• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : شرح الحديث القدسي (يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليٌّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما) .

شرح الحديث القدسي (يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليٌّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما)

الإسم: *****
النص:
بسم الله الرحمن الرحيم

س) ما رأي سماحتكم بما جاء في الحديث القدسي (يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما)؟ هل هذا الحديث القدسي صحيح السند؟

 

الموضوع العقائدي : شرح الحديث القدسي (يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليٌّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما)
بسمه تعالى تبارك اسمه

 

السلام على أخينا الكريم ورحمة الله وبركاته
     جواباً على سؤالكم القيّم نقول:
إن الحديث القدسي الشريف (يا أحمد ! لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما) في غاية الصحة والمتانة السندية والدلالية وهو من الأحاديث النادرة التي تواترت فيها النصوص الشريفة الدالة على علو قدر وفضل وعظمة النبيّ الأعظم وأهل بيته الطيبين المطهرين سلام الله عليهم، فهو فضلاً عن متانة سنده الخاص إلا أنه متواتر بالمعنى بألفاظ متعددة والمضمون واحد وهو عظمة هؤلاء المقدسين والأنوار المطهرين صلوات الله عليهم أجمعين لا سيما سيدتنا الصدّيقة الكبرى الحوراء الإنسية الزهراء البتول سلام الله عليها، فقد رواه الثقات من المحدثين والأعلام المخلصينن فقد رواه الشيخ إبراهيم بن الحسن الذراق عن الشيخ علي بن هلال الجزائري عن الشيخ أحمد بن فهد الحلي عن الشيخ زين الدين علي بن الحسن الخازن الحائري عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن مكي الشهيد العاملي بطرقه المتصلة إلى أبي جعفر محمد بن علي بن موسى بن بابوية القمي بطريقه إلى جابر بن يزيد الجعفي عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله تبارك وتعالى أنه قال:« يا أحمد ! لولاك لما خلقت الأفلاك.....إلخ ». وورد بألفاظ أخرى مفردة ومثناة وجمع، إشارة إلى الحقيقة المحمدية والعلوية والفاطمية والحسنية والحسينية والعابدية والباقرية والجعفرية والصادقية والكاظمية والرضوية والجوادية والهادية والعسكرية والقائمية على ذواتهم المقدسة آلاف الثناء والتحية.....لولاك يا محمد..لولاكما يا محمد وعلي سلام الله عليهما ..
ومعنى الحديث الشريف: إن الله تعالى أشار فيه إلى المقامات الإلهية التي يتصف بها هؤلاء المطهرين سلام الله عليهم أجمعين وهي ثلاث: مقام النبوة والرسالة الخالصة بالتوحيد ـــ مقام الإمامة والخلافة ـــ مقام الولاية الإلهية .
  فالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله يمثل مقام النبوة الخالصة والإنسان الكامل الخالص بالتوحيد والفناء في الله تعالى...والإمام الأعظم أمير المؤمنين سلام الله عليه يمثل مقام الإمامة الإلهية الطاهرة...والوليّة المطلق سيّدة نساء العالمين الصدّيقة الكبرى سلام الله عليها تمثل مقام الولاية المطلقة...وهي مقامات إلهية إلا أن مقامي الرسالة والإمامة يمثلان الجانب الملكي إلا أن الولاية ثمثل الجانب الملكوتي الجبروتي..وهو جانب أعظم من الجانبين الأولين، ولا يعني هذا إلغاء الجانبين المذكورين من الإعتبار..حاشا وكلا ! ولكن الأفضلية بحسب التقسيم الإعتباري الملكي الدنيوي من حيث حاجة الخلق إلى مقامي الرسالة والإمامة الباعثين إلى الإمتثال لمقام الولاية..وكأن الدعوة الإلهية منحصرة بمقام الولاية الإلهية الذي حارت فيه الأفئدة وهامت من أجله العقول الموحدة والسالكة إلى عوالم الملكوت والجبروت، ومقامي الرسالة والإمامة فرع مقام الولاية الإلهية، فلولا مقام الولاية لما كان ثمة وجود لمقامي الرسالة والإمامة، فمقام الولاية يمثل قمة الهرم المقدس وبقية المقامات يمثلان القاعدة له....وبهذا التفصيل الظاهري تكون الولاية باطن مقامي الرسالة والإمامة، إذ لكل ظاهرٍ باطن وعلى كل حقيقة نور، فحقيقة الرسالة والإمامة باطنهما نور الولاية الإلهية الذي كانت مولاتنا المطهرة الزهراء سلام الله عليها متلبسة فيه وقائمة بكامل حقائقه الإلهية...ولا يستلزم قيامها بمقام الولاية سلبه عن النبي والوليّ عليهما السلام..كلا ثم كلا ! بل هما يتصفان بمقام الولاية إلا أن مقامهما الرسالي والإمامي غالب في مقام العمل لإعتبارات تشريعية تستلزم العمل بهما كمقامين تشريعيين في عوالم الناسوت بخلاف مقام الولاية فإنه مقام نوراني يدخل في صميم العمل ومن دونه لا قيمة للعمل، من هنا جاء التعبير في النصوص بأن الولاية أهم من عامة العبادات كما في الأخبار الكثيرة بأنها من أفضل الإعتقادات المأمور بها شرعاً..ففي خبر الكافي عن الوشاء عن أبان عن الفضيل عن الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام قال : « بني الإسلام على خمس على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية » .
  وفي الكافي بإسناده عن علي عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير عن أبان عن الفضيل عن أبي جعفر عليه السّلام قال : « بني الإسلام على خمس الصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير ».
 وفي الكافي عن القمي عن الكوفي عن العباس بن عامر عن أبان عن الفضيل عن أبي جعفر عليه السّلام قال : « بني الإسلام على خمس على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه يعني الولاية ».
 فقد ربطت هذه الأحاديث العبادات بالولاية التي نادى بها رسول الله يوم الغدير، فولاية أمير المؤمنين عليّ سلام الله عليه هي نفس ولاية سيّدة نساء العالمين سلام الله عليها فهما من نفس الولاية الإلهية التي أعلنها رسول الله صلى الله عليه وآله ودعا الناس إليها..وبمقام الولاية كان أمير المؤمنين سلام الله عليه مع رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم معراجه وخاطبه الله تعالى بلسان أمير المؤمنين عليه السلام لما لمقام الولاية من قيمة عنده تعالى..ورسول الله كان وليّاً إلا أنه كان مأموراً بحسب الظاهر أن يكلم الناس بمقام النبوة والرسالة والإمامة، ولم يعمل بمقام الولاية إلا نادراً وذلك لأن الناس لم يكونوا مؤهلين للسير بهم في مقام الولاية من هنا جاء التعبير عنه:" قال ( صلى الله عليه وآله:« أنا أحكم بالظاهر والله يتولّى السرائر ». فحكمه بالظاهر صلوات الله عليه وآله وليس بمقام الولاية الذي لا يحتاج إلى ظاهر أو بيّنة إنما كان بسبب ظاهر الناس لا باطنهم لأنهم لم يرتبطوا بمقام الولاية...ولكن سيدتنا الزهراء سلام الله عليها كانت مأمورة بالعمل بمقام ولايتها عندما تصدت للجبت والطاغوت فعرتهما عن القناع الذي كان يختفيان وراءه وهو النفاق والكفر، فمقام ولايتها مقام الكشف عن الحقائق لا مقام الجري وراء الظواهر والإكتفاء بالظاهر كظاهر فقط دون أن يكون وراءه باطن نوراني...وبهذا المقام سيعمل إمامنا الحجة القائم أرواحنا فداه فيكشف البواطن ويقضي من دون بينة ظاهرية تماماً كما فعلت سيدتنا المطهرة الزهراء روحي فداه حيث كفرت ابا بكر وعمر اللذين كانا يتستران بظاهر الإسلام ويبطنان الكفر والنفاق....فمقام ولايتها أعظم من مقامي بعلها وأبيها وإن كانا ــ كما أشرنا ـــ متصفين بمقام الولاية إلا أن الأمر الإلهي دعياهما للعمل بمقام الرسالة والإمامة...يرجى التأمل فإنه دقيق.
 فمقام ولايتهم أفضل من مقامي رسالتهم وإمامتهم...وهذا المقام الولايتي حملت لواءه سيدة الطهر والقداسة والجهاد الوليّة الكبرى سيدة نساء العالمين روحي فداها....وهو معنى الأحاديث التي ورد فيها لفظ الولاية مفرداً ومثنى وجمعاً لأن مقامهم واحد إلا أن الإختلاف في مقام العمل ...من هنا جاء التعبير بلفظ "ولولاها" أي فاطمة سلام الله عليها ....ولولاهم أي لولا آل محمد..لولانا...فهذه الحقائق الربانية النورانية تكشف عن شدة طهارتها وقربها من المولى تبارك اسمه، وفي الوقت نفسه تكشف عن لب تلك الحقيقة ألا وهي مولاتنا الصديقة الكبرى فاطمة سلام الله عليها بل هي سر تلك الحقيقة المحمدية العلوية القائمية.. فهي سر النبوة والإمامة والولاية، من هنا جاء في النصوص الصحيحة بأنها الصديقة الكبرى التي دارت على معرفتها القرون الأولى وهي قرون الأنبياء والمرسلين والأولياء المقربين، وصدق الشاعر الحكيم عندما نثر من لؤلؤها ودررها ما يفصح عن كنه الذات الفاطمية والدرة البتولية بقوله:
جوهرة القدس من الكنز الخفي * بدت فأبدت عاليات الأحرف    وقد تجلى في سماء العظمة * من عالم الأسماء أسمى كلمة
بل هي أم الكلمات المحكمة * في غيب ذاتها نكات مبهمة       أم الأئمة العقول الغر بل  أم أبيها وهو علة العلل
 أليس ذلك من الفضائل العالية حيث كانت سيدة الطهارة والقداسة الزهراء البتول ( عليها السلام ) حجة على الأنبياء والمرسلين والحجج الطاهرين..أما حجيتها على الأنبياء باعتبار صبرها وفضلها وعلمها وقربها ...وأما حجيتها على الحجج باعتبار العلة في وجودهم المادي والمعنوي والواسطة في مقامي النبوة والولاية كما أشار الحديث المتقدم ويؤيده الحديث الشريف عن مولانا الإمام المعظم الحسن العسكري سلام الله عليه:« نحن حجج اللّه على خلقه ، وجدّتنا ( فاطمة ( عليها السلام ) ) حجّة اللّه علينا».
 تقرير ذلك: إن لهذه الحرّة الطاهرة الزكية والدرة العلوية مقام القرب الأعلى والشرف الأوفى الذي يسمو على عامة المقامات العلوية والمنازل الإلهية بسبب ما اتصفت به تلك الحرة الزكية من المحبة لله تعالى والتفاني في الذات الإلهية حتى صارت بقربها منه تعالى كقاب قوسين أو أدنى من حيث الرتبة والمقام والعلو والفضل والشرف لذا صارت الواسطة بين الله تعالى وبين الأنبياء في العالمين (القرون الأولى) حيث كانوا يتنافسون على محبتها للقرب من الله تعالى والحظوة عنده تبارك شأنه بفضل القرب من تلك الحرة الطاهرة الزكية سلام الله عليها بل كانت القبلة الروحية إلى الله تعالى وسفينة النجاة من المهالك والنجاة من شرور الظالمين والسفر إلى عوالم الملكوت والجبروت واللاهوت من هنا ورد في الحديث الشريف المأثور عن أهل بيت العصمة ( عليهم السلام ) ما نصه " أنه ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى "أي  يعني ما تكاملت نبوة نبي - والنبوة خلاصة التوحيد - إلا لمن أقر بفضلها ومحبتها والإقرار هو الشهادة علي النفس والاعتراف منها للغير وإقرار العقلاء علي أنفسهم جائز ، فهذه شهادة من الأنبياء لها بالفضل والمحبة والفضل يعني أنها كانت لها زيادة في الفضائل علي الأنبياء بل هي صاحبة الفضل عليهم بأنه لم تكتمل نبوة نبي إلا بها ( عليها السلام ) .
 وفي ذيل هذا الحديث أعلاه يقول المحقق البارع أبو الحسن النجفي ما نصه : إن المراد من القرون هي قرون جميع الأنبياء والأوصياء وأمم من آدم فمن دونه حتى نفس خاتم الأنبياء ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أجمعين ، يعني ما بعث الله عز وجل أحداً من الأنبياء والأوصياء حتى أقروا بفضل الصديقة الكبرى ومحبتها . ويؤيده ما ذكره السيد هاشم البحراني صاحب تفسير البرهان في مدينة المعاجز عنه ( عليه السلام ) ما تكاملت النبوة لنبي حتى أقر بفضلها ومحبتها.
فمولاتنا المعظمة سيدة الطهر والقداسة فاطمة الزهراء عليها السلام هي العلة الغائية في صنع الله لخلقه كما أشار إلى ذلك الحديث الذي نحن بصدد التشرف بشرحه:( يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما ).
 هذا الحديث من الأحاديث المأثورة التي رواها جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الله تبارك وتعالى ومن المعلوم أن كلام الله تعالى جاء على قسمين أحدهما ما ورد في القرآن الكريم والأخر ما جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من دون أن يكون له وجود في القرآن الكريم وهو ما يعبر عنه بالأحاديث القدسية التي خاطب بها الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولقد جمعت كثير من الكتب هذه الأحاديث القدسية مثل كتاب كلمة الله والكوثر في أحوال فاطمة بنت النبي الأطهر صلى الله عليه وآله وفاطمة بهجة قلب المصطفى وكتاب الأحاديث القدسية عند الفريقين وغيرهما من الكتب والذي يهمنا في المقام هذا الحديث القدسي الذي جاء ليثبت للصديقة فاطمة عليها السلام كرامة أخرى ، ومنقبة عظمي وذلك من خلال التمعن في دلالات هذا الحديث المبارك :(يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك).
والخطاب هنا من الباري عز وجل لرسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن المعلوم لدينا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له عدة أسماء وردت على لسان القرآن الكريم
مثل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ( ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم ) ومثل أحمد ( ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) ، وكذلك ياسين ، وغيرها من الأسماء التي جاءت بتعابير مختلفة ، وفيما نحن فيه جاء الخطاب للرسول باسم أحمد ، حيث توجه إليه الخطاب الإلهي ليقول له لولاك يا رسول الله لما خلقت الموجودات التي هي متيسرة في الأفلاك ، والأفلاك هنا معناها كل الموجودات التي تدور حياتها ووجودها في الكون سواء نعلم بوجودها أم لا نعلم ، فعلة خلق الموجودات هو لأجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام وهذا ما أكدته كثير من الأحاديث المأثورة في هذا المقام منها عن النبي لما خلق الله آدم أبو البشر نفخ فيه من روحه التفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح سجدا وركعا .
قال آدم : يا رب ! هل خلقت أحدا من طين قبلي ؟ قال : لا ، يا آدم ، قال : من هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي وصورتي ؟
قال : هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك ، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار ، ولا العرش ولا الكرسي ، ولا السماء ولا الأرض ، ولا الملائكة ولا الأنس ولا الجن ، فإن المحمود وهذا محمد ، وأنا العالي وهذا علي وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا الإحسان وهذا الحسن ، وأنا الحسن وهذا الحسين آليت بعزتي أنه لا يأتيني أحد بمثقال ذرة من خردل من بغض أحدهم إلا أدخلته ناري ولا أبالي يا آدم ، هؤلاء صفوتي من خلقي بهم أنجيهم ، وبهم أهلكهم فإذا كان لك إلي حاجة فبهؤلاء توسل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحن سفينة النجاة . من تعلق بها نجا ، ومن حاد عنها هلك ، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت.
  يظهر للباحث من هذا الحديث عدة أمور مهمة تتطابق في مدلولاتها مع الحديث القدسي المتقدم ، فأنوار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام مخلوقة قبل وجود آدم ، وأكد الحديث على أن علة خلق آدم هو من أجل هذه الأنوار - حيث قال الله تعالى لآدم : لولاهم ما خلقتك بل تجاوز الأمر إلى أن كل الموجودات هي مخلوقة بسببهم فالعرش والجنة والنار والكرسي والسماء والأرض والملائكة والإنس والجن كلهم لن يوجدوا لولا وجود أنوار أهل البيت بما فيهم جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لذلك نجد في حديث الكساء  أنه يصف علة إيجاد الأفلاك هو لأجل أهل البيت عليهم السلام حيث يقول الله تعالى: ملائكتي ويا سكان سماواتي إني ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئة ولا فلكا يدور ولا بحراً يجري ولا فلكاً يسري إلا في محبة هؤلاء عليهم السلام ...". أي إني لأجل حبهم وأنوارهم خلقت هذه الأفلاك .
 إذن يظهر من هذه الأمور ومن خلال عدة أحاديث مأثورة أن الأفلاك والموجودات ما خلقت لولا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك وهذه العبارة مطابقة لمضمون كثير من الأحاديث الولائية سواء كانت من كتب الخاصة أو العامة . وبعبارة أخرى لتوضيح المطلب لا بد من السؤال التالي : لماذا خلق الله الأفلاك والكون والحياة ؟
الجواب ،
خلقها من أجل الإنسان ، كما صرح بذلك القرآن الكريم ، في أكثر من مائة آية كلها تؤكد المعنى ، وتصب اهتماما في هذا الجانب ، بكلمة : سخر . . . وجعل . .
ونسأل ثانية : لماذا خلق الله الإنسان ؟ ويأتي الجواب من القرآن أيضا : إنه للعبادة ، ( وما خلقت الجن ، والإنس إلا ليعبدون ).
والعبادة لا تتحقق إلا بشروط ، ومن أهم تلك الشروط :
( أ ) معرفة الطريق . وكشف الوسيلة . . ووجود القائد المعصوم ، لأنه من دون القائد ، لا يمكن الانطلاق في اتجاه صحيح ، ولذلك صار القائد ، الإمام المعصوم . . ومعنى ذلك : أن فقدان القائد ، يعني فقدان العبادة ، وإذا فقدت العبادة ، انتفت الحكمة من وجود الإنسان ، وإذا انتفت الحكمة من وجود الإنسان ، ولم يعد لوجود الأفلاك معنى  لأن الأفلاك إنما وجدت بوجود الإنسان الذي يعبد الله ، ولذلك عندما تقوم الساعة ، وينتهي دور الإنسان في الحياة  فإن الكواكب ، والنجوم ، والأفلاك كلها تتمزق شذر مذر ، وينتهي دورها : وحملت الأرض والجبال ، فدكتا ، دكة واحدة ، ويقول : ( ويسألونك عن الجبال ، فقل ينسفها ربي نسفا ) ويقول القرآن الكريم : ( إذا السماء انشقت ) . ( وإذا النجوم . . ) . وعليه فمن كل ما تقدم ، نخرج بالنتيجة التالية : وهي أن الله سبحانه - لولا الحبيب المصطفى وآله المطهرين سلام الله عليهم - لم يخلق الكون ، ولا الأفلاك . . ولأن هذه الحكمة ، لا تسقط بموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما تستمر الحكمة ، من خلال سيدة النساء الزهراء البتول الأئمة الطاهرين عليهم السلام أجمعين .
وعلى هذا الأساس كان خلق السماوات والأرض وما بينهما لأجل الإنسان وليعبد الله تعالى بعد معرفة الإنسان بأن الله تعالى خلقه بقدرته لذلك وأنه سيبعثه يوم القيامة لتجزى كل نفس بما كسبت ومن الضروري الذي ثبت في محله إن الذي رضى به الله تعالى وأتمه وأكمله لعباده هو الذي قال فيه تعالى - ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) .
هذا هو الدين القيم الذي أرسل به رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ( بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ) ، فظهر مما ذكرنا إجمالا معنى قوله لولاك ما خلقت الأفلاك وذلك لكونه سيد المرسلين وخاتم النبيين ، ورسولا إلى الناس جميعا بهذا الدين المبين ، فغاية الخلق هو الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما هو الصادر الأول - لقاعدة الأشرف العقلية - وقد ورد في الخبر الشريف ." أول ما خلق الله نور محمد " فهو العلة التامة بعد علة العلل وهو الله سبحانه.
ولولا علي لما خلقتك أي يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لولا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما خلقتك ، وربما يظهر من هذا الكلام بعض التشويه لمن ليس له الباع الطويل لفهم ودراية أحاديث أهل البيت عليهم السلام ، ولكن بأبسط تأمل وتدقيق في معاني هذا الكلام ينحل لنا هذا اللغز المحير ، فالرواية المتقدمة في علة خلق الموجودات تبين أن لولاهم ما خلقتك يا آدم ، أي أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والإمام علي عليه السلام مشتركين في نفس الأمر لكون الإمام علي سلام الله عليه هو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكما عبرت عنه آية المباهلة أنفسنا فلا يتوهم المتوهمون في عدم تأويل وبيان هذا الأمر وتوجد نكته مهمة في هذا المقام متعلقة بأسرار البسملة ليست بقابلة للتقرير والتحرير ، حيث قيل في هذا المقام أن الوجود ظهر من باء بسم الله الرحمن الرحيم وكما ورد ذلك في الأحاديث المأثورة عن أهل بيت العصمة وقيل بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميز العابد عن المعبود . وقال أمير المؤمنين ومولى الموحدين علي عليه السلام والله ! لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من شرح باء بسم الله الرحمن الرحيم . وقال أيضا أنا النقطة تحت الباء لأنه كنقطة بالنسبة إلى التعين الأول الذي هو النور الحقيقي المحمدي لقوله - أي رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم - أول ما خلق الله نوري المسمى بالرحيم ولقوله أنا وعلي من نور واحد لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كالباء وعلي عليه السلام كالنقطة تحتها، لأن الباء لا تعين إلا بالنقطة ، كما أن النبي لا يتكمل إلا بالولاية ، ومن هنا كان لولا علي لما خلقتك يا رسول الله فأفهم تغنم والله الهادي إلى الحق ، وعلى هذا الأساس فإنه لا بد للرسالة السماوية من حجج وأئمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما أثبت هذا في محله من علم الكلام . لأن الأرض لا تخلو من حجة وإمام في كل زمان ، وأنه من لم يعرف إمام  زمانه مات ميتة جاهلية وهذا علي عليه السلام إمام وأب الأئمة المعصومين عليهم السلام كلهم خلقوا من أجل هذا الدين الحنيف الذي روحه العبودية لله رب العالمين برسالة رسوله وخلافة هؤلاء الأئمة الأمناء على الدين ، وصفوة الله وخزان علمه عليه السلام .
  إذن العلة التامة كما قلنا في كمالاتها وصفاتها التي هي مظهر لأسماء الله وصفاته هو رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهذا الإنسان الكامل والمخلوق الأتم  محمد صلى الله عليه وآله وسلم  لا بد لمثل هذه العلة النورانية والكلمة الإلهية التامة من معلول يشابهه ويسانخه لقانون العلة والمعلول كما هو ثابت في الفلسفة والحكمة المتعالية ويكون عندئذ هو نفسه وهو أمير المؤمنين أسد الله الغالب علي بن أبي طالب عليه السلام ومما يدل على ذلك هو آية المباهلة ، فيظهر من هذا كله معنى ولولا علي لما خلقتك .ولولا فاطمة لما خلقتكما وذلك لكون سيدتنا الطاهرة الزكية فاطمة عليها السلام أم أبيها فهي جمعت الكمالات المحمدية وكانت مظهرا للصفات الربوبية وهي بقية النبوة ولولاها لما قام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم للدين عمود ولا أخضر له عود بنورها زهرت السماوات العلى . وكذلك كونها أم الأئمة سلام الله عليهم وهي الوعاء الطاهر لذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي الكوثر الذي لا ينقطع عطاؤه . . . ومنها الامتداد العلوي لأئمة أهل البيت عليهم السلام ، فإذا عرفنا ذلك أدركنا عظمة سيدة الطهر والقداسة والولاية  الزهراء البتول سلام الله عليها وحكمة وجودها لأن صلاح العالم كله إنما يكون وينطلق من أبناءها ويكفي دليلا على ذلك ، أن يكون صلاح العالم ، وإصلاح الدنيا اليوم ، بواحد من أبناء فاطمة عليها السلام وهو الإمام المهدي عليه السلام يقول الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم المهدي من ولد مولاتنا السيدة الكبرى فاطمة سلام الله عليها .
  إذن فإن السيدة المطهرة فاطمة الزهراء  سلام الله عليها، هي الصديقة الكبرى ، وهي الكوثر المتدفق بالعطاء ، وهي أم الأئمة الطاهرين ، ولولاها  لانعدمت الحكمة  من وجود الإسلام  وتكوين الحضارة لأن الحضارة إنما قامت بأبناء فاطمة أخذا من الإمام الحسن والحسين ، وعلي بن الحسين والباقر والصادق . . . ومرورا بالإمام الكاظم ، والرضا والجواد ، وانتهاء بالإمام الهادي ، والعسكري والإمام الحجة المنتظر عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام .
 ومن هنا جاء في تعريف السيدة المطهرة فاطمة سلام الله عليها ، أنها ليلة القدر . . وأن الذي يعرف حقها ، وقدرها يدرك ليلة القدر ، ويستوعب مفهوم هذه الليلة العظمية التي نزل فيها القرآن هدى للناس ، وبينات من الهدى والفرقان ، ولا يتحقق هذا المعنى من وجود الهداية والبينات إلا بوجود الأئمة المعصومين  من أبناء مولاتنا المعظمة فاطمة سلام الله عليها.
 والنتيجة هي : أنه لولا فاطمة ، لما كان هناك حكمة من وجود الإسلام ، وعلى هذا الأساس ، دون هذا المنطلق ، تنتفي حكمة البعثة ، وإذا لم يبعث النبي ، لم يوجد الوصي ، وهكذا نجد أن هذه المسألة على عمقها ، فإنها واضحة وضوح الشمس في رائعة
النهار ، ولذلك جاء هذا الحديث القدسي  جامعاً معبراً ، قال : يا أحمد - لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك ولولا فاطمة ، لما خلقتكما . . وقد أفضنا في شرح الحديث في بعض أجوبتنا على موقعنا فليراجع..والحمد لله وسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله الطيبين المطهرين..والسلام عليكم.
 

حررها العبد الفقير محمد جميل حمود العاملي
بيروت بتاريخ 5 رجب الأصب 1435 هـ

 


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=949
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 05 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29