استدلال بعض الجهلة من المعممين على إسلام الخوارج بخبر ابن عباس/ الخوارج كفار بإجماع النصوص واتفاق العلماء الأعلام / الخلاف بين الأعلام في إسلام المخالفين في الدنيا مع اتفاقهم على كفرهم في الآخرة
الإسم: *****
النص:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و آله الطيبين الطاهرين المعصومين
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
سماحة آية الله المحقق العلامة الشيخ محمد جميل حمود العاملي دام ظله الوارف
سماحة الشيخ الله يحفظكم لقد استدل بعض الجهلة* على عدم كفر المخالفين في الدنيا بعدم تكفير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (كما زعموا) للخوارج و عدم منعهم من دخول المسجد و عدم منعهم كذلك من الفئ!...
- أولا: ما صحة زعمهم؟ أي ما صحة هذا الخبر؟ هل هذه القصة مروية في رواياتنا أو فقط في روايات المخالفين؟
- ثانيا: و إن صح هذا الخبر فما الرد و الجواب على هذا الموضوع؟
و جزاكم الله خيرا و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* منهم بعض المعممين...
الموضوع الفقهي العقائدي: استدلال بعض الجهلة من المعممين على إسلام الخوارج بخبر ابن عباس/ الخوارج كفار بإجماع النصوص واتفاق العلماء الأعلام / الخلاف بين الأعلام في إسلام المخالفين في الدنيا مع اتفاقهم على كفرهم في الآخرة / الخبر الواحد الشاذ لا يجوز الفتوى به في مقابل الأخبار المتواترة / لو فرضنا صحة خبر ابن عباس فإنه يحمل على وجوه متعددة.
بسمه تعالى
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخوارج كفار باتفاق النصوص الشريفة وإجماع أعلام الطائفة، وقد أفتوا بنجاستهم وحرمة التزاوج معهم وحرمة أكل ذبائحهم والأطعمة والأشربة التي صنعوها ولمسوها بأيديهم، ولم يشذَّ عنهم أحدٌ على الإطلاق، وما استدل به ذاك المعمم الجاهل حيث خلط بين المخالفين والخوارج بدعوى تجويز دخولهم إلى المساجد وإعطائهم من الفيء، دونها خرط القتاد؛ ذلك لأن كفر الخوارج والنواصب من ضروريات التشيع، ومنكر ذلك كافر باعتبار أن المنكر لكفرهم جاحد للأخبار القطعية الصدور الواردة عن أئمة الهدى سلام الله عليهم، وحيث إن الجاحد للأخبار راد عليهم، والراد عليهم راد على الله ورسوله الكريم صلى الله عليهم، فيستلزم جحوده للأخبار المؤدية إلى إنكار ما نزل على رسول الله محمد صلى الله عليه وآله، وهو الكفر بعينه، ويقتضي الحكم عليهم بلوازم الكفر من حرمة دخولهم إلى المساجد وغير ذلك من أحكام فرعية مترتبة على الحكم عليهم بالكفر؛ فالحكم يدور مدار الموضوع؛ فإذا ارتفع الموضوع ارتفع الحكم بالتبع...ولا أحد من الأعلام يعتقد بإسلام الخوارج والنواصب على الإطلاق؛ بل الجميع متفقون على كفرهم ونجاستهم، كما أنهم اتفقوا على نصب قسمٍ من المخالفين وهم من تجاهر بعداوة أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام بسبهم ولعنهم وحربهم، وهو القدر المتيقن من الأدلة عندهم، يبقى الخلاف في قسم آخر من المخالفين وهم من لم يتجاهر بالحرب والقدح في أهل البيت عليهم السلام؛ فإنه مورد نقاش فيما بينهم، والرأي الراجح عند ثلة منهم هو النصب والعداوة وهو خيرتنا تبعاً لمن تقدمنا من أعلام الامامية قدست أسرارهم؛ وهو ما أوضحناه في كتابنا الجليل الموسوم بـ"معنى الناصبي" فليراجع.
وقد استدل ذاك الجاهل بخبر ابن عباس الذي لا يغني ولا يسمن من جوع وهو التالي: أن أمير المؤمنين عليَّاً عليه السلام بينما كان يخطب إذ سمع تحكيماً من ناحية المسجد يقول: " لا حكم إلا لله "؛ فقال [الإمام] عليٌّ عليه السلام:" لا حكم إلا لله كلمة حق أريد بها باطل ، لكم علينا ثلاث لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ، ولا نبدأكم بقتال؛ ولم يزد على هذا ".
والخبر المذكور بالرغم من إرساله وضعفه السندي وكونه خبراً واحداً شاذاً لم يعمل بمضمونه أعلام الطائفة، وهو المجمع عليه بينهم ولم يشذَّ أحد منهم في ذلك؛ بالإضافة إلى معارضته للأخبار الكثيرة الدالة على كفر الخوارج واللوازم المترتبة عليه كنجاستهم وحرمة دخولهم إلى المساجد إلا أنه لا يدل على مدعاه، بل الثابت منه هو العكس، وذلك لأن ذيل الخبر وهو قوله عليه السلام:" ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا "؛ دلالة واضحة على أن أمير المؤمنين عليه السلام اشترط عليهم في جواز دخولهم إلى المساجد وإعطائهم من الفيء وعدم محاربتهم ما دامت أيديهم بيديّ أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين سلام الله عليهم ـــ وهو كناية عن استمرار اعتقادهم بإمامته والالتزام بولايته ـــ وإلا فسيحاربهم ويحكم عليهم بالردة...وأين هذا مما افتراه ذاك المعمم الجاهل بدراية الأحاديث وفقه آل محمد سلام الله عليهم...؟!.
والخبر المذكور هو حجَّةٌ لنا وليس حجةً علينا كما تصور ذاك المعمم الجاهل بفنون الصناعة الفقهية، وقد أراد ذاك المعمم أن يظهر براعته بالاستدلال فوقع بالإفتاء بغير علم، فخلط بين الخوارج والمخالفين، فحكم على الخوارج بالإسلام وأخرجهم من الكفر الذي تصافقت عليه أعلام الامامية من دون مخالفٍ، فضل وأضل عباد الله تعالى...ولو أنه اطلع بجدٍّ على ما صنفناه في كتابنا" معنى الناصبي" واطلع على ما أفاده العلامة النحرير البحراني صاحب الحدائق الناضرة نور الله ضريحه الشريف، لما كان وقع في ضيق الخناق والهبوط في الاستدلال...ولكن العناد واللجاج منعاه من التسليم للحق والصواب، وحب الرياسة أعمت بصره وبصيرته عن الوصول إلى الرشاد...وهي مصيبة كبرى عمَّت الطائفة المحقة بفتاوى جهال العمائم التي لا نصيب لها من العلم والمعرفة ولم تتدرب على فنون الاستدلال على أياد أمينة وصدور سليمة.
ومنشأ الخلاف بين الأعلام في كفر المخالفين في الدنيا هو بفهمهم للأخبار وإحاطتهم بها، فهي بالرغم من كثرتها في تكفير تارك الولاية، ومعارضتها بالأخبار الأُخرى الظاهرة في الحكم عليهم بالإسلام وهي مؤولة على وجوه ذكرناها في كتابنا" معنى الناصبي"، ولكنهم لم يتفطنوا لتلكم الأخبار الظاهرة في كفرهم دنيا وآخرة، أوجب ــ هذا التعارض ـــ اضطراباً في النتائج الفقهية لدى هذا الفريق من العلماء، فحكموا عليهم بالإسلام الفريق في الدنيا وكفرهم في الآخرة...مع أن الكافر في الدنيا هو نفسه في الآخرة فلا إثنينية في البين ولا تعدد في الموضوع، فالكافر في الدنيا سوف يعامل في الآخرة معاملة الكافر، ودعوى وجود فرق بين المخالفين والخوارج من حيث الحكم على الخوارج بالكفر دون المخالفين لأجل عمل أئمتنا الطاهرين عليهم السلام بالتقية، فحكموا على الخوارج بالكفر دون المخالفين لا وجه له أصلاً وليس عليه دليل يؤيده؛ وعلى فرض صحة الحمل المذكور فإن التقية لا تؤسس حكماً شرعياً أولياً بل أحكام التقية هي أحكام ثانوية اضطرارية لا يعول عليها في تأسيي أحكام شرعية أولية كما هو معلوم عند الأعلام... !.
والحاصل: إن الأخبار على طائفتين، واحدة تكفِّر والأخرى تحكم عليهم بالإسلام، وقد حمل بعض العلماء طائفة التكفير على الكفر يوم القيامة مع الحكم عليهم بالإسلام في الحياة الدنيا، وحملوا الطائفة الثانية على من تجاهر بالعداوة لأهل البيت عليهم السلام، وقد فندنا كما فند العلامة البحراني قدس سره دعاويهم في الحكم عليهم بالإسلام، بحيث كانت النتائج باهرة بفضل الله والحجج الطاهرين سلام الله عليهم...
إضافة إلى ما ذكرنا: إن الخبر المذكور عن ابن عباس لم تروه مصادرنا الحديثية، ولكن المخالفين هم من رواه، على فرض التسليم بالخبر عن ابن عباس، فإنه دال على أن الإمام عليه السلام كفَّ عن قتالهم ـــ مع أن القرائن في الخبر تعاكس التسليم المذكور كما أشرنا سابقاً ــــ من باب التقية أو المداراة لتأليفهم واستمالتهم، ولكنهم رفضوا وأصروا على الكفر فقاتلهم، وهو ما أشار إليه بعض ما ورد عن ابن أبي الحديد بقوله:" قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : روى ابن ديزيل في كتاب صفين عن عبد الرحمان بن زياد عن خالد بن حميد عن عمر مولى غفرة قال : لما رجع علي عليه السلام من صفين إلى الكوفة أقام الخوارج حتى جموا ثم خرجوا إلى صحراء بالكوفة تسمى حروراء فتنادوا : لا حكم إلا لله ولو كره المشركون ألا إن معاوية وعليَّاً أشركا في حكم الله . فأرسل علي عليه السلام إليهم عبد الله بن العباس فنظر في أمرهم كلمهم ثم رجع إلى علي عليه السلام فقال له : ما رأيت ؟ فقال ابن عباس :والله ما أدري ما هم ؟ فقال عليه السلام أرأيتهم منافقين ؟ فقال : والله ما سيماهم سيماء منافقين إن بين أعينهم لأثر السجود [ وهم ] يتأولون القرآن . فقال عليه السلام : دعوهم ما لم يسفكوا دماً أو يغصبوا مالا وأرسل إليهم : ما هذا الذي أحدثتم وما تريدون ؟ قالوا : نريد أن نخرج نحن وأنت ومن كان معنا بصفين ثلاث ليال ونتوب إلى الله من أمر الحكمين ثم نسير إلى معاوية فنقاتله حتى يحكم الله بيننا وبينه فقال علي عليه السلام : فهلا قلتم هذا حين بعثنا الحكمين وأخذنا منهم العهد وأعطيناهموه ألا قلتم هذا حينئذ قالوا : كنا قد طالت الحرب علينا واشتد البأس..".
لقد أشار الخبر على أن المسألة كانت موضع مداراة لاستمالتهم إلى الصواب أو لإلقاء الحجة عليهم قبل شروعه بقتالهم، ولا يقاس حكم التقية أو المداراة وما شابه ذلك ــ وهي أحكام ثانوية ـــ بالأحكام الأولية الحاكمة على العناوين الثانوية، وهو أمر متسالم عليه بين الأعلام، ومن حكم بغير ما ذكرنا فهو مخطئ، والمشكلة اليوم هي أن هناك رجال دين وليسوا علماء في الدين والتشريع طبقاً للموازين؛ فخلطوا بين الحق والباطل، فالتبس الحق على العوام فضلوا سواء السبيل؛ والله هو المسدد للصواب والرشاد ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
حررها العبد الفقير محمد جميل حمُّود العاملي
بيروت بتاريخ 2 جمادى الأولى 1436هـ .