الخبر الضعيف لا يجوز طرحه إلاَّ بشروط
بسمه تعالى
سؤال:دائماً نسمع ونقرأ عن السيد فضل الله تشكيكه بالأسانيد ،فمثلاً قد شكك في دعاء التوسل بحجة أنه ضعيف سنداً فما هو ردكم عليه؟ والسلام عليكم ورحمته وبركاته.
والجواب
السلام عليكم ورحمته وبركاته..وبعد. كنا قد أجبنا بعض الإخوة على هذا السؤال في باب العقائد على موقعنا ، ونكرره عليكم هنا للفائدة فنقول:إن دعواه بضعف سند خبر التوسل دونه خرط القتادة وذلك لأنَّ ضعف سند دعاء التوسل الذي نقله الشيخ عباس القمي في المفاتيح عن المحدّث المجلسي لا يكون مبرّراً لطرحه وعدم جواز العمل بمضمونه،وقد تقدَّم منا القول مرارا في بحوثنا المتعددة بأنَّ ردَّ الخبر الضعيف السند غير جائزٍ شرعاً بشكلٍ مطلقٍ وذلك لانَّ للخبر الضعيف أحكاماً تختلف عن أحكام الخبر المعتبر،وضعف السند لا يُخرج بالخبر عن أحكامه،وأحدُ أحكامِ الخبر الضعيف هو حرمةُ ردِّه أو طرحِهِ من الأساس ما لم يُناهض آيةً قرآنيّة أو سنَّةً قطعيَّةً...
وبتعبيرٍ آخر:إذا لم يتعارض الخبر الضعيف السند مع الدلالة القطعيَّة للكتاب والسنَّة فلا يجوز طرحه وردّه،وهذا موضع وفاق بين الأصوليين والإخباريين إلاّ القليل منهم،فردُّ الخبر الضعيف هو غير حجيَّة الخبر، إذ قد يكون الخبرُ ضعيفاً سنداً ولكن لا يجوزُ طرحُهُ أو ردُّهُ ، فحُرمَةُ الردِّ تتناولُ حتى الخبر الضعيف السند بالشرط الذي قدّمناه آنفاً،فالخبرُ الضعيفِ يختلفُ عن الخبر الموضوع والمدَّلس والمدسوس في مصطلح علم الحديث والدراية،وإرسال دعاء التوسل المروي عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام بواسطة المحدّث الجليل الشيخ الصدوق محمد بن بابويه القمي... وبالتالي فلا يضرُّ العملُ بمضمونه لأمورٍ ثلاثةٍ:
(الأول):كون الإرسال غير مضرٍ في باب الأدعيَّة والزيارات والحوادث التكوينيّة في علامات الظهور،وثمة مبنى رجالي له مؤيدوه في المسلك الفقهي هو أنَّ مراسيلَ إبن أبي عمير والصدوق لا تضرُّ بأصل الرواية الفقهيّة إلاّ ما ثبت بطلانه بالدليل القطعي،فإذا كان هذا جائزاً في الفقه ،فيجوز ذلك في الأدعية والزيارات بطريقٍ أولى.
(الثاني):كونه لا يتعارض مع الدلالة القطعيَّة للكتاب والسنَّة .
(الثالث):كون محمد بن بابويه ثقةً جليلاً ،والثقة لا يروي عن غير الثقة أو الكذّاب،ودعوى إشتباهه منفيَّة بالأصل الشرعي وهو حمله على عدم الإشتباه وتعمد الكذب.
فهذه قيود معتبرة للأخذ بأيِّ خبر كان وضابطة كليّة في معرفة الأحاديثٍ،فمن ردَّ الخبر المتصف بهذه القيود وبالأخص القيدين الأولين، فقد ردَّ قول المعصوم عليه السلام لما ورد في صحيحة أبي عبيدة الحذاء قال:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:والله إنَّ أحبَّ أصحابي إليّ أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا ،وإنّ اسوأهم عندي حالاً وأمقتهم للذي إذا سمع الحديث يُنسب إلينا ويروى عنّافلم يقبله إشمأز منه وجحده وكفَّر من دان به وهو لا يدري لعلَّ الحديث من عندنا خرج وإلينا أُسند فيكون بذلك خارجاً عن ولايتنا"أصول الكافي ج2/223.
هذا وقد دلت الأخبار الشريفة ما ذكرنا آنفاً من وجوب الأخذ بالخبر الضعيف ما لم يتعارض مع الأدلة،منها ما جاء في خبر عبد الله بن بكير عن مولانا الإمام أبي جعفر عليه السلام قال:"...وإذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهداً أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به وإلاَّ فقفوا عنده ثمَّ ردّوه إلينا حتى يستبين لكم واعلموا انّ المنتظر لهذا الأمر له مثل أجر الصائم القائم ومن أدرك قائمنا فخرج معه فقتل عدونا كان له مثل أجر عشرين شهيداً..."باب القضاء من الوسائل والكافي..
والخلاصة:لا يجوز ردّ الخبر الضعيف سنداً للنكتة الفقهيّة التي ذكرنا آنفاً،فما إدّعاه صاحب الشبهة لا قيمة علميَّة له،عدا عن كونه ردّاً على أخبار أهل بيت العصمة والطهارةعليهم السلام المتعلقة بالمعاجز والكرامات والفضائل والظلامات،كلُّ ذلك تقرباً إلى أعداء آل الله تعالى وحباً للدنيا الخسيسة التي يسعى جاهداً ليكون رمزاً كبيراً فيها،وسيعلم الذين ظلموا آلَ محمد أيَّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين... وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلاته وتحياته على رسوله الكريم محمّد وآله الأنوار المطهرين عليهم السلام...والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد
عبدهم محمَّد جميل حمُّود العاملي
بيروت/24 ذو الحجة/ 1429للهجرة