• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : البحث في جهات ثلاث حول ما ورد من أن عماراً حاص حيصة/ عمار بن ياسر لم يتردد في نصرة أمير المؤمنين سلام الله عليه يوم الإعتداء على دار سيّدة نساء العالمين عليها السلام .

البحث في جهات ثلاث حول ما ورد من أن عماراً حاص حيصة/ عمار بن ياسر لم يتردد في نصرة أمير المؤمنين سلام الله عليه يوم الإعتداء على دار سيّدة نساء العالمين عليها السلام

 الإسم: *****

النص: بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا ورسولنا محمد أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المنتجبين ، ولعنة الله على أعدائهم و الناصبين لهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين .
إلى مولانا المرجع الديني الكبير والعالم الأعظم النحرير عز الدين والشريعة ورافع رؤوس الشيعة حضرة المجتهد الأكبر والعلامة المحقق الأشهر مرجع الإسلام والمسلمين آية الله شيخنا الأوحد الأمين محمد جميل حمود العامليّ متعنا الباري بطول بقائه الأبيّ .
السلام والتحية من الله وأوليائه على سماحتكم ورحمة الله تعالى وبركاته ..
ورد في كتاب جواهر البحار – الجزء الثامن والعشرون (كتاب الإمامة – الباب الرابع) ص 239 نقلاً عن كتاب الكشي ص 11 هذا القول : \"قال [الإمام] الباقر (ع) : ارتدّ الناس إلا ثلاثة نفر : سلمان وأبو ذر والمقداد ، قلت : فعمّار ؟.. قال : قد كان حاص حيصة ثم رجع ، ثم قال : إن أردت الذي لم يشكّ ولم يدخله شيء فالمقداد، فأما سلمان ، فإنه عرض في قلبه عارضٌ أن عند أمير المؤمنين (ع) اسم الله الأعظم لو تكلّم به لأخذتْهم الأرض وهو هكذا ، فلُبّب ووُجئت عنقه حتى تُركت كالسِّلعة ( الغدة في الجسم ) ، فمرّ به أمير المؤمنين (ع) فقال له : 
يا أبا عبد الله !.. هذا من ذلك ، بايع فبايع . 
وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين (ع) بالسكوت ، ولم يكن يأخذه في الله لومة لائم ، فأبى إلا أن يتكلم فمرّ به عثمان ، فأمر به ، ثم أناب الناس بعد ، وكان أول من أناب أبو ساسان الأنصادي وأبو عمرة وشتيرة وكانوا سبعة فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين (ع) إلا هؤلاء السبعة\" .
وهذا النص الموجود في هذا الكتاب مع مصدر الموقع الذي وضعه نقله أحد المواقع الوهابية معلقاً عليه بهذا السؤال (يا شيعة ارتد الصحابة إلا عمار ؟ وحتى عمار حاص حيصة ؟ يعني فقط أكلة الغائط هم المؤمنون) ويقصد بهذه الحيصة اتهام الشيعة عمار بالارتداد كما هو منشور في الكثير من منتدياتهم .
ولهم في إحدى المواقع موضوع بعنوان :
(الحيصة الرافضية لعمار بن ياسر رضي الله عنه والفئة الباغية من سبق من ؟) يقولون فيه :
\"يقول بني رفضون نقلا عن أئمتهم المعصومين وأصحاب القدرات التكوينية ـــــ على الورق فقط ـــــ أن الصحابة رضوان الله عليهم قد ارتدوا كلهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أربعة المقداد وحذيفة وسلمان وأبو ذر رضي الله عنهم وأن إمامهم المعصوم سئل: كيف حال عمار بن ياسر قال: حاص حيصة ثم رجع! وفي نفس السياق فإن الرافضة يؤمنون ويتمسكون بحديث أن الفئة الباغية هي من تقتل عمار بن ياسر رضي الله عنه وفق تفسيرهم الخاص . والسؤال هنا : لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن عمار بن ياسر رضي الله عنه تقتله الفئة الباغية ! فهل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن عمار بن ياسر سيحيص حيصة ثم يرجع ! ثم : هل أخبر الأئمة الذين عاش عمار بن ياسر معهم وبينهم أنه حاص حيصة ثم رجع ! أم أن الحيصة تم اكتشافها من الأئمة المتأخرين ! وهل كانت الحيصة الرافضية سببا في مقتل عمار بن ياسر رضي الله عنه . وأيضا : كم استمرت حيصة عمار بن ياسر رضي الله عنه ومتى رجع تحديدا ! وهل يعد عمار بن ياسر رضي الله عنه وفقا لحديث إمام الرافضة المعصوم من الذين لايدري رسول الله ما أحدثوا بعده بتلك الحيصة الرافضية.ويروون كلام لشيخهم محمد بن عبد الوهاب معلقاً على هذا. 
(هذا العموم المؤكد يقتضي ارتداد علي وأهل البيت ، ، وهم لا يقولون بذلك ، وهذا هدم لأساس الدين لأن أساسه القرآن والحديث ، فإذا فرض ارتداد من أخذ من النبي صلى الله عليه وسلم إلا النفر الذين لا يبلغ خبرهم التواتر وقع الشك في القرآن والأحاديث ، نعوذ بالله من اعتقادٍ يُوجب هدم الدين . وقد اتخذ الملاحدة كلام هؤلاء الرافضة حجة لهم فقالوا : كيف يقول الله تعالى ( كنتم خير أمة أُخرجت للناس ) وقد ارتدوا بعد وفاة نبيهم إلا نحو خمسة أو ستة أنفس منهم لامتناعهم من تقديم أبي بكر على علي وهو الموصى به. فانظر إلى كلام هذا الملحد تجده من كلام الرافضة ، فهؤلاء أشد ضرراً على الدين من اليهود والنصارى ، وفي هذه الهفوة الفساد من وجوه: فإنها تُوجب إبطال الدين والشك فيه ، وتجوّز كتمان ما عُورض به القرآن ، وتجوّز تغيير القرآن ، وتخالف قوله تعالى ( رضي الله عن المؤمنين ) وقوله تعالى ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) وقوله في من آمن قبل الفتح وبعده ( وكلاً وعد الله الحسنى ) وقوله في حق المهاجرين والأنصار ( أولئك هم الصادقون ) ، ( وأولئك هم المفلحون ) وقوله ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونا شهداء على الناس ) وقوله ( كنتم خير أمة أُخرجت للناس ) وغير ذلك من الآيات والأحاديث الناصة على أفضلية الصحابة واستقامتهم على الدين ، ومن اعتقد ما يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد كفر ، ما أشنع مذهب قوم يعتقدون ارتداد من اختاره الله لصحبة رسوله ونصرة دينه ) .
وقال ابن كثير: [وأما طوائف الروافض وجهلهم وقلة عقلهم، ودعاويهم أن الصحابة كفروا إلا سبعة عشر صحابياً، وسموهم: فهو من الهذيان بلا دليل، إلا مجرد الرأي الفاسد، عن ذهن برد، وهوى متبع، وهو أقل من أن يرد.
فهم يتخذون ذلك كما لا يخفى ذريعة للدفاع عن جميع الصحابة حيث يروون أنه -صلى الله عليه وسلم- القَائل: «اسْتَوْصُوا بِأَصْحَابِى خَيْراً، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ، ..» مفندين بذلك حديث الردة المروي عن الإمام الصادق علي السلام وهو (كان الناس أهل ردة بعد النبي إلا ثلاث) .
كما يتجرؤن على أمير المؤمنين علي السلام بهذا القول (يا شيعي لماذا تقول علي أمير المؤمنين وهو أمير المؤتدين ؟ إذا قلت هو أمير المؤمنين يعني الصحابة مؤمنين ، وإذا قلت الناس ارتدوا إلا 3 فهو أمير المؤتدين ، وزاد مات عمار والمقداد ،، يعني ما بقي إلا المرتدين) .
ثم ينقلون الحديث المذكور ..
وقد ورد في كتاب (عقيدة الشيعة وتاريخهم الأسود) ص 7 أن ذلك إهانة لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله ......
فما موقف سماحتكم مولانا الجليل بهذه الافتراءات الادعاءات ؟
ولماذا كل هذا الهجوم الغريب على سيدنا الطاهر عمار ؟
وبماذا يُفسَّر قول (حاص حيصة) إن صحت أو لم تصح نسبة القول فيه ؟
وما ردكم على ادعاء أحد الشيعة الذين لا يخافون الله عز وجل بأنه ( حاد قليلاً وقصّر في إيمانه حيث كان قد تأخر عن نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى ما بعد الظهر ) .؟
وأنقل لسماحتكم مولاي الحبيب في الختام بعض المقتطفات عن مقال قرأته في موقع (مؤسسة السبطين العالمية) ينفي ما ورد في حق عمار من أنه حاص حيصة .. 
وهو : 
[و لأجل انه من أكبر اعضاد الحنيفية البيضاء يناضل عن قدس الشريعة بلسانه و سنانه و يقول مجاهراً لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا انا على الحق و هم على الباطل. رموه دعاة السوء و رواة الأكاذيب بالريب والشك والعدول عن الصراط السوي (يوم الفتنة الأولى) غير ان الشهادة بصفين غسلت ذلك الدرن و نسبوا القول إلى الإمام الباقر عليه السلام (انه حاص حيصة) كما في رجال الكشي ص 8 و لا غرابة في ذلك بعد أن أعلمنا التاريخ جهد معاوية في الوقيعة برجالات الشيعة و بذله الأموال للحط من مقدارهم و مقامهم الرفيع التنفر الناس عنهم فلا يقبلوا لهم حديثاً في فضل أميرالمؤمنين و وولده و ان العجب لا ينقضي ممن يؤمن بهذا الإفتعال و يذعن بقول النبي عمار مع الحق و قد ملأ ايماناً من قرنه إلى قدمه ثم يتشدق في الوقيعة برجل الإيمان و العقيدة الصادقة و أقبح من هذا الإعتذار عنه بأنه غسلها بالشهادة بصفين و متى صدرت منه هذه الزلة حتى يعتذر له بذلك. على ان الحديث نفسه كما رمى عماراً بهذه الشائنة حط من أخويه سلمان و ابن ذر حيث أثبت في قلب سلمان شيئاً و ان أباذر خالف أمر أميرالمؤمنين بالسكوت و في البحار ج 8 ص 51 عن الإختصاص للشيخ المفيد في خبر ان سلمان الفارسي كان منه إلى ارتفاع النهار و أبوذر كان منه إلى وقت الظهر فعاقبهما اللّه بأن و جئت عنق سلمان و حمل أبوذر على قتب و نفى عن حرم الرسول صلّى اللّه عليه و آله ولكن من الواضح الجلي ان تلك النسبة إلى عمار و أخويه كاذبة أرادوا بها الحط من هؤلاء الأوتاد الذين جاهروا بالإنكار على من اغتصب الخلافة الإلهية الكبرى كيف و قد بلغ حواري النبي صلّى اللّه عليه و آله الغاية القصوى تجاه أمام كل عثرة في سبيل الدين وضحوا دونه النفس والنفيس على ان رجال هذه الأخبار الحاملة للحط من عمار و اُخويه مجهولون فلا يعبؤ بمروياتهم ولكن أين من يفقه النكات الدقيقة ليعرف ما أراده أعداء الدين من تشويه مقام هؤلاء الرجال و انهم كيف يدسون السم في العسل و إلى أمثال هذه الروايات يشير الإمام الباقر كما في شرح النهج ج 3 ص 15 فيقول: (ان الرجل قد يكون من أهل الخير و هو ورع صدوق فيحدث بأحاديث عجيبة من تفضيل السلف و غيره و لم يخلق اللّه شيئاً منها) إذاً فمن واجب الباحث التريث فيما رووه من مقادير الرجال لئلا يتورط في مس الكرامات فيعوزه العذر يوم الحساب أو يندم ولات حين مندم. ]
فهل بعض أو كل ما جاء فيه صحيح ؟
اعذرني مولانا المرجع الأجل العظيم إذا أطلت الكلام على سيادتكم 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
الموضوع العقائدي: البحث في جهات ثلاث حول ما ورد من أن عماراً حاص حيصة/ عمار بن ياسر لم يتردد في نصرة أمير المؤمنين سلام الله عليه يوم الإعتداء على دار سيّدة نساء العالمين عليها السلام.
بسمه تعالى
 
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الخلائق أجمعين رسول الله محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين..وبعد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جوابنا الآتي على سؤالكم حول ما روي عن الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنه وأنه حاص حيصة، لم يسبقنا إليه أحد لا قديماً ولا حديثاً، وما أشرتم إليه عن البعض محاولاً تنزيه عمار عن الحيصة يشكر عليه ولقد سبقناه في ذلك لما عهد منا في سالف الايام من دفاعنا الفريد عن عمار في عدة مناسبات علمية عن تلك الشخصية الفذة عمار بن ياسر الذي ملئ بالإيمان من قرنه إلى قدمه حسبما دلت عليه الأخبار المادحة له، ومن كان مليئاً بالإيمان لا تصدر منه هزات وهنات وإرهاصات من الريبة والشك بأفعال الإمام الأعظم أمير المؤمنين عليّ سلام الله عليه حتى لو كانت بمستوى ضئيل لا يعتد به عرفاً وعقلاً وشرعاً...! لأن كل ما يوجب التشويش الايماني على عمار رضي الله عنه لا يتوافق مع الآية التي نزلت بحق عمار وهي قوله تعالى( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) النحل106. فقد جاء في تفسيرها الكثير من الأخبار المادحة لعمار وأن قلبه مليء بالإيمان إلى يوم شهادته، ولو لم يكن إلا الإطلاق في الآية الشريفة لكفى به دليلاً على صدق إيمان عمار إلى يوم شهادته من دون أن تؤثر فيه الهزات والزلازل البكرية والعمرية على آل الله تعالى من بيت القدس والطهارة، حتى لو كانت تلك الهزات على نحو الحيصة بالمعنى الذي سنشير إليه لاحقاً...وينبغي لكلِّ عالم أو باحث أن يضع أمامه الإطلاق الإيماني والإعتقاد الرباني الموجود في الآية بحق عمار، وأن يكون هذا الإطلاق هو الميزان الفصل في عرض الأخبار عليه بمقتضى ما دلت عليه الاخبار الكثيرة من وجوب عرض كل خبر منسوب إليهم على كتاب الله تعالى فما وافقه يؤخذ به وإلا فيعرض على أخبار العامة أو يضرب به عرض الجدار أو يرد إلى أهله بحسب تفاوت النصوص الكاشفة عن كيفية قواعد الترجيح الروائي المعمول بها في الوسط الفقهي العلمي.
 وهنا لا بدَّ أن نستجلي الأخبار القادحة فيه أو الغامزة بإيمانه يوم اقتحم الظالمون الكافرون  دارَ أمير المؤمنين وسيّدة نساء العالمين سلام الله عليهما لنرى إن كانت الحيصة التي نسبت إليه حقيقية أو أنها من جملة الإفتراءات التي دسها بنو أُمية في أخبارنا للتشويش على عمار وغيره من الشيعة المخلصين ـــ لا سيما معاوية الذي قتل عماراً في صفين فلم يتوانَ عن التعييب على عمار والقدح به ـــ ثم نعرضها على الكتاب والأخبار الأخرى ومن ثمَّ نقوم بعرضها على قواعد الترجيح، من هنا يكون البحث منصبّاً على ثلاث جهات هي الآتي:
 (الجهة الأولى): الأخبار المادحة لعمار  والرافعة من من شأنه.
 (الجهة الثانية): الأخبار القادحة أو الخافضة من علو قدره .
 (الجهة الثالثة): كيفية الجمع بين الأخبار.
  أما الجهة الأولى: فلا ريب في أن الأخبار المادحة كثيرة جداً لا يمكن مقارنتها مع الأخبار القادحة، وقد روى المحدثون أخباراً  كثيرة تمدح عماراً وتجعله في مصاف الاولياء المخلصين مذ دخل في الإسلام إلى يوم شهادته الطاهرة، منها ما رواه العلامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار ج 22 باب فضائل سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار عن المصادر المعتبرة عند الشيعة الإمامية، بالإضافة إلى المصادر الأخرى المنفردة الدالة على علو قدر عمار وإخلاصه لأمير المؤمنين علي سلام الله عليه، وأغلب النصوص المادحة لعمار صريحة في كونه من النقباء الأربعة الذين ثبتوا مع أمير المؤمنين وسيدة النساء مولاتنا المعظمة الزهراء البتول سلام الله عليهما...!
  ونحب أن ننبه إلى أمر مهم هو: أنه سوف يمر عليكم بعض الأخبار الخالية من ذكر عمار مع كونها صريحة بحب رفقائه الثلاثة: سلمان وأبو ذر والمقداد، ولكنها لا تدل على نفي حب النبي الأعظم صلى الله عليه وآله لعمار رضي الله عنه على قاعدة" إثبات شيء لشيء لا ينفي ما عداه" أو يكون التخصيص بالثلاثة من باب الحصر الإضافي أو المبالغة في المحبة لهؤلاء الثلاثة أو لإظهار فضلهم كما أظهر فضل عمار من دونهم في أخبار أُخرى....مضافاً إلى أن الأخبار الخافضة معارضة بأخبار أخرى تدل على نصرته لأمير المؤمنين عليه السلام معارضتها للأخبار الأخرى كما سوف نوضحه لاحقاً.
 وها نحن نتبرك بذكر لمّةٍ منها ليكون العالم والمتعلم على دراية بحال عمار حتى لا يشط البعض بحقه قصوراً أو تقصيراً مع كونه من أعمدة الإيمان والهداية والإخلاص ، وهذه الأخبار تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي التالي:
  القسم الأول: ما دل على علو إيمانه في بداية البعثة وما لاقاه من محن وظلامات بسبب إيمانه وولائه لرسول الله صلى الله عليه وآله.
  القسم الثاني: ما دل على علو قدره في أواسط البعثة في المدينة المنورة وخوضه للمعارك الطاحنة ضد المشركين والمنافقين ووقوفه بجانب سيدة نساء العالمين وأمير المؤمنين سلام الله عليهما كما في النصوص الواضحة كما سوف نوضحه لاحقاً.
  القسم الثالث: ما دل على علو فضله وجلالة قدره بموقفه البطولي والمشرف بجانب أمير المؤمنين عليه السلام في كل حروبه التي خاضها ضد أعمدة السقيفة وما تلاها من حروب شنها عليه معاوية والخوارج وعائشة، وقد تجلت بطولات عمار ومواقفه الكبرى يومذاك في أحسن صورها وأبهى حللها.
    وها نحن سوف نستعرض جملة من تلكم الأخبار الشريفة الدالة على علو قدر عمار رضي الله عنه وهي الآتي:
  (الخبر الأول): روى المجلسي بإسناده عن تفسير علي بن إبراهيم : جعفر بن أحمد ، عن عبيد الله بن موسى ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قوله : " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا " قال : هذه نزلت في أبي ذر و المقداد وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر جعل الله لهم جنات الفردوس نزلا : مأوى ومنزلا . الخبر.
  (الخبر الثاني): الخصال : أبي ، عن سعد ، عن الأصفهاني ، عن المنقري ، عن حفص ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام) ، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : قال عمار بن ياسر : قاتلت تحت هذه الراية مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ثلاثا ، وهذه الرابعة ، والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا السعفات من هجر لعلمنا أنا على الحق أنهم على الباطل الخبر.
  (الخبر الثالث): الخصال : محمد بن عمر بن محمد بن سالم ، عن الحسن بن عبد الله بن محمد الرازي عن أبيه ، عن الرضا عليه السلام، عن آبائه ( عليهم السلام ) عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : الجنة تشتاق إليك يا علي ، وإلى عمار وسلمان وأبي ذر والمقداد.
  (الخبر الرابع): الخصال : في خبر الأعمش عن الصادق ( عليه السلام ) قال : الولاية للمؤمنين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا بعد نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) واجبة ، مثل سلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود الكندي وعمار بن ياسر وجابر بن عبد الله الأنصاري وحذيفة بن اليمان وأبي الهيثم بن التيهان وسهل بن حنيف وأبي أيوب الأنصاري وعبد الله بن الصامت وعبادة بن الصامت وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وأبو سعيد الخدري و من نحا نحوهم ، وفعل مثل فعلهم.
  (الخبر الخامس): الخصال : محمد بن عمير البغدادي ، عن أحمد بن الحسن بن عبد الكريم عن عباد بن صهيب عن عيسى بن عبد الله العمري ، عن أبيه ، عن جده ، عن جده ، عن علي ( عليه السلام ) قال : خلقت الأرض لسبعة بهم يرزقون ، وبهم يمطرون ، وبهم ينصرون : أبو ذر وسلمان والمقداد وعمار وحذيفة وعبد الله بن مسعود ، قال علي : وأنا إمامهم وهم الذين شهدوا الصلاة على فاطمة ( عليها السلام ) .
  قال الشيخ الصدوق رحمه الله : معنى قوله : خلقت الأرض لسبعة نفر ، ليس يعني من ابتدائها إلى انتهائها ، وإنما يعني بذلك أن الفائدة في الأرض قدرت في ذلك الوقت لمن شهد الصلاة على فاطمة ( عليها السلام ) ، وهذا خلق تقدير لا خلق تكوين.
 أقول: لا مانع من أن يخلق الله تعالى الأرض تكويناً لهؤلاء تبعاً لمن لأجلهم خلقت الأرض والسماء وهم آل محمد سلام الله عليهم، ما يعني أن هؤلاء السبعة من خيرة الحواريين من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام؛ مع التأكيد على أن خلق التقدير على فرض تحققه كما أفاد الصدوق يستلزم أنهم من الخواص الذين لم يدخل الشك إلى قلوبهم أبداً ولم يتزلزلوا في لحظة من لحظات صحبتهم لأئمة الهدى سلام الله عليهم.
  (الخبر السادس): عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : بهذا الاسناد عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : يقتل عماراً الفئة الباغية.
  (الخبر السابع):عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : بهذا الاسناد عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : عمار على الحق حتى يقتل بين فئتين ، إحدى الفئتين على سبيلي وسنتي ، والآخرون مارقة من الدين خارجة عنه.
  (الخبر الثامن): تفسير علي بن إبراهيم : " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار " وهم النقباء وأبو ذر والمقداد وسلمان وعمار ، ومن آمن وصدق وثبت على ولاية أمير المؤمنين ( عليه السلام ).
  ملاحظة مهمة: الإطلاق في الخبر المتقدم مع الأخبار السابقة عليه، دلالة واضحة على استقامة عمار إلى يوم شهادته الميمونة، فهذا الخبر وأمثاله حاكم على كل خبر ينسب الشك والريبة والخذلان لعمار بن ياسر ونظرائه.
  (الخبر التاسع): الإحتجاج : عن إسحاق بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر عن آبائه ( عليهم السلام ) في حديث طويل ذكر فيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) العذر في ترك قتال من تقدم عليه قال : فلما توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) اشتغلت بدفنه والفراغ من شأنه ، ثم آليت يمينا أني لا أرتدي إلا للصلاة وجمع القرآن ففعلت ، ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين ثم درت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي ، ودعوتهم إلى نصرتي فما أجابني منهم إلا أربعة رهط : سلمان وعمار والمقداد وأبو ذر.
  (الخبر العاشر): - الإحتجاج : الأصبغ قال : سأل ابن الكوا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : عن أي أصحاب رسول الله تسألني ؟ قال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن أبي ذر الغفاري ، قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر ، قال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن سلمان الفارسي قال بخ بخ سلمان منا أهل البيت ، ومن لكم بمثل لقمان الحكيم ؟ علم علم الأول وعلم الآخر قال : يا أمير المؤمنين فأخبرني عن عمار بن ياسر ، قال : ذلك امرؤ حرم الله لحمه ودمه على النار ، وأن تمس شيئا منهما ، قال : يا أمير المؤمنين فأخبرني عن حذيفة ابن اليمان ، قال : ذلك امرؤ علم أسماء المنافقين ، إن تسألوه عن حدود الله تجدوه بها عارفا عالما ، قال : يا أمير المؤمنين فأخبرني عن نفسك ، قال : كنت إذا سألت أعطيت ، وإذا سكت ابتديت.
  (الخبر الحادي عشر): الإحتجاج : بالاسناد إلى الإمام أبي محمد العسكري ( عليه السلام ) قال : قدم جماعة فاستأذنوا
على الرضا ( عليه السلام ) وقالوا : نحن من شيعة علي فمنعهم أياما ، ثم لما دخلوا قال لهم : ويحكم إنما شيعة أمير المؤمنين الحسن والحسين وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار ومحمد بن أبي بكر الذين لم يخالفوا شيئا من أوامره.
ملاحظة مهمة: قول الإمام عليه السلام" لم يخالفوا شيئاً من أمره" واضح الدلالة في عدم صحة ما نسب إلى عمار من الحيصة، يرجى التأمل.
  (الخبر الثاني عشر): تفسير الإمام العسكري عليه السلام : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد ".
قال الإمام ( عليه السلام ) : " ومن الناس من يشري نفسه " يبيعها " ابتغاء مرضات الله " فيعمل بطاعة الله ، ويأمر الناس بها ، ويصبر على ما يلحقه من الأذى فيها ، فيكون كمن باع نفسه وسلمها برضى الله عوضنا منها ، فلا يبالي ما حل بها بعد أن يحصل لها رضى ربها " والله رؤوف بالعباد " كلهم ، أما الطالبون لرضاه فيبلغهم أقصى أمانيهم ويزيدهم عليها ما لم تبلغه آمالهم ، وأما الفاجرون في دينه فيتأناه ويرفق بهم و يدعوهم إلى طاعته ، ولا يمنع من علم أنه سيتوب عن ذنوبه التوبة الموجبة له عظيم كرامته ...إلى أن قال: فقيل لعمار ما بال خباب نجا بتلك الآية وأبوك أسلما للعذاب حتى قتلا ؟ قال عمار : ذاك حكم من أنقذ إبراهيم من النار ، وامتحن بالقتل يحيى وزكريا ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنت من كبار الفقهاء يا عمار ، فقال عمار : حسبي يا رسول الله من العلم معرفتي بأنك رسول رب العالمين ، وسيد الخلق أجمعين ، وأن أخاك عليا وصيك وخليفتك وخير من تخلفه بعدك ، وأن القول الحق قولك وقوله والفعل الحق فعلك وفعله ، وأن الله عز وجل ما وفقني لمولاتكما ومعاداة أعدائكما إلا وقد أراد أن يجعلني معكما في الدنيا والآخرة ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : هو كما قلت يا عمار ، ان الله تعالى يؤيد بك الدين ، ويقطع بك معاذير الغافلين ويوضح بك عن عناد المعاندين إذا قتلتك الفئة الباغية على المحقين ، ثم قال له : يا عمار بالعلم نلت ما نلت من هذا الفضل ، فازدد منه تزدد فضلا ، فإن العبد إذا خرج في طلب العلم ناداه الله عز وجل من فوق العرش : مرحبا يا عبدي أتدري أي منزلة تطلب ؟ وأية درجة تروم تضاهي ملائكتي المقربين لتكون لهم قرينا لأبلغنك مرادك ولأوصلنك بحاجتك.
  (الخبر الثالث عشر):روضة الواعظين : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي إن الجنة تشتاق إليك وإلى عمار
وسلمان وأبي ذر والمقداد . 
  (الخبر الرابع عشر): قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة ، قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
فمن هؤلاء الثلاثة ؟ قال : أنت منهم ، وأنت أولهم ، وسلمان الفارسي فإنه قليل الكبر ، وهو لك ناصح فاتخذه لنفسك ، وعمار بن ياسر يشهد معك مشاهد غير واحدة ، ليس منها إلا وهو كثير خيره ، ضيئ نوره ، عظيم أجره .
  (الخبر الخامس عشر): تفسير فرات بن إبراهيم : علي بن محمد الزهري معنعناً عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قوله تعالى : " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون " قال : هم المؤمنون سلمان الفارسي ومقداد بن الأسود وعمار وأبو ذر رضي الله عنهم ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) لهم أجر غير ممنون  .
  (الخبر السادس عشر): تفسير فرات بن إبراهيم : عبيد بن كثير معنعنا عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال خلقت الأرض لسبعة ، بهم يرزقون : وبهم يمطرون ، وبهم ينظرون ، وهم عبد الله بن مسعود و أبو ذر وعمار وسلمان الفارسي ومقداد بن الأسود وحذيفة ، وأنا إمامهم السابع قال الله تعالى : " وأما بنعمة ربك فحدث " هؤلاء الذين صلوا على فاطمة الزهراء ( عليها السلام ).
  (الخبر السابع عشر): الاختصاص : أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن إدريس ، عن عمران بن موسى ، عن موسى بن جعفر البغدادي ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن عيسى بن حمزة قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : الحديث الذي جاء في الأربعة ، قال : وما هو ؟ قلت : الأربعة التي اشتاقت إليهم الجنة ، قال : نعم ، منهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار ، قلنا : فأيهم أفضل ؟ قال : سلمان ثم أطرق ثم قال : علم سلمان علما لو علمه أبو ذر كفر.
  (الخبر الثامن عشر): الاختصاص : الصدوق ، عن ماجيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن ابن أبي نجران ، عن العلا ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر الباقر قال : سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول : سألت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن سلمان الفارسي فقال ( صلى الله عليه وآله ) : سلمان بحر العلم لا يقدر على نزحه ، سلمان مخصوص بالعلم الأول والآخر ، أبغض الله من أبغض سلمان ، وأحب من أحبه ، قلت : فما تقول في أبي ذر ؟ قال : وذاك منا ، أبغض الله من أبغضه ، وأحب من أحبه ، قلت : فما تقول في المقداد ؟ قال : وذاك منا ، أبغض الله من أبغضه ، وأحب من أحبه ، قلت : فما تقول في عمار ؟ قال : وذاك منا ، أبغض الله من أبغضه ، وأحب من أحبه ، قال جابر : فخرجت لأبشرهم ، فلما وليت قال : إلي يا جابر إلى يا جابر ، وأنت منا ، أبغض الله من أبغضك ، وأحب من أحبك ، قال : فقلت : يا رسول الله فما تقول في علي بن أبي طالب ؟ فقال : ذاك نفسي ، قلت : فما تقول في الحسن والحسين ؟ قال : هما روحي ، وفاطمة أمهما ابنتي يسوؤني ما ساءها ويسرني ما سرها ، أُشهد الله أني حرب لمن حاربهم ، سلم لمن سالمهم ، يا جابر إذا أردت أن تدعو الله فيستجيب لك فادعه بأسمائهم فإنهم أحب الأسماء إلى الله عز وجل.
  (الخبر التاسع عشر): تفسير علي بن إبراهيم : قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى : " والذين آمنوا وعملوا الصالحات " نزلت في أبي ذر وسلمان ومقداد وعمار ، لم ينقضوا العهد وآمنوا بما نزل على محمد " أي ثبتوا على الولاية التي أنزلها الله " وهو الحق " يعني أمير المؤمنين " من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم "  .
  (الخبر العشرون): تفسير علي بن إبراهيم : قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى : " والذين آمنوا وعملوا الصالحات " نزلت في أبي ذر وسلمان ومقداد وعمار ، لم ينقضوا العهد وآمنوا بما نزل على محمد " أي ثبتوا على الولاية التي أنزلها الله " وهو الحق " يعني أمير المؤمنين " من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ".
  (الخبر الحادي والعشرين): ما رواه سليم بن قيس من أن الأربعة كانوا موجودين يوم اقتحام دار أمير المؤمنين عليه السلام وهي التالي:" هجومهم على بيت فاطمة عليها السلام وإحراقه فانطلق قنفذ فأخبر أبا بكر . فوثب عمر غضبان ، فنادى خالد بن الوليد وقنفذا فأمرهما أن يحملا حطبا ونارا . ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي عليه السلام ، وفاطمة عليها السلام قاعدة خلف الباب ، قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله . فأقبل عمر حتى
ضرب الباب ، ثم نادى : ( يا بن أبي طالب ، افتح الباب ) . فقالت فاطمة عليها السلام : ( يا عمر ، ما لنا ولك ؟ لا تدعنا وما نحن فيه ) . قال : ( افتحي الباب وإلا أحرقناه عليكم ) فقال : ( يا عمر ، أما تتقي الله عز وجل ، تدخل على بيتي وتهجم على داري ) ؟ فأبى أن ينصرف . ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ، ثم دفعه عمر .
  فاستقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت : ( يا أبتاه يا رسول الله ) فرفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت . فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت : ( يا أبتاه ) أمير المؤمنين عليه السلام يهم بقتل عمر فوثب علي بن أبي طالب عليه السلام فأخذ بتلابيب عمر ثم هزه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله ، فذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وما أوصى به من الصبر والطاعة ، فقال : ( والذي كرم محمدا بالنبوة يا بن صهاك ، لولا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي ) . يريدون قتل الزهراء عليها السلام بالسيف فأرسل عمر يستغيث . فأقبل الناس حتى دخلوا الدار . وسل خالد بن الوليد السيف ليضرب فاطمة عليها السلام فحمل عليه بسيفه ، فأقسم على علي عليه السلام إلا كفّ .
أقبل المقداد وسلمان وأبو ذر وعمار وبريدة الأسلمي حتى دخلوا الدار أعوانا لعلي عليه السلام ، حتى كادت تقع فتنة . فأخرج علي عليه السلام واتبعه الناس واتبعه سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وبريدة الأسلمي رحمهم الله وهم يقولون : ( ما أسرع ما خنتم رسول الله صلى الله عليه وآله وأخرجتم الضغائن التي في صدوركم ) .
وقال بريدة بن الخصيب الأسلمي : ( يا عمر ، أتثب على أخي رسول الله ووصيه وعلى ابنته فتضربها ، وأنت الذي يعرفك قريش بما يعرفك به ) . فرفع خالد بن الوليد السيف ليضرب به بريدة وهو في غمده ، فتعلق به عمر ومنعه من ذلك" . انتهى.
  لا يخفى على الخبير في دراية الأخبار بأن الأخبار المتقدمة واضحة الدلالة على عمق إيمان عمار وأصحابه وأن الإيمان رافقه طيلة حياته ولا سبيل للشك والتردد في نصرة أحبائه من العترة الطاهرة عليها السلام، وهي أخبار محكمة في مقابل الأخبار المتشابهة التي شككت بعمار وسلمان وأبي ذر، بمقتضى ما دلت عليه الأخبار بأن في أخبارهم محكمات ومتشابهات، ولا بد من عرض المتشابه على المحكم الأخباري، والمتشابه هو ما لا يُعلم وجه الحق فيه، وحيث إن الأخبار الخافضة من مقام عمار ضعيفة سنداً ومضطربة دلالة فلا بد ـــ والحال هذه ـــــ من تقديم الأخبار المحكمة الواضحة في ثبات عمار وأصحابه في ساعة العسرة يوم اعتدى الظالمون على دار أمير المؤمنين عليه السلام، وأخبارهم ككتاب الله تعالى فيه محكم ومتشابه، فالأخبار المحكمة هي التي دلت على ثبات عمار وأصحابه، وأما المتشابهة فهي التي شككت بعمار وصاحبيه سلمان وأبي ذر ولم تستثنِ إلا المقداد، وعند دوران الأمر بين المحكم والمتشابه لا بد من تقديم المحكم على المتشابه بمقتضى قوله تعالى(هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ) آل عمران7 .
 (الجهة الثانية): في استعراض الأخبار الخافضة:
 في مقابل الأخبار الرافعة من شأن عمار التي استعرضناها في الجهة الأولى ثمة أخبار تحط من قدر عمار بن ياسر بل تشكك بإيمانه يوم اقتحم الكافرون الظالمون دار سيّدة نساء العالمين وزوجها الإمام الأعظم أمير المؤمنين عليّ سلام الله عليهما، وتنسب إليه رضي الله عنه أنه حاص حيصةً وقد غسلها يوم شهادته في حرب صفين..! وها نحن نقوم باستعراضها ثم نعالجها في الجهة الثالثة بإذن الله تعالى، فقد روى العلامة المجلسي رحمه الله عدداً من تلكم الأخبار الخافضة ــ بحسب الظاهر ــ من علو قدر عمار بن ياسر، وعدد منها يشير إلى أن الجنة تشتاق إلى ثلاثة من أصحاب أمير المؤمنين سلام الله عليه دون سواهم وهم: سلمان المحمدي ـــ أبو ذر الغفاري ــــ المقداد بن الأسود، وإليكموها بالآتي كما جاء في بحار الأنوار ورجال الكشي للطوسي والإختصاص للمفيد:
  (الخبر الأول):كشف اليقين : أحمد بن مردويه ، عن أحمد بن محمد الخياط ، عن الخضر بن أبان عن أبي هدية إبراهيم عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الجنة مشتاقة إلى أربعة من أمتي ، فهبت أن أسأله من هم ، فأتيت أبا بكر فقلت له : إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : إن الجنة تشتاق إلى أربعة من أمتي فاسأله من هم ؟ فقال : أخاف أن لا أكون منهم فيعيرني به بنو تيم ، فأتيت عمر فقلت له مثل ذلك ، فقال : أخاف أن لا أكون منهم فيعيرني به بنو عدي ، فأتيت عثمان فقلت له مثل ذلك فقال : أخاف أن لا أكون منهم فيعيرني به بنو أمية ، فأتيت عليا وهو في ناضح له فقلت : إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : إن الجنة مشتاقة إلى أربعة من أمتي فاسأله من هم ، فقال : والله لأسألنه فإن كنت منهم لأحمدن الله عز وجل ، وإن لم أكن منهم لأسألن الله أن يجعلني منهم ، وأودهم ، فجاء وجئت معه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فدخلنا على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ورأسه في حجر دحية الكلبي ، فلما رآه دحية قام إليه وسلم عليه وقال : خذ برأس ابن عمك يا أمير المؤمنين ، فأنت أحق به ، فاستيقظ النبي ( صلى الله عليه وآله ) و رأسه في حجر علي ( عليه السلام ) فقال له : يا أبا الحسن ما جئتنا إلا في حاجة ، قال : بأبي  وأمي يا رسول الله دخلت ورأسك في حجر دحية الكلبي فقام إلي وسلم علي وقال : خذ برأس ابن عمك إليك ، فأنت أحق به مني يا أمير المؤمنين ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : فهل عرفته ؟ فقال : هو دحية الكلبي ، فقال له : ذاك جبرئيل فقال له : بأبي وأمي يا رسول الله أعلمني أنس أنك قلت : إن الجنة مشتاقة إلى أربعة من أمتي ، فمن هم ؟ فأومأ إليه بيده فقال : أنت والله أولهم ، أنت والله أولهم أنت والله أولهم ، ثلاثا ، فقال له : بأبي وأمي فمن الثلاثة ؟ فقال له : المقداد و سلمان وأبو ذر.
  (الخبر الثاني):السرائر : موسى بن بكر ، عن المفضل قال : عرضت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) أصحاب الردة فكل ما سميت إنسانا قال : أعزب ، حتى قلت : حذيفة ، قال : أعزب ، قلت : ابن مسعود ، قال : أعزب ، ثم قال : إن كنت إنما تريد الذين لم يدخلهم شئ فعليك بهؤلاء الثلاثة : أبو ذر ، وسلمان ، والمقداد.
  (الخبر الثالث): تفسير العياشي : حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله  إلا ثلاثة ، فقلت : ومن الثلاثة ؟ قال : المقداد و أبو ذر وسلمان الفارسي ، ثم عرف أناس بعد يسير فقال : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) مكرها فبايع ، وذلك قول الله : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " .
  (الخبر الرابع): تفسير العياشي : الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
لما قبض صار الناس كلهم أهل جاهلية إلا أربعة : علي ، والمقداد ، وسلمان ، و أبو ذر ، فقلت : فعمار ؟ فقال : إن كنت تريد الذين لم يدخلهم شئ فهؤلاء الثلاثة.
ملاحظة مهمة: هذا الخبر معارض بخبرين آخرين يدلان على أن سلمان وأبا ذر دخلهما الشك أيضاً إلا المقداد كما سوف ترى.
  (الخبر الخامس): تفسير العياشي : عن أبي جميلة ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما ( عليهما السلام ) قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : إن الله أوحى إلي أن أحب أربعة : عليا وأبا ذر وسلمان والمقداد ، فقلت : ألا فما كان من كثرة الناس أما كان أحد يعرف هذا الامر ؟ فقال : بلى ثلاثة ، قلت : هذه الآيات التي أنزلت : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " وقوله : " أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " أما كان أحد يسأل فيم نزلت ؟ فقال : من ثم أتاهم لم يكونوا يسألون .
  (الخبر السادس):الكافي : العدة ، عن سهل ، عن محمد بن أرومة ، عن النضر ، عن يحيى بن أبي خالد القماط ، عن حمران بن أعين قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) جعلت فداك ما أقلنا ، لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها ، فقال : ألا أحدثك بأعجب من ذلك؟  المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا - وأشار بيده - ثلاثة ، قال حمران : فقلت : جعلت فداك ما حال عمار ؟ قال : رحم الله عمارا أبا اليقظان بايع وقتل شهيدا فقلت في نفسي : ما شئ أفضل من الشهادة ، فنظر إلي فقال : لعلك ترى أنه مثل الثلاثة ؟ أيهات أيهات[ في نسخة: هيهات هيهات].
  (الخبر السادس): رجال الكشي : حمدويه وإبراهيم ابنا نصير ، عن محمد بن عثمان ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : كان الناس أهل ردة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلا ثلاثة فقلت : ومن الثلاثة ؟ فقال : المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، ثم عرف الناس بعد يسير ، وقال : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) مكرها فبايع ، وذلك قول الله عز وجل : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " الآية .
  (الخبر السابع): رجال الكشي : محمد بن مسعود ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن العباس ابن عامر ، وجعفر بن محمد بن حكيم عن أبان بن عثمان ، عن الحارث النضري[ النصري] قال : سمعت عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبد الله ( عليه السلام ) قال : فلم يزل يسأله حتى قال له : فهلك الناس إذا ؟ قال : إي والله يا ابن أعين ، هلك الناس أجمعون ، قلت : من في المشرق ومن في المغرب ؟ قال : فقال : إنها فتحت على الضلال ، إي والله هلكوا إلا ثلاثة ، ثم لحق أبو ساسان وعمار وشتيرة وأبو عمرة ، فصاروا سبعة.
  (الخبر الثامن): رجال الكشي : محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : ارتد الناس إلا ثلاثة : أبو ذر وسلمان والمقداد ؟ قال : فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : فأين أبو ساسان وأبو عمرة الأنصاري .
ملاحظة مهمة: لقد توهم السائل أن الجميع مضوا على الردة ولم يرجعوا إلى نصرة أمير المؤمنين عليه السلام، فردّ عليه الإمام الصادق عليه السلام بالنفي وأن ثلة منهم لم يرتدوا كأبي ساسان وأبي عمرة وعمار وشتيرة وحذيفة كما دلت على ذلك بعض الأخبار...فتأمل.
  (الخبر التاسع): - محمد بن إسماعيل ، قال حدثني الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : جاء المهاجرون والأنصار وغيرهم بعد ذلك إلى علي عليه السلام فقالوا له : أنت والله أمير المؤمنين وأنت والله أحق الناس وأولاهم بالنبي عليه السلام هلم يدك نبايعك فوالله لنموتن قدامك ! فقال علي عليه السلام : ان كنتم صادقين فاغدوا غداً عليَّ محلقين فحلق علي عليه السلام وحلق سلمان وحلق مقداد وحلق أبو ذر ولم يحلق غيرهم.  ثم انصرفوا فجاؤوا مرة أخرى بعد ذلك ، فقالوا له أنت والله أمير المؤمنين وأنت أحق الناس وأولاهم بالنبي عليه السلام هلم يدك نبايعك فحلفوا فقال : ان كنتم صادقين فاغدوا عليَّ محلقين فما حلق الا هؤلاء الثلاثة قلت : فما كان فيهم عمار ؟ فقال : لا . قلت : فعمار من أهل الردة ؟ فقال : إن عماراً قد قاتل مع عليّ عليه السلام بعد .إنتهى، وقد رواه البحار في ج 28 ص236 ح 21. ورواه المفيد في الإختصاص ص 9.
ورد في نسخة بحار الأنوار ج 28 ص239 ح 26 هكذا:" قلت فعمار ؟ قال: قد كان حاص حيصة ثم رجع ".
  (الخبر العاشر): علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام ارتد الناس : الا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد قال : قلت فعمار ؟ قال : قد كان جاض جيضة ثم رجع ، ثم قال : إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شئ فالمقداد ، فأما سلمان فإنه عرض في قلبه عارض ان عند أمير المؤمنين عليه السلام اسم الله الأعظم لو تكلم به لأخذتهم الأرض وهو هكذا ، فلبب ووجئت عنقه حتى تركت كالسلقة ، فمر به أمير المؤمنين عليه السلام فقال له يا أبا عبد الله هذا من ذاك بايع ، فبايع ، وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين عليه السلام بالسكوت ولم يكن يأخذه في الله لومة لائم فأبي الا أن يتكلم فمر به عثمان فأمر به ، ثم أناب الناس بعد فكان أول من أناب أبو سنان الأنصاري وأبو عمرة وشتيرة وكانوا سبعة ، فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين عليه السلام الا هؤلاء السبعة .
   ملاحظة مهمة: الرواية ضعيفة بسيف بن عميرة حيث لا يوجد له توثيق في نسخة النجاشي الخطية حسبما نقل ذلك العلامة السبحاني في التعليقة على كتاب النجاشي، ونحن لم نطلع على المخطوطة، والظاهر صحة الدعوى بما أفاده العلامة المازندراني بأن النجاشي لم يوثق سيف بن عميرة . ونقل العلامة المازندراني في كتابه الرجالي(منتهى المقال ج3 ص434) أن الشهيد في شرح الإرشاد نقل عن بعضهم تضعيف سيف...كما نقل عن بعض آخر قولهم عن سيف بأنه واقفي....
  والحاصل: أن سيف بن عميرة ضعيف عند المتأخرين، وإعراضهم عنه دليل ضعفه، ومهما يكن الحال في سيف، فإننا نحكم على روايته بضعف الدلالة بناءً على مسلكنا الأصولي القائم على حجية الخبر الموثوق الصدور المبتني على تجميع القرائن المنفصلة والمتصلة وهي مفقودة في البين من حيث اضطراب الأخبار الخافضة لعمار ــــــ الذي تأخر عن النصرة إلى ما بعد الظهر ــــ  والخافضة لسلمان وأبي ذر أيضاً الذي تأخر عن النصرة إلى وقت الظهر حسبما دلت عليه مرفوعة أحمد بن محمد بن عيسى المروية في الإختصاص وهي ضعيفة أيضاً لأن المرفوعة بحكم المرسلة، والإرسال أحد أقسام الخبر الضعيف بحسب التقسيم المتداول بين المتأخرين.
  (الخبر الحادي عشر): روى الكليني في الكافي  بإسناده عن عدة من الأصحاب عن سهل عن محمد بن أورمة عن النضر بن يحيى عن أبي خالد القماط عن حمران بن أعين قال « قلت لأبي جعفر عليه السّلام جعلت فداك ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها فقال ألا أحدثك بأعجب من ذلك المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا وأشار بيده ثلاثة، قال حمران فقلت جعلت فداك ما حال عمار قال رحم اللَّه عمارا أبا اليقظان بايع وقتل شهيدا فقلت في نفسي ما شيء أفضل من الشهادة فنظر إلي فقال لعلك ترى أنه مثل الثلاثة أيهات أيهات » . ورواه الكشيي مقتطعاً من طريق صفوان عن أبي خالد القماط عن حمران.
  (الخبر الثاني عشر) : في الإختصاص بإسناده عن حدثنا جعفر بن الحسين المؤمن ، عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى يرفعه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن سلمان كان منه إلى ارتفاع النهار فعاقبه الله أن وجئ في عنقه حتى صيرت كهيئة السلعة حمراء  وأبو ذر كان منه إلى وقت الظهر ، فعاقبه الله إلى أن سلط عليه عثمان حتى حمله على قتب وأكل لحم أليتيه وطرده عن جوار رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأما الذي لم يتغير منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله حتى فارق الدنيا طرفة عين ، فالمقداد بن الأسود لم يزل قائما " قابضا " على قائم السيف عيناه في عيني أمير المؤمنين عليه السلام ينتظر متى يأمره فيمضي .
  (الخبر الثالث عشر): وعن الإختصاص عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم الحضرمي ، عن عمرو بن ثابت قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن النبي صلى الله عليه وآله لما قبض ارتد الناس على أعقابهم كفاراً " إلا ثلاثا " : سلمان والمقداد ، وأبو ذر الغفاري ، إنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله جاء أربعون رجلا " إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقالوا : لا والله لا نعطي أحدا " طاعة بعدك أبدا " ، قال : ولم ؟ قالوا : إنا سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وآله فيك يوم غدير [ خم ] ، قال : وتفعلون ؟ قالوا : نعم قال : فأتوني غدا " محلقين ، قال : فما أتاه إلا هؤلاء الثلاثة ، قال : وجاءه عمار بن ياسر بعد الظهر فضرب يده على صدره ، ثم قال له : مالك أن تستيقظ من نومة الغفلة ، ارجعوا فلا حاجة لي فيكم أنتم لم تطيعوني في حلق الرأس فكيف تطيعوني في قتال جبال الحديد ، ارجعوا فلا حاجة لي فيكم . 
 هذه الأخبار هي عمدة ما دل على خفض درجة عمار بن ياسر رضي الله عنه، بل صريح بعضها أن الناس ارتدوا كفاراً إلا ثلاثة، ما يعني دخول عمار في جملة المرتدين لكنه استقام في نفس يوم الإرتداد...! وفي بعضها أن عماراً تأخر إلى ما بعد الظهر وقد وبخه أمير المؤمنين عليه السلام حسبما ورد في خبر عمرو بن ثابت الوارد في الإختصاص للمفيد ص 6..!. ورواية عمرو بن ثابت ضعفيفة بعمرو .
   والأخبار الخافضة قليلة بالقياس إلى الأخبار المادحة والرافعة من علو قدره، وهل هي متعارضة مع تلكم الأخبار المادحة أم لا ؟ سنجيب على السؤال المتقدم في الجهة الثالثة .
 
 (الجهة الثالثة): والبحث فيها يدور حول كيفية الجمع بين الأخبار ، لذا نقول: إن هذه الأخبار متعارضة مع بعض الأخبار الأخرى الدالة على أن عماراً  كان من الأربعة الثابتين على نصرة الإمام الأعظم أمير المؤمنين عليّ سلام الله عليه، كما أشار غلى ذلك خبر الحارث النضري التي رواها صاحب الكشي  بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال ، عن العباس ابن عامر ، وجعفر بن محمد بن حكيم عن أبان بن عثمان ، عن الحارث النضري قال : سمعت عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبد الله ( عليه السلام ) قال : فلم يزل يسأله حتى قال له : فهلك الناس إذا ؟ قال:" إي والله يا ابن أعين ، هلك الناس أجمعون ، قلت : من في المشرق ومن في المغرب ؟ قال : فقال : إنها فتحت على الضلال ، إي والله هلكوا إلا ثلاثة ، ثم لحق أبو ساسان وعمار وشتيره وأبو عمرة ، فصاروا سبعة ".
  إن التعبير بـ( ثم لحق أبو ساسان وعمار..." دلالة واضحة على أنه لم يتخاذل عن النصرة بل تأخر عنها قليلاً لإعتبارات لم نطلع عليها، ولعلّه من الخوف أو شيء آخر لا ندري حقيقته فلا يستلزم الخدش بإيمانه المطلق بأهل بيت العصمة والطهارة سلام الله عليهم لا سيما أن الرجل كان معروفاً بولائه لأمير المؤمنين وسيّدة نساء العالمين سلام الله عليهما وأنه صلوات الله عليه من السبعة الذين  زكَّاهم الإمام المعظم أبو جعفر عليه السلام كما في رجال الكشي في صحيحة زرارة  بإسناده عن جبريل بن أحمد الفاريابي البرناني ، قال حدثني الحسن بن خرزاد قال حدثني ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، عن أبيه عن جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال :" ضاقت الأرض بسبعة بهم ترزقون وبهم تنصرون وبهم تمطرون ، منهم سلمان الفارسي والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة ( رحمة الله عليهم ) وكان علي عليه السلام يقول : وأنا إمامهم ، وهم الذين صلوا على فاطمة عليها السلام ".
  فعمار ممن صلى على سيِّدة نساء العالمين أرواحنا فداها (ولعن الله ظالمها عمر بن الخطاب) و كان عمار من الابدال الخواص عند أمير المؤمنين علي سلام الله عليهما، فمن البعيد جداً أن يدخل قلبه المبارك ردة عن أمير المؤمنين وزوجته سيّدة نساء العالمين وتجاوز عن نصرتهما..! نعم تحمل الحيصة على معان سوف نذكرها وهي ليست علّة تامة لإخراجه من الدين أو التشكيك بمقامه الرفيع عند الله ورسوله وأهل بيته الطيبين سلام الله عليهم، وعلى فرض التسليم برواية الحيصة فإن فيها من حاص حيصة أيضاً وهما: سلمان وأبو ذر، ولم يسلم منها أو من الشك سوى المقداد كما أشارت رواية أبي بكر الحضرمي وهي التالي:"  عن الكشي بإسناده عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام ارتد الناس : الا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد قال : قلت فعمار ؟ قال : قد كان جاض جيضة ثم رجع ، ثم قال : إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شئ فالمقداد ، فأما سلمان فإنه عرض في قلبه عارض ان عند أمير المؤمنين عليه السلام اسم الله الأعظم لو تكلم به لأخذتهم الأرض وهو هكذا ، فلبب ووجئت عنقه حتى تركت كالسلقة[ كالسلعة] ، فمر به أمير المؤمنين عليه السلام فقال له يا أبا عبد الله هذا من ذاك بايع ، فبايع ، وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين عليه السلام بالسكوت ولم يكن يأخذه في الله لومة لائم فأبي الا أن يتكلم فمر به عثمان فأمر به ، ثم أناب الناس بعد فكان أول من أناب أبو سنان الأنصاري وأبو عمرة وشتيرة وكانوا سبعة ، فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين عليه السلام الا هؤلاء السبعة ". والرواية ضعيفة سنداً بسيف بناءً على حجية الخبر الثقة عند المتأخرين، وأما بناءً على حجية الخبر الموثوق الصدور فلا ريب في ضعفها حتى لو كان سيف ثقةً  كما أشرنا في التعليقة السابقة.
   إذن؛ لم ينفرد عمار بالحيصة التي تعني الإنزعاج والوقوف على الحياد لفترة قليلة، والحيص يختلف بطبيعته عن الإرتداد والكفر كما جاء في الأخبار الأُخرى ، كما أن هناك أخباراً تشير بوضوح بأن عماراً التحق بسلمان والمقداد وأبي ذر، ما يعني أنه تأخر قليلاً  كما تأخر غيره حسبما أشار إلى ذلك الخبر الخامس في مرفوعة محمد بن عيسى عن الإمام الصادق عليه السلام التي رواها الشيخ المفيد في الإختصاص.
  وبعبارة أُخرى: إن روايات التفاضل بين الثلاثة:" سلمان والمقداد وأبي ذر" وبين عمار ليس من باب أن عماراً حاص حيصة، وإنما من باب التفاوت في مراتب الإيمان والإعتقاد بين الجميع، وهو خارج عن موضوع البحث، لأن النزاع قائم حول حيصة عمار وارتداده عن النصرة، وهو أمر اختلطت فيه الأخبار ولم تقتصر الحيصة على عمار فحسب بل شملت حتى سلمان وأبا ذر واستثنت المقداد كما أشار إلى ذلك موثقة أبي بكر الحضرمي المتقدمة، فقد دلت عدة أخبار على أن سلمان وأبا ذر نالهما شيء من التردد والتأخر عن النصرة كما كشفت عن ذلك مرفوعة محمد بن أحمد بن عيسى  فعاقب الله سلمان أن وجئ في عنقه حتى صيّرت كهيئة السلعة حمراء، وأن الله تعالى عاقب أبا ذر بأن سلط عليه عثمان حتى حمله على قتب وأكل لحم إليتيه وطرده عن جوار رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم يفلت من العقاب الإلهي إلا المقداد بن الأسود الحمصي رضي الله عنه.
 وبالجملة: إن عدد الأخبار التي دلت على أن سلمان وأبا ذر وعمار دخلهم الشك وجالوا جولة لم يتجاوز الثلاثة، هي الآتي: موثقة أبي بكر الحضرمي ومرفوعة أحمد بن محمد بن عيسى ومرسلة النضر بن سويد المروية في رجال الكشي بإسناده عن  حمدويه بن نصير ، قال حدثني محمد بن عيسى . ومحمد بن مسعود ، قالا حدثنا جبريل بن أحمد ، قال حدثنا محمد بن عيسى ، عن النضر بن سويد ، عن محمد ابن بشير ، عمن حدثه ، قال ما بقي أحد الا وقد جال جولة الا المقداد بن الأسود فان قلبه كان مثل زبر الحديد .
 وهنا لا بد لنا من تفسير معنى الشك أو الحيصة أو الجولة، فنقول: إن معنى جال جولة هو الإنزعاج في سره إنزعاجة ما وحاد قلبه عن سبيله حيدة ما، ومعنى الحيصة: الإنهزام من العدو... ومعنى الشك: التردد في مقابل اليقين أو ما يعرض على القلب.
   لا ريب في أن الأقطاب الثلاثة: سلمان وأبو ذر وعمار قد عرض عليهم عارضٌ من التعجب والإستغراب والإنزعاج وهو ما دلت عليه الرواية بأنه جال جولة: أي، استغربوا كيف يجر الكافرون المستبدون أميرَ المؤمنين عليه السلام بحمائل سيفة مع ما يعلمه القوم من شدة بطشه وقوته، وهو أمر يدعو للإستغراب للوهلة الأولى، وقد دلت عليه الأخبار كما في رواية الشيخ المفيد في هذا المضمون، فقد روى بإسناده عن  جعفر بن الحسين ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن عمرو ، عن كرام ، [ و ] عن إسماعيل بن جابر ، عن مفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لما بايع الناس أبا بكر أتى بأمير المؤمنين عليه السلام ملببا " ليبايع قال سلمان أتضع ذا بهذا ؟ والله لو أقسم على الله لانطبقت ذه على ذه قال : وقال أبو ذر وقال : المقداد [ والله ] هكذا أراد الله أن يكون ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : كان المقداد أعظم الناس إيمانا " تلك الساعة".
وروى المجلسي خبراً مرسلاً في البحار بإسناده عن رجال الكشي : علي بن محمد القتيبي ، عن جعفر بن محمد الرازي ، عن أبي الحسين ، عن عمرو بن عثمان ، عن رجل ، عن أبي جمزة قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : لما مروا بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) في رقبته حبل إلى زريق ضرب أبو ذر بيده على الأخرى ثم قال : ليت السيوف عادت بأيدينا ثانية ، وقال مقداد : لو شاء لدعا عليه ربه عز وجل ، وقال سلمان : مولاي أعلم بما هو فيه .
   وروى المفيد في الإختصاص فقال:حدثني محمد بن الحسن ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن عيسى ، عن النضر بن سويد عمن حدثه من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما بقي أحد بعد ما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله إلا وقد جال جولة إلا المقداد فإن قلبه كان مثل زبر الحديد .
وحدثنا أحمد بن محمد ، ومحمد بن الحسن ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي القاسم الأيادي ، عن هشام بن سالم قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إنما منزلة المقداد بن الأسود في هذه الأمة كمنزلة ألف في القرآن لا يلزق بها شئ .
  لو سلّمنا جدلاً بصحة صدور هذه الأخبار عن أهل بيت العصمة والطهارة سلام الله عليهم، فلا بدّ لنا من حملها على الأمر الآتي هو : إن المقداد هو الوحيد الذي لم يعرض على قلبه تساؤل، لذا كان أفضلهم في تلك الساعة، بخلاف البقية حيث حصل لهم هذا العارض الطبيعي، ولا يعتبر عيباً فيهم ولا مخالفة شرعية ارتكبوها، ولعله خلاف التسليم المطلق على القاعدة الإبراهيمية على صاحبها آلاف السلام والتحية (رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن ؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي). أو لعلّ ما أصابهم من باب ترك الأولىن أي: كان الأولى لهم التسليم المطلق من دون أي تردد مهما كان نوعه وحقيقته؛ ولعلّ من هذا القبيل ما ورد في تفاوت إدراكاتهم المعرفية وتفاوتهم الإيماني حسبما دلت عليه الأخبار منها ما ورد عن إمامنا المعظم الصادق عليه السلام  قال " : الايمان عشر درجات ، فالمقداد في الثامنة وأبو ذر في التاسعة وسلمان في العاشرة .
  وفي خبر آخر عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال : ذكرت التقية يوما عند علي بن الحسين عليهما السلام فقال : والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ولقد آخا رسول الله صلى الله عليه وآله بينهما ، فما ظنكم بسائر الخلق ، إن علم العلماء صعب مستصعب ، لا يحتمله إلا نبي مرسل  أو ملك مقرب أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان ، فقال : وإنما صار سلمان من
العلماء لأنه امرؤٌ منا أهل البيت ، فلذلك نسبته إلى العلماء .
   وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لسلمان : يا سلمان لو عرض علمك على المقداد لكفر ، يا مقداد لو عرض صبرك على سلمان لكفر .
  إن قيل: إن مقتضى التقسيم الإيماني والمعرفي المتقدم في الأخبار يستلزم أن سلمان وأبا ذر أشد صلابة من المقداد مع أن الأخبار دلت على أن المقداد كان أصلبهم في موقفه يوم الإعتداء على سيدة نساء العالمين سلام الله عليها...!
  قلنا: التفاوت المعرفي والمدركي لا يمنع من أن يكون الأدنى أصلب من الأعلى بقوة الجنان أو أن يكون الأدنى أصبر من الأعلى كما أوضحته الرواية المتقدمة الدالة على أن المقداد أصبر على ملاقاة القوم من سلمان، حيث عُرف عن المقداد شجاعته الكبرى في الحروب ونزال الكافرين بخلاف سلمان حيث لم يُعرف عنه تلك الشجاعة التي اتصف بها المقداد، وهذا التفاوت في مراتب الشجاعة ومنازلة الأعداء لا تخل بإيمان الأعلى الذي هو أقل شجاعة من الأدنى منه...يرجى التأمل. 
   وأما معنى حاص حيصة أو جاض جيضة ــ كما في رواية الكشي ـــ فكلاهما بمعنى واحد وهو طلب الفرار، وكأن عماراً أراد التخلص من المجابهة مع القوم ولكنه عدل واستقام، وهو أمر طبيعي عند ملاقاة الأعداء واستقبال الموت بالأسنة والرماح، ولا عجب في ذلك بعد أن لم يكن معصوماً فعرض عليه هذا العارض ولكنه نفاه بالصبر والتسليم والإسراع إلى نصرة أمير المؤمنين وزوجته الطاهرة الميمونة مولاتنا الزهراء فاطمة سلام الله عليها وهذا ما أكدته بعض الأخبار بأنه ورفقاؤه من الأوتاد الأربعة بل والسبعة الذين بهم يرزق العباد وبهم تمطر السماء كانوا من السابقين لنصرة أهل بيت العصمة والطهارة سلام الله عليهم....وهو ما أكده مولانا الإمام الصادق عليه السلام لما سأله أبو بصير قائلاً: ارتد الناس إلا ثلاثة أبو ذر وسلمان والمقداد ؟ قال : فقال أبو عبد الله عليه السلام :فأين أبو ساسان وأبو عمرة الأنصاري ! . وكأنه استفهام إنكاري على من أخرج من النصرة عماراً وساسان وشتيرة وأبا عمرة الوارد ذكرهم في رواية الحارث بن المغيرة النصري المتقدمة... ولعل تساؤلهم حول ما جرى على إمامهم الأعظم مع ما له من القوة والبطش والقرب من الله تعالى يرجع إلى تساؤلهم عن عدم استعمال أمير المؤمنين لولايته التكوينية، وعلى فرض صحة رواية التأخير عن النصرة فإنه يرجع إلى الخوف أو شيء آخر.. لا يضر بإخلاصهم أو بتوبتهم من التأخر، فإن لكل فارس كبوة....! 
 والحاصل: لو سلمنا بصحة الأخبار الدالة على التفاوت المعرفي والجناني ولا يبعد صحتها، فلا يمنع من أن يكون المقداد أصلب من غيره ، ولكننا لا نطمئن إلى الأخبار القادحة أو الخافضة لعمار وسلمان وأبي ذر من حيث دلالتها على التردد بنصرة أمير المؤمنين عليه السلام باعتبارها أخبار آحاد لا تكاد تسلم واحدة منها من ضعف السند أو اضطراب في الدلالة أو معارضة بأخرى لا سيما ما ورد في رواية سليم رضي الله عنه الدالة بصراحة أن الأربعة كانوا مع أمير المؤمنين عليه السلام يوم الإعتداء عليه وكانوا أعواناً له ولزوجته الصدّيقة الكبرى فاطمة سلام الله عليهما...وهو أمر يفند ما روي من أن عماراً تأخر إلى ما بعد الظهر وأن أبا ذر تأخر إلى الظهر، فرواية سليم نصٌ واضح بأنهم نصروه يوم الإعتداء ولا يهم التأخر القليل ما داموا كانوا حاضرين في ساعة الهجوم على الدار....فالأربعة الأوتاد من أهم الأنصار المخلصين وتبعهم ثلة من أهل الإخلاص لأهل بيت العصمة والطهارة سلام الله عليهم، ودليلنا على ذلك هو المحكم القرآني والنبوي والولوي القائل بأنه هؤلاء ممن وفوا بعهدهم وأخلصوا لأهل البيت عليهم السلام، فمن الكتاب الكريم ما جاء في عمار وأمثاله بقوله تعالى( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) وهذه الآية نزلت في عمار، ومن كان قلبه مطمئناً لا تصدر منه حيصة.
وكذلك ما ورد في الاخبار تفسيراً لبعض الآيات منها أربعة أخبار هي التالي:
  الأول: تفسير فرات بن إبراهيم : علي بن محمد الزهري معنعنا عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قوله تعالى : " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون " قال : هم المؤمنون سلمان الفارسي ومقداد بن الأسود وعمار وأبو ذر رضي الله عنهم ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) لهم أجر غير ممنون.
  الثاني: تفسير فرات بن إبراهيم : عبيد بن كثير معنعنا عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال خلقت الأرض لسبعة ، بهم يرزقون : وبهم يمطرون ، وبهم ينظرون ، وهم عبد الله بن مسعود و أبو ذر وعمار وسلمان الفارسي ومقداد بن الأسود وحذيفة ، وأنا إمامهم السابع قال الله تعالى : " وأما بنعمة ربك فحدث " هؤلاء الذين صلوا على فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .
  الثالث: الاختصاص : أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن إدريس ، عن عمران بن موسى ، عن موسى بن جعفر البغدادي ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن عيسى بن حمزة قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : الحديث الذي جاء في الأربعة ، قال : وما هو ؟ قلت : الأربعة التي اشتاقت إليهم الجنة ، قال : نعم ، منهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار ، قلنا : فأيهم أفضل ؟ قال : سلمان ثم أطرق ثم قال : علم سلمان علما لو علمه أبو ذر كفر .
  الرابع: تفسير علي بن إبراهيم : قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى : " والذين آمنوا وعملوا الصالحات " نزلت في أبي ذر وسلمان ومقداد وعمار ، لم ينقضوا العهد وآمنوا بما نزل على محمد " أي ثبتوا على الولاية التي أنزلها الله " وهو الحق " يعني أمير المؤمنين " من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم "  .
 وغيرها من الأخبار الدالة على نصرة هؤلاء الاربعة ومن تلاهم في الإخلاص التي استعرضنا قسماً منها في الجهة الأولى ....فهذه أخبار محكمة في مقابل الأخبار المجملة أو المتشابهة فيرد علمها إلى أهل بيت العصمة والطهارة سلام الله عليهم...والحمد لله أولاً وآخراً والسلام عليكم.
 
حررها العبد الأحقر محمد جميل حمود العاملي
بيروت بتاريخ 9 شوال 1435هـــ.
 

  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=991
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 08 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29