متى يبدأ وقت النهار ؟ هل يبتدئ ببزوغ الفجر الصادق أو بظهور الحمرة المشرقية..؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سماحة الشيخ دام ظلكم
متى تبدأ أعمال يوم عرفة هل بعد صلاة الصبح ام بعد شروق الشمس اي حسب مبنى سماحتكم متى يبدأ اليوم؟
القسم الفقهي: (متى يبدأ وقت النهار ؟ هل يبتدئ ببزوغ الفجر الصادق أو بظهور الحمرة المشرقية..؟)
بسمه تعالى
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الجواب: تبدأ أعمال يوم عرفة بعد زوال الشمس أي عند الظهر، ويغتسل قبل الظهر ليزور الإمام سيّد الشهداء عليه السلام ثم بعد الزوال يشرع في الصلوات الخاصة بيوم عرفة وثم يشرع في الدعاء..ولا علاقة لبداية يوم عرفة هل هو من الفجر الصادق او شروق الشمس، فأعمال يوم عرفة خارجة حكماً وموضوعاً عن دائرة الخلاف الحاصل بين الفقهاء حول تحديد بداية أول النهار ما دامت أعمال يوم عرفة على قسمين:
الاول: قبل الزوال كالغسل لزيارة إمامنا المعظّم سيّد الشهداء صلى الله عليه وآله.
الثاني: الصلاة الخاصة والأدعية بعد الزوال في يوم عرفة، لا سيّما دعاء الإمام المعظم أبي عبد الله الحسين صلى الله عليه وآله المعروف بدعاء عرفة.
متى يبدأ النهار؟ والجواب: إن الفقهاء اختلفوا في تحديد بداية النهار هل هو من بزوغ الفجر الصادق أم أن بدايته بشروق الشمس؟
والمتفق عليه بين الفلكيين أن بداية النهار هو بشروق الشمس وقد وافقهم فريق من فقهاء الشيعة ولكنهم قالوا بأن بدايته بمجرد ظهور الحمرة المشرقية؛ فهذا الفريق من الفقهاء اتفق مع الفلكيين في شروق الشمس، إلا أن الخلاف الحاصل بينهم هو في بداية الشروق هل هو بمجرد ظهور الحمرة المشرقية أم بشروق قرص الشمس..
بينما الفريق الثاني من الفقهاء - وهو المشهور عند فقهاء الإمامية - يميل إلى أن بداية النهار إنما هو ببزوغ الفجر الصادق وهو الأقوى عندنا أيضاً...فالخلاف في بداية النهار على قسمين: وضعي وشرعي؛ فالوضعي هو للفلكيين وجماعة من فقهاء الشيعة غير المحصلين؛ بينما الشرعي هو للمشهور من فقهاء الإمامية.
والأدلة على أن بداية النهار هو بزوغ الفجر الصادق كثيرة نختزلها بالأمور التالية:
( الامر الأول): ليس هناك روايات تحدد بداية النهار ببزوغ الشمس، ودعوى: أن صلاة الفجر مستقلة بوقتها من الفجر الصادق الى ظهور الحمرة المشرقية - بمعنى أن صلاة الفجر مستقلة لوحدها عن بقية الصلوات الأربعة ومنفردةٌ عن التقسيم الخماسي بدايته الفجر الصادق ونهايته صلاة العشاء - لا تصلح أن تكون دليلاً شرعيّاً يُحتج به في مقام الإثبات، وذلك لوجهين هما الآتيان:
(الوجه الاول): الدعوى المذكورة تخالف الأخبار المقسِّمة لتوسط الصلاة الوسطى بين الليل والنهار وهي الظهر أو العصر الواقع أحدهما بين صلاة الفجر والعشاء، فلو كان وقت صلاة الفجر عند شروق الشمس لأدى ذلك الى إنتفاء الفائدة من ذكر صلاة الفجر التي شددت على أهميتها الأخبار ، وأنها عند بزوغ الفجر قبل الشروق وليس عند الشروق، ولا يطلق الفجر عرفاً وشرعاً ولغةً على صلاة الصبح بعد شروق الشمس..فلو لم تكن صلاة الفجر هي بداية النهار لكانت صلاة العشاء واقعة في وسط الليل وهو يناهض اللغة والعرف والشرع...وهذا يعني أن بزوغ الفجر هو بداية النهار..يرجى التأمل.
(الوجه الثاني): إن للفجر خصوصية وهي امتحان المؤمن بالقيام من نومه جهاداً للنفس الأمّارة بالسوء من جهة، ولأن الأرزاق تقسم بين طلوع الفجر الصادق وبين ظهور الحمرة المشرقية من جهة أخرى.
فظهور الحمرة المشرقية هي بداية إشتداد نور الشمس حيث يبدأ النهار ببياض ثم بحمرة ثم بصفرة.
وبعبارةٍ أخرى: إن الفجر الصادق هو: ضوء الصباح الذي يسبق طلوع الشمس، وبوضوح نور الفجر الصادق( الخيط الأبيض الأفقي لا العامودي الملتوي كذنَب السرحان أي الذئب ) يصبح متميّزاً عن ظلمة الليل وهو( الخيط الاسود)، فالفجر الابيض - الذي هو ضوء الصباح سمي بذلك لإنصداع الظلمة من نور الصبح - هو بداية للحمرة المشرقية، والحمرة بداية للصفرة التي هي ظهور شعاع الشمس الأصفر الذهبي .
( الأمر الثاني): إن القرآن الكريم وضّح لنا نهاية الليل عند الصيام وهو تميّزه بالنور الابيض الذي ينهي ظلمة الليل لكي يبدأ يوم جديد، قال تعالى:(..وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام الى الليل) فالآية حددت وقتين للصوم: بداية وهو الفجر الصادق، ونهاية هي: ذهاب شعاع الشمس الأحمر وهي الحمرة المشرقية بعد مغيب الشمس عند الغروب، ولا تعني الحمرة المشرقية بعد الفجر الأبيض الصادق أنها هي البداية للنهار، بل الحمرة متفرعة عن النور الأبيض، ولا ملازمة شرعاً وعقلاً وعرفاً بين طلوع الشمس وبين دعوى كونها بداية للنهار، بل الملازمة متحققة عند مغيب قرص الشمس بذهاب حمرتها المشرقية عند الغروب..
إشكال وحلّ:
مفاد الإشكال: إن هناك مَن يدّعي : بأن الفجر حالةٌ ثالثة زائدة على الليل والنهار فيحصل لدينا ثلاثة أوقات: ليل/ نهار/ وفجر صادق فينحل الإشكال حول بداية النهار..!! فماذا تقولون؟
والحلّ من وجوهٍ ثلاثة هي:
(الوجه الاول): إن التفصيل المتقدم ليس عليه دليل قطعي، فضلاً عن دليلٍ ظني، فالتفصيل الآنف الذكر هزيل وهو كخرط القتاد،!.
(الوجه الثاني): إن الدعوى الآنفة الذكر تتوافق مع المبنى الفلكي القائل إن بداية النهار هو بشروق الشمس، ولا خير في أقوال الفلكيين وأقيستهم التخريبية.
(الوجه الثالث):نحن نجزم بضرسٍ قاطع: أن البياض عند طلوع الفجر ليس حالةً ثالثة، إذ ليس في المصادر اللغوية والفقهية شيءٌ إسمه حالة ثالثة يعبّر عنها بالفجر الصادق، فمن أين جاء به الزاعمون يا تُرى..!
وبعبارةٍ أخرى: ليس لدينا حالة ثالثة تختلف بطبيعتها عن الليل والنهار - وذلك لأن الكون المادي والبرزخي فيهما ليل ونهار فقط، قال تعالى: ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربّكم ولتعلموا عدد السنين والحساب...) الإسراء ١٢. وقال أيضاً( وهو الذي جعل الليل والنهار خِلفةً لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكوراً) الفرقان ٦٢. - بل إن الفجر الصادق هو نهاية الليل وبداية للنهار.. فهو امتداد لظهور الشمس، كما أنه حالة طبيعية من لوازم حركة الشمس، وليس حالةً إستثنائية تختلف بطبيعتها التكوينية عن الليل والنهار، بل الفجر الصادق هو حالة طبيعية لظهور الشمس تدريجياً: أبيض/ أحمر/ أصفر..
ونكرر القول: بأن الفجر الصادق هو إمتداد لحركة الشمس مختلف قليلاً عن الغروب المتحقق بظهور الحمرة المشرقية التي تستلزم ذهاب النهار وحلول الظلام أي الليل، والسر في حدوث الحمرة المشرقية المتأخرة عن بياض الفجر الصادق قبل ظهور الشمس هو لأجل أن الفجر الصادق مسبوق بظلمة الليل، فكان من اللازم أن يسبق البياضُ الحمرةَ المشرقية عند إرتفاع قرص الشمس إلى الأفق، فالفجر الصادق متقدّم على الحمرة المشرقية عند الصباح، وهذا بعكس الحمرة قبل غروب قرص الشمس، فإنها مقدمة وتمهيد لظهور الليل، وبالتالي فلا بياض قبل مغيب قرص الشمس، ذلك لأن الغاية والحكمة من البياض هي لإنصداع الظلمة بنور الفجر، وحيث لا ظلمة في النهار - إذاً - لا بياض ساعتئذٍ، وذلك لأن البياض لأجل إمحاء ظلمة الليل....فالفجر الصادق هو ذلك الضوء الابيض الذي يبدأ بالظهور أفقياً ويلمع من جهة طلوع الشمس أكثر منه من بقية الجهات الأخرى المحيطة به حيث يبدأ ضوؤه بالظهور كمقدمة لظهور الحمرة المشرقية التي هي مقدمة لظهور قرص الشمس..فتأملوا فإنه دقيق.
( الأمر الثالث): لو كان ظهور الشمس هو بداية النهار، لكان الله تعالى أمرنا بالصيام عند طلوع الشمس، وحيث إنه لم يأمرنا بذلك، بل أمرنا بالصوم من بزوغ الفجر، وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على أن بداية النهار هو الفجر الصادق وليس ظهور الشمس..!!.
( الامر الرابع): إن أكثر الموارد الفقهية في شتى العبادات والمعاملات - إلا النادر منها حيث لا يتأسس عليه حكم عام - تحدّد لنا بداية النهار الذي يبدأ ببزوغ الفجر الصادق وليس بظهور الحمرة المشرقية أو ظهور قرص الشمس، والأمثلة عديدة منها: ١- وقت غسل يوم الجمعة يبدأ من بزوغ الفجر الصادق وينتهي أداءً بحلول الزوال .
٢ - تحديد أيام الحيض يبتدئ بالفجر الصادق بمعنى ان الحائض تحسب بداية اليوم من أيام حيضها ببزوغ الفجر الصادق وليس من ظهور الحمرة المشرقية.
٣ - نية الإقامة عشرة أيام في السفر يبتدئ كل يوم فيها بالفجر الصادق.
٣- المتردد في الإقامة ثلاثين يوماً في بلد غير موطنه يقصّر ثم بعد الثلاثين يتم صلاته.. وتُحسب أيام التردد من الفجر الصادق وليس من ظهور الحمرة المشرقية.
٤ - أيام شهر صيام رمضان تحسب من الفجر الصادق.
٥ - الإصباح جنباً متعمداً بعد الفجر الصادق في أيام شهر رمضان يبطل الصوم.
٦ - خيار الفسخ في شراء الحيوان يشترط فيه الإمهال ثلاثة ايام، يبدأ اليوم من الفجر الصادق.
٧ - بلوغ الفتاة والذكر يُحسب من الفجر وليس من شروق الشمس.
وغير ذلك في الكثير من الموارد الفقهية التي تقدّر بالأيام، ومبدأ اليوم هو الفجر الصادق.
وبهذا يتضح: أن بداية اليوم هو بزوغ الفجر الصادق ومنتهاه ظهور الحمرة المشرقية.
(الامر الخامس):إن القدر المتيقن بضميمة قاعدة الإحتياط في حال الشك ببداية أول اليوم المردد بين بزوغ الفجر الصادق وبين ظهور الحمرة المشرقية، هو البناء على الإحتياط بالشروع من وقت بزوغ الفجر الصادق، وليس بشروق الشمس، ولا مجال للعمل بأصل البراءة لكلتا الجهتين( جهة بداية النهار ببزوغ الفجر الصادق، وجهة أن بداية النهار هو بالحمرة المشرقية أو شروق الشمس)، كما لا يمكن إجراء أصل البراءة لأحدهما إلا بدليل معتبر كآية أو رواية، وقد أثبتنا الآية وذكرنا جملةً من الشواهد والقرائن المتفرقة في ابواب الفقه الشيعي.
والله تعالى يتولّى الصالحين والحمد لله ربّ العالمين اللهم صلّ على النبيّ محمد وآله الحجج المطهرين.
عبد الحجج الاطهار عليهم السلام
محمد جميل حمود العاملي
بيروت بتاريخ ٢٠ صفر ١٤٤٢ هجري قمري.