• الصفحة الرئيسية

ترجمة آية الله العاملي :

المركز :

بحوث فقهيّة وعقائديّة/ اردو :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مجلّة لسان الصدق الباكستانيّة (3)
  • بحث فقهي عن الشهادة الثالثة (1)

محاضرات آية الله العاملي :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • سيرة الإمام الحجّة (عليه السلام) (121)
  • مظلوميّة الصدِّيقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) (20)
  • شبهات وردود حول فقه السيرة الحسينية (11)
  • من هم أهل الثغور؟ (1)
  • محاضرات متفرقة (14)
  • شبهات وردود حول ظلامات سيّدتنا فاطمة عليها السلام (2)
  • الشعائر الحسينية - شبهات وردود (محرم1435هـ/2014م) (9)
  • زيارة أربعين سيّد الشهداء (عليه السلام) (2)
  • البحث القصصي في السيرة المهدوية (22)
  • سيرة الإمام زين العابدين (عليه السلام) (6)

أدعية وزيارات ونعي :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • أدعية (14)
  • زيارات (9)
  • نعي، لطميّات (4)

العقائد والتاريخ :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • شبهات وردود (457)
  • عقائدنا في الزيارات (2)

الفقه :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • إستفتاءات وأجوبة (1172)
  • أرسل سؤالك

علم الرجال :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مواضيع رجاليّة (102)

مواضيع مشتركة ومتفرقة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مراسلات زوّار الموقع للمركز (4)
  • كلمة - رأي - منفعة (20)
  • نصائح (5)
  • فلسفة ومنطق (4)
  • رسائل تحقيقيّة (3)
  • مواضيع أخلاقيّة (3)
  • فقهي عقائدي (35)
  • فقهي أصولي (11)
  • فقهي تاريخي (6)
  • شعائري / فقهي شعائري (26)
  • مواضيع متفرقة (22)
  • تفسيري (15)

مؤلفات آية الله العاملي :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مؤلفات عقائديّة (15)
  • مؤلفات فقهيّة (13)

بيانات :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • بيانات وإعلانات (35)

المؤلفات والكتب :

 
 
 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية لهذا القسم
  • أرشيف مواضيع هذا القسم
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا

 
 • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم وأهلك أعداءهم • 
  • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .

        • القسم الفرعي : شبهات وردود .

              • الموضوع : المطاعن على عمر .

المطاعن على عمر

 بسم الله الرَّحمان الرَّحيم


 الموضوع:  مطاعن عمر بن الخطاب على رسول الله والردود عليها.


من كتاب مؤتمر علماء بغداد لآية الله الشيخ محمّد جميل حمّود:1/314ـ 330
 

ثمة طعون مشهورة لعمر بن الخطاب على رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) مبثوثة في مصادر المحدثين العمة ولا يمكنهم الإفلات منها لذا لجأوا إلى تأويلها بما يتناسب مع عقيدتهم بالصحابة وتقديسهم لهم وتمييزهم لبعض عن بعض من دون مائز معتبر سوى عبادة الطاغوت لأولئك الطغمة التي أفسدت بإسم الدين، لذا ارتأى مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث نشر ما ذكره سماحة أُستاذنا آية الله المحقق الشيخ محمد جميل حمود العاملي هذه الردود على تلكم الطعون..وهي الآتي:
 

الطعن الأول:
ما روته العامة والخاصة، أن النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أراد في مرضه أن يكتب لأمته كتاباً لئلا يضلوا بعده ولا يختلفوا، فطلب دواةً وكتفاً أو نحو ذلك، فمنع عمر من إحضارهما، وقال إنه ليهجر!! أو ما يؤدي هذا المعنى ؛ حسبما ادّعى العامة  وقد وصفه اللَّه بأنه وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، وأن كلامه ليس إلا وحياً يوحى، وكثر اختلافهم وارتفعت أصواتهم، فتسأمّ الرسول منهم وتضجّر. وها نحن نورد بعض الشواهد على هذا الطعن هي:
1 ما رواه البخاري كشاهد على حديث الهجر بعدة طرق في أماكن متفرقة من كتابه، عن سعيدفبن جبير سمع ابن عباس يقول:
يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى بلَّ دمعهُ الحصى، قلت: يا ابن عبّاس ما يوم الخميس؟
قال: اشتدّ برسول اللَّه وجعه فقال: "ائتوني بكتفٍ أكتب لكم كتاباً لا تضلُّوا بعده أبداً" فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبيّ تنازُعٍ، فقالوا: ما له؟ أهجر؟ استفهموه، فقال: ذروني، فالذي أنا فيه خيرٌ مما تدعوني إليه، فأمرهم بثلاث قال: اخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنتُ أُجيزهم، والثالثة إما أن سكت عنها، وإما أن قالها فنسيتها، قال سفيان: هذا من قول سليمان.
2  عن عُبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عبّاس، قال:
لمّا اشتدّ بالنبيّ وجعه قال: "ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده" قال عمر: إن النبيَّ غلبه الوجع، وعندنا كتاب اللَّه حسبُنا، فاختلفوا أو كثر اللغط، قال النبيُّ: قوموا عني، لا ينبغي عندي التنازع؛ فخرج ابن عبّاس يقول: إن الرَّزيئة كلَّ الرّزيئة ما حال بين رسول اللَّه وبين كتابه.
3  وعن الزهري عن عُبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عبّاس رضي اللَّه عنه قال:
لمّا حُضِرَ رسولُ اللَّه وفي البيت رجال فيهم عمرفبن الخطّاب، قال النبيُّ: "هلُمَّ أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده" فقال عمر: إن النبيَّ قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبُنا كتابُ اللَّه، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول قرّبوا يكتب لكم النبيُّ كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف عند النبيّ، قال رسول اللَّه: "قوموا"، قال عُبيدفاللَّه، وكان ابن عبّاس يقول: إن الرّزية كلَّ الرّزيّة ما حال بين رسول اللَّه وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.
4  وعن ابن عبّاس قال: يوم الخميس وما يوم الخميس، اشتد برسول اللَّه وجعه فقال: "ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً" فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه أهجر؟ استفهموه! فذهبوا يردُّون عليه، فقال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، وأوصاهم بثلاث قال: اخرجوا المشركين..
5  عن الزُّهري، عن عبيد اللَّه بن عبدفاللَّه عن ابن عبّاس قال:
لمّا حُضِرَ النبيّ وفي البيت رجالٌ فيهم عمرفبن الخطاب، قال: "هلُمَّ أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده" قال عمر: إنّ النبيَّ غلبه الوجع وعندكم القرآن، فحسبُنا كتابُ اللَّه، واختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم رسول اللَّه كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلمّا أكثروا اللغط والاختلاف عند النبيّ، قال: قوموا عني.
قال ابن عبّاس: إن الرّزية كُلَّ الرّزيّة ما حال بين رسول اللَّه وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.
وقد روى خبر الهجر مسلم في صحيحه بثلاثة طرق، باب: ترك الوصية.
وقد ذكر النووي في شرحه على صحيح مسلم كلاماً ليس للَّه فيه رضى، نعرضه على القارى‏ء الكريم ليكون على إلمامة بما يلبسُّه القوم من حقائق، من أجل رفعة الشيخين، حتى لو أدى هذا الرفع إلى توهين مقام رسول اللَّه الشاهد على الأمة، والذي كان من ربه كقاب قوسين أو أدنى، قال:
"حين اشتدّ وجعه  أي النبيُّ  قال: ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً، فقالوا: إن رسول اللَّه يهجر، وفي رواية قال عمرفبن الخطّاب: إنّ رسول اللَّه قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبُنا كتابُ اللَّه، فاختلف أهل البيت فاختصموا، ثم ذكر أن بعضهم أراد الكتاب وبعضهم وافق عمر وأنه لمّا أكثروا اللغو والاختلاف، قال النبيُّ: "قوموا". اعلم أن النبيَّ معصوم من الكذب ومن تغيير شي‏ء من الأحكام الشرعية في حال صحته وحال مرضه، ومعصوم من ترك بيان ما ببيانه وتبليغ ما أوجب اللَّه عليه تبليغه وليس معصوماً من الأمراض والأسقام العارضة للأجسام ونحوها مما لا نقص فيه لمنزلته ولا فساد لما تمهد من شريعته، وقد سحر (صلى اللَّه عليه) حتى صار يخيّل إليه أنه فعل الشي‏ء ولم يكن فعله ولم يصدر منه (صلى اللَّه عليه) وفي هذا الحال كلام من الأحكام مخالف لما سبق من الأحكام التي قررها، فإذا علمت ما ذكرناه، فقد اختلف العلماء في الكتاب الذي همّ النبيُّ به، فقيل: أراد أن ينص على الخلافة في إنسان معيَّن لئلا يقع نزاع وفتن، وقيل: أراد كتاباً يبيّن فيه مهمات الأحكام ملخصة ليرتفع النزاع فيها ويحصل الاتفاق على المنصوص عليه، وكان النبيُّ همَّ بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة أو أوحي إليه بذلك ثم ظهر أن المصلحة تركه أو أوحي إليه بذلك ونسخ ذلك الأمر الأول، وأما كلام عمر فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره، لأنه خشي أن يكتب (صلى اللَّه عليه) أموراً ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها، فقال عمر: حسبنا كتاب اللَّه لقوله تعالى [مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ] وقوله: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ] فعلم أن اللَّه تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة وأراد الترفيه على رسول اللَّه فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه.
ثم حكى عن البيهقي أنه قال: وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم أنه (صلى اللَّه عليه) أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر ثم ترك ذلك اعتماداً على ما علمه من تقدير اللَّه ذلك، كما همّ بالكتاب في أول مرضه حين قال: وا رأساه ثم ترك الكتاب، وقال: يأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر ثم نبّه أمته على استخلاف أبي بكر بتقديمه إياه في الصلاة.
ثم قال: وإن كان المراد بيان أحكام الدين ورفع الخلاف فيها فقد علم عمر حصول ذلك لقوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وعلم أنه لا تقع واقعة إلى يوم القيامة إلا وفي الكتاب أو السنة بيانها نصاً أو دلالة، وفي تكلف النبي في مرضه مع شدة وجعه كتابة ذلك مشقة، ورأى عمر الاقتصار على ما سبق بيانه إياه نصاً أو دلالة تخفيفاً عليه.."
وقال الخطابي:
"ولا يجوز أن يحمل قول عمر على أنه توهم الغلط على رسول اللَّه أو ظن به غير ذلك مما لا يليق به بحال، لكنّه لما رأى ما غلب على رسول اللَّه من الوجع وقرب الوفاة مع ما اعتراه من الكرب خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة له فيه فيجد المنافقون بذلك سبيلاً إلى الكلام في الدين، وقد كان أصحابه يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتيم كما راجعوه يوم الحديبية في الخلاف وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش. فأما إذا أمر بالشي‏ء أمر عزيمة فلا يراجعه فيه أحد منهم، قال: وأكثر العلماء على أنه يجوز عليه الخطأ فيما لم ينزل عليه، وقد أجمعوا كلّهم على أنه لا يقر عليه، قال: ومعلوم أنّه وإنْ كان اللَّه تعالى قد رفع درجته فوق الخلق كلهم فلم ينزّهه عن سمات الحدث والعوارض البشرية، وقد سهى في الصلاة فلا ينكر أنْ يظنّ به حدوث بعض هذه الأمور في مرضه فيتوقف في مثل هذا الحال حتى تتبيّن حقيقته، فلهذه المعاني وشبهها راجعه عمر"
 

يرد على النّووي ما يلي:
أولاً: نسب إلى النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنه قد سُحر حتى صار يخيّل إليه أنه فعل الشي‏ء ولم يكن فعله، معنى هذا أن السحر يؤثر في ذات الرسول محمّد الذي جعله اللَّه رحمةً للعالمين وحجةً على الخلائق أجمعين.
وفحوى كلامه أنَّ أمْرَ الرسول لهم بإتيان الدواة والكتف كان نتيجة خيال كالسحر حيث يخيل إلى المسحور بعض الأمور التي لا واقع لها.
وقد روى مفسرو العامة أن رجلاً يهودياً سحر النبيَّ فأتاه جبريل بالمعوذتين وقال له: إنّ رجلاً من اليهود سحرك، والسحر في بئر فلان فأرسل الإمام علياً (عليه السَّلام) فجاء به فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية فجعل يقرأ ويحل حتى قام النبيُّ كأنما نشط من عقال.
فحاصل المرويات عندهم: أن الرسول أصيب بسحر بعض اليهود، ومرض على أثر ذلك، ثم أخبره جبرائيل أن آلة السحر موجودة في بئر، فأرسل من يخرجها، ثم تلا سورة الفلق فتحسنت صحته.
ويدفعه:
1  أن السورة مكية، ومجابهته لليهود إنما كان في المدينة، فتسقط هذه المرويات عن الحجية والاعتبار، هذا بالإضافة إلى ضعف أسانيدها، وعدم موافقة مداليلها للكتاب الكريم.
2  لو كان السحر يفعل بجسم النبيِّ ما فعله لأمكن أن يؤثّر في روحه أيضاً، وتكون أفكاره بذلك لعبة بيد السحرة، وهذا يزلزل مبدأ الثقة بالنبيِّ، مع أن النبيَّ مصون من تأثير السحر، كيف؟ وقد ردّ القرآن الكريم على اولئك الذين اتهموه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بأنه مسحور، إذ يقول: [وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مسْحُوراً، انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً].
 

قد يقال:

إن المراد من قوله "مسحوراً" فاسد العقل بالسحر، وأما تأثره عن السحر بمرض يصيبه في بدنه ونحوه فلا دليل على مصونيته منه  حسبما ذهب إليه العلاّمة الطباطبائي‏

قلنا:

1 إن هذا مدفوع بإطلاق كلمة "مسحوراً" الشامل للسحرين: العقلي والجسمي، ولا قرينة معتبرة دالة على التقييد، والاعتماد على نصوص ضعيفة أكثرها من مصادر العامة مشكل شرعاً، هذا بالإضافة إلى كونها تمسُّ بقدسية مقام النبوة، ولا يُعتمد عليها في فهم الآيات.
2  لو كان بمقدور اليهود أن يفصلوا بسحرهم ما فعلوه بالنبيّ حسبما جاء في بعض هذه المرويات لأستطاعوا أن يصدوه عن أهدافه بسهولة عن طريق السحر، واللَّه سبحانه قد حفظ نبيه كي يؤدي مهام النبوة والرسالة
فما ادعاه العامة من تأثر النبيِّ بالسحر حتى صار يخيّل إليه أنه فعل الشي‏ء ولم يكن فعله، ليثبتوا صحة مقالة عمرفبن الخطاب، لا دليل عليها ولا برهان، بل هي افتراء وبهتان عليه صلوات اللَّه عليه وآله، لكون السحر لا يؤثّر في جسده المبارك حيث من فاضل طينته خلق اللَّه النبيين والأولياء والمرسلين والشيعة من الملائكة والمؤمنين، فمن كان هذا حاله كيف يؤثر فيه السحر، علاوةً على عقله وروحه الذي من أجله أثاب وعاقب. وهل يؤمن على الرسالة مَنْ أثَّر فيه السحر والشعوذة؟!
وعلى فرض أنّ السحر أثّر في جسده المبارك  وفرض المحال ليس محالاً  فهل يؤثّر على أقواله وأفعاله؟
إن قلنا إنه يؤثّر، لصار تابعاً غير متبوع وبطل حينئذٍ كونه قدوة وأسوة حسنة، وخلاف قوله تعالى [وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا] [أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ].
[وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً].
[فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً ممّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً].
ثانياً: إنّ ما ذكره النّووي وأمثاله "من الاعتلال بأنّ عمربن الخطاب لشدة فقاهته ودقة نظره رأى أن الأوفق بالأمة ترك البيان، ليكون المخطى‏ء مأجوراً، وأنه خشي من أن يكتب الرسول أموراً يعجزون عنها، فيستحقون العقوبة بعصيانهم لها" مردود جملة وتفصيلاً وذلك:
1 ـــــ إن دعواه تلك تستلزم أن يكون عمرفبن الخطاب أفقه وأعلم من رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لأن النبيّ أراد أن يكتب فمنعه عمر لمصلحة الإشفاق على الأمة، وهذا هو الفسق بعينه والخروج عن ربقة الإيمان، لأن هذا الكلام رداً على اللَّه عزّ وجلّ القائل:
[وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ].
[فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً].
[منْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ].
[وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً].
2 ــــــ إن دعوى النّووي تلك تجيز الناس منع الرسول عن تبليغ الأحكام، وكان الأحرى أن لا يبعث اللَّه الرسل إلى الخلق ويكلّفهم بالتكاليف الشاقة واحتمال العذاب في تبليغ الأحكام، ويترك الناس حتى يجتهدوا فيحصلوا على الأجر نتيجة اجتهادهم، وهذا خلاف ما قامت عليه الضرورة وشهد به الوجدان من أن الاجتهاد متعسر على عامة الأفراد، وعليه فإنْ تَعذَّر الاجتهادُ وتعسَّر على عامة الأفراد فلا أجر حينئذٍ لكونه  أي الأجر  يدور مدار الاجتهاد، وهذا عكس ما دلت عليه النصوص القرآنية والنبوية من أن الأجر على النية الحسنة والعمل الصالح.
هذا مضافاً إلى أن تحمُّل النبيّ للمشاق في هداية الأمة أعظم وأشد من تسطير الكتاب الذي لم يكن مبدأه، فكيف لم يشفق عمر على النبيِّ في شي‏ء من المواضع إلاّ فيما فهم أن المراد تأكيد النص على إمامة أمير المؤمنين‏ (عليه السَّلام)؟ كما لا ريب أن النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كان أشفق على نفسه وأعلم بحاله من عمرفبن الخطاب، قال تعالى:
[لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رحِيمٌ].
[وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ].
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ].
وأما الخوف من أنْ يكتب أمراً يعجز الناس عنه، فلو أُريد به الخوف من أن يكلّفهم فوق الطاعة، فقد ظهر له ولغيره بدلالة العقل قوله تعالى:
[لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا] وبغيره من الأدلة النقلية أن رسول اللَّه لا يكلّف أمته إلاّ دون طاقتهم.
ولو أُريد الخوف من تكليفهم بما فيه مشقة، فلِمَ لمْ يمنع عمر وغيره رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عن فرض الحج والجهاد والصيام؟!
يرى عمر بحسب هذا الفهم أن كثيراً من الناس يعصون اللَّه ورسوله في الأوامر الشاقة، وعليه فإنه أراد أن يخفّف عن الأمة فغيّر وبدّل في أحكام اللَّه وفرائضه، فحرّم المتعتين وحيَّ على خير العمل وغيرها من الأحكام تسهيلاً على الأفراد ورفعاً للمشقة عن أنفسهم، وكأنه أرأف بهذه الأمة من اللَّه ورسوله وأعرف بدينه منهما، وصدق عزّ وجلّ حيث قال: قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
وأما المشقة البالغة التي تعدُّ في العرف حرجاً وضيقاً وإنْ كان دون الطاقة، فقد نفاه اللَّه تعالى بقوله: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.
وعن مولانا الإمام أبي عبد اللَّه‏ (عليه السَّلام) قال: "إن اللَّه تبارك وتعالى أعطى محمداً شرائع نوح.. والفطرة الحنيفية السمحة" ولا بدّ لكل عاقل أن يسأل؛ كيف فهم عمرفبن الخطاب من قوله‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) "أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي" أنه أراد أن يكتب لهم ما يعجزون عن القيام به؟! وأي ملازمة بين هذا الاعتذار وبين قوله "أنه قد غلبه الوجع" أو أنه ليهجر؟!! وهل يجوّز عاقل أن ينطق بمثل هذا الكلام في مقام تصويب رأي من وصفه اللَّه سبحانه بالخُلُق العظيم، وبعثه رحمةً للعالمين؟!
وأما ما ذكره من أن عمر علم أنه تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة لقوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فيرد عليه أيضاً:
أنه لو كان المراد بكمال الدين ما فهمه عمر للزم استغناء الناس عن الرسول، وعدم احتياجهم إليه بعد نزول الآية في حكم من الأحكام، ومفاد الآية تماماً كوصيته (عليه وآله أفضل التحية والسلام) بالتمسك بالكتاب والعترة، حيث لا دلالة فيه على أنه لم يبق أمر مهم للأمة أصلاً حتى تكون الكتابة التي أرادها النبيُّ لغواً وعبثاً، ويصح منعه عنها، وقد كان المراد من الكتابة تأكيد الأمر بإتّباع الكتاب والعترة الطاهرة الحافظة له، والعالمة بما فيه على وجهه، خوفاً من ترك الأمة الاعتصام بهما، فيتورّطوا في أودية الهلاك، ويضلوا كما فعل كثير منهم وضلوا عن سواء السبيل.
ولو فرضنا أن مراد النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كان أمراً وراء ذلك، فليس هذا الاعتذار إلاّ التزاماً للمفسدة وقولاً بأن النبيَّ حاول أن يكتب عبثاً لا فائدة فيه أصلاً، وكان قوله "لا تضلوا بعده أبداً" هجراً من القول وهذياناً محضاً، ولو كانت الوصاية بالعترة كافيةً فلِمَ لم يتمسك عمر بعد النبيّ بها، ولا رآهم أهلاً للخلافة ولا للمشورة فيها، فترك الرسول والعترة (عليهم السَّلام) وسارع إلى سقيفة بني ساعدة لعقد الخلافة لأبي بكر؟!
ثالثاً: لقد ادّعى النّووي أن الرسول‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر ثم ترك ذلك اعتماداً على ما علمه من تقدير اللَّه ذلك.
لكنه مرفوض وذلك لأنه:
لو كان ما ذكره النووي صحيحاً فلِمَ قال عمر "حسبنا كتاب اللَّه" في حين أن عمر نفسه خطط لاستلام أبي بكر الخلافة، بل يمكننا القول إن عمر هو الرأس المدبّر لذلك، من هنا أفصح أمير المؤمنين عن هوية تحرُّك عمر لأخذ البيعة لأبي بكر من جموع الصحابة، فقال عمرفبن الخطاب للإمام علي‏ (عليه السَّلام): "إنك لست متروكاً حتى تبايع، فقال‏ (عليه السَّلام):
احلب حلباً لك شطره، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً، ثم قال: واللَّه يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه"
فمن يجرُّ الأمر لنفسه لا يرفض أمر النبيّ بكتابة الكتاب، ثم أنه نفسه النووي يروي أن الرسول‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) استخلف أبا بكر على الأمة عندما قدّمه في الصلاة، ومعناه أن المسلمين  بحسب هذا الادّعاء الموهوم  كانوا على علم تام بأن أبا بكر هو الخليفة، فعلام إذاً الخلاف عليه بعد وفاة النبي؟ ولماذا منعوا النبيَّ من تسطير الكتاب ليؤكد على خلافة أبي بكر؟!!
شبهات وردود

الشبهة الأولى:
المراد من الهجر هو الإنكار على من قال: [لا تكتبوا أي لا تتركوا أمر رسول اللَّه وتجعلوه كأمر من هجر في كلامه.. وكذا قول عمر : حسبنا كتاب اللَّه رد على من نازعه لا على أمر النبيّ صلّى اللَّه عليه]
أويحمل قولُ عمر بن الخطاب "اهجر" "أيهجر" على الدهشة والحيرة لعظم ما شاهد من حال الرسول وشدة وجعه، فأُجري الهجر مجرى شدة الوجع، لا أنه اعتقد جواز الهجر عليه بمعنى الهذيان أو الغلط. أورد هذه الشبهة العيّاض المالكي في كتابه الشفاء.

والجواب:
أولاً: ما تأوّله القاضي عيّاض ليس إلاّ تمحُّلاً واضحاً بحاجة إلى قرينة صارفة وهي مفقودة هنا، بل دلت القرائن الخارجية على أن عمر هو القائل لا غيره، منها تخلُّفهم عن جيش أسامة وقد لعنهم الرسول بسبب ذلك، ومنها ظلمهم للصدّيقة الطاهرة من أجل الاستيلاء على الخلافة، كل ذلك يشير إلى أن القائل هو عمر، ولو كان سواه لوجب على عمر أن يلبّي أمر رسول اللَّه بإحضار الدواة والكتف ليكتب النبيُّ ما أراده، فعدم إحضاره للدواة أو عدم استنكاره  على أقل تقدير  على من حال بين النبيّ وبين كتابة الكتاب يستلزم القول بتفرده بتلك المقالة القبيحة تشكيكاً برسول اللَّه وبما سيؤول إليه الكتاب، ولو لم يكن هو القائل  أي عمر  لكان أحضر الكتاب ليفضح من استنكر على رسول اللَّه أمره بإحضار الدواة.
ثانياً: سواء حملنا "الهجر" على الدهشة والحيرة من قائله أو على نحو الاستفهام فإن المعنى واحد وهو نسبة الهذيان، وقد اعترف بذلك ابن حجر مع شدة تعصُّبه في مقدمة شرحه لصحيح البخاري.
وما رواه البخاري في باب العلم صريح في أنّ عمر نسب إلى النبيّ أنه قد غلبه الوجع، ومعناه: لا يلزمنا إجابته في إحضار الكتاب لأنه يهذي". وعبارة "ما له أهجر استفهموه" هي نفس عبارة "قد غلبه الوجع" فمفاد العبارتين واحد، ومعلوم من سياق الأخبار: أن اللّغط والاختلاف لم يحصلا إلاّ من قول عمر، وإنّ تَرْك النبيّ الكتابة إمّا أن يكون من جهته لكون عمر آذى النبيَّ وأغاظه، وإمّا لأنهم منعوا من إحضار الدواة، وكلاهما يشكّلان علةً تامة في عدم الكتابة.
ودعوى الاعتذار بأنّه صدر منه هذا الكلام من الدهشة تُعْتَبرُ باطلةً، لأنه لو كان كذلك لكان يلزمه أن يتدارك ذلك بما يظهر للناس أنه لا يستخف بشأنه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، هذا مضافاً إلى أن عمر لو كان في هذه الدرجة من المحبة له‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بحيث يضطرب بسماع ما هو مظنّة وفاته‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى حدّ يختل نظام كلامه، لكان حاله أشد اضطراباً بعد تحقق الوفاة، ولو كان كذلك لم يبادر إلى السقيفة قبل تجهيزه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وغسله ودفنه، ولو سلم ذلك فهو لا ينفعه لأن مناط اللعن مخالفة أمر الرسول وممانعته فيما يوجب صلاح عامة المسلمين إلى يوم القيامة.
 

الشبهة الثانية:
أن عمر وأصحابه فهموا أنّ أمره‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بإحضار ما طلب كان راجعاً إلى اختيارهم أي فهموا منه الندب أو الإباحة ولم يستظهروا منه الوجوب.

 

يرد عليه:
إنه ظاهر الفساد، وذلك لأن الأمر ظاهر في الوجوب كما حرّر في علم الأصول، ويشهد له أنه قد اقترن به في المقام ما يمنع من أن يراد به الندب والإباحة، فإنّ النبيّ علّل الكتاب بأن لا يضلّوا بعده، والظاهر أن الأمر الذي يكون في تركه ضلال الأمة لا يكون مباحاً ولا مندوباً، وليس مناط الوجوب إلاّ قوة المصلحة في الفعل وشدة المفسدة في الترك، وقد علّل من منع الإحضار بأنه يهجر أو أنه قد غلبه الوجع، وظاهر هذا الكلام عدم ارتباطه بمفهوم الإباحة أو الندب، ويؤيده قول ابن عبّاس مع اعتراف الجمهور له بجودة الفهم وإصابة النظر: إن الرّزيّة كلّ الرزية ما حال بين رسول اللَّه وبين الكتابة.
وهل يسمّى فوت أمر مباح أو مندوب رزية كلَّ الرزيّة، ويبكي عليه حتى بلَّ دمعه الحصى، ولا ينكر من له أدنى إلفة بكلام العرب، أنهم يكتفون في فهم المعاني المجازية ونفي المعاني الحقيقية بقرائن أخفى من هذا، فكيف بالمعنى الحقيقي إذا اقترن بمثل تلك القرينة؟!
على أن اشتغال الرسول [في حال المرض وشدة الوجع ودنو الرحيل، وفراق الأمة التي بعثه اللَّه تعالى بشيراً ونذيراً لهم] بكتابة ما كان نسبة الخير والشر إليه على حد سواء حتى يكون ردّه وقبوله مفوّضاً إليهم وراجعاً إلى اختيارهم، مما لا يقول به إلاّ من بلغ الغاية في السفه.
وإن كان على وجه الندب فظاهر أن ردّ ما استحسنه الرسول وحكم به ولو على وجه الندب، وظنّ أن الصواب في خلافه وعدّه من الهذيان، تقبيح قبيح لرأي من لا ينطق عن الهوى، وتجهيل وتضليل لمن لا يضلّ ولا يغوى، وليس كلامه إلا وحياً يوحى، وهو في معنى الردّ على اللَّه سبحانه، وعلى حدّ الشرك باللَّه، ولعلّ المجوّزين للاجتهاد في مقابل النص ولو على وجه الاستحباب لا يقولون بجواز الردّ عليه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) على هذا الوجه المشتمل على إساءة الأدب وتسفيه الرأي.
 

الشهبة الثالثة:
لو سلّمنا أن أمره‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بإحضار ما طلب كان على وجه الإيجاب والإلزام للخوف  لو ترك الكتابة  من ترتب مفسدة عظيمة هي ضلال الأمة، فكيف تركها رسول اللَّه ولم يصر على الطلب؟ أليس هذا تقصيراً في هداية الأمة واللطف بها؟!

 

والجواب:
1  كيف يصرُّ على الطلب وقد تنازعوا عنده‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) حتى قال: "قوموا عني"، فلما رأى من حال الحاضرين أمارة العصيان؛ وشاهد منهم إثارة الفتنة وتهييج الشر، خاف من أن يكون في الوصية وتأكيد التنصيص على من عيّنه اللَّه للإمامة، وجعله أولى الناس من أنفسهم في غدير خم، أمارة على تعجيل الفتنة بين المسلمين، وتفريق كلمتهم، فيتسلط بذلك الكفّار وأهل الرّدة عليهم، وينهدم أساس الإسلام ودعائم الإيمان، وذلك لأن الراغبين في الإمامة والطامعين في الملك والخلافة قد علموا من مرضه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وإخباره تصريحاً وتلويحاً في عدة مواقف بأنه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قد دنا أجله، ولا يبرأ من مرضه، فوطّنوا أنفسهم لإلقاء الشبهة بين المسلمين بأنه لو كتب الكتاب وأكّد الوصيَّة بأنه على وجه الهجر والهذيان، فيصدّقهم الذين في قلوبهم مرض، ويكذّبهم المؤمنون بأن كلامه ليس إلا وحياً يوحى، فتقوم فيهم المحاربة والقتال وينتهي الحال إلى استئصال أهل الإيمان وظهور أهل الشرك والطغيان، فاكتفى‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بنصّه يوم الغدير وغيره.
وقد بلّغ الحكم وأدّى رسالة ربه كما أمره بقوله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ فلم يكن في ترك الكتابة تقصير في التبليغ والرسالة، وإنما منعت طائفة من الأمة لشقاوتهم ذلك الفضل، وسدّوا باب الرحمة، فضلّوا عن سواء الصراط وأضلُّوا كثيراً وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ.
2  إن القوم لم يتركوا للنبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) مجالاً كي يكتب تلك الوصية، ويشهد له ما رواه ابن عبّاس من أن الرزية كل الرزيّة ما حال بين رسول اللَّه وبين الكتابة.
فهناك من حالَ ومَنَع من كتابة الكتاب، والمانع هو عمربن الخطّاب وجماعته، حيث سيطروا على الموقف لعلمهم أن أمير المؤمنين لن يدافعهم لكونه موصى ولقلة أنصاره، ولا يصح دفعهم، والحال أن النبيَّ على فراش الموت مما يسبّب أذية له‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ومن آذاه فقد آذى اللَّه تعالى.
وقد يكون السكوت أهم من حيث كونه إختباراً للأمة وامتحاناً لها، إذ كان من اللازم على المسلمين أن يرغموا أنف من منع وصول الدواة والكتف إلى رسول اللَّه، ولمّا فشلوا في ذلك، ثم تأكد فشلهم عندما وقفوا على الأطلال يتفرّجون على بضعة الرسول كيف كان يضربها عمر وخالد وقنفذ، أبعد هذا يقال إن النبيّ لم يصر على الطلب وقد فشلوا في نصرته ودفع الضّيم عنه وأهل بيته  وكان يعلم بما سيؤول إليه أمرهم  لقد سقط المسلمون آنذاك في مخالب الشيطان، ألا في الفتنة سقطوا.
قد يقال: إن النبيَّ كفَّ عن الطلب لما رأى من صواب قول عمرفبن الخطاب.
قلنا: ليس في الكلام ما يدل على تصويب رأي عمر، فإن قوله‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في المستفيض: "قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع" صريح في الغيظ والتأذي بتلك المخالفة.
وهل يجوّز عاقل أن ينْطق بمثل هذا الكلام في مقام تصويب رأي من وصفه اللَّه بالخلق العظيم والشاهد على الأمة؟!!...

 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/03/01   ||   القرّاء : 10185




أحدث البيانات والإعلانات :



 لقد ألغى سماحة لمرجع الديني الكبير فقيه عصره آية الله الحجّة الشيخ محمّد جميل حمّود العاملي ( دام ظلّه الوارف ) كلّ الإجازات التي منحها للعلماء..

 الرد الإجمالي على الشيخ حسن المصري..

 بيان تحديد بداية شهر رمضان المبارك لعام 1443 هجري / 2022 ميلادي

 الرد الفوري على الشيخ البصري

 إحتفال الشيعة في رأس السنة الميلاديّة حرام شرعاً

 بيان تحديد بداية شهر رمضان المبارك لعام 1441 هجري / 2020 ميلادي

 بيان هام صادر عن المرجع الديني آية الله الشيخ محمّد جميل حمُّود العاملي

البحث في القسم :


  

جديد القسم :



 حكم الرعاف في شهر رمضان...

 البتريون كالنواصب نجسون دنسون..

 هل الملعون نجس؟

 تحية السلام على المصلي...

 حكم العدول من سورة الى سورة في الصلاة الواجبة..

 الإيراد على الوهابيين غير المعتقدين بالتوسل بالأنبياء والأولياء من آل محمد عليهم السلام - ألقيت في عام 2008 ميلادي

 ما مدى صحة الفقرة الواردة في زيارة مولاتنا الصدّيقة المطهرة زينب الكبرى صلوات الله وتسليماته عليها: (السَّلام عليك أيتها المتحيّرة في وقوفك في القتلى..) ؟.

ملفات عشوائية :



  هل من الضروري على التي تريد أن تتزوج زواج منقطع ان تكون طاهره من الحيض ؟

 ــ(22)ــ كيف يكون مولانا الحجة المهدي عليه السلام إمامًا وهو غائب؟ ــ(الحلقة الثالثة)ــ

 النبي آدم عليه السلام لم يحسد آل البيت عليهم السلام والنبيّ يونس لم يترك ولايتهم عليهم السلام

 الخبر الضعيف المجبور بالشهرة من وظيفة الفقيه

 أحكام في مسائل الحيض

 يمكن للمؤمن المخلص رؤية الملائكة في الدنيا قبل الآخرة

 الخلاف الفقهي في وجوب الصلاة على النبيّ وآله في غير الصلاة

جديد الصوتيات :



 الإيراد على الوهابيين غير المعتقدين بالتوسل بالأنبياء والأولياء من آل محمد عليهم السلام - ألقيت في عام 2008 ميلادي

 محطات في سيرة الإمام محمّد الجواد عليه السلام - 26تموز2007

 محاضرة حول الصدقة (حديث المنزلة..وكل الانبياء أوصوا الى من يخلفهم..)

 السيرة التحليليّة للإمام علي الهادي عليه السلام وبعض معاجزه

 لماذا لم يعاجل الإمام المهدي (عليه السلام) بعقاب الظالمين

 المحاضرة رقم ٢:( الرد على من شكك بقضية إقتحام عمر بن الخطاب لدار سيّدة الطهر والقداسة الصديقة الكبرى فاطمة صلى الله عليها)

 المحاضرة رقم 1:(حول ظلامات الصدّيقة الكبرى..التي منها إقتحام دارها..والإعتداء عليها ارواحنا لشسع نعليها الفداء والإيراد على محمد حسين..الذي شكك في ظلم أبي بكر وعمر لها...)

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 11

  • الأقسام الفرعية : 36

  • عدد المواضيع : 2193

  • التصفحات : 19165158

  • المتواجدون الآن : 1

  • التاريخ : 19/03/2024 - 02:29

||   Web Site : www.aletra.org   ||   
 

 Designed, Programmed & Hosted by : King 4 Host . Net