فلسفة حديث:" من زنى زُني به ولو في العقب من بعده، يا موسى بن عمران عفّ يُعفّ أهلُك.."
الإسم: *****
النص: السلام عليكم شيخنا
هناك عدة احاديث تدل على ان من زنى زني به ومن عف عن اعراض الناس عف عن عرضه أليست هذه الاحاديث تدل على الظلم و ما ذنب عرض الزاني حتى يزنى بهم؟ لأن هذه شبهة يستخدمها الملحدون ليستدلوا على ظلم الاسلام.
الموضوع الفقهي: فلسفة حديث:" من زنى زُني به ولو في العقب من بعده، يا موسى بن عمران عفّ يُعفّ أهلُك..".
بسمه تعالى
الجواب: إن الحديث المتقدم الذي أشار إليه السائل:" من زنى زُني به ومن عفَّ عن أعراض الناس عُفَّ عن عرضه"، لم نعثر عليه ــ بحدود اطلاعنا ــ في مصادرنا بعين ألفاظه، نعم هناك مثله في خبر مولانا الإمام الباقر عليه السلام كما في خبر عمرو بن أبي المقدام الآتي.
ولا ريب في أنه لا ذنب ــ بالحمل الأولي وبالنظر البَدْوي ــ لعرض الزاني حتى يُزنى بعرضه، ولكن الله تعالى يبتلي الزاني ببعض ذريته من بناته أو حفيداته الفاسقات على نحو العقوبة الدنيوية العاجلة، فيخلق الله تعالى نساءً من ذريته من يُزنى بهنَّ باختيارهنَّ أو بغير اختيارهنَّ كاغتصابهنَّ قهراً، فالمرأة المغصوبة العرض لا عقاب عليها بل تثاب وتؤجر، فيكون ابتلاء المزني بها ــ كمغصوبة الفرج ــ تأديباً لأبيها أو جدها عبرةً لهما أو لغيرها، وحكمة الزنى بالمختارات من بنات أو حفيدات الزاني هي أن الزاني لتجرؤه على الله تعالى تُسْلَب العفةُ من نسائه فيؤدي زناه إلى تجرؤهن على ارتكاب الزنا بسبب انحرافهنَّ المسلكي بسبب رؤيتهن لآبائهنَّ أو أزواجهنّ الذين لا يتورعون عن الزنا، فيسلتزم ذلك تجرؤ الزوجات أو البنات على الزنا بسلب الحياء منهنَّ وقلة ديانتهنَّ..فإن الزوجة لا تتورع عن الزنا نكاية بزوجها الزاني من جهة، ولأن الزاني قد يهجر زوجته بسبب كثرة تعاطيه الزنا فيؤدي إلى تجرؤ الزوجة على الزنا، وتجرؤ البنت على الزنا بسبب انعدام حيائها الناتج عن تعاطي أبيها الزنا، فتتحرك غريزتها فتتعاطى الزنا، ذلك كله بسبب انحراف الآباء عن جادة الشرع المبين، إذ لا تخلو ذرية إنسان من اعوجاج وانحراف فيبتلى بعضهم بالزنا أو ببعض مقدماته وبقية الموبقات إلا من رحم ربي من هنا جاء في الخبر:" يا موسى بن عمران إن أردت أن يكثر خير أهل بيتك فإياك والزنا، يا بن عمران كما تدين تدان "، فإن إكثار الخير لا يكون إلا في حياة نظيفة خالية من الزنى وبقية الموبقات وإلا فإن من يعيش على الزبلة فلن يحصد إلا التلوث بقذاراتها وأوساخها.
والحاصل: إذا لم تزنِ البنت أو الزوجة بالفرج، فقد يزنيان بمقدماته، فإن لكلِّ عضو حظ من الزنا، فقد يكون الزنا بالعين أو اللمس أو النظر كما جاء في بعض الأخبار من أن العين تزني وزناها النظر وأن اليد تزني وزناها اللمس..وقد يكون الزنا بنظر الرجال الأجانب إلى أدبار نسائه وممازحتهن مع الرجال الأجانب وهو ما أوضحته بعض النصوص منها:
1 ــ خبر عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال :« كان فيما أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران ( عليه السلام ) : يا موسى بن عمران من زنى زُني به ولو في العقب من بعده ، يا موسى بن عمران عفّ تعفّ أهلك ، يا موسى بن عمران إن أردتَ أن يكثر خير أهل بيتك فإيّاك والزنا يا موسى بن عمران كما تدين تدان ».
2 ــ وفي الكافي عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال « أما يخشى الذين ينظرون في أدبار النساء أن يبتلوا بذلك في نسائهم ! » .
3 ــ وورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :" على كل نفس من بني آدم كتب حظ من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فالعين زناها النظر، والرجل زناها المشي، والاذن زناها الاستماع ".
4 ــ وفي الكافي عن هشام بن سالم ، عن الإمام أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال « أما يخشى الذين ينظرون في أدبار النساء أن يبتلوا بذلك في نسائهم ! » .
5 ــ وفي الكافي عن البرقي ، عن أبي العباس الكوفي وعلي ، عن أبيه جميعا ، عن عمرو بن عثمان ، عن الدهقان عن درست، عن عبد الحميد ، عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال: « قال رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم : تزوجوا إلى آل فلان فإنهم عفوا فعفت نساؤهم ولا تزوجوا إلى آل فلان فإنهم بغوا فبغت نساؤهم ، وقال : مكتوب في التوراة : أنا اللَّه قاتلُ القتالين ومفقر الزانين ، أيها الناس لا تزنوا فتزني نساؤكم، كما تدين تدان » .
6ــــ وفي الفقيه ج 4 : 21 رقم 4985 ) قال الإمام أبو عبد اللَّه عليه السّلام « بروا آباءكم يبركم أبناؤكم ، وعفوا عن نساء الناس يعف عن نسائكم » .
وبما تقدَّم يتضح: أنه لا ظلمَ على عرض الزاني إذا عاجله الله تعالى بالعقوبة بما كسبت يداه وليس بما كسبت يد جده أو أبيه بمقتضى قوله تعالى (ولا تزر وازرةٌ وزر أُخرى)، وذلك لأن كلَّ فعل إنما جرمه على صاحبه حيث إن الله تعالى يبتلي بالذنب من كانت له قابلية الذنب فيتلبس بها باختياره من دون قسرٍ أو إجبار، وقد يبتلي الله تعالى بالعقوبة لا من ذنب، بل من باب التنبيه والإرشاد وترقية الدرجات وتمحيص الذنوب والخطايا فمغصوبة الفرج ذات حيثيتين: إحداهما: الإمتحان والاختبار وترقية الدرجات أو تمحيص الذنوب والخطايا؛ وثانيهما: التنبيه والإرشاد، وقد يكون التنبيه والإرشاد لنفس المؤمن الممتحن، وقد يكون التنبيه للآباء والأجداد الذين ارتكبوا جريرة الزنى وبقية الموبقات، وبذلك تخرج العقوبتان من قانون الجبر والظلم.
والحمد لله رب العالمين وصلِّ اللهم على رسول الله محمد وآله الطيبين الطاهرين؛ والسلام.
حررها العبد الفاني محمد جميل حمُّود العاملي
بيروت بتاريخ 27 محرم الحرام 1438 هجري