الإختلاف في الأحاديث الصادرة عنهم موردها خاص في ظرف التقية لا يصح العمل بها في غير التقية..
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة المرجع الديني الكبير الفقيه المحقق اية الله الشيخ محمد جميل حمود العاملي دام ظله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ادامكم الله لنصرة الدين والمذهب
سماحة المرجع سؤالي إليكم مع رجاء الجواب والرد على المسالة التالية
عن حديث مولانا الامام الصادق عليه السلام وبقية الائمة سلام الله عليهم تبين أنهم كانوا يلقون الخلاف بين الشيعة والاتباع ليظهروا أمام الفرق الأخرى مختلفين متناقضين مثال ما ورد في الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - باب اختلاف الحديث الصفحة ٦٥
زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن مسألة فأجابني ثم جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ثم جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي فلما خرج الرجلان قلت يا بن رسول الله رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه فقال يا زرارة إن هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم قال ثم قلت لأبي عبد الله عليه السلام شيعتكم لو حملتموهم على الأسنة أو على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين قال فأجابني بمثل جواب أبيه .
محل الاشكال من الرواية ان مقصد الامام عليه السلام ان يَكْذِب المسلمين الشيعة في النقل عن اهل البيت عليهم السلام فيكذب أبي بصير ويكذب زرارة بن أعين ومؤمن الطاق وغيرهم من الاصحاب الاجلاء والرواة
فتكذيب الشيعة مقصد من مقاصد الامام عليه السلام لأنه لو أراد أن نصدقهم لكانوا على قول واحد في نقلهم عن الامام عليه السلام
وهذا الذي حصل من توجيه وفعل الامام بالقاء الاختلاف بين الشيعة
كل المخالفين علماء وقضاة و مؤرخين وعوام يكذبون ويردون قول الشيعة في النقل عن اهل البيت عليهم السلام ولا يصدقون الشيعة ولا يعتقدون أنهم موالين لاهل البيت
وهذا عاد بالضرر على هوية وكيان التشيع
وهذا بحد ذاته خلاف لأعتقاد اللطف في الامامة الالهية
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموضوع الفقهي: (الإختلاف في الأحاديث الصادرة عنهم موردها خاص في ظرف التقية لا يصح العمل بها في غير التقية..).
بسم الله الرّحمان الرَّحيم
وعليكم السلام ورحمته وبركاته
الجواب: الرواية التي أشرتم إليها موردها هو التقية في بيان الحكمين المختلفين على موضوعٍ واحدٍ، فلا يصح الإعتماد في بيان الحكم الواقعي على ما كان من باب التقية لأنها حكم خاص في ظرف خاص يبيّنه الإمام عليه السلام لمصلحة البقاء والحفاظ على المؤمنين من الأعداء، وهو ما كشفت عنه النصوص الكثيرة، فقد جاء في الكافي ج 1 ص 65 بإسناده عن محمد عن ابن عيسى عن محمد بن سنان عن نصر الخثعمي قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السّلام يقول: من عرف إنَّا لا نقول إلا حقاً فليكتف بما يعلم منا فإن سمع منا خلاف ما يعلم فليعلم أن ذلك دفاع منا عنه .
فقوله عليه السلام:" دفاع منا" أي لأجل مصلحة تتعلق به وهي دفع الفتنة والضرر المتوجه إليه وإلى الشيعة بشكلٍ عام..وبتفسير آخر لقوله عليه السلام" فليكتف بما يعلم منا فإن سمع منا خلاف ما يعلم فليعلم أن ذلك دفاع منا عنه.." يعني: لا يريبكم في أمرنا اختلافنا في الأجوبة فإنما ذلك للمصلحة وهي التقيه لأجل خلاصكم.
وورد مثله في الكافي أيضاً روى عن علي عن أبيه عن عثمان والسراد جميعاً عن سماعة عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه كيف يصنع ؟ قال: يرجئه حتى يلقى من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه » .
قوله عليه السلام : " كيف يصنع " أي في هذه الصورة وبم يقول ويفتي فيها أو بم يعمل والأخير أظهر حيث لم يبين وجوه الترجيح فيحمل على المقلِّد لا على المفتي وقوله: " يرجئه " أي يؤخر العمل والأخذ بأحدهما أو يؤخر في الترجيح والفتيا وقوله " حتى يلقي من يخبره " أي من أهل القول والفتيا فيعمل حينئذ بفتواه، أو من أهل الرواية فيخبره بما يرجح إحدى الروايتين على الأخرى فيقول ويفتي بالراجح، ويحتمل أن يكون المراد بمن يخبره الحجة وذلك في زمان ظهور الإمام القائم الحجة عليه السلام، وقوله: " فهو في سعة حتى يلقاه " أي في سعة في العمل حتى يلقى من يعمل بقوله أو من يروي ما يرجح به إحدى الروايتين فيفتي بالراجح..ويؤكده ما جاء في خبر آخر في الكافي عن عثمان عن الحسين بن المختار عن بعض أصحابنا عن الإمام أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: أرأيتك لو حدثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بأيهما كنت تأخذ ؟ قال: قلت كنت آخذ بالأخير فقال لي " رحمك الله" .
وجه الأخذ بالأخير أن بعض الأزمنة يقتضي الحكم بالتقية للخوف الذي فيه وبعضها لا يقتضيه لعدمه، فالإمام عليه السّلام في كل زمان يحكم بما يراه المصلحة في ذلك الزمان فليس لأحد أن يأخذ في العام بما حكم به في عام أول وهذا معنى قوله عليه السّلام في الحديث الآتي" إنَّا واللَّه لا ندخلكم إلا فيما يسعكم".
وفي الكافي ج1 / 67 عنه عن أبيه عن ابن مرار عن يونس عن داود بن فرقد عن المعلى بن خنيس قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام إذا جاء حديث عن أولكم وحديث عن آخركم بأيهما نأخذ ؟ فقال: خذوا به حتى يبلغكم عن الحي، فإن بلغكم عن الحي فخذوا بقوله، ثم قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام"إنا واللَّه لا ندخلكم إلا فيما يسعكم" وفي حديث آخر في الكافي ج 1 ص 67 :" خذوا بالأحدث " .
وأخبار التقية لا يُبتني عليها حكمٌ واقعيٌّ بحيث يعمل بها المكلف في غير زمن التقية، بل إن أخبار التقية في مقام بيان حكم إضطراري مؤقت في ظرفٍ زمنيٍّ خاص لحقن الدماء الشيعية البريئة، والحكم الإضطراري لا يصح العمل به في التكاليف الشرعية ما دامت هناك فسحة للعمل بالحكم الواقعي أو الظاهري الثابت بالأدلة الشرعية، لذا لا يصح لأيٍّ كان أن يحلل الشيعة من الأحكام الواقعية لمجرد وجود أخبار في الكافي وبقية مصادر الحديث تصرح بوجود أحكام صادرة عن تقية أو أنها متشابهة في معانيها، فلا بدّ للفقيه أن يعالج الروايات بقواعد التعادل والتراجيح المنصوص عليها في الأخبار، كما يجب عليه أن يحيل المتشابه إلى المحكم..وإلا لأدى ذلك إلى خلط الحق بالباطل والصحيح بالفاسد، ولأدى إلى الهرج والمرج في التكاليف الشرعية..فليتأمل ويتدبر العالم والمتعلم بما قلنا ففيه الرشاد والفلاح.
عبد الإمام الحجة القائم من آل محمد عليهم السلام
محمد جميل حمود العاملي/ بيروت/ بتاريخ 19 صفر
1446 هجري/الموافق 2025 ميلادي.