• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : مفهوم الهداية والضلال .

مفهوم الهداية والضلال

مفهوم الهداية والضلال

من كتاب مؤتمر علماء بغداد لآية الله الشيخ محمّد جميل حمّود:2/139 ـ 148

 

مسألة الهدى والضلال من المسائل العقيدية الهامة التي كثُر الكلام حولها لأهميتها في الإسلام سيّما أنّ القرآن الكريم ذكرها في مواضع عدة، لذا ومن خلال هذه الآيات التي ظاهرها نسبة الهدى والضلال إلى اللَّه سبحانه انقسم المسلمون إلى فرقتين:
الفرقة الأولى: وتسمّى بالجبرية، وهذه الفرقة تعتقد بأنّ الإنسان مُجبرٌ على أفعاله، خيرها وشرّها، ولا دخل له في تقرير مصيره ما دام اللَّه سبحانه وتعالى هو الهادي والمضلّ، واستدلوا بآيات منها قوله سبحانه: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ، وقالوا  حسبما ورد على لسان أبي الحسن الأشعري إمام الأشاعرة في العقائد _ إنّه لا خالق إلا اللَّه وإنّ أعمال العبد مخلوقة للَّه مقدَّرة، واستدلّ على مدعاه بقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ.
وأما الفرقة الثانية: وتسمّى بالعدليّة تمييزاً لها عن الجبرية. والفرقة العدلية هي الفرقة الوحيدة من بين فرق المسلمين التي نزّهت اللَّه سبحانه وتعالى عن الظلم والجور، وأنه تعالى يعطي كل ذي حقّ حقه، فلا يحيف بحكمه وأمره، وأنّ كل شي‏ءٍ واقع تحت قدرته يصدر عن أمره، إلاّ أنّ أفعال العباد خيرها وشرّها ليست من صنع اللَّه ولا أنه تعالى أجبرهم عليها، بل الإنسان بنظر العدليّة مخيّر بأفعاله، وذلك لما وهبه اللَّه سبحانه وتعالى من العقل وحرية الاختيار.
فالخلاف بين العدليّة والأشاعرة يرجع بالأصل إلى التساؤل التالي:
 هل أمر الهداية والضلال بيد اللَّه سبحانه وتعالى فلا يكون للعبد أي دور في الهداية أو الضلالة،  فالضّال يعصي بلا اختيار منه والمهتدي يطيع بلا اختيار منه أيضاً، معتمدين على ظواهر بعض الآيات المتشابهة  أمْ أنّ المسألة بجوهرها تختلف عن ذلك البتة؟
والجواب:
صحيح أنّ هناك آيات قرآنية مفادها حصر الهداية والضلالة باللَّه سبحانه وتعالى، إلاّ أنّه لا يمكننا الأخذ بظواهر هذه الآيات، وعزل قدرة العبد على الهداية والضلال، فيبطل الثواب والعقاب والجنّة والنار.
هذا مضافاً إلى أنّ هذه الآيات التي ظاهرها نسبة الهداية والضلال إليه سبحانه وتعالى لها تأويل وجيه يناسب القواعد والأصول العقلية والشرعية مع التأكيد على وجود آيات صريحة تفيد حرية الاختيار للإنسان، وكونه قادراً على الهداية ونقيضها.
ولكي نفهم الآيات التي ظاهرها نسبة الضلال إليه تعالى علينا أنْ نوضح أقسام الهداية والضلال، فنقول:
إن الاستقراء اللغوي والاصطلاحي يشير إلى معانٍ عدة للضلالة هي ما يلي:
 المعنى الأول للضلالة:
هو التخلية على وجه العقوبة، وترك المنع والقهر ومنع الألطاف التي تُفْعَل بالمؤمنين جزاءً على إيمانهم، وسبب المنع ليس من اللَّه سبحانه وتعالى، وإنما سببه الإنسان حيث منع اللطف من الوصول إليه، فيكون بذلك قد أضلّ نفسه عن الطريق الصحيح، وهذا كمن يُقال بحق مَن لا يصلح سيفه أنه «أفسده»، بمعنى أنه لم يحدث فيه الإصلاح في كل وقت بالصقل والتّسنين.
أمّا المعنى الثاني للضلال:
فهو الإهلاك والعذاب والتدمير، ومنه قوله تعالى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ.
وقوله تعالى: وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ.
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ أي لم ولن يُبطل أعمالهم.
وأمّا المعنى الثالث للضلال:
فهو التحيُّر والتشكيك.
... هذه المعاني الثلاثة للضلال ذكرها القرآن الكريم، والمعنى الأخير من هذه المعاني لا يجوز إضافته إلى اللَّه سبحانه وتعالى لنسبة الجبر إليه تعالى وهو عين الظلم الذي يتنزّه عنه الحكيم المتعال.
ويأتيي الضلال لغةً بمعنى: «عدم الاهتداء إلى السبيل»، كما لو قيل: «فلانٌ ضلَّ عن قومه» إذا لم يعرفوا مكانه؛ ويُقال: «ضلّ البعير» إذا لم يُعْرَف مكانه. ويأتي بمعنى إخفاء الذكر، ف«ضل: الشي‏ء» إذا خفي ذكره. والمعنى الأخير ينطبق على الآيات التي حرّمت نسبة الضلال إلى رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بقوله تعالى: وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى لمخالفة الضلال لأدلّة العصمة.
وفي مقابل الضلال هناك الهداية وتُطلق على معانٍ متعددة في القرآن الكريم:
أولاً:
أنْ تكون الهداية بمعنى الدلالة والإرشاد. يُقال: «هداه الطريق» أي دلّه عليه؛ وهذا الوجه عام لجميع المكلّفين، فإنه سبحانه وتعالى هدى كل مكلَّف إلى الحق بأنْ دلّه عليه وأرشده إليه، فلو لم يدلُّه عليه لكان قد كلّفه بما لا يطيق، ويدلّ على ما قلنا قوله تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً وقوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ.
ثانياً:
أنْ تكون الهداية بمعنى زيادة الألطاف الإلهية التي بها يثبت المؤمن على الهدى نتيجة عمله الصالح، ومن هذا القبيل قوله تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى.
ثالثاً:
أن تكون الهداية بمعنى الإثابة، ومنه قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ، سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ.
فهنا ربط اللَّه سبحانه وتعالى دخول الجنَّة وإصلاح البال بالإيمان والعمل الصالح والهداية التي تكون بعد قتلهم هي إثابتهم لا محالة، وفي مقابل هذا حرّم اللَّه سبحانه وتعالى دخول الجنَّة على الكفار لقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ (أي تولّى إبليس)  فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ.
وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
رابعاً:
أنْ تكون الهداية بمعنى إيجادها في القلوب بإلقاء العلوم الضرورية فيها، وهذا يشترك فيه جميع العقلاء.
خامساً:
أنْ تكون الهداية بمعنى الإمضاء والتنفيذ لقوله تعالى: وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ أي لا يمضيه ولا ينفّذه أو لا يصلحه.
... هذه أهم معاني الهداية؛ وأما أقسامها فهي على نحوين:
الأول: الهداية العامّة.
الثاني: الهداية الخاصة.
أمّا الهداية العامة: فهي الهداية الإلهية الشاملة لكلّ الموجودات، وهذه تنقسم إلى قسمين:
الأول:
الهداية العامة التكوينية، وهي التي أعدّها اللَّه سبحانه وتعالى في طبيعة كلّ موجود حيث تسري بطبعها أو باختيارها نحو كمالها، فالفأرة تفرّ من الهرة ولا تفرّ من الشاة، والنّمل يهتدي إلى تشكيل جمعية وحكومة، والطفل يهتدي إلى ثدي أمه. فكلُّ شي‏ء في الوجود مجهّز بما يهديه إلى الغاية التي خُلق لها؛ قال تعالى: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى، وقال أيضاً: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى، وقال عزّ اسمه: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا.
فالهداية التكوينية ترجع حقيقتها إلى الهداية النابعة من حاق ذات الشي‏ء بما أودع فيه من الأجهزة والإلهام حيث يوصلاه إلى الغاية التي خلقه اللَّه سبحانه لأجلها.
الثاني:
الهداية العامة التشريعية، وهي الهداية الشاملة تشريعاً وتقنيناً لكلّ موجود عاقل، مفاضة عليه بتوسط عوامل خارجة عن ذاته كالأنبياء والأولياء والكتب، وكل ما يدعو إلى اللَّه عزّ وجلّ كالعلماء الربّانيين، قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وهذا القسم من الهداية يشمل كافة المكلّفين من الجن والإنس، ولا يختصّ بطائفة دون أخرى، ولا بجيل دون آخر، والهداية العامة بكلا قسميها قد منحهما اللَّه سبحانه للمكلّفين تكويناً وتشريعاً على نحو الجبر والاختيار، فالهداية التكوينية جبرية وليس للإنسان فيها صنع، كحركات الأعضاء الداخلية (القلب، الرئتين..) وبقية الأعضاء التي تعمل دون اختيارنا وإرادتنا.
والهداية التشريعية اختيارية بمعنى أنّ بمقدور الإنسان أنْ يعمل بأوامر الشريعة، أو لا يعمل، فهو مختار لأنْ يسلك طريق الشريعة أو لا يسلكها.
• وأمّا الهداية الخاصة فلا قسم آخر لها، بل هي عبارة عن عناية ربّانية يهبها اللَّه سبحانه لخاصّة عبيده، حسبما تقتضيه حكمته، فيهيى‏ء لهم ما به يهتدون إلى كمالهم، ويصلون بواسطته إلى مقصودهم. والهداية الخاصة مشروطة ومعلّقة على الهداية العامة، ومنها قوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.
فيكون معنى الإضلال الوارد في بعض الآيات القرآنية هو منعهم من هذه المواهب والألطاف الخاصة، وخذلانهم في الحياة الدنيا منها، لأنهم هم الذين منعوا من وصولها إليهم نتيجة تركهم العمل بالهداية العامة، ولو عملوا بها لأفاض عليهم من ألطافه وإكرامه، لأنّ الإرتياض الروحي المعبَّر عنه بالجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس الأمّارة بالسوء لازمه أنْ يمدّه اللَّه سبحانه بهداية السبيل والوصول إلى شاطى‏ء الأمان، قال تعالى واعداً العاملين بإخلاص أن يفيض عليهم من التوفيقات الخاصة بقوله عزّ اسمه: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى.
وفي مقابل آيات الهداية الخاصة، هناك آيات تشعر باستحقاق الفرد المنحرف الضلال والحرمان من الهداية الخاصة، كقوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ، وقال أيضاً: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً{168} إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ، وقال عزّ اسمه: وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، وقوله: وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ، وقوله: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ، وقوله: أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً، وقوله أيضاً: إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وقوله عزّ اسمه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ، وقوله: وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ.
.. فالكافر والظالم والفاسق والخائن والمسرف.. كل هؤلاء يستحقون الحرمان من الهداية الخاصة، والسبب كما قلنا هو تركهم العمل بالهداية العامة؛ فهذه الآيات وأمثالها تثبت استحقاق الحرمان والضلال لمن تخلّى عن الهداية العامة، فحرم من الهداية الخاصة.
وأما الضلال الذي ينسب إليه تعالى كما في بعض الآيات فيمكن صرفه بقرينتين:
الأولى: إنّ الضلال المذكور يُراد منه الضلال من الهداية الخاصة لا العامة، وهذا الضلال أو الحرمان من الهداية الخاصة مسبوقٌ دائماً بظلم من العبد أو فسق صدَر منه أو كفر أو تكذيب أو خيانة كما مرّ معك آنفاً.
الثانية: الدليل العقلي المحكم الذي ينزّه اللَّه سبحانه عن الظلم، مضافاً إلى ذلك وجود آيات كثيرة تبعد عن ساحته المقدّسة الظلم للعباد، وتذمّ الظالمين، كقوله تعالى: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً للْعِبَادِ، وقوله: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا، وقوله عزّ اسمه: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ، وقوله: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً.
فعدم هداية اللَّه تعالى لبعض العباد المستحقين للهداية الخاصة يُعدّ ظلماً يتنزّه عنه سبحانه، إذْ كيف يعاقب الظالمين ويتوعدهم بالعذاب كما في الآيات المتقدّمة وهو في نفس الوقت يفعل الظلم وقد نهى عنه عزّ وجلّ.
 إذا عرفت ما ذكرنا تقف على حقيقة وهي:
إنّ الهداية العامة التي بها تُناط مسألة الجبر والاختيار شاملة لجميع الأفراد، ففي وسع ومقدور كل إنسان أنْ يهتدي بهداها، ومن هنا لا يمكن لأحد أنْ يتشدّق ويقول: «إنّ اللَّه ما هداني لكي التزم بأوامره، فعندما يهديني فسوف أفعل ما يطلبه مني» وهذا هو الشائع عند أغلب السّذج من الناس فإذا قلنا: «اتّق اللَّه!» يجيبك على الفور «إن اللَّه ما هداني بعد!».
إذن فالهداية الخاصة والعناية الزائدة التي يوليها اللَّه سبحانه وتعالى لبعض العباد المخلصين الذين أفنوا أعمارهم في طاعته عزّ اسمه إنما هي نوع تسديد لهم ونافذة فيضٍ عليهم، إذْ إنّ جوده وفيضه ينزل على من اتّسعت قابليته بالعلم والعمل وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا.
فالمشيئة الإلهية العامة تعلّقت بكل مكلَّف، والمشيئة الخاصة تعلّقت بصنف دون صنف، ولم تكُ مشيئته جزافية، بل الملاك في شمولها لصنف خاص من البشر هو قابليته وسعة صدره كما قلنا آنفاً، لأنه قد استفاد من الهدايتين التكوينية والتشريعية، فاستحق بذلك اللطف الزائد منه عزّ وجلّ، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ، نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رحِيمٍ.


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=43
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 03 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28