هل أذكار الدخول إلى المراقد المطهرة من إنشاء العلماء...؟
سؤال لأحد المؤمنين:
هل أذكار الدخول إلى حرَم أهل البيت عليهم السلام الواردة عن العلامة المجلسي، والعلامة الكفعمي وغيرهما من العلماء هي من المعصومين عليهم السلام أم أن هذه النصوص مأخوذة من العلماء..؟
*******
الموضوع الشعائري وفقه الزيارات:(هل أذكار الدخول إلى المراقد المطهرة من إنشاء العلماء...؟).
بسم الله جلَّت عظمتُه
السلام عليكم
الجواب:
إنّ أذكار الدخول للمراقد المطهرة ليست من إنشاء العلماء كما توهِم عبارة العلامة المجلسي في كتابه بحار الانوار ج ٩٧ ص ١٦٠ حيث قال:(نختم الباب بإيراد ما ألفه واورده الشيخ الجليل المفيد والسيد النقيب علي بن بن طاووس والشيخ السعيد الشهيد ومؤلف المزار الكبير وغيرهم...).
هذه الجملة قد تلقفها بعض أهل العلم ظناً منهم أنه لم يرد في الأخبار آداب الدخول للمراقد المقدَّسة وكأنَّ الأئمة الأطهار عليهم السلام غفلوا عن ذلك (والعياذ بالله تعالى) مع أنهم عليهم السلام مطهرون من كلِّ رجس وجهل وغفلة..ولكنّ عبارة المجلسي في بحاره:( ما ألفه وأورده الشيخ المفيد) لا تدل على إنشاء الشيخ المفيد بل غاية ما تدل عليه هو ذكره للأذكار في كتابه المزار ولا تدل على ما توهمه بعض أهل العلم؛ فقد اشتبهوا في تشخيص الموضوع وبنوا عليه حكماً...!
وقد اعتمد هؤلاء على مقطع من إذن الدخول هو ( اللهم إني وقفت على باب من أبواب بيوت نبيّك...) ولكنَّ الأمرَ خلافُ المطلوب؛ وذلك للوجوه التالية:
(الوجه الاول): إن الأصل الأوَّلي في أُذونات الدخول هو أن تكون صادرةً من مشكاة النبوة والولاية، وليس للعلماء فيها نصيب...ولم نشاهد في كتب العلماء المحدّثين ما يدل على أنهم هم المنشئون لمتون أذكار الدخول سوى ما يُتوهَم صدوره عن إبن طاووس، بالرغم من أنه ربما نقلها بالمعنى وزاد عليها ولم يتسع لنا المجال لتتبع أقواله في هذا الباب باعتبار أننا هُجّرنا من ديارنا بسبب الحرب المدمرة في بلدنا لبنان .
وخلاصة الأمر: إن الأصل الأوَّلي في أذكار وأذونات الدخول إلى المراقد المقدَّسة هي من إنشاء المعصوم عليه السلام باعتبار أن الإنشاء المذكور هو القدر المتيقن المقطوع به في باب الزيارات، وما عداه مشكوك فيه، فننفيه بالأصل الأوّلي إلا إذا دلت القرائن على أن المنشئ لبعض الأذكار الدخولية هو عالم من العلماء ..فتأملوا.
(الوجه الثاني):إن أئمة الهدى عليهم السلام لم يتركوا لنا صغيرةً ولا كبيرةً في كلّ أبواب الزيارات إلا ذكروها بالتفاصيل من الوضوء والغسل وتعليق النعلين على شجرة أو في العنق والمشي بوقار وحياء وبكاء وذكر مع كون الزائر أشعثاً أغبراً جائعاً عطشاناً..فذكروا ( صلّى الله عليهم وسلّم) لنا جزئيات الأحوال التي ينبغي أن يكون عليها الزائر، فلم يغفلوا(وحاشاهم من الغفلة) عن الجزئيات في مقدمات الزيارة، فكيف يُدّعى وجود نقص في أذكار الدخول ليكون العلماءُ متممين لما فات أئمتهم المطهَّرون عن الغفلة في حين هم الكاملون بلا شك وإرتياب ( قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) سورة يونس (35).
(الوجه الثالث): لو فرضنا أن العلماء هم المنشؤون لأذكار الدخول فلماذا لم يصرحوا بذلك...؟ فعدم تصريحهم دليل على أنهم ناقلون للأذكار وليسوا منشئين لها.
بل الصواب أن يقال: إن هاتيك الأذكار هي من إنشاء المعصوم عليه السلام، وقد نقلها العلماء كما نقلوا فتاوى الحلال والحرام والسنن والمكروهات من دون ذكر إسم المعصوم كما هو الحال في كتب والد الشيخ الصدوق ومن جاء من بعده من الفقهاء نقلوا من متون الأخبار ما رأوه صحيحاً بنظرهم ..وها هي كتبهم الفتوائية شاهدة على ما أشرنا إليه آنفاً..
(الوجه الرابع): إن فقرة الدعاء ( اللهم إني وقفت على باب...) هي منقولة عن المعصوم عليه السلام على حدّ تعبير العلامة المحقق البحراني في الجزء الثاني من كتابه الدرر النجفية ص ٣٠٤؛ قال عند بيانه لآداب الدخول الى المشاهد المقدَّسة:( وفي دعاء الإستئذان المروي عنهم عليهم السلام( اللهم إني وقفت على بابٍ من بيوت نبيك وآل نبيّك...).
فقد أوضح العلامة البحراني أعلى الله مقامه بأن فقرة الإستئذان واردة منهم سلام الله عليهم وليست من إنشاء العلماء كما تصوره البعض..وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على قلة التتبع للأخبار وأقوال المحققين من العلماء القدامى والجدد..بل ينمُّ عن عدم إعطاء التأمل حقَّه، فوقعوا في التيه والحيرة ومخالفة الواقع؛ لذا كان من اللازم علينا بيان الحق واليقين وتصويب الصحيح وإزهاق الباطل المزيَّن بكلماتٍ مزخرفة من جهات ذات توجهات بترية نقلها عنهم بعض أهل العلم من كتبهم المبتدعة ومواقعهم الإلكترونية المزخرفة..!!
والله تعالى من وراء القصد..
عبد الإمام الحُجَّة القائم من آل محمد صلَّى الله عليهم.
غريب الديار محمَّد جميل حمُّود العاملي/ جبل لبنان/ بتاريخ ٢٢ رجب الأصب ١٤٤٦ هجري قمري/ كانون الثاني ٢٠٢٥ م.