حقيقة المشي في يوم الأربعين من شهادة الإمام المعظم أبي عبد الله الحسين صلَّى الله عليه وآله وحكم مشي المرأة في مسيرة المشاية والمبيت في الخيم
السلام عليكم سماحة العلامة دام ظلكم الوارف،
نود من جانبكم الكريم بيان حقيقة المشي في الأربعين من حيث ما أقره المعصومون عليهم السلام في ما صدر عنهم من روايات. ونرجو منكم توضيح المسألة بحسب مبانيكم حول مشي المرأة في الأربعين ومبيتها في الخيم أو ما يعرف بالمواكب.
شكر الله سعيكم وحفظك.
********
الموضوع الفقهي الشعائري:(حقيقة المشي في يوم الأربعين من شهادة الإمام المعظم أبي عبد الله الحسين صلَّى الله عليه وآله وحكم مشي المرأة في مسيرة المشاية والمبيت في الخيم).
بسم الله جلّت عظمته
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الجواب: لا ريب في استحباب زيارة الأربعين الحسينية المقدّسة من عدة جهات:
(الجهةالأولى): أنّها تجديدٌ للحزن على الإمام المعظّم أبي عبد الله الحسين المظلوم صلّى الله عليه وآله من حيثية كونه إماماً مفترض الطاعة وسيّد الشهداء على عامة الخلق حتى على كافة الأنبياء والمرسلين فهو فديته بروحي شاهد وشهيد على الخلائق أجمعين بسبب كثرة ما انصب على شخصه الكريم من المصائب والرزايا لم يتحملها لا ملك مقرب ولا نبي مرسل...!!.
(الجهةالثانية): إن الأربعينية الحزينة دفنٌ ثانٍ للرؤوس الشريفة التي قُطِعَت وسيّرت مع موكب السبايا الطاهرات من العراق الى بلاد الشام..
(الجهة الثالثة): ورود الأخبار الخاصة والعامة على استحباب زيارته عليه السلام ماشياً..
والنصوص الدالة على استحباب خصوص الأربعين متعددة الأطراف منها: العمومات والإطلاقات الدالة على استحباب زيارته في كلّ الأوقات وليس في وقت محدد أو شهر معين..ومنها الأدلة الخاصة على زيارة يوم الأربعين وهي عديدة منها:
١- الأخبار الدالة على استحباب زيارته يوم الأربعين وهي مجموعة زيارات خاصة في يوم الأربعين..
٢ - النص الوارد عن إمامنا المعظّم الحسن العسكري عليه السلام قال: علامات المؤمن خمس: ( علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين، والتختم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم )؛ وقد استفضنا في بحوثنا الأخرى حول استحباب الزيارة في العشرين من شهر صفر وفنّدنا في بحوثنا المكتوبة والمسموعة دعوى السيّد محمد حسين فضل الله الذي شكك في اختصاص زيارة الأربعين بالإمام المعظم الحسين عليه السلام مدعيّاً أن المراد بالأربعين هو زيارة أربعين مؤمناً..! .
الثالث: لا فرق في الزيارة الأربعينية بين أن يكون الزائر للمرقد الشريف ماشياً أو راكباً؛ والمشي أفضل وفيه ثواب عظيم بشرط الإخلاص في المشي للزيارة وانتفاء الموانع من تحصيل الثواب كالعجب والرياء وارتكاب المحرمات خلال المشي كنظر الرجال الى أدبار النساء ووجوههن ونظر النساء الى الرجال وما يستلزم ذلك من ارتكاب الآثام والجرائر والذنوب والخطايا خلال المسير والمبيت خلال المسير للإستراحة في الخيم فيختلط بعض الرجال بالنساء فيؤدي الى المسامرة والمفاكهة والدردشة والنظر الى ما لا يجوز النظر إليه...!
والأخبار الشريفة الدالة على ثواب المشي لزيارة مرقد الإمام المعظّم سيّد الشهداء صلى الله عليه وآله فاقت التواتر وقد استعرض المحدّث الجليل إبن قولويه القمي في كتابه النفيس (كامل الزيارات) العشرات من الروايات الكاشفة عن عظيم ثواب المشي بكل خطوة لزيارة الإمام المفدى وأخيه وأولاده وأصحابه الطاهرين..فليُراجَع.
ومن أهم الموانع التي يجب أن يتجنبها الزائر والزائرة هو الأمور الآتية:
(الأمر الأول): تجنب الرجال مخالطة النساء، والنساء للرجال، سواء أكانت المخالطة في الطريق أو في المواكب أو في الخيم..
والآيات والأخبار الدالة على تحريم المخالطة كثيرة لا يتسع الوقت لإستعراضها وهي واضحة عند أصحاب البصائر...
(الأمر الثاني): أن لا تكون المرأة خلال مسيرة المشي لوحدها، بل يجب أن يكون معها محرم من أقاربها أو زوجها...
(الأمر الثالث): أن لا تتعطر وتتزين وتتباهى في مشيتها للفت الأنظار، وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّها الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فإن ذلك من المحرمات القطعية في الحالات العادية، وتزداد الحرمة خلال المشي في المسيرة الأربعينية وغيرها من المسيرات..فإن كل ذلك غير مرضيّ عند الله تعالى والحجج الأطهار عليهم السلام .
(الأمر الرابع): أن لا تمشي الزائرة في وسط الطريق بل يجب أن تجتنب ذلك الى جوانب الطريق وتتأخر عن الرجال بل يجب على القيمين على مسيرة المشاية أن يجهزوا طرقاً فرعية خاصة بالنساء وأن يفرز القيمون على المراقد المطهرة فريق كبير من النساء المتدينات كشرطة تنظم مسيرة النساء خلال المشي فيأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر...
والأقوى عندنا هو تجنب النساء عن المشي من مدينتها الى كربلاء، بل عليها قطع المسافة بسيارة ومعها محرم.، فيجب أن يقتصر المشي في المسافات البعيدة من كربلاء على الرجال فقط دفعاً للمحاذير المترتبة على مواكبة المرأة للرجال خلال المشي، فإنه من أبرز مصاديق الإختلاط المنهي عنه شرعاً لإستلزامه للمحرمات القطعية كالزنا ومقدماته من المفاكهة والمزاح والتبسم والدردشة وما شاكل ذلك..فالإختلاط بين الجنسين محرّم شرعاً والأدلة على الحرمة من كتاب الله تعالى منها: قول الله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ..) الاحزاب ٣٢- ٣٣ ) فالخطاب وإن كان المقصود به نساء النبي ولكنه عام يشمل غيرهنَّ أيضاً..
ومنها قوله تعالى: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن)الأحزاب:53.
وهذه الآية وإن كان لفظها خاصاً بأزواج النبي صلى الله عليه وآله، إلا أنه عام في نساء المسلمين والحكمة في ذلك واضحة في الآية مفادها: أن تكون قلوب كل من الجنسين في غاية الطهارة من أدناس الريبة.
ومنها قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون {النور:30}. (وقل للمؤمنات ان يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن...)
فالآية تأمر كل واحد من الجنسين بغض البصر عن الآخر، وتبين كون ذلك الأدب أزكى لهم، أي أطهر من الريبة، وفي الآية تهديد لمن لم يمتثل للأمر بأنه سبحانه خبير بما يصنع، لا يخفى عليه منه شيء.
ولا شك أن دردشة المرأة مع الرجل وكذلك العكس خلال المشي بين الجنسين وسيلة لإطلاق النظر، وما يجر إليه ذلك من عدم حفظ الفرج.
فالنظر بالبصر هو السبب في الزنا بالفرج، لأن النظر بريد الزنا.
ومن الأدلة كذلك قوله سبحانه: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا {الإسراء:32}.
فلم يقتصر في النهي عن فعل الزنا فقط، بل نهى عن مقاربة الزنا، وهذا أبلغ، ليشمل النهي عن كل ما يؤدي إلى الزنا ويفضي إليه.
فليحذر الأب والزوج والأخ من أن يتركوا نساءهم عرضةُ للرجال خلال المشي في الزيارات سواء على طريق المشاية أو في أماكن أخرى، فإن مفاسده كثيرة لا تُحمد عقباها..يجب على الأزواج والآباء الغيرة والحمية على أعراضهم فلا يسمحوا لهن بالمشي بين الرجال حتى لو كان المشي لأجل الزيارة فلا يؤمن عليهن من النظرات المريبة والهمس واللمس والغمز ...فاتقوا الله في نسائكم فإنكم مسؤولون عنهن يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
والحمد لله رب العالمين
وما على الرسول إلا البلاغ المبين..اللهم سيدي يا رب العالمين إشهد أني قد بلغت...مولاي يا قائم آل محمد إشهد أني قد بلّغت.
عبد الإمام الحجة القائم المهدي صلى الله عليه وآله
محمّد جميل حمٌّود العاملي
بيروت/ بتاريخ ٢١ صفر عام ١٤٤٦ هجري الموافق للعام ٢٠٢٥ م.
