• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : عن خلق حواء عليها السلام .

عن خلق حواء عليها السلام

 

الموضوع:أُمنا حواء عليها السلام لم تُخلق من ضلع أبينا آدم عليه السلام.
 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 

سؤالنا هو:

 

 كيف خلق الله حواء عليها السلام حسبما ورد في روايات أهل بيت العصمة والطهارة؟ وكيف تعالجون التعارض في الروايات؟ وما رأيكم فيما رواه العياشي ونقله عنه صاحب البحار رحمهما الله، عن عمرو بن أبى المقدام عن أبيه قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) من أى شى خلق الله حواء: فقال: أى شئ يقولون هذا الخلق؟ قلت: يقولون: ان الله خلقها من ضلع من اضلاع آدم، فقال: كذبوا أكان الله يعجزه أن يخلقها من غير ضلعه؟ فقلت: جعلت فداك يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أى شئ خلقها؟ فقال أخبرنى أبى عن أبائه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين فخلطها بيمينه ـ وكلتا يديه يمين ـ فخلق منها آدم وفضلت فضلة من الطين فخلق منها حواء، وقد استوقفتنا العبارة الواردة بين شرطتين -وكلتا يديه يمين- خصوصا وانها مما توافق كلام وأخبار العامة وهل هي من قول المعصوم ام الرواة او العياشي وهل يمكن بحال من الأحوال تأويلها دون الوقوع في اي اشكال آخر؟ وما مدى اعتبار وصحة الرواية؟
وشكرا جزيلا لكم
نسألكم الدعاء
 

 

والجواب
  

 

بسمه تعالى
 

 

والحمد لله ربِّ العالمين وصلواته التامات الكاملات على المبعوث رحمةً للعالمين أبي القاسم محمد رسول الله وآله الأنوار المقدَّسين واللعنة السرمدية على كلّ منكرٍ لفضائلهم ومعاجزهم وكراماتهم وظلاماتهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين..
السلام عليكم ورحمته وبركاته..
قبل أن نلج بالبحث المتعلق بقصة خلقة أمنا حواء عليها السلام،نجيبكم على الإستفهاميَن الآخرين اللذين تبحثان عنهما وهما:
(الأول): ما معنى قوله عليه السلام:"فخلطهما بيمينه وكلتا يديه يمين"؟.وهل عبارة"وكلتا يديه يمين" هي من الإمام عليه السلام أو من الراوي؟.
(الثاني):ما هي صحة وإعتبار رواية عمرو بن أبي المقدام؟.
والجواب عن السؤال الأول:
التعبير باليدين واليمين شائع في القرآن الكريم والأحاديث ولسان العرب كثيراً،فلقد جاء في القرآن الكريم قوله عزَّإسمه "قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيدَيَّ إستكبرت أم كنت من العالين"طه/75 .وقوله تعالى"والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون"الزمر67  و"وما ملكت يمينك"..
ومعنى اليد هنا يراد منه المعنى المجازي وهو القدرة لأنَّ الإنسان إنما يستعمل اليدين فيما يهتم به من العمل،فقوله"خلقت بيديَّ" كقوله"مما عملت أيدينا أنعاماً"يس71 وقوله"والسماء بنيناها بأييد"اي بقوة كما جاء ذلك عن مولانا الإمام ابي جعفر عليه السلام  في تفسيره لقوله تعالى"..لما خلقت بيديَّ فقال:اليد في كلام العرب هي القوة والنعمة/راجع البرهان سورة المائدة الآية 64باب معنى اليد في لغة العرب/ .
فاليد هنا لا يراد منها اليد اللحمية كيد الإنسان فإن ذلك مستحيلٌ على الله تعالى لكونه من المحدثات والأجسام وهو منزَّهٌ عنها بمقتضى الأدلة العقلية والنقلية، كما أن المراد بالتثنية في الآية"خلقتُ بيديَّ" إنما هو للتأكيد كقوله تعالى"فارجع البصر كرتين" وقد يراد باليدين في الآية نِعَم الدنيا والآخرة،ويحتمل أن يكون المراد:إرادة مبدئي الجسم والروح أو الصورة والمعنى أو صفتي الجلال والجمال..إلخ.
والحاصل:أن كلَّ ذلك على سبيل المجاز والإستعارة،والله تعالى منزه عن التشبيه والتجسيم...وقد وجّه المحدث المجلسي رحمه الله تعالى معنى اليد بثلاثة وجوه فراجعها/البحار ج11ص106/كتاب النبوة/باب فضل آدم وحوآء عليهما السلام.
وأما الجواب عن الشق الثاني من السؤال الأول، فأقول: إن الزيادة بين الشرطيتين "وكلتا يديه يمين" تحتمل وجهين:إما كونها من الإمام عليه السلام كما قد إختار ذلك المجلسي في المصدر السابق حيث قال:"قوله عليه السلام وكلتا يديه يمين" ..وإما كونها من الراوي،وكلا الأمرين متساويان فلا يمكننا الجزم بترجيح واحدة على الأخرى إلاَّ إذا وجدنا قرينة تساعدنا على ذلك وهي مفقودة في البين،لذا فإنني أتوقف بترجيح أحد الإحتمالين على الآخر،ولكن لا أهمية في ذلك ما دمنا قادرين على تأويل الخبر بما يتناسب مع القواعد العقلية والنقلية التي تنزه الله تعالى عن الجسمية لا سيما وأن الخبر كغيره من الأخبار التي فيها الكثير من الألفاظ المتشابهة التي لا بدَّ من الرجوع في فهمها إلى المحكمات العقلية والنقلية،فقد ورد في نفس الخبر المروي في البحار بطوله إن الله تعالى شأنه قد فرك الطينة في كفه وصلصلها..مما يعني أن الأمر غير متوقفٍ على لفظ اليدين اللذَين أوجبا  لكَ تشويشاً ذهنياً،فله نظائر كثيرة في القرآن والأحاديث نظير قوله تعالى"الرحمان على العرش استوى" فهي ىية متشابهة تفسرها آية أخرى كقوله تعالى" فسبحان الله رب العرش عما يصفون" "ويحمل عرش ربك فوقهم ثمانية" "وليس كمثله شيء"...
والجواب عن السؤال الثاني:
إن الرواية بواسطة رجلين هما عمرو بن أبي المقدام وأبيه،وحيث إن عمرو  معتمد القول والقبول عند الأصحاب وقد روى عن الإمام عليّ بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله عليهم السلام،وقد اطرى عليه مولانا الصادق عليه السلام.وأما أبوه فيظهر أنه ثابت بن هرمز الفارسي ،يقال أنه بتري واقفي ،ويمكنني الإطمئنان بأن الرجل ـــ لو سلمنا بأنه بتري ـــ فإنه يمكن قبول روايته وتصحيحها بأمرين:
( الأمرالأول): رواية إبنه الثقة عنه،والثقة لا يروي عن الكذابين والوضاعين وإلاَّ إنتفت حجية الخبر الثقة التي دلت عليها الأدلة الكثيرة، وإحتمال الكذب في اخبار الثقة منفية بالأصل العقلائي والسيرة المتصلة بالمعصومين عليهم السلام.
( الأمرالثاني): قبول المشهور للرواية المتقدمة،وقبولهم يقويها ويجبرها للقاعدة المعروفة:"أن الخبر الضعيف منجبرٌ بعمل المشهور" وذلك لأن عملهم بالخبر الضعيف هو توثيق عملي للمخبر به فيثبت به كونه ثقة،وهذه القاعدة عمل بها مشهور فقهاء الإمامية وهي صحيحة عندنا ونبني عليها الكثير من الفروع الفقهية،وبالتالي فهي تصحح الخبر المتقدم على فرض كونه ضعيفاً من الناحية السندية ولكننا نعلمك بأن الخبر صحيح دلالةً وسنداً لقرائن من الأخبار الأُخرى التي تدعمه وتقويه ،وهو ما نعتمده من الناحية الأصولية والرجالية في مسلكنا الإجتهادي وقد بنينا عليه كثيراً في إستنباطاتنا الفقهية،وهو مسلك القدماء وبعض المتأخرين من فقهاء الإمامية وهو الصحيح الذي دلت عليه الأدلة، ليس ههنا وقت بيانها وشرح تفاصيلها..
عودٌ على بدء:
نرجع إلى سؤالكم الأصلي وهو : كيفيَّة معالجتنا للروايات المتعارضة بشأن خلقةِ أمنا الطاهرة حواء عليها السلام ؟
والجواب : إنَّ الأخبار في كيفيّة خلق أُمنا الصدّيقة حوآء عليها السلام على طائفتين:
(الطائفة الأولى):تدل على أنَّها خُلِقَت من ضلعه الايسر ،وقد جاء فيها أن أضلاع الرجل أنقص من أضلاع النساء بضلعٍ واحدٍ،وهذه الأخبار مبثوثة في باب الميراث من كتب الحديث،وأخبار هذه الطائفة أقل من أخبار الطائفة الثانية وإن كان بعضها صحيحاً وبعضها الآخر مرسل وضعيف.
(الطائفة الثانية):وتدل على أنَّ أُمنا الطاهرة حوآء عليها السلام قد خُلِقَت من الطينة التي خُلِقَ منها أبونا نبيُّ اللهِ آدم عليها السلام،وقد إستنكرت هذه الطائفة على من نسب العجز للذات الإلهية حيث كان بإمكانه عزَّ وجل أن يخلقها من غير آدم كما خلق آدم من الطين،وهذه الطائفة كتلك التي إفترت على أبينا ومولانا آدم عليه السلام بأنه زوَّج بناته من بنيه،فنسبت إلى أنبياء الله تعالى ورسله وحججه الطاهرين تولدهم من الحرام المرحلي لحكمة التناسل،وكلا الأمرين ـــ أي خلقة حوآء من آدم عليهما السلام وتزويج آدم بناته من بنيه ـــ مما إستنكرته بشدة أخبار الطائفة الثانية،وقد غلَّظت القول على من نسب شيئاً من هذا إلى أنبياء الله ورسله وحججه الطاهرين عليهم السلام لأن الإعتقاد بهذا يستلزم الفسق بل والكفر أيضاً،كما أنَّها أشارت بوضوح إلى أن هذا العمل الشنيع يؤدي إلى القول بأن آدم عليه السلام ــ بمقتضى أخبار الطائفة الأولى ـــ يكون  قد نكح نفسه والعياذ بالله تعالى مجده كما هو مفاد تلك الأخبار التي كنا نود ذكرها لكم ولكنَّ الوقت لا يسعفنا لكتابتها ،وهذه الطائفة الثانية أكثر عدداً من الطائفة الأولى ،كما أنَّها أكثر إعتباراً من سابقتها،وفيها الأخبار الصحيحة والعالية المضامين وموافقة لآيات الفطرة التي تحدَّث عنها القرآن المجيد وللأخبار التي دلت على زواج الإخوة بالأخوات لأن ذلك كان مرحلياً لحكمة التناسل،ففحوى أخبار الزواج المصلحي  يدل على أن زواج الإخوة بالأخوات كان حلالاً لفترة محدودة ثم رجع إلى الحرمة السابقة واللاحقة على تزويج الإخوة بالأخوات،مما يعني أن الأمر كان عن عجزٍ إلهيٍّ ـــ وحاشا لله تعالى أن يعجزه شيءٌ في الأرض أو في السماء ــــ فكذلك بالنسبة إلى خلق حوآء عليها السلام لم يكن من آدم عليه السلام وذلك لمحاذيرٍ ثلاثة:
(المحذور الأول):كون ذلك خلاف الفطرة الإلهيَّة التي فطر الناس عليها والتي لا تتبدل بتبدل المصالح الدنيوية أو الدينية،فكما لا يجوز تحليل نكاح الإخوة بالأخوات ونكاح الأب بالبنات، فكذلك لا يجوز بشرع الله تعالى أن ينكح المرء إمرأة تولدت من نفسه فهي جزء منه تماماً كبناته هم جزءٌ منه فلا يجوز  للأب مناكحتهم لكونه عملاً مستقبحاً عند الله تعالى و لدى النفوس السليمة التي حافظت على الفطرة التي خلقها الله تعالى عليها،و العجب ممن قال بصحة زواج الإخوة بالأخوات في تلك الفترة الزمنية لم يقل بصحة زواج آدم عليه السلام ببناته ،فإذا جاز زواج الإخوة بالأخوات لمصلحة التناسل فلِمَ لم يتزوج أبينا آدم عليه السلام ببناته بدلاً من زواج الإخوة بالأخوات؟؟؟ هذا الإشكال أُسجّله على كلّ من يعتقد بحلية زواج الإخوة بالأخوات لمصلحةٍ وضرورة مرحلية،فلِمَ لا يكون زواج آدم ببناته لمصلحةٍ مرحلية وهي التناسل؟؟! وهذا الإشكال لم يسبقنا إليه أحدٌ قبلنا ولله الحمد ولآله المنَّة والفضل !!
وثمة أمرٌ فقهي يترتب على هذه المسألة في وقتنا الحاضر وهي:لو وصل العلم إلى إستنساخ أُنثى من نفس الرجل من دون أن تخلط جيناته بجينات إمرأة أخرى بل من جيناته فقط،فهل يجوز له أن ينكحها بعد البلوغ؟الظاهر عندي هو الحرمة القطعية لكون البنت المتولدة منه هي بنته ،فبدلاً من أن تتكوَّن من منيه ،تكونت من بعض جيناته،فهي بنتٌ حقيقية له لا يجوز له نكاحها كما لا يجوز له أن يزوجها من إبنه لكونها أُخته،وهكذا في مورد مسألتنا فلا يجوز أن تُخلَقَ حوآءُ من نفس آدم اللحمي ــــ لا الترابي ـــ لأن خلقتها من لحمه يعني تولده منه فتصبح بمثابة بنته وليس زوجته لأن الزوجية أمرٌ عرضي خارجي وأما البنتية فهي أمرٌ ذاتي ،والذاتي يختلف عن العرضي بالماهية والكنه فلا يقاس أحدهما بالآخر أبداً!!! فمن أجل هذا شددت الأخبار النكير على هذه الفرية التي تخالف الفطرة التي حرَّمت نكاح الأب لبناته كما حرمت نكاح المرء لنفسه من خلال الإعتقاد بخلقة حوآء منه،وهذا يذكرنا بما ورد عن خلقة إبليس لعنه الله تعالى حيث دلت الأخبار أنه ينكح نفسه فليس لديه إمرأة بل هو ذكرٌ وإنثى في ذات الوقت،فينكح نفسه فيبيض ويفرخ،فأخبار الطائفة الأولى هي من أخبار خلقة إبليس لعنه الله تعالى فيصبُّ في صالحه وصالح المجوس واليهود الذين نسبوا إلى نبي الله لوط أن بناته مارسن معه الزنا وحبلن منه بعد إسكارهنَّ له؟؟!!!
(المحذور الثاني):نسبة العجز إلى الذات الإلهيَّة لو قلنا بأنَّه خلق أمنا حوآء عليها السلام من ضلع أبينا آدم عليه السلام فكما أمكنه خلق آدم من التراب فكذلك يمكنه أن يخلق حوآء من التراب أيضاً،فالفصل بينهما بلا دليلٍ بل هو ترجيحٌ بلا مرجحٍ وهو قبيحٌ عقلاً ونقلاً كما أشارت إلى ذلك الأخبار لا سيَّما صحيحة زرارة المروية في علل الشرائع/الباب 17/علة كيفيَّة بدء النسل!!
(المحذور الثالث):التلازم بين نكاح الإخوة والأخوات ونكاح آدم عليه السلام من نفسه بناءً على ما جاء في الطائفة الثانية،وهو أمر مستهجنٌ وقد أدَّى إلى التشنيع على الله تعالى وعلى الشرائع المقدّسة بل صار ممسكاً للمجوس الذين يحللون نكاح الأمهات والبنات بسبب هذه الهرطقات على نبيّ الله آدم وحوآء عليهما السلام..!
والخلاصة:لا يجوز التمسك بأخبار الطائفة الأولى للمحاذير التي أشرنا إليها أعلاه بل يجب تنزيه فطرة الأنبياء عن وصمة التشويه ولو كان لفترة زمنية محدودة لأن حياتهم كلها على نواميس الفطرة الإلهيَّة التي لا تبديل لها في أي عصرٍ أو زمان وتحت أي ظرفٍ أو إستثناء...وبالتالي فلا بدَّ لنا من أمرين :إما طرحها، وإما تأويلها وهذا ما سنفعله ههنا.
الجمع بين هاتين الطائفتين:
مقتضى الفقاهة هو الجمع بين الأخبار مهما أمكن وإن لم يمكن للفقيه الجمع فعليه بإنتخاب الطائفة التي تنزه ساحة الأنبياء والحجج الطاهرين عليهم السلام عن وصمة الجهل والخطأ والعار والفضيحة والحرام وعدم المروءة والشهامة والغيرة والحميّة والفطرة السليمة، كل ذلك بمقتضى القاعدة الأُصوليَّة التي سنَّها لنا مولانا الإمام الرضا عليه السلام ولم يعمل بها أكثر فقهاء الشيعة إلاَّ من رحم ربي،وهي قوله الشريف:" حببونا إلى الناس ولا تبغضونا،جروا إلينا كلَّ مودة وادفعوا عنا كلَّ قبيحٍ وما قيل فينا من خيرٍ فنحن أهله وما قيل فينا من شرٍ فما نحن كذلك .." فآدم وحوآء عليهما السلام من آل محمد فمن نسب إليهما القبيح فإنه قد نسب إلى آل البيت هذا القبيح،فمن هنا كان آدم منهم وهم منه،فالفقيه الحقيقي هو من جرّ إليهم كلّ مودة ونفى عنهم كلّ قبيح، فعليه إنتخاب الطائفة التي تدفع عن أبيهم القبيح والتي عليها شواهد وقرائن داخلية من نفس الخبر وقرائن خارجية من القرآن الكريم والأخبار الأخرى أيضاً...
 ووجه الجمع هو الآتي:
(الوجه الأول):أن تُحمَل الطائفة الأولى الدالة على خلقة السيّدة حوآء عليها السلام من ضلع زوجها آدم عليه السلام على التقيَّة كما يشهد له قول مولانا الإمام الصادق عليه السلام في صحيحة زرارة قال سُئل أبو عبد الله عليه السلام عن خلق حوآء،وقيل له:أن أناساً عندنا يقولون إن الله تعالى خلق حوآء من ضلع آدم الأيسر الأقصى"...فقال عليه السلام:"إت آدم كان ينكح بعضه بعضاً إذا كانت من ضلعه ما لهؤلاء حكم الله بيننا وبينهم.."فالعامة العمياء يعتقدون بحلية ذلك.وكل ما وافقهم مما عارض أخبارنا الأُخرى فيطرح ويُضرب به عرض الجدار،وحيث أن أخبار الطائفة الأولى موافقة لهم فلا بدَّ من طرحها ففي مخالفة العامة الرشاد كما جاء ذلك في بعض الأخبار الشريفة.فالترجيح في آخر المطاف للطائفة الثانية بحسب نظرنا الفقهي الموافق للأدلة الكلامية القطعية المبتنية على أدلة الكتاب والسنّة والعقل الكلي المتمثل بفطرة آل محمَّد عليهم السلام.
(الوجه الثاني): تأويل أخبار الطائفة الأولى الدالة على خلقتها من ضلع آدم عليهما السلام بما يتناسب مع أخبار الطائفة الثانية الدالة على أنها خُلقَت من نفس الطينة التي خُلِقَ منها زوجها آدم عليه السلام،فيكون المراد أنها خُلقت من طينة ضلعه الأيسر وهو ما صرَّح به خبر الحسن بن عبد الله عن آبائه عن جده الإمام الحسن بن أمير المؤمنين عليّ عليهما السلام المروي في علل الشرائع/الباب286ح1ص227ج2فليراجع ،وكما دل عليه أيضاً خبر عمرو بن أبي المقدام وخبر أبن سلام في البحار ج11ص101/كتاب النبوةح6عن علل الشرائع..
  وهذا الإختلاف في الأخبار قد وقع مثله في تزويج أبينا آدم بناته من بنيه وعدمه فكما عالجنا هنا الأخبار كذلك نعالجها هناك،فتأمل.
(الوجه الثالث):أنَّ مسألة خلق أمنا حوآء عليها السلام من أبينا آدم عليه السلام من جملة المسائل المتشابهة التي لا يجوز الأخذ بها دون الرجوع إلى المحكمات النقلية الأخرى المتمثلة بالكتاب والسنَّة الشريفة والإطلاع على أخبار العامة،وكلُّ فقيهٍ قال بصحة خلقتها من آدم يكون قد ارتكب شططاً ودل ذلك على ضعف فقاهته لقلة درايته وضعف عقيدته وإعوجاج سليقته وفطرته،كما أن تقديم المتشابه على المحكم هو ديدن من في قلبه زيغ ومرض كما أفاد قوله تعالى في سورة آل عمران الآية السابعة "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنَّ أُم الكتاب وأُخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وابتغاء تأويله...".
هذه أهم وجوه الجمع الفقهي بحسب ما أفاض الله تعالى علينا بفضل التمسك بنعال أهل البيت المطهرين عليهم السلام فجعلني الله تبارك وتعالى وإياكم من حراس فقههم وعقيدتهم الدافعين عنهم كلّ قبيح ومن يجر إليهم كلَّ مودة وخير بحقهم عند الله تعالى...

 

والسلام عليكم ورحمته وبركاته.
حررت بتاريخ يوم الإربعاء 4صفر 1430للهجرة النبوية الموافق20/10/2010م/بيد العبد محمد جميل حمُّود العاملي/بيروت /الضاحية الجنوبية.
 

  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=24
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 03 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29