• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : ما المراد بالسلف الصالح؟ .

ما المراد بالسلف الصالح؟

 ما المراد بالسلف الصالح؟

من كتاب مؤتمر علماء بغداد لآية الله الشيخ محمّد جميل حمّود:1/492ـ498

 

(...) المراد من "السلف" هم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين، وهؤلاء كانوا قبل الخمسمائة الهجرية، وينقل عنهم العامة أن لهم رؤية في الأسماء والصفات تمثّل  بنظرهم  العقيدة الصحيحة الواجب الالتزام بها واتّباعها.
وفي مقابل مصطلح "السلف" هناك مصطلح يطلق عليه ب"الخلف"، وهم من كانوا بعد الخمسمائة للهجرة، وقيل بعد القرون الثلاثة، ولهؤلاء مذهب خاص أيضاً في الأسماء والصفات، فهم يؤولونها بما ينفي التشبيه والتجسيم بما يتناسب وقواعدهم الفكرية المرتكزة على الأقيسة والاستحسانات التي لم يقم الدليل على اعتبارها.
وقد تبنّى ابن تيمية وتبعه على ذلك الوهابيون في وقتنا الحاضر مذهب السلف، وكل ما عند الوهابية هو من عند ابن تيمية.
قال الغزالي:
اعلم أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف: أعني مذهب الصحابة والتابعين... وحقيقة مذهب السلف وهو الحق عندنا أن كل من بلغه حديث من الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه سبعة أمور: التقديس والتصديق ثم الاعتراف بالعجز ثم السكوت ثم الإمساك ثم الكف ثم التسليم لأهل المعرفة.
أما التقديس فأعني به تنزيه الرب سبحانه عن الجسمية وتوابعها.
وأما التصديق فهو الإيمان بما قاله‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وأن ما ذكره حق وهو فيما قال صادق وأنه حق على الوجه الذي قاله وأراده.
وأما الاعتراف بالعجز فهو أن يقر بأن مراده ليست على قدر طاقته وأن ذلك ليس من شأنه وحرفته.
وأما السكوت فإنه لا يسأل عن معناه ولا يخوض فيه ويعلم أن سؤاله عنه بدعة، وأنه في خوضه فيه مخاطر بدينه وأنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه من حيث لا يشعر.
وأما الإمساك فأن لا يتصرف في تلك الألفاظ بالتصريف والتبديل بلغة أخرى والزيادة والنقصان منه والجمع والتفريق بل لا ينطق إلا بذلك اللفظ وعلى ذلك الوجه من الإيراد والإعراب والتصريف.
وأما الكف، فإنه يكف باطنه عن البحث عنه والتفكير فيه.
وأما التسليم لأهله فأن لا يعتقد أن ذلك إن خفي عليه لعجزه فقد خفي على رسول اللَّه أو على الأنبياء أو على الصدّيقين والأولياء.
فهذه سبع وظائف اعتقد كافة السلف وجوبها على العوام لا ينبغي أن يظن بالسلف الخلاف في شي‏ء منها.
أما تفسيره للتقديس فغير معتمد عند السلف لأن مرادهم من التقديس هو تقديس كلمات السلف، وليس تنزيه الرب عن الجسمية، وذلك لوقوعهم في مغبّة الشرك لإلصاقهم الجسمية ولوازمها بالخالق العظيم. ويشهد لما قلنا ما ورد عن القرطبي، قال: كان السلف الأول لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا والكافة بإثباتها للَّه تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله، ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة، وخص العرش بذلك لأنه أعظم مخلوقاته، وإنما جهلوا كيفية الاستواء فإنه لا تعلم حقيقته. قال مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة.
ومذهب مالك  وهو من أئمة السلف وأصحاب الحديث  معروف في التجسيم، "وأهل الحديث لا يرجعون إلى القياس الجليّ والخفي ما وجدوا خبراً أو أثراً، فكل اهتمامهم بتحصيل الأحاديث ونقل الأخبار وبناء الأحكام على النصوص".
وفي مقابل أصحاب الحديث توجد فرقة تسمى بأصحاب الرأي، "وسموا بذلك لأن أكثر عنايتهم بتحصيل وجه القياس، والمعنى المستنبط من الأحكام، وبناء الحوادث عليها وربما يقدّمون القياس الجلي على آحاد الأخبار. ومن دعاة الرأي أبو حنيفة قال: علمنا هذا رأي، أحسن ما قدرنا عليه، فمن قدر على غير ذلك فله ما رأى، ولنا ما رأينا".
فمالك بن أنس وأحمد بن حنبل وسفيان الثوري وداود الأصفهاني وغيرهم من أهل الحديث لم يتعرضوا للتأويل، بل توقفوا فيه، وقالوا لسنا مكلفين بمعرفة تفسير الآيات المتشابهات  التي ظاهرها التشبيه وتأويلها، بل التكليف عندهم قد ورد بالاعتقاد بأنه لا شريك له وليس كمثله شي‏ء.
وقد حاول بعض المتأخرين من العامة الدفاع عن الخط السلفي، منهم ابن خلدون فقال: "أما السلف فغلّبوا أدلة التنزيه لكثرتها ووضوح دلالتها وعلموا استحالة التشبيه وقضوا بأن الآيات من كلام اللَّه فآمنوا بها ولم يتعرضوا لمعناها ببحث ولا تأويل.. لجواز أن تكون ابتلاءً فيجب الوقف والإذعان له".
لكنّ ضعفه ظاهر، إذ كيف يغلّبون أدلة التنزيه ثم يتوقفون في الآيات المتشابهة التي ظاهرها التجسيم ولا يؤولونها؟!! لأن من شروط التنْزيه تأويل كل خبر يخالف بظاهره تنزيه الباري عزّ وجلّ.
وبالجملة:

فإن السلف سواء كانوا صحابة أم تابعين لا حصانة عليهم ضد أي نقد ولو كان بنّاءً، لأن الحقّ أحق أن يتبع لا السلف.
وإضافة "الصالح" إلى السلف يعتبر تمويهاً وتزويراً للحقائق والمسلّمات الدينية والتاريخية. وأول من أصبغها على الصحابة هو عمربن الخطاب يوم السقيفة ثم تبعه أصحاب مدرسته لا سيّما في عصر الدولة الأموية حيث إنّ أكثر الأحاديث في فضائل الصحابة افتُعلت أيام الأمويين تقرُّباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون أنوف بني هاشم، وقد صُفّت هذه الأحاديث بأسلوب يجعل من كل صحابي قدوة صالحة لأهل الأرض، وتصبُّ اللعنات على كل من سبَّ أحداً منهم أو إتهمه بسوء.
وأشار محمّد عبده إلى ما صنعه معاوية لنفسه بأن وضع قوماً من الصحابة والتابعين على رواية أخبار قبيحة على الإمام عليّ‏ (عليه السَّلام) تقضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله فاختلفوا على ما أرضاه، منهم أبو هريرة.
ويقول أحمد أمين في كتابه "ضحى الإسلام":
"ويسوقنا هذا إلى أن نذكر هنا أن الأمويين فعلاً قد وضعوا أو وضعت لهم أحاديث تخدم سياستهم من نواحي متعددة".
وقد بذل معاوية للصحابي سمرة بن جندب خمسمائة ألف درهم ليروي له عن النبيّ أن آية وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ نزلت في الإمام عليّ‏ بن أبي طالب؛ وأن قوله وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ نزلت في عبد الرحمن بن ملجم لأنه قتل عليّاً (عليه السَّلام).
وبالمناسبة نقول: إذا كان كل الصحابة عدولاً صالحين  حسبما يعتقده الأشاعرة  فيفترض أن يكون آل محمد صحابة صالحين فيؤخذ منهم ويعتقد بهم وبما يروون، وأن يكف الأمويون ومن حذا حذوهم عن الانتقاص منهم والإساءة إليهم.
وإذا كان الصحابة من السلف الصالح، فآل محمد خيرة السلف الصالح، فلِمَ يؤخذ من الأباعد ويُترك الأقارب؟!!
ولا عبرة بالسلف "الذي يسمونه صالحاً" إذا لم يتوفر فيه ثلاثة عناصر مهمّة:
الأول: الإيمان باللَّه وبكل ما جاء به النبيّ الكريم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
الثاني: الصدق والأمانة والنزاهة.
الثالث: أن يكون ما جاء به السلف موافقاً للأسس والموازين العقيدية والتشريعية الموافقة للكتاب الكريم وسنة نبيّه وآله الطاهرين.
فكل سلف يخالف ما جاء به الكتاب وقرينه آل البيت، لا يُعتد به بل دونه خرط القتاد، لأن اللَّه أمرنا باتّباعهم والكون معهم قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ.
وقال الرسول الأعظم‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم):
"إني قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: الثَّقلين، وأحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللَّه، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض".
قال ابن حجر الهيثمي:
"حثَّ النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) على الاقتداء والتمسك بهم  أي آل محمد  والتعلُّم منهم وقال الحمد للَّه الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت... ثم الذين وقع الحثُّ عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب اللَّه وسنَّة رسوله إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض، ويؤيده قوله‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): "ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم" وتميّزوا بذلك عن بقية العلماء لأن اللَّه أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وشرّفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة، وقد مر بعضها، وسيأتي الخبر الذي في قريش: وتعلموا منهم فإنهم أعلم منكم. فإذا ثبت هذا العموم لقريش فأهل البيت أولى منهم بذلك، لأنهم امتازوا عنهم بخصوصيات لا يشاركهم فيها بقية قريش، وفي أحاديث الحثّ على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي ويشهد لذلك الخبر: في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي.. ثم أحق من يتمسك به منهم إمامهم وعالمهم عليّ‏بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه لما قدمناه من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته...".
لا يسعني إلا أن أنحني تواضعاً لكل صرخة حق ارتفعت دفاعاً عن آل البيت‏ (عليهم السَّلام)، ونحن إذ نتواضع لكلمة ابن حجر الرائعة، إنما نتواضع للحق المتمثّل بآل محمّد، فما سطَّره يراعه هنا فاق ما نفثه من سموم بمواضع من كتابه، فما ضره لو بقي على ذاك اليراع الذي طاب بطيب العترة المطهّرة؟!!
 


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=30
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 03 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19