• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : الفقه .
              • القسم الفرعي : إستفتاءات وأجوبة .
                    • الموضوع : الفرق بين النهي التنزيهي والتحريمي .

الفرق بين النهي التنزيهي والتحريمي

الموضوع:كيف نفرِّق بين النهيّ التنزيهي والتحريمي؟

بسمه تعالى
 

سؤالنا لكم كالتالي:
 
كيف يمكن التفريق والتمييز بين لا للنهي والتحريم وبين لا للكراهة وبين لا للارشاد في الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة؟
وشكرا

 

الجواب

بسمه تعالى
 

النهيُّ على ثلاثة أقسام:
نهيٌّ تحريميٌّ  / نهيٌّ تنزيهيٌّ  ويطلق عليه بالنهيّ الكراهتي / ونهيٌّ إرشاديٌّ .
فالنهيُّ التحريميُّ :هو النهيُّ المولوي الذي يكون مفاده الحرمة والمنع الإلزامي عن إرتكاب متعلق النهيّ ،وهذا النهيُّ في مقابل النهيّ المولوي الكراهتي والذي يكون مفاده الحكم بكراهة متعلق النهي،وفي مقابل النهيّ الإرشاديِّ الذي يرشد لمانعيَّة متعلقه.
 والنهيّ التحريميُّ قد يكون نفسياً وقد يكون غيرياً،والنفسيّة والغيرية قد تكون من جهة متعلق النهي وقد يكون من جهة المِلاك أو المصلحة السلوكية.
 والنهيُّ التنزيهيُّ: هو النهيُّ الذي يكون تعبيراً عن وجود منقصة وحزازة في متعلقه، فيكون متعلق النهي بذلك مكروهاً،والتعبير عنه بالتنزيهيّ إشارة إلى دلالته على تعلق إرادة الشارع المقدَّس بتنزه وترفع المكلَّف عن إرتكاب متعلقه.
والنهيُّ الإرشادي:هو ما يقرب من النهي التنزيهي إلاَّ أن الفرق بينهما  على نحو العموم والخصوص من وجه،فالنهي الإرشادي أعمُّ من النهي التنزيهي الدال على وجود مبغوضية خاصة في متعلق النهي بخلاف النهي الإرشادي المدلول بحكم العقل أو الشرع فيكون دور النهي حينئذٍ دور المنبِّه والمرشد إلى الحكم العقلي أو الحكم الشرعي الوضعي.
وللتمييز بين النهي التحريمي والإرشادي/الكراهتي ،إنَّما يكون بالقرائن إذ أن الأصل في النواهي أن تكون مولويَّة لا إرشاديّة،ولا نخرج عن هذا الأصل إلاَّ بسبب إكتناف الكلام بقرينةٍ تدل على أن النهي الوارد إنَّما هو إرشاديٌّ.
وبعبارةٍ أُخرى:أنَّ الفرق بين  النهيِّ المولوي والنهيِّ الإرشادي بعد إشتراكهما غالباً في انَّ كلاً منهما صادرٌ عن آمرٍ عالٍ إلى من هو دونه، هو أنَّ الآمر قد ينطلق في أمره ونهيه من موقع المولويَّة والسلطة متخذاً لنفسه موقف الآمر الواجبة إطاعته فيأمر بما يجب أن يُطاع كما أنَّه ينهى عمَّا يجب أن يجتنب،فعند ذلك يترتب الثواب على الطاعة والعقاب على المخالفة وهذا شأن أكثر الأوامر والنواهي الواردة في الكتاب والسنَّة الطاهرة،
 وقد ينطلق الآمر في ذلك من موقع النصح والإرشاد والعظة والهداية من دون أن يتخذ لنفسه موقف الآمر الواجبة طاعته بل يتخذ لنفسه موقف الناصح المشفق القاصد لإسعاد المخاطب وإنجائه من الشقاء،وعند ذلك يترك إنتخاب أحد الجانبين للمخاطب مذكّراً له ما يترتب على نفس العمل من آثار خاصة من دون أن تترتب على ذات المخالفة أية تبعة،ومن هذا القبيل وصف الطبيب الدواءَ للمريض وأمره بتناوله والإجتناب عن أمور أخرى، فلو قام المريض بالطاعة والإمتثال تترتب عليه الصحة والعافية وإن خالف أمره لم تترتب على تلك المخالفة سوى المضاعفات المترتبة على نفس العمل وذلك لأن الطبيب لم يكتب له تلك الوصفة الطبية إلاَّ بما أنَّه طبيب ناصح ومعالج مشفق.
ومثال آخر من القرآن الكريم ما جرى على مولانا وأبينا آدم عليه السلام حينما نهاه الله تعالى عن الأكل من الشجرة ،فكان نهيه له نهياً إرشادياً وليس نهياً مولوياً ،ولو كان نهياً مولوياً لإستحق العقاب بمخالفته ولما استحق أن يكون نبياً لأن الأنبياء لا يعصون،فالنهي حينئذٍ كان إرشادياً إلى ما سوف يترتب عليه من آثار وضعية سيئة على آدم وزوجه عليهما السلام ومن هذه الآثار الخروج من الجنة بالشكل الذي كان عليه من الذل دون أن يرتفع بالتوبة والإنابة،ويشهد لما قلنا قوله تعالى لآدم وحوآء عليهما السلام فقلنا يا آدم أن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنَّكما من الجنة فتشقى أن لك ألاَّ تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى طه117 ــــ 119 .
فإن قوله تعالى فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى صريح الدلالة في أن أثر إمتثال النهي هو البقاء في الجنة ونيل السعادة التي تتمثل في قوله إن لك ألاَّ تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ ... وأن أثر المخالفة هو الخروج من الجنة والتعرض للشقاء الذي يتمثل في الحياة التي فيها الجوع والعرى والظمأ وحرِّ الشمس والتعب في سبيل الكد على العيال وعلى النفس,كل ذلك يدل على أنه تعالى لم يتخذ لدى النهي موقف الناهي الواجبة طاعته بل كان ينهى بصورة الإرشاد والنصح والهداية وأنه لو خالف لترتب عليه الشقاء في الحياة والتعب فيها.
ونعطيك ضابطة كليَّة لمعرفة النهي التحريمي عن النهي الإرشادي التنزيهي بأن النهي التحريمي هو :كل نهيٍّ صادر من المولى عزَّ وجلَّ والحجج الطاهرين عليهم السلام خالٍ من القرينة المرخِصة،وفي مقابله النهي الإرشادي المتصف بالقرينة الدالة على كون الناهي ناصحاً ومشفقاً،فالقرائن الموجودة في الآيات والأخبار حول قصة النبيّ آدم عليه السلام تدل بوضوح على أن النهيَّ في هذا المقام كان نهياً إرشادياً لا مولوياً وكان الهدف تبقية آدم عليه السلام بعيداً عن عوامل التعب والشقاء ولكنَّه توانى ـــ لمصلحة إرتأها ـــ عن السماع للناصح فعرّض نفسه للشقاء وصار مستحقاً لأن يخاطب بقوله تعالى قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقرٌ ومتاع إلى حين الأعراف/24 .

والسلام عليكم.
حررت بتاريخ 8 ذو القعدة 1430للهجرة/بيد العبد محمد جميل حمود العاملي/بيروت.


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=93
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 03 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29