متى توفت سيدتنا المعظّمة الصدّيقة فاطمة بنت أسد صلى الله عليها..؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مولاي العزيز
ابنكم وعبدكم سلام..
البارحة بحثت عن اليوم الذي يذكر فيه وفاة السيدة الجليلة سيدة الطُهر والعفاف المعصومة المظلومة فاطمة بنت أسد عليها السلام وروحي وأرواح العالمين لترابِ شسع نعلها الطاهر المُطهر المُقدس الشريف المُبارك الفدى ولكن لم نجد شيء بهذا الخصوص فقط يذكرون سرد قصة وفاتها أما هنالك مصدر يذكر اليوم الخاص ب٢٣ من شهر صفر فلم أجد مصدر ينص على هذا..
وأن سماحتكم أدام الله عزه ووجوده أكثر اطلاعاً من خادمكم سلام فهل هُنالك مصادر تذكر اليوم ٢٣ من صفر الذي يكون فيه وفاة أم أمير المؤمنين علي عليه السلام..
الموضوع التاريخي:【متى توفت سيدتنا المعظّمة الصدّيقة فاطمة بنت أسد صلى الله عليها..؟ 】.
【بسم الله جلّت عظمته】
السلام عليكم ورحمته وبركاته
الجواب: لقد اشتهر بين المؤرخين ان شهر وفاتها كان بعد ميلاد حفيدها الإمام الحسن عليه السلام..ولكنهم أهملوا تاريخ اليوم الذي توفت فيه سيدتنا المعظمة الصدّيقة فاطمة بنت أسد عليها السلام، والموجود في مصادرنا الحديثية الشيعية أن وفاتها كانت في السنة الثالثة للهجرة بعد ولادة إمامنا المعظّم الحسن المجتبى عليه السلام، فعام ولادته عليه السلام الذي توفت فيه جدته فاطمة بنت أسد عليها السلام قد اختلف فيه المؤرخون على قولين:
القول الاول: أن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام قد ولِدَ في السنة الثانية للهجرة النبوية المشرفة وهو العام الذي اقترنت فيه سيدة الطهر والقداسة فاطمة الزهراء 【صلى الله عليها ولعن الله أبا بكر وعمر القاتلين لها】بأمير المؤمنين سيدنا الإمام الأعظم علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه..
وقد تبنى هذا القول الشيخ الطوسي في التهذيب ج٦ ص٣٩/ والشهيد الاول في الدروس وتردد فيه الكليني ولكنه مال الى رواية السنة الثالثة للهجرة.
القول الثاني: أنه ولد عليه السلام في العام الثالث للهجرة في شهر رمضان..وهذا القول قد تبناه الكليني في أصول الكافي والمفيد في الإرشاد والمسار.. وهو الصحيح..وامّا القول الأول فغير مضبوط قطعاً، إذ كيف يولد في العام الثاني للهجرة وقد تزوجت أُمه الصدّيقة الكبرى الطاهرة فاطمة 【أرواحنا لشسع نعليها الفداء】 أباه في رجب من نفس العام، فيكون عمره لمّا ولد - بناءاً على هذا القول - شهران على أبعد تقدير ..؟! هذا مستحيل الوقوع..وليس في المصادر انه ولد في العام الرابع للهجرة على الإطلاق..!.
وأما شهر ولادته عليه السلام فاختلفوا فيه، وهناك عدة اقوال في ذلك هي:
١ - أنه صلى الله عليه ولد في النصف من شهر رمضان ولم يحدد في أي يوم ولد في شهر رمضان.. وهذا التاريخ تبناه المحدّث الكليني في الكافي ج١ ص٤٦١/ باب مولد الإمام الحسن بن علي عليهما السلام/ ونقله المجلسي في بحاره نقلاً عن الكليني ج٤٤ص١٣٤ح١.
٢ - أنه صلى الله عليه ولد في ليلة النصف من شهر رمضان..وهذا القول تبناه المفيد في الإرشاد ج١ص٢٠٥/ ونقله المجلسي عن المفيد في البحار ج٤٣ص٢٥٠ح٢٦.
٣ - أنه عليه السلام ولد في يوم النصف من شهر رمضان؛ وهذا قد تبناه المفيد ايضاً في كتابه 【مسار الشيعة ص٧】، ووافقه جماعة كالزبير بن بكار في انساب قريش ووافقه ايضاً أحمد بن عبد الله البرقي كما في تاريخ بغداد ج١ص١٤٠.
٤ - أنه ولد عليه السلام في شهر شعبان..وهو قول شاذ..فالصحيح انه ولد عليه السلام في النصف من شهر رمضان، وولد أخوه الإمام المعظّم الحسين عليه السلام في النصف من شعبان.
وبناءاً على ما أشرنا إليه أعلاه، تكون وفاة مولاتنا فاطمة بنت أسد عليها السلام في العام الثالث للهجرة وفي نفس الشهر الذي ولد فيه إمامنا الحسن المجتبى عليه السلام بحسب الظاهر أي في شهر رمضان ولا نعلم تاريخ اليوم منه..وليس الامر مستحيلاً أن تكون وفاتها في صفر ..ولكنه قول ليس عليه شاهدٌ من رواية ولا قول مؤرخ معتد به...ويترجح القول بأن وفاتها كانت بعد ولادة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بمدة زمنية لا تتجاوز الأسبوعين أي تكون وفاتها في شهر رمضان..ولكن يبقى التحديد باليوم مجرد إحتمال ليس عليه دليل قطعي وإن كان من المحتمل ايضاً أن تكون وفاتها في صفر..فيمكن - بل هو المتعين شرعاً وعقلاً على عامة المؤمنين - أن يقيموا ذكرى وفاتها عليها السلام في شهرين: في النصف من شهر رمضان، وفي شهر صفر في يوم شهادة إمامنا الحسن المجتبى عليه السلام وهو ٢٨ من شهر صفر وهو القول المشهور في يوم شهادته أرواحنا لشسع نعليه الفداء.. أو في اليوم السابع من صفر وهو قول ثالث في تاريخ شهادة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام..ولكنه ضعيف ولا بأس في العمل به..وليس هناك قول يدل على أن تاريخ وفاة سيدتنا فاطمة بنت أسد عليها السلام كان في الثالث والعشرين من صفر..!!
قول شاذ للمؤرخ المعاصر الشيخ محمد هادي اليوسفي في كتابه【موسوعة التاريخ الإسلامي ج٢ص٤٣٤】في باب 【أهم حوادث السنة الرابعة للهجرة] حيث أدرج وفاتها ضمن حوادث السنة الرابعة للهجرة..ثم قال: يعلم من الخبرين أنها توفيت بعد زواج إبنها عليّ بالزهراء...وعرض خبرين من مصادر العامة: الاول رواه عن البلاذري في أنساب الأشراف عن علي عليه السلام انه قال لأمه فاطمة: إكفي فاطمة بنت رسول الله ما كان خارجاً من السقي وغيره وتكفيك ما كان داخلاً من العجن والطحن وغير ذلك.
الثاني: عن إبن الاثير في اسد الغابة وذكر قصة الحلة التي اهديت الى رسول الله واعطاها لأمير المؤمنين علي عليه السلام لكي يهبها للفواطم الثلاث: فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت رسول الله وفاطمة بنت حمزة...
يرد على ما استدل به أمران:
١ -أن الخبرين من مصادر العامة فلا خير في رواياتهم.
٢ - كيف يفوضها إبنها بالخدمة خارج المنزل كالسقي وجلب الحاجيات..بالرغم من كبر سنّها ؟!! وهذا يتعارض مع أخبارنا الدالة على أن الخادمة لها إنما هي أسماء بنت عميس التي قد أوصتها مولاتنا خديجة الكبرى عليها السلام بخدمة إبنتها يوم عرسها..وقد حضرت عرسها مع زوجها سيدنا ولي الله الصدّيق جعفر الطيار عليه السلام الذي جاء من الحبشة مع زوجته أسماء بكرامة طي الارض كما سوف نشير اليه في بحثنا حول شخصية أسماء في كتاب مستقل..وعند تعارض الاخبار بين اخبارنا وأخبار العامة يجب طرح أخبار العامة والإلتزام بأخبار أئمتنا الاطهار عليهم السلام..
وبناءاً على ما ذكرنا: لا اعتبار بما قاله المؤرخ المعاصر..
والسؤال الذي يفرض نفسه على بساط البحث: 【لماذا أهمل المؤرخون تاريخ شهر ويوم وفاة مولاتنا فاطمة بنت أسد عليها السلام..؟】
الجواب: يعود سبب الإهمال إلى أمرين: إمّا لتقصيرهم بحقها، وإمّا لظروفٍ موضوعية حاكمة عليهم وأبرزها التقية من الزنديقين: معاوية وإبنه يزيد وبقية حكام بني أمية..والسبب الأول بعيد في حق المؤرخين الشيعة لإيمانهم الراسخ بها وبإبنها أمير المؤمنين علي عليهما السلام، فيترجح السبب الثاني وهو : أن كتمانهم تاريخ وفاتها إنما كان لأجل الخوف من بني أمية أولاً لشدة بغضهم لأمير المؤمنين علي وأهل بيته سراً وجهراً، وبني العباس ثانياً حيث كانوا يتجاهرون بالحب لآل محمد ولكنهم كانوا يبطنون البغض للإمام أمير المؤمنين علي صلى الله عليه وأهل بيته باعتبار أن جدهم العباس بن عبد المطلب أولى بالخلافة من أمير المؤمنين علي عليه السلام..لذا كانوا يلاحقون المؤرخين الشيعة لأجل نصرتهم للحق المتمثل بأمير المؤمنين علي وأهل بيته الاطهار عليهم السلام ..هذه أهم الأسباب الداعية للإختلاف في تواريخ ولادات ووفيات ساداتنا من آل محمد عليهم السلام ومنهم أمهم الصديقة فاطمة بنت أسد عليها السلام.
والله العالم
والحمد لله والصلاة على رسول الله محمد وآله الطاهرين..
خادم الحجج الأطهار عليهم السلام محمد جميل حمود العاملي/ بيروت/ بتاريخ ٢٤ صفر١٤٤٣ هجري قمري.
