الإشكال حول خبر أحمد بن مهران عن إمامنا المعظم موسى الكاظم عليه السلام الوارد عنه قوله في إبنه القاسم(ولو كان الامر لي لجعلته في القاسم إبني لحبي إياه ورأفتي عليه...)/ حلّ الإشكال بثلاثة وجوه فريدة من نوعها
[بسم الله الرحمان الرحيم ]
سماحة آية الله ... فقيه أهل بيت العصمة والطهارة شيخ المحققين وأُسوة المجتهدين المرجع الديني... الشيخ محمد جميل حمود العاملي ( متع الله المسلمين بوجوده الشريف.)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد. ماهو رأيكم الشريف في ما ذكرته الرواية بأن الإمام الكاظم عليه السلام قال في حق ولده القاسم ( لوكان الأمر إليّ لجعلته، أي أمر الإمامة ، في القاسم ابني لحبي إياه ورأفتي عليه ولكن ذلك إلى الله عزوجل يجعله حيث يشاء ) فهل يجوز للإمام الكاظم أن يقول مثل هذا القول لو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم ابني وهو يعلم أن الله قد اختار حججه على خلقه من عالم الذر ( خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين ) فإمامة أهل البيت من عالم الذر بلحاظ الخبر الشريف الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام ( كنت وليّاً وأدم بين الماء والطين ) نرجو من حضرتكم أن تفيضوا علينا من ماء بحركم الغزير.. ودمتم مسددين مؤيدين بجاه محمد وآله الطاهرين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته تلميذكم محمد علوي السادة القطيفي.
تنبيه: إن السائل العلوي رحمه الله تعالى هو من الأعلام في الطائفة المحقة وقد انتقل إلى رضوان الله تعالى منذ سنين ولم ننشر جوابنا على سؤاله بسبب غفلة المشرف على النشر..لذا ارتأينا نشرها بعد رحيله أداءاً للأمانة من دون تبديل فيها ولا نقصان سوى بعض الكلمات المادحة لكلب آل محمد عليهم السلام ؛ فرحمه الله وحشره مع أجداده الأطهار عليهم السلام..
عبد الإمام المعظَّم الحُجّة القائم المهدي صلّى الله عليه وآله.
غريبه واقف على بابه يرجو فضلَ إحسانه محمَّد جميل حمّود العاملي/ بيروت/ بتاريخ ٢٧ شعبان ١٤٤٦ هجري قمري.
*****
الموضوع العقائدي: (حلّ الإشكال المتوجه على رواية منسوبة إلى إمامنا المعظَّم موسى الكاظم عليه السلام قال( لو كان الأمر إليَّ لجعلته - اي أمر الإمامة - في القاسم إبني لحبي إياه...).
المحتويات
١- ضعف الرواية سنداً ودلالةً.
٢- الوجه في ضعف سندها ودلالتها...
٣- ضعف دلالتها لا يلغي تأويلها بما يتناسب مع الأُسس العقدية الثابتة.
٤- حلّنا للإشكال المتوجه على الرواية بثلاثة وجوهٍ متينة.
*******
بسم الله الرّحمان الرّحيم
والحمد لله رب العالمين والصلوات التامات والتسليمات الزاكيات على المبعوثين رحمةً للعالمين، ولعنته الأبدية السرمدية على أعدائهم من الأولين والآخرين الى قيام يوم الدين..وبعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والجواب: إن الرواية التي سألتم عنها حفظكم الله تعالى هي ضعيفة سنداً ودلالةً.
أمّا ضعفها سنداً فمن ناحية ضعف رواتها، فبعضهم ضعيف ومختلف فيه، والبعض الآخر مجهول الحال ليس له ذكر في تراجم الرواة لا سيَّما أبو الحكم الأرمني وعبد الله بن محمد بن عمارة الجرمي، والسند متى ما كان ضعيفاً يضعف بصحة الصدور بشرط اضطراب الدلالة الكاشف عن مخالفة المتن للقواعد العقائدية في الكتاب الكريم والسنة النبوية والوَلويّة المطهرتين كما سوف نبيّن الوجه في ذلك لاحقاً.
ونحن قد أسهبنا في الكثير من التفاصيل الرجالية حول حجية الخبر الضعيف سنداً ضمن شروط متعددة ذكرناها في كتابينا الجليلين هما: الاول:الحقيقة الغراء في تفضيل الصدّيقة الكبرى الحوراء زينب على مريم العذراء عليهما السلام/ فصل حجية الخبر المرسل أو الضعيق؛ والثاني: كتاب إتحاف ذوي الإختصاص بالتحقيق في خبر مسلم الجصاص.
وبناءً عليه: فإن الرواية من حيث السند ضعيفة لا يمكن الإعتماد عليها الإ على نحو التأويل وصرف المتشابه الى المحكم النقلي والعقلي كما برهنا عليه في كتابينا المتقدّمين؛ والكتاب الثالث هو: إفحام الفحول في شبهة تزويج عمر بن الخطاب بمولاتنا أُمّ كلثوم عليها السلام وهو كتاب مرموق صنفناه دفاعاً عن عرض أمير المؤمنين عليّ عليه السلام منذ سبعة عشر عاماً وبه أطبقنا أفواه العمريين والبتريين الذين كانوا يتمسكون بهذا الزواج المفترى لأجل الوحدة بين المذاهب المبتدعة والتشيع العظيم.
وأمّا ضعف الرواية فمن ناحية المتن والدلالة، من جهة ما ذكرتموه في سؤالكم الكريم من أن قول الإمام الكاظم عليه السلام حول القاسم يناهض ما ورد في الأخبار الشريفة من حيثية كون الإمام عليه السلام عارفاً بأن إبنه الإمام الرضا عليه السلام أفضل بكثير من أخيه القاسم..فكيف يمكن للإمام الكاظم عليه السلام أن يقدِّمه على مَن اختاره الله تعالى..؟!!
وهو إشكال في محلّه، إذ كيف يولي الإمام الكاظم عليه السلام بمحبته لولده القاسم أكثر من الإمام الرضا عليه السلام بالرغم من أنه في وسط الرواية قد صرح بمناقب الإمام الرضا عليه السلام وأنه ينظر بنور الله تعالى ولا يصح عقلاً ونقلاً للإمام عليه السلام أن يقدّم المفضول على الفاضل حتى لو كان الأمر موكولاً إليه كما جاء في الرواية المتقدمة، وهو قبيح عقلاً ونقلاً...!
وبناءً على ما تقدّم: فلا يصح الإعتماد على الروايةالمتقدمة الذكر بسبب الإشكالين اللذين أشرنا إليهما أعلاه، وهذا لا يعني اليأس من الأخذ بالخبر بعد التأويل والتصرف بالفقرة المجملة والمضطربة، لذا يمكننا معالجة الخبر بثلاثة وجوه هي ما يلي:
( الوجه الأول): إن الحبَّ الخاص من سيّدنا الإمام الكاظم عليه السلام لإبنه القاسم إنما هو موضوعي متعلق بشفقته على ابنه القاسم أي أنه حب رأفة وشفقة فقط وليس حبّاً حكمياً متعلقاً بمقام الإمامة.
وبعبارة أخرى: إن الحبَّ الموضوعي الشخصي خارجٌ عن موضوع تعيين الإمام لمنصب الإمامة، وهو القدر المتيقن في حيثيات النص الشرعي..فيكون لدينا موضوعان لا ثالث لهما: أحدهما حبٌّ موضوعي محض، وثانيهما: حبّ موضوعي يترتب عليه حكم شرعي خاص متعلق بمقام الإمامة العالي، فالخلط بين الموضوعين وجعلهما موضوعاً واحداً خلاف الموضوعية المحضة والموضوعية الحكمية..يرجى التأمل.
( الوجه الثاني): إن ما أجاد به مولانا المعظَّم الإمام الكاظم عليه السلام من باب إفحام خصوم الشيعة الذين ينفون النصَّ على تعيين الإمام للإمامة الإلهية، ويستبدلونه بالإنتخاب والهوى والإثرة طبقاً للقاعدة الشاذة في جواز تقديم المفضول على الفاضل لمصلحة دنيوية يرتئيها أهل الحلّ والعقد..فأراد الإمام الكاظم عليه السلام أن ينسف لهم هذه القاعدة المبتدعة مثبتاً لهم بأن الحبَّ الشخصي الإرفاقي لا يقوم مقام الحب النوعي الحكمي القائم على تعيين الله تعالى للإمام عليه السلام في منصب الإمامة الذي هو من مختصات الباري تعالى وليس للناس فيه رأي أو إختيار...!!.
( الوجه الثالث): أراد الإمام الكاظم عليه السلام بقوله الشريف( لو كان الامر إليّ لحعلته في القاسم إبني لحبي إياه ورأفتي عليه ولكن ذلك الى الله عز وجل..) تنزيل نفسه عن مقام الإمامة بحيث لو لم يكن إماماً معصوماً لكان اختار إماماً تهواه نفسه، ولكنه إمام مطهر..لذا فهو لا ينتخب إبنه القاسم للإمامة، بل هو لا يختار إلا ما اختاره الله تعالى وهو إبنه الرضا عليه السلام..فهذا الوجه يشير الى مقام عصمة الإمام الكاظم عليه السلام الذي لا يختار إلا المعصوم، وليس الكاظم المتصوَّر الخالي من العصمة...فعندما ينتخب الإمام الكاظم عليه السلام إبنه القاسم للإمامة دون الإمام الرضا عليه السلام فإنما يفعل ذلك من دون النظر الى صفة العصمة في ذات الكاظم عليه السلام وذلك لأن غير المعصوم ليس منزَّهاً عن الإثرة والهوى، فيعطي ويمسك بحسب قصر نظره وعدم تدبره في حقائق الأمور، فتحكمه العواطف والمصالح من وقت لآخر...فمثل هذا لا يجوز أن يترك اللهُ تعالى له التعيين والاختيار.. تأمل فإنه دقيق.
وبالجملة: إن تأويلنا للفقرة الشريفة الواردة في خبر أصول الكافي عن أحمد بن مهران تخرج الخبر من ضعف دلالته وتدخله في الأخبار الصحيحة الدالة على تعيين الإمام عليه السلام في منصب الإمامة..وهو تأويل لم يسبقنا اليه أحدٌ من متقدمي فقهاء الإمامية ومتأخريهم..والحمد والشكر لله ربّ العالمين وصلّ اللهم على رسولك محمَّد وعلى أهل بيته الحجج الميامين؛ والسلام عليكم وفي أمان الله تعالى وحفظه.
العبد المترقب المستغيث محمّد جميل حمّود العاملي
بيروت بتاريخ ٢٣ جمادى الأولى عام ١٤٤٢ هجري قمري.