• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : من هم الشيعة؟ .

من هم الشيعة؟

من هم الشيعة؟

من كتاب" أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد" لآية الله الشيخ محمّد جميل حمّود:1/90ـ105

• نبحث هنا في نقطتين:
    الأولى: معنى الشيعة لغةً واصطلاحاً.
    الثانية: مصدر التشيّع.
* أما النقطة الأولى: معنى الشيعة لغةً واصطلاحاً:
    فالشيعة لغة: الفرقة والأتباع والأعوان، أُخذت من الشياع والمشايعة بمعنى المتابعة والمطاوعة، وشايعه شياعاً وشيعة: تابعه.
    قال ابن منظور:
    الشيعة كلُّ قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، وكلِّ قومٍ أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيعة، والجمع شيع.
    وقال الطريحيّ:
    الشّيعة: الأتباع والأعوان والأنصار، مأخوذ من الشّياع وهو الحطب الصغار التي تشتعل بالنار، وتعين الحطب الكبار على إيقاد النار، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة.
ثم صارت «الشيعة»  جماعة مخصوصة.
    وفي النهاية: أصل «الشيعة»  الفرقة من الناس، وتقع على الواحد والاثنين، والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد، وغُلّب هذا الاسم على كل مَنْ يزعم أنه يوالي علياً وأهل بيته، حتى صار لهم اسماً خاصاً؛ فإذا قيل فلانٌ من الشيعة، عُرِف أنه منهم، وفي مذهب الشيعة كذا أي عندهم، وأصلها من المشايعة وهي المتابعة والمطاوعة.
    قال الراغب الأصفهاني:
    الشياع: الانتشار والتقوية، ويقال شاع الخبر أي كَثُر وقوى، وشاع القوم: انتشروا وكثروا، وشيّعت النار بالحطب: قوّتها، والشيعة من يتقوى بهم الإنسان وينتشرون عنه، ومنه قيل للشجاع مَشِيعٌ.
    وشايع فلانٌ فلاناً: والاه وتابعه على أمر وهو من الشيعة كما يقال: والاهُ من الولي أو الولاء.
    زبدة المخض:
    إن كلمة «شيعة»  تطلق على معنيين:
    الأول: بمعنى الفرقة من الناس كقوله تعالى: (ثم لننزعنّ من كل شيعة) أي من كل فرقة.
    وقوله تعالى: ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين أي فرقهم وطوائفهم.
    الثاني: بمعنى الأعوان والأنصار كقوله تعالى: فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه.
    وقوله تعالى: وإنّ من شيعته لإبراهيم.
    والضمير المتصل في «شيعته»  فيه وجوه:
    الوجه الأول: راجع إلى النبي نوح‏ (عليه السَّلام) أي أن من شيعة نوح لإبراهيم‏ (عليه السَّلام) لأنه كان على منهاج نوح وسُنّته في التوحيد واتباع الحق.
    الوجه الثاني: راجع إلى النبي الأكرم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)  أي أن من شيعة النبي محمد لإبراهيم‏ (عليه السَّلام) لأن إبراهيم خبر مخبرَه فاتّبعه ودعا له، هذا الرأي تبناه ابن الأعرابي ووافقه عليه الفراء، وكذا ذكره الطبرسي قدّس سرُّه في تفسيره، وكذا الكلبي برواية الرازي في التفسير. وقد اختار الوجه الأول جُلُّ مفسري الشيعة والسنّة، واستدلوا عليه بأن الثاني لا دليل عليه من جهة اللفظ، بمعنى أنه لم يجرِ لمحمد ذكر، فهو ترك الظاهر؛ هذا مضافاً إلى عدم مساعدة السياق عليه.
    يجاب عنه:
    أولا: سياق الآيات هنا لا يعارض بعض الأخبار الدالة على الوجه الثاني، لا سيّما أنها في صدد بيان مراتب التأويل  أي البطون  فلا معنى حينئذٍ لتصور معارضة هذا السياق لها، هذا فضلاً عن أن يُدّعى ترجيحه على دلالتها.
    ثانياً: حجية السياق لا تتقدم على ظواهر الأخبار المبيّنة لمراتب التأويل، «لأن الكناية عمّن لم يجرِ له ذكر جائزة إذا اقترن بذلك دليل كما قال تعالى: حتى توارت بالحجاب ولم يجرِ للشمس ذكر».
    تبيّن بهذا أن السياق لا ينافي مراتب التأويل، وشهد له ما روي عن مولانا الإمام الصادق‏ (عليه السَّلام) أنه قال: قال قوله عز وجل (وأن من شيعته لإبراهيم) أي إبراهيم‏ (عليه السَّلام) من شيعة علي‏ (عليه السَّلام).
    ويؤيد هذا التأويل ما رواه الشيخ محمد بن الحسن بسند طويل قال:
سأل جابر بن يزيد الجعفي، جعفر بن محمد الصادق‏ (عليه السَّلام) عن تفسير هذه الآية وإن من شيعته لإبراهيم فقال‏ (عليه السَّلام): إن اللَّه سبحانه لمّا خلق إبراهيم‏ (عليه السَّلام) كشف له عن بصره فنظر فرأى نوراً إلى جنب العرش، فقال: إلهي ما هذا النور؟ فقيل: هذا نور محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)  صفوتي من خلقي، ورأى نوراً إلى جنبه فقال: إلهي وما هذا النور؟ فقيل له: هذا نور علي بن أبي طالب ناصر ديني، ورأى إلى جنبهما ثلاثة أنوار، فقال: إلهي وما هذه الأنوار؟ فقيل: هذا نور فاطمة، فطمت محبيها من النار، ونور ولديها الحسن والحسين، فقال: إلهي وأرى تسعة أنوار قد حفّوا بهم؟ قيل: يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولد علي وفاطمة، فقال إبراهيم: إلهي بحق هؤلاء الخمسة إلاّ ما عرفتني من التسعة؟(*) فقيل: يا إبراهيم أولهم: علي‏فبن الحسين وابنه محمد وابنه جعفر وابنه موسى وابنه علي وابنه محمد وابنه علي وابنه الحسن، والحجة القائم ابنه، فقال إبراهيم: إلهي وسيدي أنواراً قد أحدقوا بهم لا يحصي عددهم إلا أنت؟ قيل: يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم، شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‏ (عليه السَّلام)، فقال إبراهيم: وبما تُعرف شيعته؟
فقال: بصلاة إحدى وخمسين والجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، والقنوت قبل الركوع والتختم في اليمين، فعند ذاك قال إبراهيم: اللهم اجعلني من شيعة أمير المؤمنين. قال فأخبر اللَّه في كتابه فقال: (وإن من شيعته لإبراهيم).
    ولم يستبعد الشيخ الطوسي صحة ما روي عن أهل البيت: إن من شيعة علي لإبراهيم.
ورواه الشيخ المجلسي في بحار الأنوار بسندين مختلفين عن تأويل الآيات والروضة والفضائل لابن شاذان.
    وأما المعنى الاصطلاحي:
    فيراد من كلمة «شيعة»  كل من اتّبع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‏ (عليه السَّلام) ونصره وقدّمه على غيره ممن اغتصب الخلافة منه.
    قال الأزهري: «الشيعة قوم يهوون عترة النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)  ويوالونهم» . ولو أطلق لفظ «الشيعة»  بأداة التعريف فهو على التخصيص  لا محالة  لأتباع أمير المؤمنين‏ (عليه السَّلام) على سبيل الولاء والاعتقاد بإمامته بعد الرسول بلا فصلٍ، ونفي الإمامة عمّن تقدمه في مقام الخلافة، ولو أسقطت الأداة من الكلمة مع إضافة «مِنْ»  التبعيضية فيفيد كونه غير مخصص بمن تبع أمير المؤمنين فيقال حينئذٍ: هؤلاء من شيعة بني أمية أو شيعة بني العبّاس أو من شيعة فلان وفلان.
    قال ابن منظور:
    «قد غلّب هذا الاسم على من يتوالى علياً وأهل بيته رضوان اللَّه عليهم أجمعين حتى صار اسماً خاصاً، فإذا قيل: فلان من الشيعة عُرف أنه منهم، وفي مذهب الشيعة كذا أي عندهم.
    وقال الشهرستاني معرّفاً «الشيعة» :
    «الشيعة هم الذين شايعوا علياً (عليه السَّلام) على الخصوص وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصيةً، إما جلياً وإما خفياً، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإنْ خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده، وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تُناط باختيار العامة، ويُنتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين لا يجوز للرسل إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله» .
    ولفظ «الشيعة»  اصطلاحاً وإن صدق مجازاً على غير المعتقدين بإمامة باقي الأئمة (عليهم السَّلام)  كفرقة الزيدية والإسماعيلية والفطحية وغيرهم من الواقفية، إلا أنه حقيقة مختص بمن اعتقد بالأئمة الاثنى عشر، أولهم مولى الثقلين علي بن أبي طالب‏ (عليه السَّلام) وآخرهم مهدي الأمم صاحب الزمان عجّل اللَّه فرجه الشريف، ويعتقدالشيعة الإمامية أن كل من لم يوال بقية الأئمة بعد الإمام علي‏ (عليه السَّلام) هو كمن لم يعتقد به‏ (عليه السَّلام) وذلك للأحاديث المتواترة عن أئمتهم عليهم السلام.
    قال الشيخ المفيد (قدّس سرّه):
    واتفقت الإمامية على أن النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)  نصّ على إمامة الحسن والحسين بعد أمير المؤمنين‏ (عليه السَّلام) وأن أمير المؤمنين‏ (عليه السَّلام) أيضاً نصّ عليهما كما نصّ الرسول‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) . وأجمعت المعتزلة ومن عددناه من الفرق سوى الزّيدية الجارودية على خلاف ذلك، وأنكروا أنْ يكون للحسن والحسين‏ (عليهم السَّلام) إمامةً بالنصّ والتوقيف.
    واتّفقت الإمامية على أنّ رسول اللَّه صلوات اللَّه عليه وآله نصّ على علي‏فبن الحسين وأنّ أباه وجدّه نصّا عليه كما نصّ عليه الرسول‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ، وأنه كان بذلك إماماً للمؤمنين. وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيديّة والمرجئة والمنتمون إلى أصحاب الحديث على خلاف ذلك، وأنكروا بأجمعهم أنْ يكون علي‏فبن الحسين‏ (عليه السَّلام) إماماً للأمّة بما توجب به الإمامة لأحد من أئمة المسلمين.
    واتّفقت الإمامية على أنّ الأئمة بعد الرسول‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)  إثنا عشر إماماً، وخالفهم في ذلك كلّ من عداهم من أهل الملّة وحججهم على ذلك خلاف الجمهور ظاهرة من جهة القياس العقليّ والسمع المرضيّ والبرهان الجليّ الذي يفضي التمسك به إلى اليقين.
* أما النقطة الثانية: مصدر التشيّع:
    من خلال ما تقدّم، عرفنا معنى كلمة «شيعة»  ومشتقاتها، التي يجمعها معنى واحد هو «النصرة والمتابعة» ومن خلال قراءة المصادر التاريخية والتفسيرية نستطيع التعرُّف على البدايات الأولى لولادة هذا المصطلح.
    وهذه المصادر تؤكد بوضوح أن النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)  أول من طرح مصطلح «شيعة» في مناسبات عدة، وجذّره في وعي الأمة ومن خلال التأكيد النبوي لهذا الطرح، تكوّنت نخبة متميّزة من صحابة الرسول عُرفوا بولائهم ومتابعتهم ونصرتهم لأمير المؤمنين‏ (عليه السَّلام) حتى أصبح هذا اللقب  أي شيعة  خاصاً بهم دون بقية الصحابة، منهم: سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وعمّارفبن ياسر والمقدادفبن الأسود وأمثالهم.
    إذن التشيع مصدره النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)  وهاهنا طائفة من النصوص تبيّن حقيقة ما قلنا منها:
    ما رواه ابن عساكر بسنده عن جابرفبن عبداللَّه الأنصاري قال: كنا عند النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)  فأقبل عليّ‏ (عليه السَّلام)، فقال النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) : والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، فنزل قوله تعالى: (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البريّة).
    وأخرج الحاكم الحسكاني من عدة طرق روايات عدة من هذا القبيل؛ قال: أخبرنا أبو بكر ابن أبي دارم الحافظ بالكوفة، أخبرنا المنذربن محمدبن المنذر، قال: حدّثني أبي قال: حدثني عمي الحسين‏بن سعيد عن أبيه عن إسماعيل ابن زياد البزّاز، عن إبراهيم‏بن مهاجر مولى آل شخبرة، قال: حدثني يزيدبن شراحيل الأنصاري كاتب علي‏ (عليه السَّلام) قال: سمعت علياً (عليه السَّلام) يقول: حدّثني رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)  وأنا مسنده إلى صدري فقال: يا عليّ، أما تسمع قول اللَّه عزّ وجلّ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، هم أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض، إذا اجتمعت الأمم للحساب تُدْعَون غرّاء محجّلين.
وأخرج أيضاً:
عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري قال: كنا جلوساً عند رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)  إذْ أقبل عليّ‏بن أبي طالب‏ (عليه السَّلام) فلما نظر إليه النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)  قال: قد أتاكم أخي، ثم التفت إلى الكعبة، فقال: وربّ هذه البنية إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: أما واللَّه، إنه أوّلكم إيماناً باللَّه وأقومكم بأمر اللَّه، وأوفاكم بعهد اللَّه، وأقضاكم بحكم اللَّه، وأقسمكم بالسّويّة، وأعدلكم في الرعية، وأعظمكم عند اللَّه مزيّة. قال جابر: فأنزل اللَّه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ؛ فكان عليّ إذا أقبل قال أصحاب محمد: قد أتاكم خير البرية بعد رسول اللَّه.
    كما أخرج القندوزي الحنفي في باب المناقب حديث 45:
    عن أم سلمة رضي اللَّه عنها قالت:
    قال رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) : علي وشيعته هم فائزون يوم القيامة. وأورد ابن الصبّاغ المالكي عن ابن عباس قال: لمّا نزلت هذه الآية (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية) قال النبي لعلي: هو أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضيين، ويأتي أعداؤك غضاباً مفحمين.
    كما أورد ابن جرير الطبري بسنده عن أبي الجارود عن محمدفبن علي: (أولئك هم خير البرية) قال النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) : أنت يا علي وشيعتك.
    وفي الصواعق المحرقة ص96 قال: الآية الحادية عشرة قوله تعالى:
    إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ قال: أخرج الحافظ جمال الدين الزرندي عن ابن عباس: إن هذه الآية لما نزلت قال النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)  لعلي‏ (عليه السَّلام): هو أنت وشيعتك تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوك غضاباً مفحمين، قال: ومن عدوي؟ قال: من تبرأ منك ولعنك.
    كما ذكره الشبلنجي في نور الأبصار ص70 و101.
• أبعد هذا يصح أنْ يقال: أنّ مصدر التشيع عبداللَّه‏بن سبأ حيث نسب هذا إلى الشيعة جماعة من العامة منهم محمد رشيد رضا صاحب مجلة «المنار»  المصرية في كتابه (السنّة والشيعة) ص45 قال:
    «وكان مبتدع أصول التشيع يهودياً اسمه عبداللَّه بن سبأ أظهر الإسلام خِداعاً، ودعا إلى الغلو في علي كرّم اللَّه وجهه، لأجل تفريق هذه الأمة، وإفساد دينها ودنياها عليها» . ولحقه من الكُتّاب المحدثين أحمد أمين في كتابه «فجر الإسلام»  وفريد وجدي في دائرة المعارف ج6/637 عند ذكره لحرب الجمل ضمن ترجمته للإمام علي‏ (عليه السَّلام)، وكذا حسن إبراهيم حسن في كتابه «تاريخ الإسلام السياسي»  في فصل أُخريات خلافة عثمان قال:
    «فكان هذا الجو ملائماً تمام الملائمة، ومهيئاً لقبول دعوة عبداللَّه بن سبأ، ومن لفّ لفه، والتأثر بها إلى أبعد حدٍ، وقد أذكى نيران هذه الثورة صحابي قديم اشتهر بالورع والتقوى وكان من كبار أئمة الحديث  وهو أبو ذر الغفاري  الذي تحدّى سياسة عثمان ومعاوية واليه على الشام بتحريض رجل من أهل صنعاء وهو عبداللَّه‏فبن سبأ، وكان يهودياً فأسلم ثم أخذ ينتقل في البلاد الإسلامية» .
    وكذا اعتقدها ابن خلدون في تاريخه، حادثة الجمل.
    هذا بالنسبة للكتّاب المحدثين، وأما القدامى فأول من أثارها ابن جرير الطبري وجعلها من المسلّمات التاريخية فقال: «فيما كتب به إلى السري، عن شعيب عن سيف عن عطية عن يزيد الفقعسي قال: كان عبداللَّه‏فبن سبأ يهودياً من أهل صنعاء، أمّه سوداء، فأسلم زمان عثمان ثم تنقّل في بلدان المسلمين يحاول إضلالهم، فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام...» .
    وقال في موضع آخر:
    «إنّ عثمان أخذها  أي الخلافة  بغير حق وهذا وصي اللَّه  يقصد الإمام علياً (عليه السَّلام)  فانهضوا في هذا الأمر فحركوه وابدءوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الأمر، فبث دعاته، وكاتب من كان استفسد في الأمصار وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم، ويكاتبهم اخوانهم بمثل ذلك، ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون فيقرأه اولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا الأرض إذاعة...» .
    هذه خلاصة ما ذكره الكتّاب القدامى والجدد بحق أصل التشيع، وأنه وليد السبئية بزعمهم، وهناك نظريات أخرى ترجع أصل التشيع إليها منها:
النظرية الثانية:
تُرجع التشيّع إلى ما بعد وفاة النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ، وقد ذكر العلاّمة الشيخ جعفر السبحاني أن المؤرّخ اليعقوبي ممن تبنّوا هذه النظرية، فقال:
«وتخلّف عن بيعة أبي بكر قومٌ من المهاجرين والأنصار ومالوا مع علي بن أبي طالب منهم: العباس‏بن عبد المطلب والفضل‏بن العباس، والزبيربن العوّام، وخالدبن سعيد والمقدادبن عمرو وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري وعمّاربن ياسر والبراءبن عازب، وأبي‏بن كعب» .
ولكن يردُ عليه:
إن مجرد الميل إلى الإمام علي‏ (عليه السَّلام) ليس دليلاً على أنّ مصدر التشيع كان يوم السقيفة، فلا توجد ملازمة بين الميل إلى مولانا علي‏ (عليه السَّلام) وبين مصدر التشيع.
النظرية الثالثة:
    ترجع أصل التشيُّع إلى عهد عثمان‏فبن عفّان، نتيجة أحداث وتناقضات أفرزتها سياسة الحكّام المنحرفين، مما هيّأ جواً ملائماً لنشوء الفرق والأحزاب.
    ومن مؤيدي هذا الاتجاه جماعة من المؤرّخين منهم: ابن حزم وجماعة آخرون ذكرهم يحيى هاشم فرغل في كتابه «عوامل وأهداف نشأة علم الكلام»  ج1 ص105.
النظرية الرابعة:
    ترجع أصل التشيّع إلى أيام خلافة أمير المؤمنين علي‏فبن أبي طالب‏ (عليه السَّلام) وممن قال بهذا الرأي ابن النديم في الفهرست ص223 قال: «لما خالف طلحة والزبير علياً (عليه السَّلام) وأبيا إلاّ الطلب بدم عثمان بن عفّان، وقصدهما علي‏ (عليه السَّلام) ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر اللَّه تعالى، تسمى من اتّبعه على ذلك بالشيعة، فكان يقول: «شيعتي» .
النظرية الخامسة:
    ترجع أصل التشيّع إلى أيام شهادة الإمام الحسين‏ (عليه السَّلام) وما أفرزته تلك الواقعة الفريدة من تطورات هامة في داخل الساحة الإسلامية، ومن مؤيدي هذا الاتجاه: الدكتور كامل مصطفى الشيبي في كتابه «الصلة بين التصوف والتشيع»  ج1 ص22، وبروكلمان في كتابه «تاريخ الشعوب الإسلامية»  ص128.
النظرية السادسة:
    ترجع أصل التشيُّع إلى الأصول الفارسية، ومن أنصار هذه النظرية كثير من المستشرقين حيث لهم تلميحات وإيحاءات تشير إلى ذلك، وكذا أبو زهرة في كتابه «تاريخ المذاهب الإسلامية»  وأحمد عطية في كتابه «القاموس الإسلامي» .
النظرية السابعة:
    ترجع أصل التشيّع إلى عهد الإمام الصادق‏ (عليه السَّلام) حيث قام تلميذه هشام‏فبن الحكم بوضع قواعد وأُسس المذهب الشيعيّ، ومن مؤيّدي هذه النظرية الدكتور محمد عمارة في كتابه «الإسلام وفلسفة الحكم»  ص158.
    هذه أهمّ النظريات عن أصل التشيُّع وكلها مردودة جملة وتفصيلاً، لأن التشيّع  وكما قلنا سابقاً  أوّل حركته كانت منذ عهد النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ، وهو الذي أصّل قواعده وثبّت دعائمه، فمن خلال إلقاء نظرة تدبّرية على النصوص المحمديّة نجد بوضوح أنّ النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)  أوّل شيعيّ مناصرٍ لعليّ‏ (عليه السَّلام)؛ ألم يصرّح النبي في غديم خم: «من كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه» ، وما ورد عن أمّ سلمة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه: عليّ وشيعته هم الفائزون يوم القيامة.
    والتشيّع برأي تلكم النظريات، لا يحظى بجذور فكرية أصيلة، فهو وإنْ كان في نشأته الأولى تياراً سياسياً محضاً  وهو ما أكّد عليه عدد من المستشرقين منهم: برنار لويس وجولدتسهير وغيرهما إلاّ أنه في تكوينه المذهبي اللاحق كان من وحي اليهودي المتأسلم عبداللَّه‏فبن سبأ، وهذا ما أكدته المصادر السُّنية المتقدمة، حيث صوّرت للآخرين إن هذا التشيع الذي بدأ سياسياً  نتيجة ظروف تاريخية  سرعان ما انتظم في تعاليم دخيلة انتحلها بشكل منتظم بعض الثوار على النظام الأموي أو هشام‏فبن الحكم في بداية الحكم العباسي، كما نصت عليه النظريتان الأخيرتان، ومن خلال هذه المماحكة، يحاول أعداء الشيعة لفت الأنظار إلى كون الأمة التي تفجّر منها ذلك الصراع السياسي الأول، وبالتالي الموقف الشيعي من الإمام علي بن أبي طالب‏ (عليه السَّلام)، يصعب الإمساك بها، في حين لم تعد الجماعة التي ناصرت علياً (عليه السَّلام) تملك مشروعية ما، غير أنها ضالة، وانتهى بها الإخفاق السياسي إلى مدّ الجسور مع القوى المتآمرة ضد السلطة السياسية القائمة، وضد الإسلام بشكل عام.
نحن إذن، أمام مشروعية زئبقية للموقف الشيعي، مشروعية لم تبرح كونها في الزمن الأول ولاءً سياسياً للإمام علي‏بن أبي طالب‏ (عليه السَّلام) حيث تنطلي عليه اللعبة، فلا يكون الإمام‏ (عليه السَّلام) سيد الحملة التصحيحية التي يسميها بعضهم «الفتنة»  بل كان الأمر هنا يتعلق بيهودي مجهول الأصل، وظّف شخصية علي بن أبي طالب‏ (عليه السَّلام) في مؤامرة يهودية.
زبدة المخض:
    إنّ ما ذكره المفترون من كون مصدر التشيّع عبداللَّه‏بن سبأ يُشكَل عليه بالنقاط التالية:
    أولاً:
    إنّ مبدأ التشيع كان سابقاً على ظهور عبداللَّه بن سبأ، ولكنّ أعداء الشيعة استغلوا دعوى اعتقاده بأحقية أمير المؤمنين علي‏ (عليه السَّلام) وبالبرائة من أعدائه، حيث إن الرجل المذكور قد كاشف مخالفي الإمام‏ (عليه السَّلام) وكفّرهم، من هنا قال من خالف الشيعة أن أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهود حسبما نقل الرجالي المرموق العلاّمة الممقاني نقلاً عن محمدفبن قولويه القمي.
    ثانياً:
    ما جاء به الطبري وأتباعه، من أن الرجل المذكور أغرى كبار الصحابة ما هو إلا أسطورة اختلقها أعداء الشيعة بغضاً بهم، إذ كيف يصدّق المرءُ أن يهودياً جاء من صنعاء استطاع أن يُغري كبار الصحابة والتابعين، ويحرّضهم على الخروج ضد أُمرائهم في تلك الفترة القاسية، وهل أغراهم بالمال والسلطة أم بشي‏ء آخر؟ مع أنّ المذكورين من أهل التقوى والورع واليقين، عُرضت عليهم الدنيا بزخارفها منذ عهد النبي إلى خلافة عثمان فرفضوها، هل يمكن إذن أن يغري هكذا رجل جماعة بهذا المستوى الإيماني؟ وهل كانوا سذّجاً حتى يمكن أن يستميلهم عبداللَّه‏فبن سبأ؟ ولو سلّمنا أنه حرّضهم على الخروج ضد أمرائهم  وفرض المحال غير محال  فما الضير في ذلك ما دام حكّام تلك الفترة لم يحكموا بمبادى‏ء الإسلام، لا سيما عثمان‏فبن عفّان الذي تمادى كثيراً في ظلم شيعة أمير المؤمنين‏ (عليه السَّلام) حيث نفى أبا ذر الغفاري إلى الربذة تلك المنطقة الصحراوية الجرداء حتى مات فيها وحيداً غريباً، وضرب عمّارفبن ياسر الصحابي الجليل حتى حصل له فتق في بطنه، وضرب أيضاً عبداللَّه‏فبن مسعود سيد القراء، إلى غير ذلك من أفعال نكراء صدرت منه، حرّكت ضمائر أشراف المسلمين، فنهضوا لقتاله، والمرءُ يستغرب كيف يُترك ابن سبأ المحرّض ضد السياسة العثمانية، في حين كان الذين حرّضهم ابن سبأ قد وقعوا فريسة أنياب عثمان، فشرّد من شرّد، وقتل من قتل؟!
ولا يبعد القول: أن السبئية فكرة خيالية، نسجتها أيادٍ خبيثة طعناً بالشيعة واتهامهم بالرفض اليهودي، ويؤكد هذا ما ذكره بعض كبار العامة كعبد ربه المالكي: قال: «بأنّ الرافضة  يعني الشيعة  يهود هذه الأمّة» .
    وكعبد اللَّه الجُميّلي صاحب كتاب «بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود»  طر مكتبة الغرباء الأثرية في المدينة المنورة.
    قال الدكتور طه حسين:
    «وأكبر الظن أن عبداللَّه بن سبأ، وإنْ كان كل ما يروى عنه صحيحاً إنما قال ودعا إلى ما دعا إليه بعد أن كانت الفتنة، وعظم الخلاف، فهو قد استغل الفتنة ولم يثرها، وإن خصوم الشيعة أيام الأمويين والعباسيين، قد بالغوا في أمر عبداللَّه‏فبن سبأ هذا ليشكّكوا في بعض ما نُسب من الأحداث إلى عثمان وولاته من ناحية، وليشنّعوا على علي‏ (عليه السَّلام) وشيعته من ناحية أخرى فيردوا بعض أمور الشيعة إلى يهودي أسلم كيداً للمسلمين وما أكثر ما شنّع خصوم الشيعة على الشيعة» .
    ثالثاً:
    على فرض أنّ الرجل حقيقة وليس أسطورة تاريخية لكن لا شكّ أنّ ما نُقل عنه في ذلك المجال سرابٌ وخداع، لأننا نشك أنْ يكون لابن سبأ هذا الأثر الفكري العميق مؤثّراً على صحابة بلغوا القمّة في العلم والعمل، عدا عن أنه أحدث انشقاقاً عقائدياً بين طائفة كبيرة من المسلمين.
    رابعاً:
    إنّ الشيعة برمّتهم يتبرّؤون من الرجل المذكور لغلوّه في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‏ (عليه السَّلام) على فرض صحّة ما نُسب إليه وأنّ أمير المؤمنين‏ (عليه السَّلام) استتابه ثلاثة أيام فلم يرجع فأحرقه بالنار.
    وإذا راجعنا كتب الشيعة نرى أئمتهم وعلماءهم يتبرّؤون منه. فقد روى الكشّي أحد كبار علماء الإمامية في علم الرجال وهو من علماء القرن الرابع، قال: عبداللَّه‏فبن سبأ كان يدّعي النبوّة، وأنّ علياً هو اللَّه، فاستتابه ثلاثة أيام فلم يرجع، فأحرقه بالنار في جملة سبعين رجلاً.
    وقال الشيخ الطوسي (385_460) في رجاله في باب أصحاب أمير المؤمنين: عبداللَّه‏فبن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلوّ.
    وقال الحلّي (648_726): غالٍ ملعون، حرّقه أمير المؤمنين بالنار، كان يزعم أنّ علياً إله وأنه نبي، لعنه اللَّه.
    وقال ابن داود (647_707): عبد اللَّه بن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلوّ.
    وقال الشيخ حسن (ت1011) في التحرير الطاووسي: غالٍ ملعون، حرّقه أمير المؤمنين‏ (عليه السَّلام) بالنار.
    خامساً:
    على فرض أن كل ما ساقوه في القصة صحيح، ولكن لا ملازمة بين التصديق بها، وبين أن ذلك الحدث هو منشأ مذهب الشيعة، فإن التشيّع حَدَثَ  كما قلنا  في عصر النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)  واعتنقته أمةٌ مسلمةٌ ورعة من الصحابة والتابعين، وأما ما قام به ابن سبأ على فرض صحة وقوعه، فإنه يعبّر عن موقفٍ فردي، وتصرّف شخصي خارج عن اطار المذهب ومن تبعه.
فالواجب على أصحاب الضمائر الحرّة عند علماء العامّة أن لا يقعوا في محذور إساءة الظن بالشيعة الذين تمسّكوا بالكتاب وسنَّة النّبيّ وعترته الطاهرة الذين أمر النبيُّ المسلمين بالتمسُّك بهما، وأن من تخلّف عنهما غرق وهوى.


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=46
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 03 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28