• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : الفقه .
              • القسم الفرعي : إستفتاءات وأجوبة .
                    • الموضوع : عدم جواز الإعتماد على الرؤية الفلكيَّة .

عدم جواز الإعتماد على الرؤية الفلكيَّة

الموضوع:عدم جواز الإعتماد على الرؤية الفلكيَّة

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1- من هو الذي يجوز له التصدي لتثبيت الهلال؟

 

بسمه تعالى

الجواب على السؤال الأول:

إذا كان مرادك من التصدِّي هو لإثبات الهلال فلكياً فهو غير جائزٍ عندنا معشر الشيعة الإماميَّة إلاَّ عند بعض الشواذ منَّا فلا إعتبار بهم ولا يعوَّل عليهم،وإن كان قصدك من التصدِّي هو الإستهلال في يوم الشك لمعرفة بداية الشهر ونهايته فهو أمرٌ مستحبٌ على ثلة من المؤمنين الأخيار من باب الإستحباب الكفائي أو الوجوب الكفائي بناءً على كون الإستهلال واجباً كما يذهب إلى ذلك بعض المتقدمين من فقهاء الإماميَّة، والطرق الأخرى غير الشرعيَّة ـ كالبناء على الفلك أو حكم الحاكم العادل ( بناءً على جواز الأخذ بحكمه)  غير المستند على الطرق الشرعيَّة المعروفة ـ تعتبر بِدعَةً يستحق صاحبها العقاب يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلاَّ من أتى الله تعالى بقلبٍ سليمٍ.
وزبدة المخض: ليس للهلال متصدٍّ خاصٍ ـ كالحاكم يحكم بهواه ـ لإعلانه مثلما يفعل المخالفون حيث يتصدَّى لإثباته عندهم الحاكم ويسمونه بالحاكم الشرعيِّ لأن الشرع حكم بوجوب إطاعته حسبما يدَّعون،وأما عندنا نحن المسلمون الشيعة الإماميَّة فليس للهلال متصدٍّ بعينه كي يثبت الهلال بل يثبت الهلال الشرعي للصيام والإفطار بالطرق الآتية هي:
(الطريق الأول):رؤية المكلَّف للهلال بنفسه،فيمكنه الإستهلال في ليلة يوم الشك وهو ـ أي يوم الشك ـ عادةً في اليوم الثلاثين من شعبان وشهر رمضان،ويكون وقت الإستهلال قبل الغروب بربع ساعة تقريباً ويستمر إلى ما بعد الغروب بدقائق قليلة.
(الطريق الثاني):التواتر المستند إلى علم كلّ فرد ممن ادَّعى التواتر بأنهم رأوا الهلال،وليس المراد به التواتر المستند إلى الحدس أو التخمين والظن كأن يدَّعي الرؤية بعضُ من لم يُعتَمد عليهم وبسببهم إنتشر الخبر،فهذا لا يسمَّى تواتراً معتبراً شرعاً وذلك لإعتماده على الحدس مع أن حقيقة التواتر هو أن تكون الرؤية مستندة إلى الرؤية الحسية بواسطة الثقات العدول بحيث يقول كلُّ واحدٍ منهم بأنه رأى الهلال بنفسه.
(الطريق الثالث): الشياع المفيد للعلم بحيث لو قيل لهم من أين حصل الشياع؟لقالوا بأن ثلة كبيرة من المؤمنين رأوا الهلال وليس الشياع المستند إلى قول العالم الذي يعتمد قول الفلكي ولا على حكم الحاكم المستند إلى الظن أو الفلك أو المصلحة الإسلامية وما شابه ذلك مما نراه نراه من الشياع المسيَّس في عصرنا الحاضر الذي اختلطت فيه الحقيقة بالخيال والباطل،فهكذا شياع لا يجوز الإعتماد عليه والأخذ به ومن يفعل فهو مأثوم عند الله تعالى ،كما لا يثبت الهلال المستند على أمورٍ ليست طرقاً شرعيَّةً لإثبات الهلال كإرتفاعه وغيبوبته بعد الشفق وضخامته ليدل على أنه إبن ليلتين،وإن غاب قبل الشفق فهو إبن ليلة، أو ضرب الرمل والكهانة وإخبار الجنّ تحت ستار المكاشفة العرفانيّة أو المنامات وما شاكلها من الأمور الخفية الباطنية،كما لا يثبت الهلال بشهادة النساء مجتمعات أو منفردات،  فكلُّ هذه الأمور غير معتبرة شرعاً ولم يتعبدنا بها نبينا الكريم وآله الطاهرون عليهم السلام ، بل لا بدَّ في الشياع من أن يكون مستنداً إلى طريقٍ صحيحٍ نصَّت الأخبار الشريفة على إعتباره وعلى وجوب الأخذ به وما دونه فخرط القتاد مهما كان وزنه وشهرته.... وأما كبَرُ حجم الهلال أو غيبوبته قبل الشفق وبعده وإرتفاعه فهذه أمور لم يقم الدليل الشرعيّ على إعتبارها والإعتماد عليها بل العكس هو الصحيح إذ إن صحيحة أبي علي بن راشد المروية في التهذيب باب الصوم والوسائل باب أحكام شهر رمضان الباب التاسع ما يثبت عدم جواز الإعتماد على تأخر الهلال في الأفق أو كبره وإرتفاعه ليدل على أنه إبن ليلة أو ليلتين،فمجرد الإرتفاع والكبر والتأخر بعد الشفق لا يستلزم كونه لليلتين، وهذا بديهيٌّ لدى الخبير أو المطلع على مبادىء علم الهيئة، بالإضافة إلى أن ذلك يختلف بإختلاف المطالع والعروض فلا يكون مناطاً لتأسيس حكم كليّ على تعيين بداية الشهر ونهايته فتأمل.
(الطريق الرابع): مضي ثلاثين يوماً من هلال شعبان أو ثلاثين يوماً من هلال شهر رمضان فإنه يجب الصوم معه في الأول والإفطار في الثاني.والإعتماد على الطريق الرابع إنَّما يكون بعد اليأس عن الطرق الثلاثة المتقدِّمة أو الشك بواحدٍ منها.
ولا يجوز لأحدٍ من المؤمنين أن يصوم يوم الشكّ من شعبان بنية شهر رمضان،بل يصومه بنية أنَّه من شعبان أو يصومه بنية القضاء أو عمَّا في الذمة،ولا فرق في عدم جواز صوم يوم الشك بنية شهر رمضان بين أن يكون إعتماداً على قول مفتيه المستند إلى قول الفلكي وبين أن يكون معتمداً على حكم الحاكم حتى لو حصل على حالة الإطمئنان بما يقول الفلكي والحاكم،فالإطمئنان في هذه الحالة غير جائزٍ العمل بمقتضاه لورود النهيّ عن إتباعهما لا سيَّما أن الجميع على الساحة الشيعيَّة يعلم بإتفاق فقهاء الطائفة الشيعيَّة منذ القِدَم إلى يومنا هذا بحرمة العمل بفتوى كلِّ من يقول بصحة الرجوع إلى رأيّ الفلكي أو حكم الحاكم المعلوم مستنده وخطؤه، وإتفاق الفقهاء ليس عبثياً أتى من صدفة أو إستحسانٍ وإنَّما له منشؤه وهو آيات الكتاب الكريم والأخبار الشريفة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، فدعوى جهل البعض بذلك يعتبر تقصيراً يُعاقبُ عليه صاحبه لأن الجاهل المقصِّر بمنزلة المتعمِّد.
فالحاصل: أنَّه لا يجوز الصوم في يوم الشك من شعبان بنية أنه من شهر رمضان لأن ذلك تشريعاً محرَّماً بغير ما أنزل الله تعالى، وهو بِدعةٌ ،والبدعة ضلالٌ يعاقب صاحبها بأليم العذاب، كما لا يجوز أن يفطر الصائم في يوم الشك من شوال ـ أي يوم الثلاثين من شهر رمضان ـ إعتماداً على حكم الحاكم أو قول العالم المفتي على رأي الفلكي لأن ذلك إفتاءٌ بغير ما أنزل الله تعالى وهو مخالفٌ لأخبارنا الشريفة التي أفتى بمضمونها عامة فقهاء الإماميَّة بدون إستثناء إلاَّ من خرج عن قاعدتهم وسلك طريقةَ المخالفين والفلكيين والمنجمين فصار مقلِّداً لهم بدلاً من أن يقلدوه،وآخذاً برأيهم الضال بدلاً من هدي الشرع المبين،وكأن شريعتنا كانت ناقصة حتى جاء الفلكي ليتممها لنا،فكلُّ من يعتقد بهذا فهو كافرٌ بما نزل على رسول الله محمد وآله الطاهرين عليهم السلام،فيلغى قوله تعالى يوم تنصيب أمير المؤمنين وإمام المتقين أبي الحسن المرتضى عليّ عليه وآله آلاف التحية والسلام في غدير حمٍّ ﴿ اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً﴾ وللغى قول النبيّ الأعظم(صلَّى الله عليه وآله): (والذي نفسي بيده ما تركتُ شيئاً يقرِّبكم من الجنَّة ويباعدكم عن النار إلاَّ أمرتكم به،وما تركتُ شيئاً يقؤبكم من النار ويباعدكم عن الجنَّة إلاَّ نهيتكم عنه..) وعن مولانا الإمام الباقر عليه السلام قال : (إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأُمة إلاَّ أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله وجعل لكلِّ شيءٍ حداً وجعل عليه دليلاً يدل عليه وجعل على من تعدَّى ذلك الحدّ حداً)... وعن مولانا الإمام الصادق عليه السلام قال: ( حلالُ محمَّد حلالٌ أبداً إلى يوم القيامة،وحرامه حرامٌ أبداً إلى يوم القيامة،لا يكون غيرُهُ ولا يجيءُ غيرُهُ).
(إشكالٌ وحلٌّ):قد يُقال بأنَّ قول الفلكيِّ مباحٌ لعدم ورود نهيٌّ عن الأخذ برأيه والمباح يجوز من الحلال المأمور به شرعاً على لسان الخبرين المتقدِّمَين ..!!
(جوابنا على حلِّ الإشكال هو الآتي): قول الفلكيِّ يجوز العمل بمقتضاه فيما لو لم يكن ثمة خبرٌ يحرِّم الرجوع إليه والأخذ به،ولكنَّ الأمر بخلاف ذلك وذلك لأن الأخبار قد نهت عن أخبار الفلكيين وقد عبَّرت عنهم بالحسَّاب أي الذين يعملون بالحساب الفلكيِّ ، كما جاء ذلك في صحيحة محمد بن عيسى المروية في الوسائل/الباب الخامس عشر من أبواب أحكام شهر رمضان...فليُراجع.
   مضافاً إلى النصوص الأخرى المتواترة التي حصرت الأمر بين الرؤية الشخصية ورؤية العدول أو إكمال العدة ثلاثين يوماً وجعل الواحد والثلاثين أول الشهر التالي وأن المدار في ثبوت الهلال على الرؤية الحسيَّة... ولا يقال لنا بأن قولَ الحسَّاب لا يخرج عن الرؤية بل داخلٌ فيها من حيث إنَّهم يخبرون عن خروج الهلال من المحاق وتولده في وقتٍ معيَّن وقابليته للرؤية وهذا أقصى ما يثبت الرؤية... نقول في الردِّ على هذا الإشكال أيضاً بأن المدار على الرؤية الفعليَّة من الناس بالعين المجردة لا المسلحة بالآلات الحديثة بحيث تخرج الرؤية عن المستوى المتعارف،والحسابات الفلكيَّة وإن أثبتت خروجه من تحت الشعاع ولكنَّه ما لم يصل إلى حدِّ الرؤية المتعارفة عند الناس لا يمكن الركون والإعتماد عليها، ومجرد الإمكان والقابليّة للرؤية لا يصحّح التعبد الشرعيّ بدخول الشهر بل التعبد الشرعيّ دل على خلافه كما أشرنا إلى مصدر رواية محمد بن عيسى قال كتب إليه أبو عمرو يا مولاي إنّه ربما أشكل علينا هلال شهر رمضان ولا نراه ونرى السّماء وليست فيها علّة ويفطر الناس ونفطر معهم، ويقول قوم من الحساب قبلنا: إنّه يرى في تلك الليلة بعينها بمصر وافريقية والأندلس هل يجوز يا مولاي ما قال الحساب في هذا الباب حتى يختلف العرض على أهل الأمصار فيكون صومهم خلاف صومنا، وفطرهم خلاف فطرنا، فوقّع لا صوم من الشّك أفطر لرؤيته وصم لرؤيته. [وسائل الشيعة: ج4، ص215، باب15، ح1].
تنبيه هامٌ:كما لا يجوز العمل بفتوى العالم الديني المستند إلى رأيّ الفلكي في تحديد مواقيت الصلاة لا سيّما وقت الغروب ـ حيث يفطر بعض المؤمنين في شهر رمضان قبل ذهاب الحمرة المشرقيَّة ـ لأن ذلك موافقٌ للمخالفين ولأقوال علماء الفلك وقد نهت أخبارنا عنه بإتفاق فقهاء الإماميّة إلاَّ من شذّ عن طريقهم من أنصاف فقهاء السوء أجار اللهُ تعالى الأمةَ من مكرِهم وخبثِهم وفسادِهم وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين...!!.
(الطريق الخامس):البيّنة الشرعيَّة وهي خبر إثنين من المؤمنين العدول شهدا بأنهما رأيا الهلال رؤيةً حسيَّةً لا حدسيَّةً ظنيَّةً، فشهادتهما إذا أوجبت العلم يجب الأخذ بها وترتيب الأثر من الصوم أو الإفطار ولا فرق بين أن تكون البينة من البلد أو من خارجه، كما لا فرق بين أن يشهدا عند الحاكم الشرعي ـ وهو هنا الفقيه الورع التقيّ العارف بأهل البيت والمقر بظلاماتهم ومعاجزهم ومعارفهم والمتبرء من أعدائهم وأعداء شيعتهم ولا يراد به الزعيم الديني السياسي حتى ولو كانت شهرته تضرب الآفاق أوتناطح السحاب ـ ووافق على شهادتهما أو لم يشهدا عنده أو شهدا وردَّ شهادتهما فكلُّ من شهد عنده عدلان يجوز بل يجب عليه ترتيب الأثر من الصوم أو الإفطار بالشرط الذي أشرنا إليه.
فبهذه الطرق الشرعية المعدة لإستعلام الهلال من التواتر والشياع والبينة وعدّ الثلاثين أو رؤية المكلف للهلال يثبت الهلال من غير حاجةٍ إلى مراجعة الحاكم الشرعي،وذلك لعدم وجود ما يدل على وجوب مراجعة الحاكم في إثبات الهلال بل لم يعهد في عصر أحدٍ من الأئمة الطاهرين عليهم السلام حتى مولانا أمير المؤمنين عليه السلام المتصدي للخلافة الظاهرية مراجعة الناس له في موضوع الهلال على النهج المتداول في العصر الحاضر،بل قد صحَّ عن النبيِّ الأكرم وآله الطاهرين أنَّهم أوكلوا الأمر إلى الناس حيث ورد عنه(صلَّى الله عليه وآله):"ألا وهذا الشهر المفروض رمضان فصوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإذا خفي عليكم الشهر فأتموا العدة شعبان ثلاثين يوماً.." وهذا بعينه قد صحَّ عن مولانا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام قال: (إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدولٌ من المسلمين ...وإن غمَّ عليكم فعدوا ثلاثين ليلةً ثم أفطروا) فإثبات الهلال لم يكن من شؤونهم حتى يُدَّعى أنَّه من مختصات القاضي أو المفتي إذ لم يقم دليلٌ على أن أمرَ الهلال من شؤونهم بحيث يجب أستعلام دخول الشهر منهم إلاَّ على وجه الإستحباب، فدعوى أن الهلال لا يثبت إلاَّ عند القاضي أو الحاكم ليس لها أساس شرعيّ على الإطلاق لأن الإمام عليه السلام لم يكن إثبات الهلال من شؤونه الخاصة به فضلاً عن أنَّه لم يعطِ منصب القضاء لإثبات الهلال لأحدٍ من العلماء فلا ينفذ حكمه في إثيات الهلال بل حكمه نافذ فقط في رفع الخصومة بين المتنازعين بشرط أن يرضيا به حكماً وأما في غير ذلك فلم يدل دليلٌ لفظيٌّ على صحة نفاذ حكمه كما هو مقتضى التحقيق عند مشهور فقهاء الإمامية...ودعوى ثبوت الهلال بحكم الحاكم أو القاضي بالتوقيع الشريف الصادر عن مولانا وسيِّدنا الإمام بقيَّة الله المهديّ عليه السلام أول الكلام ليس ههنا محل النقض على الإستدلال به على المدَّعى ويكفي في بطلان الدعوى المذكورة قيام السيرة بين الناس وما زالت على الإعتماد على الرؤية والبيّنة أو إتمام العدة من دون حاجة إلى حكم الحاكم،والشاهد على ذلك قيام الأخبار أيضاً فإنَّها لم تقيَّد بقيام البيِّنة عند الإمام عليه السلام أو الحاكم،بل صريح لسانها قائمٌ على إمكان الإعتماد على قيامها عند المكلَّفين أنفسهم نظير قوله عليه السلام : ( إلاَّ أن يشهد لك بيّنة عدولٌ) أو قوله :( إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر) وقوله: (فإن شهد عندكم شاهدان مرضيان) إلى آخر ما هناك من أخبار واضحة تدل على ما قلنا من عدم إشتراط حكم الحاكم في صحة الصيام والإفطار....وعلى فرض وجود ما يدل على الحكومة للفقيه ـ مع أنَّه ليس يوجد دليلٌ يدل على هكذا حكومة ـ فلا يقتضي توسعة نطاقها إلى الحدِّ الذي يصل إلى التصرُّف في حدود الله تعالى فيفتي بالصيام والإفطار بحسب ما تمليه عليه المصلحة،إذ إن تحديد الشهر أمره بيد الله تعالى حيث عرَّفه في كتابه الكريم بالشهود من الصائم كحدٍّ للتنجز بقوله تعالى ﴿ فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ أو بإكمال العدة في قوله تعالى ﴿ولتكملوا العدة﴾ كما عرَّفه النبيُّ وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام بقولهم (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته..)ومحصَّل ما تقدَّم:أنَّه ليس ثمة ما يدل في الآيات والأخبار والسيرة على نفوذ حكم الحاكم،بل إن حكمه في الهلال كغيره من المنازعات لا يغيِّر الواقع ولا يوجب قلبه عما هو عليه وإنَّما هو طريقٌ محض كساير الطرق الشرعيَّة التي قد تصيب الواقع وقد تخطئه ، فإذا علمنا بأنه اعتمد على الشياع الصحيح أو البينة العادلة وأوجب لنا هذا العلم القطع بصحة ما حكم به فهو كغيره حينئذٍ من الطرق الشرعية التي يؤخذ بها في تعيين الشهر طبقاً للموازين الشرعية التي لم يُعلَم خطأه ولا خطأ مستنده إليها ،وأما إذا علمنا خطأه بها وبما استند إليه ـ كما لو استند على الشياع الظنيّ لا القطعيّ المفيد للإطمئنان أو البينة وغيرها من الطرق المعتبرة ـ فلا يجوز حينئذٍ الإعتماد عليه تماماً كعدم جواز الإعتماد على خبر البينة الفاسقة،ولا ميزة للحاكم أو القاضي على غيره من الناس سيما الفقهاء الآخرين فهو عبدٌ مأمورٌ بالخضوع والتواضع والإخبات وليس بالفوقيّة والإستعلاء بأن تكون كلمته فوق الجميع ومن لم يرغب في ذلك خرج من دين النبيّ وآله كما يروِّج أتباع بعض الحكام في هذا الزمن الكؤود(أجارنا الله تعالى منهم) بدعاء الإمام الحجة(أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)بالنبيّ وآله الطاهرين عليهم السلام...
وبالجملة:إن من يجب عليه التصدّي لإثبات الهلال هو الطرق الشرعية التي قدَّمناها لكم ولا ميزة للحاكم الشرعي على غيره في ذلك بل لقد دل الدليل على عدم جواز الإعتماد عليه فيما إذا كان على خطأٍ في علمه أو في مستنده...والسلام عليكم.

2- هل يجوز لمن لم يبلغ مرتبة الاجتهاد ان ينصب نفسه لتثبيت الهلال ويرتب الناس على حكمة في ثبوت الهلال وعدمه الصيام او الافطار؟
 

بسمه تعالى

     لا ميزة له على غيره كما أوضحنا ذلك في جوابنا على السؤال الأول،فلا يجوز له تنصيب نفسه لذلك لعدم وجود دليل يثبت تنصيب نفسه لإثبات الهلال بالمعنى الخاص للتنصيب إلاَّ على نحو الإرشاد وهذا لا يسمّى تنصيباً كما هو معروف بل هو داخلٌ في مسألة البحث عن رؤية الهلال في ليلة الإستهلال ففعله مستحبٌ كفائيّ فيما لو كان موثوقاً وعادلاً بنظر المؤمنين فلا مانع أن ينصّب نفسه لغاية الإستهلال كبقيَّة المؤمنين الذين يجندون أنفسهم للبحث عن الهلال في ليلة الشك،فقد يقبَل المؤمنون منهم ذلك وقد لا يقبل أحدٌ منهم ما ادَّعوه،أما أن ينصِّب نفسَه للحكم بأن غداً عيد أو صيام من دون الإعتماد على الرؤية البصرية فهو أمرٌ في غاية الإشكال بل هو حرامٌ شرعاً .

3- هل يعد التصدي لتثبيت الهلال فرع من وظائف القاضي ؟

الجواب: الأمر ليس كذلك بحسب نظرنا الفقهي الموافق لنظر مشهور فقهاء الإمامية لأن الثابت للقاضي الفقيه الورع هو حكمه بفصل المنازعات والخصومات وليس ثمة ما يدل على حكومته على تعيين أو تثبيت الهلال كما أشرنا في الجواب على السؤال الأول فلا نعيد..

4- هل يشترط لمن لم يبلغ رتبة الاجتهاد وجود الاذن من المرجع في التصدي ام لا؟
نسألكم الدعاء

الجواب: قلنا سابقاً بأنَّه ليس ثمة ما يدل على وجوب تصدّي الفقيه لتثبيت أو إثبات الهلال بل كلُّ من ثبت لديه بالوجه الشرعي عبر الطرق الشرعيَّة التي أشرنا إليها يجب حينئذٍ الأخذ به وعلى ضوئه يتعيَّن عليه تحديد بداية الشهر ونهايته..والسلام.
 

بقلم العبد الفاني الشيخ محمد جميل حمُّود العاملي.

لبنان

بتاريخ 9آب 2010م الموافق ليوم الإثنين 27شعبان 1431هجري.

 


 


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=205
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 08 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28