المحدث الجليل الحسين بن حمدان الخصيبي رضي الله عنه
الإسم: *****
النص:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الحسين بن حمدان (نضر الله وجهه) في الهداية الكبرى ص587 ط.مؤسسة الاعلمي: إنما ذكرنا هذا في أخبار أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الكاهلي, وأبي شعيب محمد بن نصير, لما ظهر من اللعن لهما, وإلا ففضائل القوم أكثر من أن تخفى ولذا روينا هذا من أخبارهما ليعلم من لم يعلم ويدري من لم يدرِ وبالله التوفيق.
سؤالي حول هذه الكلمة التي قالها الشيخ الخصيبي رحمه الله بعد روايته لروايات النص على بابية ابو الخطاب ومحمد بن نصير النميري الذين اجمعت الطائفة على لعنهما وانهما من المنحرفين عن اهل البيت عليهم السلام.
سؤالي: هل يجوز الاخذ بروايات الشيخ الخصيبي التي تنزه ابو الخطاب ومحمد بن نصير عما نسب إليهما من الغلو والانحراف وتنص على انهما من ابواب ال محمد عليهم السلام وحججهم على شيعتهم؟؟
وهل يعد الآخذ بهذه الروايات منحرفا؟؟
ارجو ان يكون الجواب مدعما بالادلة
وفقتم لكل خير.
الموضوع الرجالي: المحدث الجليل الحسين بن حمدان الخصيبي رضي الله عنه
بسمه تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الجواب: فتشنا في كتاب الهداية للخصيبي طبعة مؤسسة البلاغ فلم نجد العبارة التي أشرتم إليها، فلعلّ النسخ مختلفة، وما عثرنا عليه خلال التتبع هو ما نسبه المحدث النوري في نفس الرحمان، حيث ذكر العبارة التي أشرتم إليها في سؤالكم الكريم؛ ونحن نشك بصحة صدورها من الشيخ الخصيبي رحمه الله؛ بل لعلّها من تحريف الكذابين على الخصيبي الحمداني رحمه الله وهو الأقوى عندنا؛ وذلك لأن الرجل كان معروفاً بولائه لأهل البيت عليهم السلام والبراءة من أعدائهم لعنهم الله، فدسوا في كتابه المبارك بعض الاكاذيب والافتراءات لكي يخرجوه من التشيع كما أخرج الشيخ الصدوق بعض الرواة من قم بسبب روايتهم أخبار الفضائل والمقامات العالية لأهل البيت عليهم السلام ــ وقد أسهبنا بالإيراد على الشيخ الصدوق وأستاذه ابن الوليد حول مقالتهما المنكرة:" أول درجة الغلو نفي السهو عن المعصوم عليه السلام" فليراجع الفصل الأول من كتابنا القيّم" الحقيقة الغراء في تفضيل الصدّيقة الكبرى زينب الحوراء على مريم العذراء عليهما السلام" ــ فلا عبرة بقدح النجاشي وابن الغضائري والنوري في شخص المحدث الجليل الخصيبي الحمداني رحمه الله، فهؤلاء ضعفوا الصحيح وصححوا الضعيف، فقولهم وخرط القتاد سواء، ونحن لنا إشكالات على منهج النجاشي في التضعيف والتوثيق، وذلك لكثرة اشتباهاته في كتابه "رجال النجاشي" كما لنا ملاحظات ونقوضات مهمة على منهج الغضائري والنوري في كتابنا القيّم" أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد/ بحث تحريف القرآن/ وبحث حول كتاب سليم بن قيس الذي شكك الغضائري براويه أبان بن أبي عياش ...فكلامهم ليس حجة شرعية تعبدنا الله تبارك اسمه بها؛ فلا يجوز الإصغاء إلى هؤلاء فهم كالنطيحة والموقوذة والمتردية لا تلوي على شيء أبداً، همهم الجمع دون الفحص، واللمز دون الصدق وصفاء السريرة..!!.
وأقوال المؤرخين المعاصرين له كثيرة بين متحامل عليه وحاقد ، وبين محب ومخلص ، وبين ملتزم في الصمت ، منهم النجاشي ، وابن الغضائري وصاحب الخلاصة من المتحاملين عليه .
وفي الفهرست لابن النديم ، الحسين بن حمدان الخصيبي الجنبلائي ، يكنى أبا عبد الله ، روى عنه التلعكبري وسمع منه في داره بالكوفة سنة 334 ه ، وله إجازة ؛ روى عنه أبو العباس بن عقدة وأثنى عليه وأطراه وامتدحه ، وفي أعيان الشيعة للعلامة الكبير والمؤرخ والأديب والكاتب الامامي السيد محسن الأمين العاملي ( طيب الله ثراه ) ترجمة للخصيبي مفادها امتداحه والثناء عليه ، وعلى أنه من علماء الإمامية وكل ما نسب إليه من معاصريه وغيرهم لا أصل له ولا صحة ، وإنما كان طاهر السريرة والجيب ، وصحيح العقيدة ، كما أن السيد الأمين ( رحمه الله وقدس سره ) أورد في كتابه أعيان الشيعة أقوال العلماء فيه ورد على المتحاملين عليه رداً جميلاً ، ومن هؤلاء الكتحاملين عليه: ابن الغضائري والنجاشي وصاحب الخلاصة ، ويقول السيد الأمين العاملي ( قدس سره ) ، لو صح ما زعموا وما ذهبوا إليه ونسبوه له لما كان الأمير سيف الدولة المعروف والمشهور بصحة عقيدته الاسلامية وولائه لعترة الطاهرة وآل البيت ( سلام الله عليهم ) صلى عليه وأئتم به.
وفي رواية التلعكبري على أنه أجيز منه لما عرف عنه من الوثاقة والصدق بين خواص عصره؛ كما ان العلامة المجلسي رحمه الله قد اعتبر كتابه (الهداية الكبرى) أحد كتبه المصدرية، ونقل منه كثيراً في بحار الأنوار، وقد أطرى عليه في البحار (ج53 ص 1 باب 25 من أبواب ما يكون عند ظهور الإمام المهدي عليه السلام) رواية المفضل، قل:" روي في بعض مؤلفات أصحابنا عن الحسين بن حمدان عن محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسني عن أبي شعيب ومحمد بن نصير عن عمر بن فرات عن المفضل بن عمر...".
ولو كان الخصيبي فاسد العقيدة بنظر المجلسي لكان ذكر ذلك، وحيث إنه لم يتطرق إليه بسوء دل ذلك على صلاح الرجل والاعتماد على ما رواه إلا ما دل الدليل على فساد ما رواه، وهذا نظير ما رواه الثقات من بعض الأخبار المخالفة للإعتبار، ونقلهم للأخبار الفاسدة لا يستلزم فساد عقيدتهم، ذلك لأن الراوي همه نقل الرواية لا التحقيق في دلالتها والعمل بمضمونها.
وما ادّعاه عليه النجاشي وغيره من المتحاملين على الخصيبي لا واقع له؛ بل هو إما جهلهم بحاله، وإما أنه كذب محض؛ ولو فرضنا أن الخصيبي قال ببابية أبي الخطاب ومحمد بن نصير كما نُسِبَ إليه، فهو حقٌّ وذلك لأن أبي شعيب محمد بن نصير البكري النميري كان باباً عند الإمام الهادي عليه السلام، فقد جاء في نهاية الباب الخاص بالإمام الهادي عليه السلام ( الهداية الكبرى ص 323 طبعة مؤسسة البلاغ) الآتي:" قال: حدثني أبو جعفر محمد بن الحسن قال: اجتمعت عند أبي شعيب محمد بن نصير البكري النميري وكان باباً لمولانا الحسن وبعده رأى مولانا محمداً عليهما السلام..."؛ فالنميري كان صالحاً ردحاً من عمره ــ أي في زمن الإمام الإمام الحسن العسكري عليه السلام ثم انحرف وادعى دعاوى باطلة، فأين الإشكال يا ترى..؟! فالنميري نظير أحمد بن هلال وأبي الخطاب اللذين كانا صالحين ثم ارتدا، ولا يخفى على العاقل فضلاً عن العالم أن السامري كان من أتباع النبي موسى عليه السلام ثم ارتد عنه إلى عبادة العجل....!!
والعبارة المنسوبة إليه وهي الآتي:" إنما ذكرنا هذا في أخبار أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الكاهلي, وأبي شعيب محمد بن نصير, لما ظهر من اللعن لهما, وإلا ففضائل القوم أكثر من أن تخفى ولذا روينا هذا من أخبارهما ليعلم من لم يعلم ويدري من لم يدرِ وبالله التوفيق." ليس فيها ما يدل على أن الشيخ الخصيبي كان يعتقد بصوابية النميري...بل كل ما هناك أنه يصرح بأن النميري وأبي الخطاب قد ظهر اللعن من الإمام عليه السلام عليهما إلا أنهما رويا روايات صحيحة المضمون عن المعصومين عليهم السلام يوم كانا عارفين بالأئمة الطاهرين، وبالتالي فلا إشكال في رواية الأخبار الصحيحة عنهما على قاعدة قول مولانا الإمام الحسن العسكري عليه السلام :" خذوا ما رووا وذروا ما رأوا" فقد روى الطوسي في كتاب الغيبة بسنده الصحيح إلى عبد الله الكوفي - خادم الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح - حيث سأله أصحابه عن كتب الشلمغاني فقال الشيخ : أقول فيها ما قاله العسكري ( عليه السلام ) في كتب بني فضال ، حيث قالوا : ما نصنع بكتبهم وبيوتنا منها ملاء ؟ قال : " خذوا ما رووا وذروا ما رأوا ". من هنا عملت الطائفة بروايات المنحرفين وكتبهم لما كانوا على الطريق المستقيم ، فقد نقل الشيخ في العدة قال :" عملت الطائفة بما رواه أبو الخطاب في حال استقامته، وتركوا ما رواه في حال تخليطه ، وكذلك القول في أحمد بن هلال العبرتائي وابن أبي العزاقر وغير هؤلاء..".
والخلاصة: إن الشيخ الخصيبي عمل بروايات أبي الخطاب ومحمد بن نصير حال استقامتهما تماماً كما فعل الشيخ الطوسي رحمه الله تبعاً لقول السفير الثالث رضي الله عنه لما قرر ما قاله إمامنا الحسن العسكري عليه السلام..فهل يعتقد النجاشي وابن الغضائري وأمثالهما بأن الشيخ السفير حسين بن روح على خطئ والعياذ بالله من زلات اللسان وسقطات الأقلام...!! وعمله بروايات من ذكرنا كعمل غيره من فقهاء الإمامية ورواتها حيث عملوا بأخبار المخالفين والفاسقين والمارقين لما رأوا في رواياتهم الصدق والموافقة للكتاب والسنة المطهرة...لا سيَّما على مبنى الخبر الموثوق الصدور الذي لا يعتبر فيه وثاقة المخبر بمقدار ما يكون الخبر بمضمونه موافقاً للقرائن والشواهد..فهل باؤهم تجر وباء الخصيبي أعلى الله مقامه لا تجر...!؟. وأما قول الشيخ الخصيبي " إنما ذكرنا هذا في أخبار أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الكاهلي, وأبي شعيب محمد بن نصير, لما ظهر من اللعن لهما, وإلا ففضائل القوم أكثر من أن تخفى" فهو واضح من حيث أنه اعترف بصدور اللعن على أبي الخطاب والنميري، فكان قصده أنه بالرغم من ورود اللعن عليهما فإن لهما روايات جليلة المضمون وعالية المضامين وهي فضيلة لهما حتى لو كانا منحرفين عن إمامة الإمام عليه السلام، فكونهما منحرفين لا يعني بالضرورة نفي الفضائل التي رووها بحق آل البيت عليهم السلام على قاعدة قوله تعالى:" لا يجرمنك شنآن قوم ألا تعدلوا أدلوا هو أقرب للتقوى..".
وبالجملة: يجوز الاخذ بروايات الشيخ الخصيبي التي تنزه أبا الخطاب ومحمد بن نصير عما نسب إليهما من الغلو والانحراف وتنص على انهما من ابواب ال محمد عليهم السلام وحججهم على شيعتهم شريطة أن تكون موافقة للقواعد والأصول العقائدية وإلا فلا يجوز الأخذ بروايتهما الضالة التي صدرت منهما بعد الضلال، وعدم جواز الأخذ بروايتهما الضالة نظير روايات غيرهما من ثقات الرواة عند الأئمة الأطهار عليهم السلام إذا كانت مخالفة للكتاب والسنة القطعية حسبما هو مقرر في الأصول عندنا، من هنا يتضح الجواب أيضاً على سؤالكم عما إذا كان الآخذ بروايات الخصيبي منحرفاً، فإن الأخذ بالروايات السليمة من التناقض والضلال يجوز الأخذ بها ولا يحكم على الآخذ بالضلال..والحمد لله رب العالمين وهو حسبنا ونعم الوكيل والسلام عليكم.
حررها العبد محمد جميل حمُّود العاملي
بيروت بتاريخ 4 ربيع الثاني 1438 هـ