في الخطبة الشريفة سنداً ودلالةً، فإنّ لهم سوابق حيث قام سيد المشككين البيروتي بالتّشكيك في حديث الغدير وقد فنّدنا مقاله في كتابنا الفوائد البهية في شرح عقائد الإماميّة/الطبعتان الثانية والثالثة؛ فلتراجع.

 


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=168
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 03 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28