• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : الفقه .
              • القسم الفرعي : إستفتاءات وأجوبة .
                    • الموضوع : مفهوم التورية في الإسلام وحدُّها الشرعيّ .

مفهوم التورية في الإسلام وحدُّها الشرعيّ

الإسم:  *****
النص: السلام عليكم مولانا آية الله المحقق الشيخ محمّد جميل حمّود العاملي...
نودّ عن نسألكم عن ما يسمى بــ \"التورية\".. ما المقصود بالتورية شرعًا؟ وما هي الموارد التي يُسمح فيها باستخدامها؟ وهل يجوز استخدامها بين المؤمنين؟ ألا تعتبر نوعًا من التدليس وإخفاء النوايا والواقع عن المؤمن؟..
نرجو منكم التفصل علينا برأيكم في الموضوع.. سائلين المولى لكم دوام السداد والتوفيق بحق الحق والقائل بالصدق محمّد وآله الطاهرين


الموضوع الفقهي: مفهوم التورية في الإسلام وحدُّها الشرعيّ.

بسمه تعالى

السلام عليكم ورحمته وبركاته
     التورية شرعاً هي أن يريد المتكلم بلفظٍ معنىً مطابقاً للواقع ولكنه قصد من إلقائه أن يفهم المخاطب منه خلاف ذلك مما هو ظاهر فيه عند مطلق المخاطب أو المخاطب الخاص كما لو قلت في مقام إنكار ما قلته في حق أحد:(علم الله ما قلته) وأردت بكلمة"ما" الموصولة وفهم المخاطب من "ما" النافية، وكما لو استأذن رجل بالباب فقال الخادم له:( ما هو ها هنا) وأشار إلى موضع فارغ في البيت...وكما لو قلت:" اليوم ما أكلت الخبز" تعني بذلك حالة النوم أو حالة الصلاة..وغير ذلك فلا ينبغي الإشكال في عدم كونها من الكذب، ولذا صرح المشهور من وجوب التورية عند الضرورة حتى لا يقع في الكذب، والتورية ليست من الكذب وذلك لأن الخبر باعتبار معناه وهو المستعمل فيه المتكلم كلامه ليس مخالفاً للواقع وإنما فهم المخاطَب فهم من كلامه أمراً مخالفاً للواقع لم يقصده المتكلم من اللفظ، نعم لو ترتب عليها مفسدة حرمت من تلك الجهة لا من جهة التورية فإن التورية بما هي تورية لا مفسدة فيها، وترتب المفسدة على التورية على نحوين:    (النحو الأول): ما لو أوجبت التورية الإغراء في القبيح كما لو قال المتكلم:" شربت الخمر: وهو يقصد الخمر الطاهر ناوياً به الشاي أو الخل باعتبارهما يشبهان الخمر من حيث لونه الأحمر فهو قصد الشاي أو الخل ولم يقصد الخمر الواقعي وهو المسكر ولكنه بكلامه أغرى المخاطب بالخمر الواقعي فلربما يقدم السامع على شرب الخمر حيث استفاد من الخمر معناها الظاهري وهو الإسكار فتحرم التورية حينئذٍ لإتحاد الملاك في الكذب والتورية.
 (النحو الثاني): ما لو أوجب الإسترسال بها المؤدي إلى الكذب بحيث يسترسل بالتورية حتى لا يكاد يصدق في كلمة وهو أمر يوجب الغش بالقول وهو محذور شرعاً.
  والمطلوب في مفهوم التورية هو الإضطرار ورفع الحرج ولا يخفى أن الإسترسال خلاف الضرورة ورفع الحرج المطلوب في مفهوم التورية فتحرم من هذه الناحية، وما أشرنا إليه من جواز التورية وسلب الكذب عنها هو ما جاء في الكتاب الكريم وأخبار أئمتنا الطاهرين عليهم السلام فقد جاء في خبر الإحتجاج للطبرسي رحمه الله تعالى أنه سُئِل الإمام الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل في قصة غبراهيم على نبينا وآله وعليه السلام(بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون) قال: ما فعله كبيرهم وما كذب إبراهيم، قيل: وكيف ذلك؟ فقال: إنما قال إبراهيم: فاسئلوهم إن كانوا ينطقون أي إن نطقوا فكبيرهم فعل، وإن لمينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئاً وما كذب إبراهيم عليه السلام.
  وسئل الإمام أبو عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى في يوسف(أيتها العير إنكم سارقون) قال: إنهم سرقوا يوسف من أبيه ألا ترى انهم قالوا:(نفقد صواع الملك) ولم يقولوا سرقتم صواع الملك.
  وسئل الإمام الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل حكاية عن إبراهيم عليه السلام(إني سقيم) ؟ قال عليه السلام: ما كان إبراهيم سقيماً وما كذب إنما عنى سقيماً في دينه أي مرتاداً). ومعنى مرتاداً أي طالباً للحق، والإرتياد لغةً هو الطلب، فارتاد الشيء أي طلبه.
  وفي مستطرفات السرائر لإبن إدريس الحلي من كتاب إبن كثير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يُستأذن عليه فيقول للجارية: قولي ليس هو ها هنا، فقال عليه السلام: (لا بأس ليس بكذب.).
 والله الموفق للصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل والسلام عليكم ورحمته وبركاته.
 

حررها العبد محمد جميل حمود العاملي ــ بيروت بتاريخ12 شوال 1433هــ.


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=568
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 08 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 7