حرمة رد كل خبر يتوافق مع الكتاب والسنة الطاهرة حتى ولو كان موافقاً للمخالفين
الإسم: *****
النص: باسمه تعالى، السلام على المجاهد الذائد ورحمة الله وبركاته
غير خفي على ذي لب مضي ورود حرمة رد الأخبار والآثار التي تنسب الى المعصومين سلام الله عليهم أجمعين، وبيان هذه الحرمة بعدة ألفاظ في عدة روايات صحاح حسان معتبرة، فما وجه إنصراف هذه الحرمة -أي حرمة تكذيب الحديث او رد الرواية وانكارها- عن روايات العامة العمياء مع العلم بأنه ورد في بعض الروايات \"لا تكذبوا بحديث آتاكم مرجئي ولا قدري ولا خارجي نسبه إلينا فإنكم لا تدرون لعله شئ من الحق فتكذبوا الله عز وجل فوق عرشه\"
أزيلوا عنا الوشاح أنار عليكم من علومه الصباح
الموضوع الفقهي: حرمة رد كل خبر يتوافق مع الكتاب والسنة الطاهرة حتى ولو كان موافقاً للمخالفين.
بسمه تعالى
السلام عليكم ورحمته وبركاته
وجوابنا على سؤالكم الكريم هو الآتي:
جاء في أخبار كثيرة أوردها الصفار في آخر كتابه الكريم" بصائر الدرجات" وكذلك روى المحدّث المجلسي الجمّ الغفير من هذه الأخبار في بحاره ج2ص182باب 62من كتاب العلم، وكلها تشير إلى حرمة نبذ أخبارهم الشريفة، والمتدبر لبقية أخبارهم لعلَّه يصطدم بالكثير مما جاء فيها من التعبير برد أخبارهم إلى كتاب الله فما وجِدَ له شاهد من كتاب الله تعالى يجب الأخذ به وإلا فليعُرض على أخبار العامة العمياء، فإن كان موافقاً لها فردوه وما خالفها فخذوه...فثمة طائفتين من هذه الأخبار، طائفة تأمر بالأخذ بأخبار المخالفين وهم القدريون والمرجئون والخارجيون..وطائفة تنهى، ما يستلزم التعارض البدوي بين الطائفتين، ولعلَّ نظركم المبارك نظر إلى هذه الناحية التي لا بدَّ لنا من علاجها حتى لا يختلط الحق بالباطل بسبب الأخبار الآمرة بالأخذ بأخبار المخالفين، وهنا ندلو بدلونا لنستقى من ماء آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين فنقول: إن كلا الطائفتين لا يستهان بأخبارها الكثيرة فلا يمكن طرحها بالكلية ولا الأخذ بها بالكلية بل يجب التنقيح والتمحيص على الجادة الوسطى والنمرقة العليا وبالتالي فلا بد من الجمع بين الطائفتين عبر الوجوه الآتية:
(الوجه الأول): أن تحمل الأخبار الآمرة بطرح الموافق للعامة على أحكام الفقه التشريعي المخالف لأحكام العترة الطاهرة عليهم السلام شريطة أن لا يكون الخبر المنسوب إليهم ليس له شاهد من كتاب الله تعالى وإلا فلا يجوز رده لمجرد موافقته لأخبار العامة.
(الوجه الثاني): أن تُحمَل الأخبار الآمرة بطرح الموافق للعامة على الأحكام العقدية، فكل خبر منسوب إلى الأئمة الطاهرين عليهم السلام ليس له شاهد من كتاب الله تعالى والسنة الشيعية ودليل العقل، لا بدَّ من عرضه على أخبار العامة فإن كان هذا الخبر موافقاً للعامة فيجب رده بسبب الموافقة للعامة وليس له شاهد من الكتاب والسنة الشيعية ودليل العقل كأخبار السهو والعصيان المنسوبة إلى الأنبياء والأوصياء والأولياء المطهرين عليهم السلام.
(الوجه الثالث): أن تحمل الأخبار الآمرة بطرح الموافق للعامة على الأخبار التاريخية التي لها شاهد من كتاب الله والسنة الشيعية، نظير الأخبارالموجود في مصادرنا النافية لظلامة الصدّيقة الكبرى سيدة النساء عليها السلام أو الأخبار النافية لفضائلها وبعلها وأولادها الطاهرين عليهم السلام..فهذه أخبار يجب رفضها وإنْ نسبت إلى أئمتنا الطاهرين عليهم السلام،فإن إنتسابها إليهم لا يوجب الأخذ بها لمجرد كونه إنتساباً بل يجب أن تكون موافقة للكتاب الذي نزه أهل البيت عليهم السلام عن الشين والرين، ويجب أن تكون موافقة للسنة العلوية التي أفاضت بذكر ظلاماتهم وكروبهم ومصائبهم.
(الوجه الرابع): أن تحمل الأخبار الآمرة بطرح الموافق للعامة على أخبار الفضائل كالكرامات والمعاجز والمناقب النفسية والروحية لهم صلوات الله عليهم، فكل خبر منسوب إليهم يدل على نفي الفضيلة عنهم وكان موافقاً للعامة النافين عن أهل البيت العصمة والطهارة فهو مردود..نعم الأخبار الموافقة لأخبارهم المثبتة للفضائل يجوز الأخذ بها بل يجب باعتباره موافقاً لأخبارنا الدالة على ذلك، ولعلّ الأخبار مصبها هذا النحو من الأخبار على وجه الخصوص وإن كان لعموم الوجوه وجه وجيه ايضاً، وهو ما أشار إليه الخبر الذي استشهدتم به في سؤالكم الكريم.
هذه أهم وجوه الجمع بين الأخبار المانعة والجامعة ومنها أخبار :(لا تكذبوا بحديث أتاكم به مرجئي..) وهي تشمل كل الوجوه كما أشرنا وهو ما أكدته الأخبار الشريفة بأن أمرهم صعب مستصعب لا يحتملهإلا ملك مقرب أو نبيٌّ مرسل أو عبد امتحن الله قلبه بالإيمان..ويبقى السؤال يحوم حول العلَّة التي من أجلها يحرم ردّ الأخبار الشريفة حتى ولو كان في بعضها أسناد عامي شريطة عدم مخالفتها للعقل والكتاب الكريم والسنة القطعية، ونحن بتوفيق الله تعالى ظهر لدينا بعض الوجوه التالية هي:
(الوجه الأول): لعلّ سبب حرمة رد كل خبر قابل للتأويل هو أن لا يتجاسر المؤمنون على أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام فيطرحون كلَّ خبر لا يتوافق مع عقولهم الضعيفة وأفهامهم النحيفة ومداركهم السخيفة فياخذون ما يعجبهم ويتركون ما لا يفهمون ولا يفقهون.
(الوجه الثاني): إن ردَّ الخبر الضعيف يؤدي إلى الردّ على الأئمة الأطهار عليهم السلام كما يشير إلى ذلك صحيحة أبي عبيدة الحذاء المروية في أصول الكافي ج2ص223باب الكتمان ح7 حيث دلت على كفر منكر الحديث المنسوب إليهم لا لشيءٍ سوى لأن المنكر لم يتحمله للوهلة الأولى، ولو كان إنكاره مبنياً على قاعدة سليمة وهي مخالفته للكتاب والسنة وحكم العقل السليم لهان الخطب وسهل الأمر، ولكن إنكاره مبنيٌّ على القياس والذوق العقلي الإستحساني، فالمنكر كافر شريطة أن يكون الخبر موافقاً للكتاب والعقل وإلا فإن المخالف للعقل السليم والكتاب الكريم لا بدَّ من رده إلى أهله كما أمرونا في الأخبار الأخرى، ولو كان المراد هو الأخذ بكلِّ خبر لانتفت حينئذ فائدة عرض الخبر على الكتاب والسنة المطهرة القطعية وأخبار العامة، فمن خلال التدبر في أخبار العرض يتضح بأن ردَّ الخبر مشروط بما ذكرنا ولا يجوز قبوله مطلقاً بلا قيدٍ أو شرط..يرجى التأمل فإنك من أهله.
(الوجه الثالث): إن الدين لا يقاس بعقول الرجال كما جاء في الخبر الشريف عنهم صلوات الله عليهم، والأخبار الناهية عن ردّ الأخبار محمولة على العمل بالقياس والإستحسان.
هذا آخر ما أردنا شرحه وتوضيحه بشكلٍ مختصر عبر قواعد الترجيح المقررة بما رزقنا الله تعالى فهمه وإستنباطه، والله تعالى حسبنا ونعم الوكيل، والسلام عليكم ورحمته وبركاته.
كلبهم الباسط ذراعيه بالوصيد/عبدهم الفقير إليهم محمد جميل حمود العاملي ــ بيروت بتاريخ 16 ذي القعدة 1433هـ.
