ما الفرق بين الطمأنينة والسكينة...؟
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. الله يحفظكم: ما هو الفرق بين السكينة والاطمئنان وهل تنزل السكينه مباشرةً على المؤمنين أم عن طريق الرسول والأئمة عليهم السلام..؟
وهل الإطمئنان تحصيل من المؤمن ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) ؟.
**********
الموضوع العقائدي: ( ما الفرق بين الطمأنينة والسكينة...؟)
تفاصيل: معنى الطمأنينة والسكينة لغةً واصطلاحاً / الفارق نسبيٌ بين الطمأنينة والسكينة / على من تنزل السكينة ؟/ من ذا الذي يُنزلُ السكينةَ على مستحقيها..؟/ خواص الشيعة فيهم صفات مميَّزة/ نماذج حيّة من خواص أصحاب الأئمة الأطهار عليهم السلام:الأوتاد الأربعة وهشام بن الحكم والكميت بن زيد وأبي بصير وأبي حمزة الثمالي وأبي هاشم الجعفري../ لا يخلو عصر من خواص الشيعة/ من هو روح القدس..؟/ روح القدس قسمان / آل محمّد يهبون السكينة بإذن الله تعالى للمستحقين من شيعتهم/الطمأنينة فعل إختياريٌّ / السكينة فعل ربانيٌّ قهريٌّ.
********
بسم الله جلَّت عظمته
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الجواب:
إنَّ الطمأنينة لغةً هي راحة النفس وقرارها وثباتها..والسكينة هي الوقار والهدوء والثبات عند المخاوف والصعاب بل في كلّ الأمور..فالطمأنينة تصدر في أغلب الأحيان بإختيار العبد المؤمن من خلال التصبر على العمل الصالح حتى يصل الى حالة التسليم والرضا ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب)..بينما السكينة حالة من الملكة الروحية يحصل عليها العبد المؤمن بعد قطع أشواط من التقى والورع متصفاً بالتولي والتبري والإنقطاع إلى الله تعالى والحجج الاطهار عليهم السلام لا سيما عند نزول البلاء بل وفي حالات خاصة عند المكاشفة واللقاء بالحجج الاطهار صلوات ربي عليهم..والملك الملقي للسكينة على قلب التقي العارف بالحجج الاطهار عليهم السلام هو روح القدس الذي يسدد به المخلصين من الشيعة الكاملين بالعلم والعمل وهو مع أهل البيت عليهم السلام يرسلونه إلى هؤلاء الخواص لكي يسددهم ويوفقهم ويثبت قلوبهم أكثر فأكثر بالمعارف اليقينية والحجج الصمدانية والإستقرار القلبي والنفسي،(هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) فالمنزل للسكينة على قلب المستكين هو الله تعالى عبر وسائط الفيض الإلهي وهو هنا النبي وآله الطيبون المطهرون عليهم السلام يأمرون الملاك روح القدس ليسدد المؤمن التقي المستكين( اي صاحب السكينة)..
ومما يؤكد ما قاله الله تعالى في الآية المتقدمة وأمثالها ما جاء ذلك في الأخبار عنهم عليهم السلام من أنهم يلقون السكينة على خواص شيعتهم..وهي أخبارٌ فاقت الإستفاضة لا نملك الآن الوقت الكافي لسردها لكم..ولكنْ من أحبَّ الإستزادة في معرفتها فليرجع إلى كتابنا الجليل( شبهة إلقاء المعصوم نفسه في التهلكة ودحضها) فقد فصَّلنا الكثير من الأخبار حول حقيقة روح القدس، والعبد العاملي هو أول من فصّل المجملات حول روح القدس في الكتاب المتقدّم الذكر ولله تعالى وللنبيّ والحجج المطهرين (صلوات ربي عليهم أجمعين) المنّة والفضل والشكر..
وخلاصة الكلام:إنَّ روح القدس على نحوين: أحدهما نور إلهي خاص بالنبي وأهل بيته الأطهار صلوات ربي عليهم أجمعين يبقى معهم؛ وثانيهما هو ملك بصورة طائر خادم عند النبي والحجج الاطهار صلّى الله عليهم أجمعين يسددون به خواص شيعتهم ومنه ما قاله النبيُّ الاعظم صلّى الله عليه وآله لحسان بن ثابت يوم الغدير عندما نظم قصيدته العصماء الغديرية:( لا زلت مؤيداً بروح القدس ما دمت معنا)، وهذا الكلام الموجَّه لحسان إشارة إلى أنه سوف ينحرف عن ولاية أمير المؤمنين عليّ صلَّى الله عليه وآله، فروح القدس يدور مدار الإعتقاد بولاية ذاك الإمام الهمام أمير المؤمنين عليّ صلَّى الله عليه وآله والبراءة من أعدائه ومبغضيه...!! وهناك نماذج رائعة على صحة تسديد الخواص من شيعة آل البيت عليهم السلام كهشام بن الحكم والكميت بن زيد وميثم التمار وحبيب بن مظاهر والأوتاد الأربعة عند أمير المؤمنين عليّ صلوات ربي عليه وآله وأبي حمزة الثمالي وأبي بصير وأبي هاشم الجعفري تلميذ الإمام الهادي عليه السلام الذي علّمه الإمام الهادي صلوات ربي عليه إثنين وسبعين لغة منها الهندية التي كان يتكلم بها إمامنا الهادي عليه السلام مع هندي..إلخ؛ قال مولانا الإمام المعظَّم جعفر الصادق(عليه السلام) منوّهاً بفضل هشام بن الحكم: ( يا هِشام، لا تزال مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ).
وقال أيضاً عنه:( رائد حقّنا، وسائق قولنا، المؤيّد لصدقنا، والدامغ لباطل أعدائنا، مَن تبعه وتبع أثره تبعنا، ومَن خالفه وألحد فيه فقد عادانا وألحد فينا ). وقال (عليه السلام) عنه (ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ).
وعن سليمان بن جعفر الجعفري قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام، عن هشام بن الحكم، قال: فقال لي: رحمه الله كان عبداً ناصحاً، وأوذي من قبل أصحابه حسداً منهم له ).
ما روي في البحار ج ٢٩ ص ٣٢ ح ١ باب ٦: أن يحيى بن خالد البرمكي سأل هشام بن الحكم بمحضر من الرشيد.فقال: أخبرني يا هشام، هل يكون الحق في جهتين مختلفين؟ قال هشام: الظاهر لا. قال: فأخبرني عن رجلين اختصما في حكم في الدين، وتنازعا واختلفا، هل يخلو من أن يكونا محقين، أو مبطلين، أو أن يكون أحدهما محقا والآخر مبطلا؟ فقال هشام: لا يخلو من ذلك. قال له يحيى بن خالد: فأخبرني عن علي والعباس لما اختصما إلى أبي بكر في الميراث، أيهما كان المحق ومن المبطل؟ إذ كنت لا تقول أنهما كانا محقين ولا مبطلين!. قال هشام: فنظرت فإذا انني إنْ قلتُ أن عليَّاً عليه السلام كان مبطلاً كفرت وخرجت من مذهبي، وإن قلت أن العباس كان مبطلاً ضرب الرشيد عنقي، ووردت عليَّ مسألة لم أكن سألت عنها قبل ذلك الوقت، ولا أعددت لها جواباً، فذكرت قول أبي عبد الله عليه السلام: يا هشام، لا تزال مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك، فعلمت أني لا أُخْذَل، وعنَّ لي الجواب في الحال .
تنبيه:[ وفي نسخة البحار: وعزَّ لي الجواب..] والصحيح هو :" عنَّ لي الجواب" ومعنى "عنَّ" أي ظهر لي، بينما كلمة "عزَّ" تحريف لأن كلمة "عزَّ" من معانيها هو القلّة والندرة أي قلَّ عندي الجواب وهذا لا يستقيم مع التسديد لهشام.
وأمَّا الكميت الشاعر النحرير فقد روي عن عبيد الله بن زرارة، عن أبيه قال: كنا عند الإمام أبي جعفر عليه السلام فجاء الكميت فاستأذن عليه فأذن له فأنشده: من لقلب متيم مستهام... فلما فرغ منها قال له الإمام أبو جعفر عليه السلام: (يا كميت، لا تزال مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك وقلت فينا).
وهل يخلو زمنٌ من خواص الشيعة..؟ كلا فإن متواجدون في كلّ عصرٍ وهم مجهولون عند الهمج الرعاع من الشيعة كما جاء في الأخبار عنهم صلَّى الله عليهم:" ، فهم أولياء آل محمّد عليهم السلام فهم الغرباء في أوطانهم وعشائرهم وعوائلهم..وهم المتأذون في سبيل آل محمّد كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال الله عز وجل: (من أهان لي وليَّاً فقد أرصد لمحاربتي وما تقرب إليَّ عبدٌ بشيء أحبّ إليَّ مما افترضت عليه وإنه ليتقرب إليَّ بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته..) والنوافل بعد إتمام الواجبات وترك المكروهات والمحرمات، فإذا تمَّ لهم ذلك صاروا كالمرآة تعكس عن آل محمد عليهم السلام فيفيضوا عليهم مما آتاهم الله تعالى من فضله..:وقد ورد في الحديث القدسي (أوليائي تحت قبائي لا يعرفهم غيري ). وأيضاً قال الإمام الصادق عليه السلام: إن لنا مع كلّ وليٍّ أُذناً سامعة، وعيناً ناظرة، ولساناً ناطقاً )؛ وقال الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: ( أيُّها الناس إعلموُا وتَيقّنوُا أن لنا مع كل ولي لنا أعيناً ناظرة لا تَشبهَ أعيُن الناس ، وفيها نورٌ من نور الله وحكمة من حكم الله تعالى ليسَ للشيطان فيها نصيب ، وكلّ بعيد منها قريب، وان لنا مع كلِّ ولي لنا أعيناً ناظرة وألسناً ناطقة وقلوباً وافية، وليسَ يخفى علينا شيء من أعمالكم وأقوالكم وأفعالكم، بدليل قوله تعالى: ( وقل اعمَلوُا فسيَرى الله عملكم ورسُوله والمؤمنون ) ولو لم يكن كذلك ما كان لنا على الناس فضل ).
وفي الصحيح، عن حماد بن بشير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : قال الله تبارك وتعالى: (من أهان لي وليَّاً فقد أرصد لمحاربتي )؛ وهذا المعنى بالنظر إلى أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام محقق وهو موضع وفاق، وفي غيرهم أيضاً للعموم في بعض الأخبار ولاختفاء الأولياء في المؤمنين كما ورد: (أوليائي تحت قبائي لا يعرفهم غيري ) حسب تعبير العلامة محمد تقي المجلسي رحمه الله في روضة المتقين ج 9 ص 285.
والتعبير بالقباء كأنه كناية عن كونهم تحت صفة ستاريته تعالى بحيث سترهم عن المخلوقين فكأنه تعالى ألبسهم من نوره المتجلي من نور النبيّ وآله الأطهار صلَّى الله عليهم أجمعين. .
والحاصل:إن الطمأنينة القلبية مترشحة من تلبس العبد المؤمن بإختياره وإرادته بالمعارف اليقينية( يتعلم لكي يعمل ويستيقن ويطمئن) ( إلَّا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان) نزلت في عمار عندما أكرهه المشركون على قول كلمة الكفر فقالها بلسانها ولكن قلبه كان مخالفاً للسانه كما جاء في تفسيرها.. والطمأنينة حالة جهاد مع الشياطين، بينما السكينة هي حالة إفاضة من الرّحمان الرّحيم على قلب من تلبَّس بالذكر وألقى السمع وهو شهيد على أن الله تعالى خالق الوجود ومالكه، والحجج عليهم السلام رعاة ملكه والمدبِّرون له بأمره ومشيئته..ومن أبرز مصاديق الذكر هو التوجه إلى الله تعالى بالأذكار والعبادات والتوسل بأحباء الله الاخيار من آل محمد عليهم السلام ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّ اللهم على نبيّك العظيم وآله أولياء النعم آياته الكبرى في العالمين...وعجِّل الله فرجَ وليّك المبارك الميمون وأرنا طلعته الرشيدة بحقّ مولاتنا الصدّيقة الكبرى فاطمة البتول صلَّى الله عليها ولعن الله الزنديقين الظالمينِ لها..
يا قائم آل محمد أغثنا سيّدي..
كلبهم باسط ذراعيه بالوصيد
عبدهم واقفٌ على بابهم يرجو فضل إحسانهم
محمّد جميل حمُّود العاملي/ بيروت/
بتاريخ 11 ربيع أول ١٤٤٦ هجري
الموافق ١٥ أيلول ٢٠٢٤ م.