السلام عليكم
س/ ما دور الحوت الذي ذكر بالقرآن مع موسى عليه وعلى نبينا السلام وهل كان حوت بالمعنى المتعارف عليه ؟
واذا كان الحوت هو المعروف لدينا كيف يمكن السفر به؟
ومن الغلام الذي كان مع موسى واين ذهب لانه لم يذكر في بقية أحداث القصه مع الخضر عليه السلام ؟
وفقتم لخدمه الدين .
*****
الموضوع العقائدي التفسيري: هل النبيّ يوشع عليه السلام هو فتى النبيّ موسى عليه السلام..؟
التفاصيل: ما شأن الحوت الذي نسيه غلام النبيِّ موسى عليه السلام؟ ومن هو ذاك الفتى وما حقيقته ؟ فهل هو النبيُّ يوشع بن نون عليه السلام أم شخصية أخرى...؟ الإيراد على من قال بأن الفتى هو النبيّ يوشع بن نون عليه السلام / هل يجوز نسبة الشيطنة للأنبياء عليهم السلام بالأخبار..؟ تفنيدنا للروايات الموهومة التي استدلوا بها على نسبة الشيطنة للنبيّ يوشع بن نون عليها السلام .
*****
بسم الله جلّت عظمته
وعليكم السلام والرحمة
الجواب:البحث في نقطتين هما:
النقطة الاولى: حقيقة الحوت .
النقطة الثانية:حقيقة الغلام الذي خدم النبيّ موسى عليه السلام.
أمّا النقطة الاولى:فإن الحوت هو السمكة التي أراد أن يأكلها النبيُّ موسى عليه السلام مع فتاه بعد التعب من السفر كما قصَّ ذلك علينا القرآن الكريم بقول الله تبارك وتعالى{فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً }الكهف62.
ولا يُراد من الحوت المعروف بضخامته، إذ كيف يأمره باصطياد حوت كبير – بناءاً على أنَّه اصطاده في رحلته للوهلة الأولى وبحسب ظاهر الآية من دون مراجعة الأخبار المفسّرة، أو قبل مسيرهما إلى مجمع البحرين - لا يقدر على اصطياده مئات الرجال بالرغم من عدم جواز أكله في شريعتنا كما في الشرائع السابقة على الإسلام، بل المراد بالحوت في اللغة والأخبار هو السمك القابل للإصطياد والقابل للتذكية بخروجه من الماء حيّاً، وله فلس، والحيتان الكبيرة ذات الجلد السميك ليست قابلة للإصطياد، وليس لديها فلس: وهو القشور الصدفية الصغيرة التي تقشَّر بمجرد حكها..والحوت الكبير يأكل كلّ ما يراه حتى البشر...من هنا التقم الحوت نبيَّ الله ذي نون - وهو النبيُّ يونس والد أو جدّ النبي يوشع عليهما السلام على خلاف بين المؤرخين - لما ركب السفينة وأراد الحوت أن يأكل الجميع، فاقترعوا فيما بينهم بالسهام وكل مرة يخرج السهم على النبيّ ذي النون عليه السلام (أي صاحب الحوت، ونون من أسماء الحوت) فرموه في البحر فالتقمه الحوت وبقي في بطنه ثلاثة أيام حتى استغفر كثيراً لتركه الأولى، فتوسل واستغاث بالنبيّ وآله المطهرين عليهم السلام لعلمه بأنهم هم سفن النجاة من الكروب والهموم والمصائب... !
وبالجملة: إن السمكة الصغيرة يمكن حملها لا سيَّما إذا كانت مملوحة أو مشوية على خلاف الروايات التاريخية بكيفية حفظها من التلف خلال السفر، ولا يُراد من السمكة الحوت الضخم الذي ربّما تصوره السائل الكريم، بل المراد من الحوت ها هنا هو السمكة الصغيرة المملحة، وبتمليحها – أي غمرها بالملح - ينحل الإشكال الذي عرضه السائل الكريم..وبالتالي فإن السمكة المملوحة هي التي تم حفظها وتجفيفها بالملح لتستقيم من التعفن.
ولولا ظاهر بعض الأخبار الدالة على أن السمكة قد حملها الفتى في المكتل من مصر، لكنّا ذهبنا إلى أن الفتى اصطادها لما وصلا إلى الصخرة في مجمع البحرين باعتبار أن الآية ظاهرة في تواجد السمكة على الصخرة بعد اصطيادها، لأن تواجدها على الصخرة ميتة يستلزم اصطيادها ثم وضعها على الصخرة لكي يشويها الفتى..لكنهما ناما على الصخرة ثم عند الصباح نسياها - أي تركاها - وارتحلا ثم لما تعبا قال النبيُّ موسى عليه السلام لفتاه بقول الله تعالى:(فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً ) ( الكهف 62) .
والخلاصة:ثمة خلاف وجدل كبير حول السمكة التي نسيها خادمه على الصخرة لما أويا إليها للإستراحة، هل جلباها معهما مملحة أو مشوية أو أن الخادم اصطادها لمّا كان على الصخرة..؟ بعض مفسري الشيعة ذهبوا إلى أن السمكة جلباها معهما من مصر مملوحة كما أشارت بعض الأخبار وأكثرها متوافقة مع أخبار العامة، منها ما رواه المحدِّث علي بن إبراهيم صاحب تفسير القمي قال:" لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله قريشاً بخبر أصحاب الكهف، قالوا: أخبرنا عن العالم الذي أمر الله موسى أن يتبعه وما قصته، فأنزل الله عز وجل:" وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً " قال: وكان سبب ذلك أنه لما كلَّم الله موسى تكليماً وأنزل الله عليه الألواح وفيها كما قال الله: " وكتبنا له في الألواح من كلّ شئ موعظة وتفصيلاً لكلِّ شئ " ورجع موسى إلى بني إسرائيل فصعد المنبر فأخبرهم أن الله قد أنزل عليه التوراة وكلمه، قال في نفسه: ما خلق الله خلقاً أعلم مني، فأوحى الله إلى جبرئيل: أدرك موسى فقد هلك، وأعلمه أن عند ملتقى البحرين عند الصخرة رجل أعلم منك فصر إليه وتعلم من علمه، فنزل جبرئيل على موسى عليه السلام وأخبره فذلَّ موسى في نفسه وعلم أنه أخطأ ودخله الرعب، وقال لوصيه يوشع: إن الله قد أمرني أن أتبع رجلاً عند ملتقى البحرين وأتعلم منه، فتزود يوشع حوتاً مملوحاً وخَرْجَاً، فلما خرجا وبلغا ذلك المكان وجدا رجلاً مستقلياً على قفاه فلم يعرفاه، فأخرج وصيُّ موسى الحوت وغسله بالماء ووضعه على الصخرة ومضيا ونسيا الحوت، وكان ذلك الماء ماء الحيوان فحيي الحوت ودخل في الماء، فمضى موسى عليه السلام ويوشع معه حتى عييا، فقال لوصيه:" آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً " أي عناء، فذكر وصيُّه السمكة فقال لموسى: إني نسيت الحوت على الصخرة، فقال موسى: ذلك الرجل الذي رأيناه عند الصخرة هو الذي نريده، فرجعا على آثارهما قصصاً إلى عند الرجل وهو في الصلاة ، فقعد موسى حتى فرغ من الصلاة فسلم عليهما " البحار ج 13 ص 278 ح 1 نقلاً عن تفسير القمي .
تعقيبنا على الرواية المتقدِّمة بالآتي:لم ينقل المحدّث علي بن إبراهيم هذه القصة عن المعصوم عليه السلام، بل هي رواية مرسلة، ينقض ذيلُها صدرَها، إذ ربما نقلها من مصادر أخرى كما يبدو في ظاهر الحال، لا سيّما أن في تفسير القمي روايات رواها أبو الجارود الواقفي، ولا يصح الأخذ من روايات الواقفية إلَّا ما دلت عليه القرائن القطعية المتوافقة مع الشروط المعتبرة في صحة قبول الخبر المنسوب إليهم عليهم السلام..والواقفية لا تقر بعصمة الأنبياء والأوصياء فكيف يمكننا أن نصدِّقه في أن الفتى الذي تسلط عليه الشيطان بالنسيان هو وصيُّ النبي موسى عليه السلام..؟!!، وبالتالي لا يصح الإستدلال بها على أن الخادم هو يوشع بن نون عليه السلام، وذلك لأن الشيطان لا يتسلط على عقول المخلَصين (بفتح اللام لا كسرها) فضلاً عن الأنبياء والمرسلين والأوصياء والأوليام العظام المقربين عليهم السلام..كما لا يصح الإستدلال في باب العقائد بأخبار الآحاد - بل ولا بالأخبار القوية الإسناد - على نسيان الأنبياء ونسبة القبيح إليهم لمجرد أن خبراً أو أخباراً أشارت إلى نسيانهم المنبعث من تسلط إبليس على عقولهم وأرواحهم فنسوا حتى تصرفاتهم الخارجية والموضوعات التي هي من صلب حياتهم اليومية..!! والأخبار التي استدلوا بها على صحة نسبة النسيان الشيطاني إلى الأنبياء عليهم السلام لا سبيل إلى تصحيحها بكتاب أو سنَّة قطعية أو عقل، بل الكتاب والعقل يرفضانها من الأساس، والرفض مؤكد في السُّنَّة القطعية الصحيحة الدالة على أن الأنبياء لا يتسلط الشيطان على عقولهم بنسيان أو جهل أو سهو..بالإضافة إلى أن أخبار الآحاد وغيرها لا تقاوم الأدلة القطعية الصدور والدلالة..فتأملوا.
بالإضافة إلى ما فيها من اضطراب في بعض فقراتها منها:
1 – قول النبي موسى عليه السلام في نفسه"لم يخلق الله خلقاً أعلم مني" في حين أنَّه يعرف من عالم الأرواح السابق على عالم الأبدان أن النبيَّ وآله الأطهار عليهم السلام هم أعلم خلق الله تعالى على الإطلاق، وأن الإيمان بالنبيّ وأهل بيته الأطهار عليهم السلام شرط أساسي في تأسيس نبوة موسى وغيره من الأنبياء عليهم السلام، فلا يمكننا التغاضي عن الأخبار المنفصلة الأُخرى التي فاقت التواتر وقد دلت على أن النبي وآله الأطهار عليهم السلام هم أعلم وأعظم وأفضل خلق الله تعالى على الإطلاق، وما من نبيٍّ صار نبيَّاً حتى أخذ الله تعالى الميثاق عليه في عالم الأرواح بالإعتقاد به وأهل بيته الأطهار عليهم السلام، بل جاء في الأخبار المستفيضة أن معرفة الصدّيقة الكبرى فاطمة البتول عليها السلام هي شرط أساسي في جعل الأنبياء أنبياءاً وعلى معرفتها دارت القرون الأولى كما قال إمامنا المعظَّم جعفر الصادق عليه السلام..فهذه الرواية حتى لو كانت ذات سند لا يمكن الركون إليها والإعتماد عليها بتمام فقراتها بسبب المحذور الذي أشرنا إليه مع المحذورينِ التاليين:
2 – كيف يتزود النبي يوشع عليه السلام حوتاً مملوحاً كما في هذه الرواية بينما في رواية أخرى رواها المجلسي في البحار (ج 13 ص 281) أن الحوت كان مشوياً، ونقل الطبرسي في المجمع (ج 7 ص 63) إنه كان طرياً لا مملوحاً ولا مشوياً ) ويغسل النبي يوشع الملح عنها ثم يرتحلان، فلماذا غسلها قبل الشروع في أكلها لما كانا على الصخرة..بل غسلها ووضعها على الصخرة ثم ارتحلا..؟! يبدو من هذا النص أن كليهما نسيا جوعهما فتركاها على الصخرة.. أليس من الواجب على الفتى - وهو بحسب الفرض يوشع - أن يستأذن من النبي موسى عليه السلام بإخراج السمكة من المكتل (كما في روايات أخرى..) ويستفهم منه عن إخراجها للشروع في أكلها..؟! وهل الخادم حرُّ التصرف بممتلكات سيّده قبل أن يأذن له سيّده بالتصرف..؟!! أترون التهافت حتى في وضعية الحوت هل كان مملوحاً أم مشوياً أم طرياً...سبحان ربّك ربّ العزة عما يصفون..! إنَّه الإضطراب في تصرفات النبيين: موسى ويوشع عليهما السلام والعياذ بالله تعالى..! كلّ ذاك الإضطراب مردُّه النقل من أخبار العامة العمياء.. فاختلط الحابل بالنابل..!
3 – من المستهجن أن النبي يوشع عليه السلام أخرجها من المكتل وغسلها ثم مضيا وكان ذلك الماء ماء الحيوان فحيي الحوت ودخل في الماء، فمضى موسى عليه السلام ويوشع معه حتى عييا، فقال لوصيه: " آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا " فقد علما أن الحوت حيى ودخل في الماء ثم لم يتذكرا دخول الحوت في الماء فقال موسى لوصيه "آتينا غداءنا.."، يبدو أنهما نسيا الأكل ونسيا الحوت معاً..فالقصة كلها نسيان في نسيان..!!.
هذه المحاذير بضميمة محاذير أخرى قد نتطرق إليها لاحقاً تأخذ بأعناقنا في عدم الإطمئنان إلى هذه الرواية المضطربة في فقراتها..!! بل هي مجرد خبر متوافق مع أخبار العامة العمياء، ولا خير في اتباعهم والأخذ منهم وممن ينقل عنهم بروايات ملفقة على أئمة الهدى عليهم السلام سواء من أبي الجارود أو غيرها من رواة لا يعتقدون بعصمة الأنبياء عن النسيان والسهو والجهل ..!
وأمَّا النقطة الثانية:المراد بالفتى هو الخادم الذي رافق النبي موسى عليه السلام في سفره للقاء الميمون بوليّ الله الخضر عليه السلام، ولا يطلق الفتى على الإبن الصلبي بل هو خاص بغير الأولاد الصلبيين، لذا لم يكن الفتى الذي رافق النبيَّ موسى عليه السلام إبناً له، بل هو خادمه أو إبنه بالتربية، والأصح هو القول الأول أي أن الفتى هو الخادم، وذلك للإنصراف وعدم وجود خبر يدل على أنّه كان إبناً له بالتربية بمعنى أن النبيّ موسى عليه السلام لم يأخذه يتيماً ورباه، نعم هو إبنه بالتعليم - وقد رأى الفتى بعض الآيات العجيبة كبقاء السمكة حيّة من دون ماء لأن حياة السمك هي الماء، ثم اتخذت السمكة في البحر سرباً أي نفقاً - وبالرغم من أن الفتى كان خادماً فهل يستلزم ذلك في أن يكون متفقهاً ومتأدباً..؟ ليس ثمة ما يؤيد هذا المعنى – أي الخدمة الملازمة للتعليم - في تاريخ البشرية إلا بشكلٍ نادرٍ جداً وهو الصحيح الذي عليه التحقيق والعُرف على بابكم يشهد لكم بذلك، ولا تستلزم الخدمة التعليم في كلِّ الأوقات، فها هو النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله كان يخدمه أنس – بناءاً على ظواهر بعض الأخبار - ولم يكن من الأخيار والأنصار لأمير المؤمنين عليّ صلّى الله عليه وآله ولم يتعلم منه السنن والآداب...!!
ويبدو من القصة أن فتى موسى عليه السلام انبهر بما حدث من أفعال غريبة من السمكة..فكانت رفقته للنبي موسى فيها شيء من التعليم وزيادة اليقين بالله تعالى.
و"الفتى" لغةً هو الرجل الشاب، وجمعه فتية وفتيان مثل صبية وصبيان، وإنما أضيف إلى النبيّ موسى عليه السلام لكي يقوم بخدمته، وهو القدر المتيقن من الحكمة في صحبته للنبي موسى عليه السلام، والعرب تسمي الخادم للرجل فتى وإن كان شيخاً، والأمة فتاة وإن كانت عجوزاً، ويسمى التلميذ فتى، وإن كان شيخاً؛ ويشهد له ما ورد في الأخبار من تعميم لفظة"فتى" على الكهول أيضاً، فقد جاء في تفسير العياشي (ج 2 ص 323 ح 11) رفعه عن سليمان بن جعفر الهذلي قال: قال لي جعفر بن محمّد ( عليه السلام ) :يا سليمان من الفتى ؟ قال: قلت:جعلت فداك الفتى عندنا الشاب، قال لي:( أما علمت أنّ أصحاب الكهف كانوا كلّهم كهولاً فسمّاهم الله فتية بإيمانهم، يا سليمان من آمن بالله واتقى فهو الفتى). وروى الصدوق في معاني الأخبار (ص 119) عن ابن إدريس، عن أبيه، عن ابن أبي الخطاب، وابن يزيد، ومحمّد بن أبي الصهبان جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام، عن جده ( عليه السلام ) قال:(إنّ أعرابيّاً أتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فخرج إليه في رداء ممشق فقال: يا محمّد لقد خرجت إليَّ كأنّك فتى، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم ): نعم يا أعرابي أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتى، فقال: يا محمّد أمّا الفتى فنعم فكيف ابن الفتى وأخو الفتى ؟ فقال: أما سمعت الله عزّ وجلّ يقول: ( قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ) فأنا ابن إبراهيم، وامّا أخو الفتى فإنّ منادياً نادى من السماء يوم أُحد :لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلا عليّ فعليّ أخي وأنا أخوه..).
وروى الآمدي في غرر الحكم عن أمير المؤمنين عليّ صلَّى الله عليه وآله قال:( بُعد المرء عن الدنيّة فتوةٌ ) .
وعنه أيضاً قال عليه السلام:( ما تَزَيَّنَ الإنسان بزينة أجمل مِنَ الفُتُوَّةِ ).
وكلمة "الفتى" إذا أضيفت لا تطلق على الإبن الصلبي مطلقاً، فلا يقال لإبنِ فلانٍ أو ولده إنَّه فتاه، بل يقال إنه ابنه أو ولده، وقد جاء ذلك بصريح القرآن وفقه اللغة، قال الثعالبي في فقه اللغة: ولد كلّ بشر ابن وابنة، ولا يخفى عليك ما جاء في القرآن الكريم من قول الله تبارك وتعالى:{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً }الكهف60،{فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً } الكهف62 .
{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }يوسف30"،{وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }يوسف 62، {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النور33.
فليس المقصود بفتاه أنَّه كان إبناً لموسى عليه السلام ولم يكن يوسف إبناً لامرأة العزيز بالقطع واليقين، كما لم يكن فتيانُه أبناءَه، ولا المراد بفتياتكم بناتكم قطعاً بدليل قوله سبحانه:" فانكحوهن بإذن أهلهن " فالمراد من كل ذلك المملوك أو الخادم كما عليه إجماع المفسرين .
من هو هذا الفتى..؟
لم تشر الآيات إلى هوية هذا الفتى بإسمه، ولم تُشر إلى كونه نبيَّاً أو وصيَّاً ومن أبوه ومن أين جاء وكيف وصل إلى خدمة النبي موسى عليه السلام وإن كانت الآيات قد أشارت ضمناً إلى أن الفتى ليس وصيّه يوشع بن نون عليه السلام بالقطع واليقين، بل هو شخص آخر مختلف فيه، ولعلّه إبن النبيّ يوشع كما احتمله الطبرسي في مجمع البيان ج 7 ص 63 ونسبه إلى القيل:" قيل أنه يوشع وقيل أنه إبن يوشع" إنتهى .
والأرجح بل المتعيَّن عندنا أن الفتى هو إبن يوشع أو شخص آخر، بمقتضى ضرورة بقاء النبيّ يوشع عليه السلام بين قوم النبي موسى عليه السلام لوجوب استخلاف الوصي في حال غياب النبيّ موسى عليه السلام، من هنا لم يستخلف يوشع إبنه بعد موته باعتباره غير معصومٍ، بل أوصى إلى إبن هارون عليه السلام كما جاء في الأخبار..
ودعكم من قول صاحب البحار المجلسي (في الجزء 61 ص 290) الذي مال إلى أن الفتى هو يوشع بن نون عليه السلام بالرغم من صريح الآية الكاشفة عن أن الشيطان أنساه الحوت على الصخرة.. وصاحب البحار كعادته يغترف من آبار العامة العمياء في بعض نقولاته التاريخية من دون تحقيق وتدقيق وإرجاع هاتيك الروايات الملفقة إلى المنابع العلوية الفاطمية، والعمل بما أمروا بعرض الأخبار المنسوبة إليهم على الكتاب الكريم، ونهوا عن الأخذ بالأخبار المتوافقة مع مصادر أعدائهم..!
ومن هاتيك الروايات ما جاء في تفسير العياشي (ج 2 ص 330 ح 42 ) مرفوعاً إلى أبي حمزة الثمالي عن الإمام المعظّم أبي جعفر عليه السلام قال:( كان وصي موسى بن عمران يوشع بن نون وهو فتاه الذي ذكر الله في كتابه ). يقصد الآية من سورة في سورة الكهف: (60 -62) حيث قال عزّ وجلّ :( وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حُقُباً ) وقال عزّ وجلّ :( فلما جاوزا قال لفتاه ائتنا غدائنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ) .
وكلتا الروايتين - رواية عليّ بن إبراهيم القمي ورواية العياشي - ضعيفتان سنداً بالإرسال تارةً وبجهالة بعض الرواة تارةً أُخرى، هذا بالإضافة إلى إعراض المشهور عنهما وعن أمثالهما على فرض وجود روايات أخرى، وإعراض المشهور عن رواية أو روايات يضعف من سندها ودلالتها معاً، ولو لم يكن سوى مخالفتهما للكتاب الكريم لكفى في طرحهما من الأساس كما أشارت الأخبار الكثيرة الدالة على عرض الروايات المنسوبة إليهم عليهم السلام على القرآن الكريم، فما خالفه يُضرب به عرض الجدار، وإذا لم يجد الفقيه شاهداً من القرآن، يعرضه على أخبار العامة، فما وافقهم يُضرب به عرض الجدار..وحيث إن هاتين الروايتين المتقدّمتين تخالفان القرآن وتتوافقان مع أخبار العامة القائلين بأن المراد بفتى النبي موسى عليه السلام هو النبي يوشع بن نون عليه السلام، وكونهما مخالفتينِ للكتاب من حيثية إن الكتاب ذكر بأن الفتى نسي الحوت بفعل تسلط إبليس على الفتى فنسي، وهاكم الآية الكريمة تفصح عن ذلك بقوله تعالى حاكياً عن الفتى {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً }الكهف63 بعد أن قال له النبي موسى عليه السلام {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً }الكهف62 .
إن الآية واضحة في ذكر سبب نسيان الفتى للحوت وهو تسلط إبليس عليه، وليس عند الإمامية شيء اسمه نسيان رباني أو سهو رباني كما ادعى شذاذ بعقائدهم واستنباطاتهم – أمثال إبن الوليد والصدوق ومن لفّ لفهما وسلك منهجهما – والنسيان يدور مدار الشيطان فحيثما تجد نسياناً فاعلم أنَّه من الشيطان، ومن المعلوم بالضرورة العقلية والقرآنية والسُّنَّة النبويَّة والولويَّة أن الشيطان لا سلطة له على الأنبياء والأوصياء والأولياء المعصومين عليهم السلام وبالتالي لا يمكننا أن نصدّق ما جاء في هاتين الروايتين من نسبة النسيان إلى نبيّ الله يوشع بن نون عليه السلام..!! فإذا ما كان الشيطان قادراً على التسلط عليهم، فكيف يأمن المكلفون من تبليغ هذا الوصيّ المعصوم أحكام الله تعالى التي نزلت على النبيّ موسى عليهما السلام..؟!! والتسلط الشيطاني يعود إلى شقاوة النفوس وتعاستها والحُجُب التي رانت على قلب وعقل صاحبها..ومن الواضح أن الأنبياء والأوصياء والأولياء عليهم السلام بعيدون عن التعاسة والشقاوة والحجب الظلمانية، فنسبة النسيان إليهم خلاف القرآن الكريم والأحاديث التي بلغت المئات المنزهة لهم عن السهو والنسيان والشقاء..! قال الله تعالى{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ }الحجر42. {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً }الإسراء65. {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ }ص82 {إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }الحجر40 .
هذا بالإضافة إلى شيءٍ مهم لم يلتفت إليه المفسرون وغيرهم ممن قالوا بأن الفتى هو يوشع عليه السلام هو الآتي: كيف يقدم النبي موسى على أخذ وصيّه يوشع بن نون عليهما السلام – بناءاً على ما ادعته تينك الروايتين – وقد ترك أمته بلا وصيّ يخلفه على الأمّة في سفره إلى اللقاء بالولي الخضر عليهما السلام في حين أنَّه لمّا ذهب إلى الطور خلّف بعده أخاه النبيّ هارون عليه السلام..؟ أليس هذا يرضي العامة العمياء الذين فلقونا بالقول بأنه من الممكن أن يترك النبيّ الأعظم محمد صلى الله عليه وآله أمته بلا وصي ولعلهم يستشهدون بقصة صحبة الوصي يوشع للنبي موسى عليهما السلام..!! ومن العجيب الغريب هو ما رواه المجلسي في البحار ( ج 61 ص 290 ) حيث نقل من أبي الفرج بن الجوزي في المدهش في قوله تعالى : " وإذ قال موسى لفتاه "الآية عن ابن عباس والضحاك ومقاتل قالوا:" إن موسى عليه السلام لما أحكم التوراة وعلم ما فيها قال في نفسه: لم يبق في الأرض أحد أعلم مني من غير أن يتكلم مع أحد فرأى في منامه كأن الله أرسل الماء بالماء حتى غرق ما بين المشرق والمغرب، فرأى قتاة ( ولعلها قنات وهي مجرى الماء وتكتب بالتاء المربوطة أيضاً كما قال اللغويون) على البحر فيها صردة فكانت الصردة تجيئ للماء الذي غرق الأرض فتنقل الماء بمنقارها ثم تدفعه في البحر، فلما استيقظ الكليم هاله ذلك، فجاءه جبرائيل فقال: مالي أراك يا موسى كئيباً ؟ فأخبره بالرؤيا، فقال: إنك زعمت أنك استغرقت العلم كله فلم يبق في الأرض من هو أعلم منك، وإن لله عبداً علمك في علمه كالماء الذي حملته الصردة بمنقارها فدفعته في البحر، فقال: يا جبرئيل من هذا العبد؟ فقال: الخضر بن عاميل من ولد الطيب يعني إبراهيم الخليل عليه السلام قال: من أين أطلبه ؟ قال: اطلبه من وراء هذا البحر، فقال: من يدلني عليه ؟ قال:بعض زادك (أي السمكة ستدلك على مكان الخضر عليه السلام) قالوا :فمن حرصه على رؤياه لم يستخلف في قومه ومضى لوجهه وقال لفتاه يوشع:هل أنت موازري ؟ قال:نعم ، اذهب فاحتمل لنا زاداً، فانطلق يوشع فاحتمل أرغفة وسمكة عتيقة مالحة، سارا في البحر حتى خاضا وحلاً وطيناً ولقيا تعباً ونصباً حتى انتهيا إلى صخرة ناتئة في البحر خلف بحر أرمينية يقال لتلك الصخرة :قلعة الحرس.." .
الرواية المتقدمة واضحة في أن النبيّ موسى عليه السلام لم يستخلف أحداً من بعده خلال سفره إلى مجمع البحرين، وهذا يصبُّ في خانة العامة العمياء الذين دائماً يتشدقون بأن النبي الأكرم محمَّداً صلَّى الله عليه وآله مات ولم يستخلف من بعده أحداً بل ترك الأمر شورى بين المسلمين..وهو ما نرفضه نحن معشر الإمامية جملةً وتفصيلاً..وبالتالي لا نقر بالفقرة الواردة في هذه الرواية بأن النبي موسى عليه السلام لم يستخلف خلال سفره، بل استخلف النبي يوشع عليه السلام ولم يأخذه معه إلى مجمع البحرين قطعاً..ولو أخذه معه لكان ترك أمته بلا خليفة يحل محلّه، فكما خلّف مكانه أخاه النبي هارون عليه السلام لمّا ذهب إلى الطور، فلا بدَّ أن يخلف محله النبي يوشع عليه السلام طبق القذة بالقذة والنعل بالنعل وإلا فإن الفصل بين السفرتين: (الأولى سفرته إلى الطور، والثانية سفرته إلى مجمع البحرين) يعتبر فصلاً بلا دليل وبرهان بل هو فصل ابتدعه المخالفون ليثبتوا بأن للنبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله أسوة بالنبي موسى عليه السلام ذهب إلى مجمع البحرين آخذاً معه النبي يوشع عليه السلام وتاركاً رعيته بلا وصي يخلفه في غيابه وبعد مماته..فـتأملوا.
إشكال وحلّ:ذكرت إحدى الروايات بأن هارون كان موجوداً لمّا سافر النبي موسى إلى مجمع البحرين، فكيف تدّعون بأنه لم يكن موجوداً وبالتالي لم يستخلف موسى أحداً على قومه..؟ وهذه الرواية في مصادر الشيعة رواها المجلسي في البحار ج 26 ص 199 ح 17 هي التالي:" وجد في ذخيرة أحد حواري المسيح عليه السلام رق مكتوب بالقلم السرياني منقولا من التوارة وذلك: ( لما تشاجر موسى والخضر عليهما السلام في قضية السفينة والغلام والجدار ورجع موسى إلى قومه سأله أخوه هارون عما استعلمه من الخضر عليهما السلام في السفينة وشاهده من عجائب البحر . قال : بينما أنا والخضر على شاطئ البحر إذا سقط بين أيدينا طائر أخذ في منقاره قطرة من ماء البحر ورمى بها نحو المشرق ، ثم أخذ ثانية ورمى بها نحو المغرب ، ثم أخذ ثالثة ورمى بها نحو السماء ، ثم أخذ رابعة ورمى بها نحو الأرض، ثم أخذ خامسة وألقاها في البحر ، فبهت الخضر وأنا، قال موسى: فسألت الخضر عن ذلك فلم يجب وإذا نحن بصياد يصطاد، فنظر إلينا وقال: مالي أراكما في فكر وتعجب ؟ فقلنا: في أمر الطائر، فقال: أنا رجل صياد وقد علمت إشارته وأنتما نبيان لا تعلمان ؟ قلنا : ما نعلم إلا ما علمنا الله عز وجل، قال: هذا طائر في البحر يسمى مسلماً لأنه إذا صاح يقول في صياحه ( مسلم ) ، وأشار بذلك إلى أنه يأتي في آخر الزمان نبي يكون عليم أهل المشرق والمغرب وأهل السماء والأرض عند علمه مثل هذه القطرة الملقاة في البحر، ويرث علمه ابن عمه ووصيه ).
حلّ الإشكال من وجهين هما:
(الوجه الأول):إن هذه الرواية لم تُروَ عن المعصوم عليه السلام في مصادر الحديث عند الشيعة، بل هي مجرد رواية منقوله بطريق الوجادة"وجدَ في ذخيرة أحد حواري المسيح عليه السلام" ولكن بعض فقراتها متوافقة مع أخبارنا الأخرى كقول الصياد لهما:" أنه يأتي في آخر الزمان نبي يكون عليم أهل المشرق والمغرب وأهل السماء والأرض عند علمه مثل هذه القطرة الملقاة في البحر، ويرث علمه ابن عمه ووصيه". ولا حجية فيمن لا يروي عن المعصوم عليه السلام.
(الوجه الثاني): رواية الذخيرة المتقدّمة تنافي ما ورد في رواياتنا الأخرى من دون زيادة"وجِدَ في ذخيرة أحد حواري المسيح عليه السلام" ومن دون أي ذكر للصياد، فقد أورد النوري صاحب المستدرك في كتابه"نفس الرحمان في فضائل سلمان الفارسي ص 215" عن العياشي والصفار ما يدل على المدَّعى، فعن العياشي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام في حديث طويل في قصة موسى والخضر: ( قال :( ثم ) إنه جاء طير فوقع على ساحل البحر ثم أدخل منقاره فقال: يا موسى ! ما أخذت من علم ربك ما حمل ظهر منقاري من جميع البحر،، وفي بصائر الثاني مسنداً عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال: ( لما لقى موسى العالم كلمه وسأله، فنظر إلى خطاف يصفر ويرتفع في السماء ويتسفل في البحر ، فقال العالم لموسى: أتدري ما يقول هذا الخطاف ؟ قال: وما يقول ؟ قال : يقول : ورب السماء و ( رب ) الأرض ما علمكما من علم ربكما إلا مثل ما أخذت بمنقاري من هذا البحر ، قال: فقال أبو جعفر عليه السلام : أما ( إني ) لو كنت عندهما لسألتهما عن مسألة لا يكون عندهما فيها علم ) .
والمراد "من علم ربكما" كناية عن علم سيّديكما وهما: رسول الله محمد وأمير المؤمنين عليّ وآله.. وقد طرح النوري الطبرسي الروايتين:رواية أعلمية سلمان من النبي موسى والخضر ورواية الذخيرة بقوله رحمه الله:" وينافي ظاهرهما معا ما رواه العياشي والصفار..إلى آخر تعليقته على الروايتين:رواية أعلمية سلمان ورواية الذخيرة..
هذا مضافاً إلى أن النبي هارون عليه السلام توفى قبل النبي موسى بثلاثة أعوام بينما كان سفره إلى مجمع البحرين قبل وفاته بمدة يسيرة..
وحتى لو فرضنا وجود هارون عليه السلام فأبقاه في قومه خليفة عنه فإن ذلك لا يتوافق مع رواية الفرج بن الجوزي عن إبن عباس والضحاك ومقاتل الدالة على أنه لم يستخلف أحداً على رعيته، مع التأكيد على أن نسيان الفتى قارناً نسيانه إلى الشيطان لا يتناسب مع عصمة يوشع بن نون عليه السلام على الإطلاق..!! فتدبروا جيداً..
ومما يؤكد ما أشرنا إليه: أن كلمة"حقباً " الواردة في الآية 60 من سورة الكهف (وإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ) تُحدَّد تقريباً بثمانين عاماً أو بالزمن الطويل وهو ما نستفيده من الآية بشكل عام من أن النبيّ موسى ( عليه السلام ) لم يسلك طريقاً طويلاً بناءاً على أن مجمع البحرين هو محل اتصال "خليج العقبة " مع " خليج السويس ".
والمعروف أن البحر الأحمر يتفرع شمالاً إلى فرعين: فرع نحو الشمال الشرقي حيث يُشكِّل خليج العقبة، والثاني نحو الشمال الغربي ويسمى خليج السويس، وهذان الخليجان يرتبطان جنوباً ويتصلان بالبحر الأحمر. وأما بناءاً على أن مجمع البحرين هو محل اتصال المحيط الهندي بالبحر الأحمر في منطقة " باب المندب". وكذلك إذا كان المقصود بمجمع البحرين هو المكان الممتد من البحر المتوسط - الذي يسمى أيضاً ببحر الروم والبحر الأبيض - مع المحيط الأطلسي، يعني نفس المكان الذي يطلق عليه اسم مضيق جبل طارق قرب مدينة "طنجة "، فالمسافة للوصول إليه ستكون شهوراً.
وبالرغم من كلّ ذلك: فإن النبي موسى عليه السلام كان مستعداً للسفر إلى أي مكان لأجل الوصول إلى مقصوده وهو ما عبّر عنه بكلمة حقباً..مما يعني أنه كان مستعداً أن يترك رعيته لمدة سنين بلا وصي يخلفه في أمته في حين ذهب إلى الطور لمدة أربعين يوماً تاركاً فيهم وصيه أخاه هارون عليه السلام فنبذوه وعبدوا العجل..فهل كان النبي موسى مستعداً للتجربة الثانية لأجل اللقاء بالخضر عليه السلام ..؟ وهل يا تُرى يعيد الله تعالى التجربة على النبي موسى عليه السلام ليرتد قومه من جديد..؟!! .
والحاصل: لم يكن النبي يوشع عليه السلام هو الفتى المذكور في سورة الكهف، وإنَّما كان رجلاً آخر غير النبي يوشع عليه السلام.. فتأملوا..
إن قيل لنا: إن العلّة في نسيان الفتى اليوشعي لكي يرى الآية التي صدرت من الحوت، وبالتالي يكون النسيان محبوباً ومرضياً لأجل إرأتهما تلك الآية وهي (..وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً ) فيثبت بذلك كونه النبيّ يوشع بن نون عليه السلام المقصود في سورة الكهف ...!!.
قلنا له: إن الأمر ليس كذلك، ولو كان صحيحاً كما تصوَّره الجمهور وبعض الشيعة من دون تحقيق،، لكان الواجب أن يقول"وما أنسانيه إلا الله أن أذكره" فذكر الشيطان يبعد الإحتمال، وإلَّا لانتفت فائدة البعثة من الأساس فيصبح نسيان الأنبياء في التبليغ وغيره مبرراً وبهذا تثبت الروايات الملفقة على رسول الله صلى الله عليه وآله بأنه سهى في صلاة الظهر فصلى ركعتين بدلاً من أربعة..وتثبت صحة الروايات التي ادعت أنه نام عن صلاة الصبح حتى لا يعيّر المؤمن أخاه المؤمن بتركه لصلاة الصبح غفلة بسبب النوم..وهو معلوم البطلان عند الإمامية جملةً وتفصيلاً وقد أعرض عنها جميع علماء الإمامية وعيَّبوا على الصدوق وأُستاذه إبن الوليد بسبب مقالتهما الشنيعة "بأن أول درجة الغلو نفي السهو عن المعصوم عليه السلام" وقد أوردنا على كلا الرجلين"إبن الوليد والصدوق" في الجزء الأول من كتابنا"الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية" كما أننا أثبتنا بالأدلة والبراهين في الكتاب نفسه عصمة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام عن السهو والنسيان.. فليُراجع.
إن قيل لنا: إن النسيان نُسِبَ إلى الأنبياء كالنبي آدم عليه السلام كما في قول الله تعالى{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }طه115ونُسِبَ إلى النبي موسى عليهما السلام منضماً إلى فتاه في الآية 61 من سورة الكهف (فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ) فكيف تدَّعون عدم جواز النسيان على يوشع بن نون عليه السلام بناءاً على تينك الروايتين الدالتين على أن فتاه كان يوشع بن نون عليه السلام..؟
قلنا في الجواب: إن النسيان لغةً يأتي بمعنى الترك فيما لو لم تنضم إليه قرينة تصرفه عن الترك إلى التسلط الإبليسي المسبب للنسيان، وهو منفيٌّ عن الأنبياء والأوصياء والأولياء العظام من آل محمد رسول الله وعليّ أمير المؤمنين وأهل بيته المعصومين عليهم السلام، وإذا جاءت كلمة نسيان محذوفة المتعلق تحمل على الترك، وإذا جاءت كلمة"نسيان" منضمةً ومضافةً إلى متعلقٍ بها تُحمَل على الجهل الإبليسي، وهذا ما قد حصل في كلتا الناحيتين:"نسيان محذوف المتعلق، ونسيان مضاف إليه التسلط الإبليسي"، ففي الآية 61 حُذِفَ المتعلق فحمل النسيان على الترك، فالنبيّ موسى عليه السلام أوكل مهمةَ حمل الحوت إلى فتاه، فالنبيّ موسى عليه السلام ترك حمل الحوت إلى فتاه الموكَّل من قبل النبيّ موسى بحمل الحوت وتجهيزه ليأكلاه، بينما فتاه تركه جهلاً منه بوجود الحوت عند الصخرة، فتركه هناك بسبب تسلط إبليس عليه فنسيه (.. فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ..)، والفرق واضح بين نسيان موسى عليه السلام وبين نسيان الفتى الخادم عند النبي موسى عليه السلام؛ وقد أجبنا عن معاني النسيان الذي ورد بحق النبي آدم عليه السلام في باب "عقيدتنا في عصمة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام" في كتابنا الجليل (الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية) فليراجع.
وما قاله بعض مفسري الشيعة الجدد كالسيّد الطباطبائي في الميزان (ج 13 ص 341 ) والشيخ مكارم الشيرازي في تفسيره "الأمثل ج 9 ص 313 " دونه خرط القتاد كما سوف ترون..قال مكارم الشيرازي وقوله قريب من قول الطباطبائي:" من أنَّه لا يوجد ثمة مانع من الإصابة بالنسيان في المسائل والموارد التي لا ترتبط بالأحكام الإلهية والأمور التبليغية، أي في مسائل الحياة العادية، خاصة في المواقع التي لها طابع اختبار، كما هو الحال في موسى هنا.." وهو مردود عليه بالإطلاقات والعمومات الدالة على عصمة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام في كلّ الأمور سواء أكانت تبليغية أو من الموضوعات الخارجية الصرفة، فلا تبعيض في العصمة الذاتية، وإلَّا لكانت جبرية وهو خلاف فرض كونهم عليهم السلام طاهرين في ذواتهم وعقولهم ولا سلطة لإبليس على شيء من مراحل حياتهم منذ الطفولة إلى آخر العمر..وقد أسهبنا في البحث حول عصمتهم المطلقة في كتبنا المتعددة منها (الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية) و(شبهة إلقاء المعصوم نفسه في التهلكة ودحضها) و( أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد) .
هذا مضافاً إلى أن تجويز النسيان الشيطاني على الأنبياء عليهم السلام لأجل الإختبار يعتبر إغراءاً بالقبيح في سيرتهم عليهم السلام وينفر الرعية منهم تارةً، ويستلزم عدم الوثوق بأقوالهم في الموضوعات الصرفة وغيرها فيستوون مع غيرهم من الرعية بل قد يوجد في الرعية من هو أفهم منهم وأبرع وأفطن وأكثر حفظاً للمعلومات تارةً أُخرى..!!
ما هو مصير الفتى الذي رافق النبي موسى عليه السلام ؟ وإلى أين ذهب لأنه لم يُذكر في بقية أحداث القصة أنَّه كان مرافقاً للنبيّ موسى خلال مسيرته مع وليّ الله الخضر عليه السلام ؟
والجواب: قبل التفصيل ينبغي لنا إستعراض النصوص القرآنية المتعلقة بفتى النبيِّ موسى والخضر عليهما السلام من سورة الكهف وهي التالية:
وإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ( 60 )
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ( 61 )
فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ( 62 )
قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) 63 )).
قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا ( 64 )
فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ( 65 )
قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ( 66 )
قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ( 67 )
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ( 68 )
قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ( 69 )
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ( 70 )
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ( 71 )
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ( 72 )
قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ( 73 )
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ( 74 )
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ( 75 )
قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ( 76 )
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ( 77 )
قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) .
جاءت الآيتان الشريفتان بلفظ المثنى وهما:
قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (64)
فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)
إن الفتى كان مع النبي موسى عليه السلام إلى حين التقى النبيّ موسى عليه السلام بوليّ الله الخضر عليه السلام بقرينة قوله تعالى (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا..) ثم ارتحل الفتى بحسب ظاهر الآيات - ولا نعرف شيئاً عن كيفية ارتحاله - وذلك لأن الخطاب في الآيات الدالة على اللقاء جاءت بصيغة المثنى - أي النبي موسى والخضر عليهما السلام - ولم تأتِ بصيغة الجمع الدال على ثلاثة أشخاص، ولو كان الفتى معهما طيلة رفقة النبيّ موسى للخضر عليهما السلام لكان الخطاب مقروناً بصيغة الجمع في كلّ الآيات لا المثنى..بينما نجد أن الخطاب بصيغة الجمع توقف بعد الآية 65 التالية( فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً )، فتأملوا.
وهذا التحليل للآيات الخالية من وجود فرد ثالث معهما، مدعوم بعدم وجود أخبار في مصادرنا الشيعيّة ومصادر العامة تشير إلى بقاء الفتى مع النبيّ موسى والولي الخضر عليهما السلام في كلّ المراحل التي رافق فيها النبيّ موسى لوليّ الله الخضر عليهما السلام..بل الواضح من الآيات أن الفتى رأى الخضر عليه السلام بدليل قوله تعالى (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) فالآية واضحة بحضور ثلاثة أفراد في بداية اللقاء هم: النبيّ موسى والوليّ الخضر والفتى..ثم بدأ الخطاب في الآيات الأُخرى بصيغة المثنى لا الجمع..ولم تذكر أخبارنا ولا أخبار العامة شيئاً على الإطلاق عن بقاء الفتى مع الخضر وموسى عليهما السلام بل المجمع عليه أنه لم يبقَ الفتى مع الإثنين...فما السّرُّ يا تُرى..وما هو مصير الفتى..؟
والجواب التحليلي هو الآتي: إن مهمة النبي موسى عليه السلام هي أن يتعلم من الخضر(هل اتبعك على أن تعلمني مما علّمت رشداً...) ولا يصح للغلام أن يكون معه في صحبة الخضر عليه السلام، وذلك لأن الخضر وليُّ الله ومعه العلم اللدني من علّام الغيوب، وخلال صحبة النبيّ موسى للخضر عليهما السلام لم يكن النبي موسى عليه السلام بحاجة الى من يخدمه، فهو في ضيافة الوليّ الخضر عليه السلام، فمهمة الفتى كانت منحصرة بخدمة النبيّ موسى عليه السلام وليس من مهامه مرافقته ليتعلم من الوليّ الخضر عليه السلام، فقضية وجود الفتى منحصر بالخدمة فقط، فإذا انتفت الخدمة بسبب ظروف معينة، انتفت ملازمته له، فالملازمة للنبيّ موسى عليه السلام على نحو السالبة بإنتفاء الموضوع كما يقول المنطقيون..أي الملازمة تدور مدار الموضوع وهو الخدمة، فلا ملازمة من دون خدمة، فمن كان في ضيافة وليّ الله ليس بحاحة الى خادم يخدمه...يرجى التأمل .
الملخّص:
يمكننا أن نلخّص تحليلنا لقصة عدم وجود الفتى مع النبيّ والوليّ الخضر عليهما السلام بالنقاط الآتية التي هي في غاية الدقّة والمنطقيّة، وهو يفتح لنا زاوية أعمق في فهم النص القرآني:
1. الغاية من الرحلة: التعليم الربوبي من صاحب العلم الحضوري الخضر عليه السلام لدفع تصور النبيّ موسى عليه السلام بأنَّه أعلم من في الدنيا كما تصف بذلك الروايات المضافة إلى روايات أخرى تفيد الإختلاف بين العلم الظاهري الذي كان يتحلى به النبيّ موسى عليه السلام وبين العلم اللدني الحضوري الذي اتصف به وليّ الله الخضر عليه السلام..
وبناءاً عليه: فالنبيّ موسى عليه السلام لم يكن في سفرٍ اعتيادي حتى يُحتَملَ فيه احتياجه إلى خادم، بل كان في مسعى روحي علمي: ﴿هل أتبعك على أن تعلّمنِ مما علّمت رشداً﴾ (الكهف: 66). فالموضوع ليس فيه حاجة دنيوية، بل كلُّه موجَّهٌ نحو تحصيل العلم اللدني من مصدره الربوبي كما قال الله تبارك وتعالى{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }الشعراء 79 - 80 .
2 . وجود وليّ الله الخضر عليه السلام:
الخضر وليّ الله تعالى، ومن كان في ضيافة الوليّ صاحب العلم اللدني، لا يحتاج خادماً يهيّئ له طعاماً أو يهيّئ له أمور الدنيا. بل إن مقام الضيافة الروحية يغني عن كل تبعات الخدمة المادية.
3 . السالبة بانتفاء الموضوع:
إذ إن الخادم كانت له فائدة في السفر قبل بلوغ مجمع البحرين (كحمل الزاد ورفقة النبيّ موسى عليه السلام للخدمة)، لكن ما إن بلغ النبيّ موسى عليه السلام غايته ودخل في ضيافة الخضر عليه السلام، انتفى موضوع الحاجة إلى خادم. ومن هنا نفهم سرّ تغييب القرآن لذكر الفتى..
4 . وجه الحكمة والعبرة:
إن الحكمة من التركيز كلّه في الآيات والأخبار انصرف على المعلِّم والمتعلِّم (الخضر وموسى عليهما السلام) دون الفتى الذي كان حضورُه في القصة حضوراً وظيفيَّاً فقط (تهيئة الجو للقاء ثم الانسحاب).
5 .يجب أن ينزَّه النبيّ يوشع بن نون عليه السلام من وصمة النسيان الشيطاني باعتباره من الأنبياء المرموقين وله خصوصيات راقية منها: أنه شبيه أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في رد الشمس له ومحاربته لزوجة النبي موسى عليه السلام وممن سيخرجون مع الإمام المعظم الحُجَّة القائم عليه السلام يضرب بالسيف بين يديه الشريفتين وسيكون أحد القادة الكبار في جيش الإمام المهدي عليه السلام كما أشرنا إليه في إحدى بحوثنا حول رجعة نبيّ الله يوشع بن نون عليه السلام..وسيرجع مع أمير المؤمنين الإمام الأعظم مولانا عليّ صلَّى الله عليه وآله وستكون له مهام عظمى في جهاده للأعداء في رجعة أمير المؤمنين عليّ صلى الله عليه وآله كما كانت له مهام في عهد الإمام وليّ الأمر القائم عليه السلام..كلّ هذه الخصائص والمكرمات والمناقب العاليات تأخذ بأعناقنا بأن نسبة النسيان الشيطاني إليه لم تكن عبثية عند من ألصقها فيه عليه السلام عبر روايات آحادية ملفقة لا لشيء سوى أنه سيكون من جنود الإمام أمير المؤمنين عليّ وحفيده الإمام الحجة القائم صلوات ربي عليهم أجمعين..فنسبوا إليه النسيان الشيطاني ليبرروا شيطنته (والعياذ بالله) خلال حربه التي خاضها ضد زوجة النبي موسى عليه السلام فتلك ركبت الغزالة بينما عائشة ركبت الجمل..فكما أخطأ مع زوجها حيث أنساه الشيطان الحوت، فلِمَ لا يخطئ معها أيضاً..؟! شنشنة بغض أعرفها من أخزم..!!
الخاتمة:بالبيان الذي قدَّمناه حول هوية الفتى المصاحب للنبيّ موسى عليه السلام وقصة الحوت..نكون قد أوضحنا بعض المبهمات حول عدم عصمة الفتى وأنه لم يكن النبيّ يوشع عليه السلام، وما تصوَّره بعضُ العلماء بأن الفتى هو يوشع عليه السلام لم يكن موفقاً بنتائجه الفاسدة، متكئاً على بعض الظواهر الروائية التي يُفرض بأنهم يعرضونها على الكتاب الكريم والأحاديث النبوية والوَلَويَّة - كما أمرنا بذلك أئمتنا الطاهرون عليهم السلام - بدلاً من تمحلهم في تأويلها، وبالتالي تفرقتهم الفاسدة الكاسدة بين العصمة التبليغية والموضوعية الخارجية، فأثبتوها في التبليغية دون الموضوعية الخارجية التي قلنا عنها بأنها تبعيض في العصمة والقداسة المطلقة التي كان الأنبياء والأولياء المطهرون من آل محمد عليهم السلام يتصفون بها في عامة مراحل حياتهم المباركة كما قال الله تعالى كاشفاً عن سيرة النبيّ عيسى الطاهرة في عامة مراحل حياته وفي أيّ زمان ومكان تواجد فيهما (وجعلني مباركاً أين ما كنت..) وكفى به حُجَّة على من تصوّر التبعيض في عصمة الأنبياء عليهم السلام..
والحمد لله ربّ العالمين، وصلِّ اللهم على سيّد أنبيائك ورسلك أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين لا سيَّما بقية الله تعالى في العالمين الحُجَّّة القائم المهدي عليه السلام وعجّل اللهم له الفرج والنصر والغلبة على أعدائك وأعدائه، واجعلنا من أنصاره وأعوانه ومن مقوية سلطانه والممهدين له بالعلم والعمل الصالح والدفاع عنه والحمية له والتشوق إليه بذكر مناقبه وخصائص أحواله وصفاته ومهامه.. يا حنان يا منان، يا قويُّ يا جبار يا عظيم..
والسلام عليكم ورحمته وبركاته
عبد الإمام الحجّة القائم صلَّى الله عليه وآله
كلبهم باسط ذراعيه بالوصيد
محمد جميل حمُّود العاملي
بيروت/ بتاريخ 6 ربيع الأول 1447 هجري.
|